السبت، 28 نوفمبر 2015

الملحد وسؤاله الخاطئ من خلق الله؟



الملحد وسؤاله الخاطئ من خلق الله؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى أصحابه الغر الميامين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة؛ إذ يفتِكُ بالإيمان، ويُعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن، وتجد المريض به يجادل في البديهيات، ويجمع بين النقيضين، ويفرِّق بين المتماثلين، ويجعل من الظن علمًا، ومن العلم جهلًا، ومن الحق باطلًا، ومن الباطل حقًّا.

ومن عوامل انتشار هذا المرض: الجهلُ بالدين، وضَعفُ العقيدة واليقين، والاسترسال في الوساوس الكفرية، والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل.

وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل، وادعاءات بلا مستند، ورغم ضعفها وبطلانها فإنها قد تؤثِّر في بعض المسلمين؛ لقلة العلم، وازدياد الجهل بالدين؛ ولذلك كان لا بد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوى أهل الإلحاد، شبهة تلو الأخرى، ومغالطة تلو المغالطة، ودعوى تلو الدعوى؛ حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشُبَهِهم.

وفي هذا المقال سنتناول - بإذن الله - بيان خطأ سؤالهم: مَن خلق الله؟ فهو سؤال غير منطقي، وغير صحيح، إلا أن الملاحدة يكررونه دومًا.

بيان شبهة الملاحدة
يقول الملاحدة: أنتم أيها المؤمنون بوجود الإله تسألون عن علة وجود المادة الأولى للكون، وتجيبون بأن علة وجود المادة الأولى للكون هي الله، ونحن نسألكم: وما علة وجود الله؟ وستجيبون بأن الله غير معلول الوجود، فلماذا توقفون مبدأ السببية وتعطلونه عندما يتعلق الأمر بالله؟ وهنا نجيبكم، ولماذا لا نفترض أن المادة الأولى غير معلولة الوجود؟! وبذلك يُحسم النقاش.

ويقول بعضهم: إذا قلنا: إن للكون خالقًا، فهذا سيؤدي بنا إلى القول: إن هذا الخالق له خالق آخر، وهذا يمهِّد الطريق لآخرين ليضيفوا خالقين آخرين، وهذا تسلسل ممنوع؛ فالتوقف عند الكون يعني التوقُّف عند المحسوس والملموس المدعوم بدليل، ويغلق الباب أمام مَن يحاول إضافة أسباب أخرى، بينما الإيمان بخالق هو في حدِّ ذاته ما يفتح الباب للقول بالتسلسل.

عدم منطقية سؤال: من خلق الله؟
سؤال: "من خلق الله؟" من الأسئلة غير المنطقية؛
 فالخالق لا يُخلَق، والله ليس مخلوقًا لنسأل: من خلقه؟ والله قديم ليس حادثًا، أولٌ ليس قبله شيء، فلا ينطبق عليه قانون الحوادث في السؤال عن خالقه، والسؤال عمن أحدثه، والمخلوقية من صفات الحوادث، وهي الأشياء التي وُجدت بعد أن لم تكن موجودة؛ فكيف نصِفُ الخالق بصفات الحوادث وننسب له ما لا يليق؟!

قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3]؛
 أي: الله هو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الآخِرُ الذي ليس بعده شيء، وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، وهو الباطن الذي ليس دونه شيء، ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وهو بكل شيء عليمٌ.

والله - سبحانه وتعالى
- أزَليٌّ، ليس لوجوده بداية؛ فوجوده ذاتيٌّ لا ينفك عنه؛ أي: يبقى إلى الأبد، وإذا كان الله ليس لوجوده بداية، فكيف نسأل عن سبب وجوده؟! وكيف نسأل عن علة لوجوده؟!

والأصل في الخالق الوجودُ؛ إذ لو كان الأصل فيه العدم لَمَا أوجد الكون؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وإذا كان وجود الله هو الأصل، فهذا يستلزم أنه لا يحتاج إلى موجِدٍ يوجده، ولا علة لوجوده؛ إذ لا يُبحَث عن علةِ وجودِ ما الأصلُ فيه الوجود!

وقول القائل: إن خالق الكون بحاجة إلى خالق، رغم أنه خالق، قريب من قول القائل: إن المِلح يحتاج إلى ملح كي يكون مالحًا رغم أنه مالح، وإن السكر يحتاج إلى سكر حتى يكون حلوًا رغم أنه سكر، وإن الأحمر يحتاج إلى اللون الأحمر كي يكون أحمرَ رغم أنه أحمر.

وقول القائل: "من خلق الله؟"
يساوي قوله: ما الذي سبق الشيء الذي لا شيء قبله؟
ويساوي قوله: ما بداية الشيء الذي لا بداية له؟
 ويساوي قوله: ما بداية وجود الشيء الذي لا بداية لوجوده؟
 وهذا قولٌ في غاية السخف والسقوط.

الرد على زعم بعضهم أن استغناء الله‏ عن علة توجِده يستلزم أن الله‏ توقَّف في وجوده على نفسِه
يقول بعض الملاحدة: قولكم أيها المؤمنون بأن الله لا علة لوجوده، يستلزم أن الله‏ توقف في وجوده على نفسه؛ أي: إن الله‏ هو الذي أوجد نفسه بنفسه، وهذا يستلزم أن الله علة لنفسه،
 والجواب:
كلامكم أيها الملاحدة يصح لو كان الله ممكن الوجود؛ إذ ممكن الوجود هو ما كان حادثًا بعد عدم؛ أي: وجوده له بداية، فيتصور العقل وجوده وعدم وجوده، فيمكن أن يوجد، ويمكن ألا يوجد، وهذا الحادث بعد عدم لا بد له من موجد يوجده، ومحدثٍ يُحدِثه؛ أي: يحتاج في وجوده إلي موجِد.

ولكن الله - عندنا - واجب الوجود؛
أي: وجوده ذاتي لا ينفك عنه، فلم يكُنْ في زمن من الأزمان بمفتقرٍ إلى الوجود، ولم يكن في زمن من الأزمان معدومًا حتى يحتاج إلى من يخرجه من العدم إلى حَيِّز الوجود، سبحانه خالق الزمان والمكان، وعليه فإن الله‏ لا يصدُقُ عليه أنه مخلوق ومعلول حتى نسأل عن خالقه وعلته، أو أن نقول بأنه خلَق نفسه بنفسه.

الرد على سؤالهم:
 لماذا توقفون مبدأ السببية وتعطلونه عندما يتعلق الأمر بالله؟
يقول الملاحدة:
عندما نسألكم - أيها المؤمنون - عن علة وجود الله، تجيبون بأن الله غير معلول الوجود، فلماذا توقفون مبدأ السببية وتعطلونه عندما يتعلق الأمر بالله؟

والجواب على سؤالهم من وجوه:
الوجه الأول:
أن الأصل في الخالق الوجود؛ إذ لو كان الأصل فيه العدم لما أوجد الكون؛ لأن فاقد الشيء الذي لا يملِكه ولا يملِك سببًا لإعطائه - لا يعطيه، وإذا كان الأصل في الخالق الوجود، فلا يصح أن نسأل عن سبب وجوده.

الوجه الثاني:
 أن الله أزليٌّ؛ فوجوده ذاتي لا ينفك عنه، فلا يصح أن نسأل عن سبب وجوده، ووجوده ليس له بداية.

الوجه الثالث:
أن الله له الكمال المطلق؛ إذ هوواهبُ الكمال لمخلوقاته؛ فهو أحق بالاتصاف به من الموهوب، وكل كمالٍ ثبت للمخلوق المحدَثِ المربوب الممكن، فإنه يكون ثابتًا للخالق من باب أَوْلى، وإذا كان الكمال المطلق لله، والاحتياج يناقض الكمال المطلق، فالكامل المطلَق لا يحتاج إلى غيره، وعليه فالخالق لا يحتاج إلى غيره، وإذا لم يحتَجْ إلى غيره فهو غير معلول، وإذا كان غير معلول فلا يصح أن نسأل عن علته.

الوجه الرابع:
أن السؤال عن سبب وجود شيء يصح فيما كان الأصل فيه الحدوث، وأنه لم يكن موجودًا ثم أصبح موجودًا بعد عدم، والله قديم وليس حادثًا.

الوجه الخامس:
 لو قلنا بأن كلَّ خالق له مَن خلَقه؛ أي: خالق الكون له مَن خلقه، ومَن خلَق خالقَ الكون له مَن خلَقه، ومَن خلَق خالقَ خالقِ الكون له مَن خلَقه، وهكذا إلى ما لا نهاية - فهذا يستلزم أنْ لا خالقَ للكون، وهذا باطل لوجود الكون؛ فوجود الكون يستلزم عدم تسلسل الفاعلين إلى ما لا نهاية؛ إذ لا بد أن تصل سلسلة الفاعلين إلى علة غير معلولة، ولا بد مِن سبب تنتهي إليه الأسباب، وليس هناك أسباب لا تنتهي إلى شيء، وإلا لم يكن هناك شيء؛ أي: إن التسلسل في الفاعلين ممنوع، بل لا بد أن نصل إلى نهاية، وهذه النهاية في الفاعلين أو المؤثرين هي إلى الله - سبحانه وتعالى - وهذا أحد ما يدلُّ عليه قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾ [النجم: 42].

وللتقريب نأخذ مثال الجندي والرصاصة،
 الجندي يريد أن يطلق النار، ولكن حتى يطلق النار، يجب على الجندي أن يستأذن من الجندي الذي خلفه، وهذا الجندي حتى يعطي الإذن يجب أن يستأذن من الجندي الذي خلفه، وهكذا إلى ما لا نهاية، السؤال: هل سيطلق الجندي النار؟ الجواب: لا؛ لأنه لن يصل إلى الجندي الذي سيعطيه الإذن بإطلاق النار، أما إذا انتهت السلسلة إلى شخص لا يوجد فوقه أحد ليعطيه الإذن بإطلاق النار، فستنطلق الرصاصة، وبدون هذا الشخص، ومهما كثُر عدد الأشخاص، لن تنطلق الرصاصة؛ فهم كالأصفار إذا وضعتها بجانب بعضها البعض، فمهما كثرت وبلغت حدًّا لا نهاية له، فستظل لا تساوي شيئًا، إلا أن يوضع قبلها رقم: 1 فأكثر.

الرد على سؤال الملاحدة:
لماذا لا نفترض أن المادة الأولى غير معلولة الوجود؟
يقول الملاحدة:
إذا كان الله عندكم لا علة لوجوده، فلماذا لا تفترضون أن المادة الأولى غير معلولة الوجود؟
والجواب:
فرق شاسع بين صفات الخالق التي تحمل دليل قِدَمِه وأزليته، وبين صفات المادة التي تحمل دليل حدوثها وافتقارها لمحدِثٍ،
 وقول الملاحدة:
إن المادة الأولى غير معلولة الوجود، قول بلا دليل،
 والجواب عليه من وجوه:
الوجه الأول:
 أن العلم لا يدري ماذا كان قبل الانفجار العظيم الذي نشأ منه الكون، ولا يدري من أين جاءت المادة التي نشأ منها الكون، وتطوَّر منها كل شيء!
الوجه الثاني:
 ليس هناك ما يدعو إلى أن المادة والطاقة كانتا موجودتين قبل الانفجار العظيم.

الوجه الثالث:
 الفضاء والزمان وجدوا مع الانفجار العظيم، والمادة هي كل ما له كتلة وحجم، ويشغل حيزًا في الفراغ؛ أي: المادة تحتاج لمكان أو حيز ليحويها، وبالتالي لا مادة دون وجود المكان الذي سيحويها.

الوجه الرابع:
كون الكون تطور من المادة الأولى إلى الحالة التي هو عليها، هذا يدل أن المادة الأولى قد طرأ عليها التغير والتبدل، وما يجري عليه التغير والتبدل لا يكون أزليًّا؛ لأن كل ما يتغير ويتبدل لا بد له من مغيِّر ومبدل؛ أي: لا بد له من سبب يغيِّرُه ويبدِّله، وهذا السبب لا بد أن يكون سابقًا له، مما ينافي الأزلية، وما دامت المادة الأولى احتاجت إلى سبب يغيِّرُها من حال إلى حال، وسبب يبدِّلها من حال إلى حال - فالمادة محتاجة إلى غيرها، غير مستغنية بنفسها، مما يدل على أن المادة حادثة، ولو كان الأصلُ فيها الوجود الأزلي لم تكن عُرضةً للتحول والتغير والتبدل.

هل القول بخالق للكون يفتح الباب للتسلسل الممنوع؟
يزعم الملاحدة أن القول بخالق للكون سيؤدي بنا إلى القول:
إن هذا الخالق له خالق آخر، وهذا يمهِّد الطريق لآخرين ليضيفوا خالقين آخرين، مما يفتح الباب للتسلسل الممنوع، وهذا الكلام فيه خلط للحقائق، وتسوية بين صفات الخالق القديم الأزلي، وصفات المخلوق الحادث؛ فالخالق لا يُخلَق، والقديم لا يُحدَث، وكون الله الخالق قد خلق الكون، هذا يقطع بعدم التسلسل في الفاعلين؛ لأن مِن صفات الخالق أنه الأول فليس قبله شيء، وبذلك لا يوجد تسلسل في الفاعلين.

هذا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

مراجع المقال:
1- الشرك في القديم والحديث أبو بكر محمد زكريا.
2- الفيزياء ووجود الخالق د. جعفر شيخ إدريس.
3- صراع مع الملاحدة حتى العظم الشيخ عبدالرحمن الميداني.
4- كواشف زيوف الشيخ عبدالرحمن الميداني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق