الجمعة، 27 نوفمبر 2015

هل الدين هو العامل الرئيسي في الحروب وانتشار القتل بين الأمم والشعوب؟!



هل الدين هو العامل الرئيسي في الحروب وانتشار القتل بين الأمم والشعوب؟!
وهل هو سببًا في الركود الاقتصادي والتخلف الحضاري ؟!
للإجابة على ذلك التساؤل السابق، نوضح الحال بين الأمم والشعوب عند خضوعهم لنفوذ الله عز وجل وسلطانه، واتباعهم وتمسّكهم بالحق وبين حالهم عند غياب الدين، وذلك في إيجاز شديد. 
قد يرى من هو بعيد عن الله عز وجل، غير مؤمن بوجود إله خالق، ليس له دين أو معتقد يتمسك به، أن الدين سببًا في الحروب بين الأمم والشعوب، وانتشار القتل بينهم، ومن ثمَّ الركود اقتصاديًا والتخلف حضاريًا.
ولكن تلك النظرة من ذلك المُلحِد، المنكر لوجود الله عز وجل نظرة خاطئة، نابعة من عدم العلم، والجهل بحقائق الأمور، وذلك:
إما لتغافله وتجاهله عن التَبَيَّن والتَثَبُّت من الحقائق، وعدم اتباعه للحق.
وإما لاتباعه أهواءه وشهواته مع علمه بحقائق الأمور، ومن ثمَّ جحوده للحق كليةً، لما فيه مُخالفة لكبره، ومُعارضة لأهوائه وشهواته.
فكان عليه أولًا:
 أن يؤمن بوجود الإله الخالق جل وعلا، وقد أشرنا إلى الكثير من الأدلة الدامغة على وجـود الله عز وجل، والتي لا يغفل عنها ذا فطرة سوية وذا عقل رشيد.
ثانيًا:
 أن يعلم بأن الدين عند الله عز وجل هو دين واحد فقط، وهو الإسلام، وإن اختلفت الشرائع السماوية، المتضمنة لأحكام فقهية مختلفة ومتغايرة، لما تقتضيه مصلحة الأمم والشعوب – حيث تغير المكان والزمان-، وفقًا لإرادة الله عز وجل وحكمته البالغة.
فالحق واحد لا يشاكله ولا يخالطه باطل، حيث إنه – الحق – يتوافق مع الفطرة السوية السليمة للإنسـان، ولا يختلف فيه لبيبان، ذوا عقل صريح وافر، رشيد راجح، وقد أشرنا إلى ذلك بإيجاز، منا سبق.
حال الأمم والشعوب
عند خضوعها لنفوذ الله عز وجل وسلطانه، واتباعهم وتمسكهم بالحق:
لما قد أشرنا إليه في السابق، فإن الأصل: أن يكون الناس جميعًا على دين واحد، وهو الإسلام حيث:
يؤمنون بوحدانية الإله الخالق وعظيم صفاته وطلاقة قدرته دون أن يُنسب إليه ما يعيبه في ذاته أو يُنقص من كمال صفاته.
يؤمنون بجميع الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله تبارك وتعالى لدَعْوة خَلْقِه وهدايتهم إلى صراطه المستقيم، بعد أن ضلّوا وزغوا عنه، وذلك إذا ما بُينت لنا الدلائل والشواهد التي تدل وتشهد بنبواتهم وصدق دعوتهم ورسالاتهم، فلا ينكروا رسـالة أحدهم، ولا يفرقوا بين أحد منهم اتباعًا للأهـواء، على أن يتبعوا آخر نبي أو رسول بُعث إليهم فيما جاء به من الشريعة الإلهية.
يؤمنون بجميع الكتب السماوية المُنزّلة من الله عز وجل على أنبيائه ورسله، والتحاكم إليها، دون إنكار أو جحود أيّاَ منها، إلى غير ذلك.
وينتج من ذلك كله: خضوع جميع الأمم والشعوب لسلطان الله جل وعلا، والتحاكم إليه وتطبيق شرعه والالتزام بنهج الأنبياء والمرسلين.
ولكن ما حدث: أن تفرق الناس واختلفوا تبعًا لأهوائهم وشهواتهم، وفساد فطرتهم وعقولهم، وزاغوا عن صراط الله المستقيم، ولقد بيًّن الله عز وجل ذلك في قوله تعالى:
﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون:52، 53].

و"أمتكم" تعني: مِلّتكم، أي أن دينكم دين واحد وهو الإسلام.
و"فتقطعوا أمرهم بينهم زبرًا" تعني: أي تفرقوا في أمر دينهم أحزابًا وفرقًا مختلفة ولما اشرنا:
فإن الأصل أن يكون الناس متوحدين على ما يُرضي إلههم وخالقهم جل وعلا، غير مُختلفين ولا متفرقين، وأن يكونوا متحابين ومتسالمين غير مُتشاحنين أو مُتقاتلين.
وأن يطبقوا شرع الله عز وجل الحكيم بتعاليمه السامية، وما جاء به من معاملات كريمة رشيدة ... إلى غير ذلك.
وبذلك تنهض جميع الأمـم والشعوب اقتصاديًا لتطبيقها ما جاء به شرع الله عز وجلّ.
ونبرهن على ذلك:
بما شهد التاريخ من حل قبائل العرب وغيرها من الشعوب قبل بعثة النبي محمد صل الله علية وسلم ومجيئه بالإسلام دينًا، وبعد بعثته صل الله علية وسلم بكامل التوحيد لله عز وجل، والخضوع لنفوذه وسلطانه جل وعلا:
فقد كانت القبائل العربية وغيرها قبل بعثة النبي محمد صل الله علية وسلم قبائل متفرقة، متقاتلة متناحرة، حيث تقوم بينهم الحروب والعداوات لأقل الأسباب وأتفهها.
ولكن بعد بعثة النبي محمد صل الله علية وسلم بالإسلام دينًا، والدخول في دين الله أفواجًا، أصبحت القبائل متوحدة، مُجتمعة على كلمة التوحيد التي جاء بها النبي محمد صل الله علية وسلم وهي: [لا إله إلا الله]، وأصبح أفراد القبائل وغيرهم إخوانًا متحابين، يفتدي الواحد منهم أخيه – في الإسلام – بنفسه وماله، وقد سجل التاريخ الكثير والكثير من المواقف المُشرقة لأصحاب رسول الله صل الله علية وسلم في ذلك الأمر، وصدق تعالى إذ يقول:
﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾[آل عمران: 103]. 
حال الأمم والشعوب
عند غياب الدين، وعدم الاتباع للحق، وترك التمسّك به: 
إن في حال غياب الدين عن الأمم والشعوب، وعدم التمسّك بالحق الذي يرتضيه الله عز وجل، نجد أنه:
تنتشر المظالم والمفاسد، اتباعًا للأهواء والشهوات، وينتشر القتل بغير حق من مُنطلق القول الفاسد بأن البقاء للأقوى.
تندثر وتُمحى الأخلاق الكريمة الحميدة، الضرورية لوجود المجتمعات البشرية، والتي لا يكون بدونها مُجتمع؛ كالصدق، والأمانة والعدل .... إلى غير ذلك، كما أشرنا سابقًا.
ينتشـر الانحطاط الخلقي من زنا وفواحش منكرة، للتوهّم بعـدم وجود الإله الخالق الذي سوف يحاسبهم على سوء معتقدهم وقبح أفعالهم.
ومن جَرّاء ما أشرنا إليه: لا يتحقق الأمن والسلام بين الأمم والشعوب، ومن ثم لا تنهض في أي من مجالات الاقتصاد، فيكون الركود الاقتصادي والتخلف الحضاري للمجتمعات في شتى جوانب الحياة.
ومثال ما أشرنا إليه:
أنه قد قامت الكثير والكثير من الحروب بين كثير من الدول بسبب الاختلافات اللونية والانتماءات العنصرية.
-     فنجد أن حكومات الدول الشيوعية – المُنكرة لوجود الإله الخالق مثل الاتحاد السوفيتي والصين وغيرهما
– كانت أكثر الحكومات جورًا وقهرًا وعدوانًا على حريات الناس وكرامتهم، بل لقد أذاق رؤساء مثل تلك الحكومات شعوبهم أشد ألوان العذاب وقتلوا منهم الملايين الكثيرة، إضافة إلى حروبهم ضد الشعوب الأخرى والتي ذهب ضحيتها الملايين والملايين، والتاريخ شاهد على ذلك.
- ونجد أيضًا في الحربين العالميتين الأولى والثانية قتل الآلاف والآلاف من البشر نتيجة الصراع بين الدول وبعضها البعض، إلى غير ذلك من الحروب الكثيرة، والتي نتج عنها الكوارث الشديدة والتدمير الاقتصادي والتخلف الحضاري.
وبذلك يتضح لنا جواب التساؤل السابق، وهو:
أن الدين ليس هو العامل الرئيسي في الحرب وانتشار القتل بين الأمم والشعوب، وهو ليس سببًا في الركود الاقتصادي أو التخلف الحضاري، بل إنه سببًا في الازدهار والنمو الاقتصادي والتقدم الحضاري.
ونوضح:
 أنه في حال كون الدين سبب في حروب ما بين طرفين أحدهما المسلمين، فإن ذلك يكون بمثابة الصراع في دار البلاء والاختبار بين الحق الذي يتمسك به المسلمون، وبين الباطل الذي ينقاد خلفه المبطلون من أصحاب الأهواء والشهوات والمعتقدات الفاسدة – كاليهود والنصاري وغيرهما كما أشرنا سابقًا-.
ويكفي:
 أن نعلم أن حروب المسلمين ضد أعداءهم ليسـت إلا لإعلان كلمة الحق ونشر التوحيد الكامل لله عز وجل (لا إله إلا الله)، لا لنشر الفساد والقتل، ويُدَلِّل على ذلك:
أن رسول الله صل الله علية وسلم قد نهى عن قتل النساء والأطفال ومن تقدم العمر به والرهبان – الغير محاربين - ، وأنه صل الله علية وسلم قد نهى عن الغدر وعن الإحراق بالنار وعن التمثيل بالقتلى وعن تشويه خلقتهم وعن تقطيع أعضائهم .... إلى غير ذلك من آداب المسلمين في حروبهم، في ضوء ما أرشدهم إليه رسول الله صل الله علية وسلم.
وذلك إضافة إلى جانب العفو والصفح في حال المقدرة، والتمكّن من إعلاء كلمة الحق، ونشر راية التوحيد، ومثال ذلك: غزوة رسول الله صل الله علية وسلم لفتح مكة؛ حيث إن رسول الله صل الله علية وسلم قد جَهّز جيشه في عشرة آلاف مقاتل من صحابته الكرام لفتح مكة المكرمة، أحب البلاد إلى الله تعالى والتي بها بيته الحرام – الكعبة المشرفة – كما أشرنا سابقًا، ثم دخل صل الله علية وسلم بجيشه فاتحًا منتصرًا، وقام بتطهير الكعبة من الأصنام التي حولها وعليها، وكان عددها: 360 صنمًا.
ثم دخل صل الله علية وسلم الكعبة وصلى لله سبحانه وتعالى، ثم كبّره ووحده، وقال:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ...، ثم قال صل الله علية وسلم:
يا معشر قريش، ما ترون أن فاعل بكم؟
قالوا خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم
فقال صل الله علية وسلم: فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته "لا تثريب عليكم اليوم" اذهبوا فأنتم الطلقاء.
ثم أمر صل الله علية وسلم بلالًا أن يصعد فيؤذن على الكعبة بعد أن جاءت وقت الصلاة، ثم بعد ذلك صلى رسول الله صل الله علية وسلم صلاة الفتح أو صلاة الشكر.
فكان ذلك نموذجًا من عفو وصفح رسول الله صل الله علية وسلم وجيشـه من المسلمين عن أهل مكة، وهم أهل شـرك وأوثان، مع أنهم – أهـل مكة – كانـوا قـد آذوا رسول الله صل الله علية وسلم كثيرًا، وحاربوه سنينًا، وهمّوا بقتله صل الله علية وسلم قبل هجرته، وقد أذقوا المسلمين من قبل – قبل الهجرة – سوء العذاب ليردّوهم عن دينهم.
وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
وفي الوقت ذاته: نجد أن أهل الباطل – من يهود أو نصارى أو شيوعيين ملحدين أو غيرهم – يُحاربون نشرًا للقتل والإفساد في الأرض، فلا يتمسكون بأداب أو ضوابط في حروبهم، حيث يقتلون الشيخ الفاني والنساء والحوامل، ويبقرون بطونهن في صورة بشعة، ويقتلون الأطفـال والرُّضَّع، ويمثـلون بالقتلى، إلى غير ذلك من ألوان الفساد والقتل.
ومثال ذلك: حروبهم أثناء احتلالهم لبعض من البلدان والدول من أجل نهب وسرقة ثرواتها النفيسة من بترول ومعادن إلى غير ذلك، ومن أجل الاستفادة من مواقعها الجغرافية المتميزة.
ونخلص مما سبق:
 أن الإسلام هو الدين الحق الذي يدعوا إلى التمسّك بالقيم العليا، والأخلاق المثلى في السِلم والحرب، ومن ثم النهوض بالمجتمعات في شتى جوانب الحياة اقتصاديًا وحضاريًا – إلى غير ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق