الاثنين، 30 نوفمبر 2015

بولس.. يهوديًّا ومسيحيًّا

بولس.. يهوديًّا ومسيحيًّا


بولس يهوديًّا:
اشتهر بولس بتعصبه ليهوديته ومشاركته في اضطهاد المسيحيين، وقتلهم، والسطو على الكنيسة، ويذكر سفر أعمال الرسل أن الذين قتلوا استفانوس - أول شهيد في المسيحية - قد خلعوا ثيابهم عند رِجْلي شاب يقال له: شاول (بولس)، وكان شاول راضيًا بقتله - 7: 58، 8: 1".

وأما شاول فكان يسطو على الكنيسة، وهو يدخل البيوت ويجر رجالاً ونساءً ويسلمهم إلى السجن - أعمال الرسل 8: 3".

بولس مسيحيًّا:
بعد رحيل المسيح بنحو ست سنين أعلن بولس فجأة أنه قد أصبح رسولاً للمسيح إثر حادثة قال: إنها وقعت له على طريق الذهاب إلى دمشق، ولما كانت هذه الحادثة تعتبر الأساس الوحيد الذي بنى عليه بولس إعلانه قبول المسيحية، ثم اختياره رسولاً من المسيح للتبشير بها، كان من اللازم تمحيصها حتى نتبين حقيقة الأمر.

لقد ذكر سفر أعمال الرسل قصة تحول بولس إلى المسيحية في ثلاثة إصحاحات، هي: التاسع، والثاني والعشرون، والسادس والعشرون، يقول الإصحاح التاسع: في ذهابه حدث أنه اقترب إلى دمشق، فبغتة أبرق حوله نور من السماء، فسقط على الأرض وسمع صوتًا قائلاً له: شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟ فقال: من أنت يا سيد؟ فقال الرب: أنا يسوع الذي تضطهده...

وأما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين، يسمعون الصوت، ولا ينظرون أحدًا - أعمال 9: 3 - 7".

أما الإصحاح الثاني والعشرون فيقول:...... فأجبت: من أنت يا سيد؟ فقال لي: أنا يسوع الناصري، الذي أنت تضطهده.

والذين كانوا معي: نظروا النور وارتعبوا، ولكنهم لم يسمعوا صوت الذي كلمني - أعمال 22: 8 - 9".

وبمقارنة هاتين القصتين مع التركيز على الكلمات: (1) المكتوبة بالبنط الأسود، (2) الكلمات التي تحتها خط مستمر، (3) الكلمات التي تحتها خط متقطع، يسهل تقرير الآتي:
1- في الإصحاح التاسع، قال المتحدث: أنا يسوع (وهو نفسه ما جاء في الإصحاح السادس والعشرين)، أما في الإصحاح الثاني والعشرين: فقد قال: أنا يسوع الناصري.

2- في الإصحاح التاسع: نجد أن المسافرين معه سمعوا الصوت، أما في الإصحاح الثاني والعشرين: فلم يسمعوا الصوت.

3- في الإصحاح التاسع: نجد أن المسافرين معه لم ينظروا أحدًا، أما في الإصحاح الثاني والعشرين: فقد نظروا النور.

من الواضح - إذًا - أن هاتين القصتين المتناقضتين تثيران الشكوك في حقيقة تحوُّل بولس إلى المسيحية، ومما يزيد هذه الشكوك أن الروايات الثلاث التي ذكرت رؤيتَه النهارية على طريق دمشق، قد اتفقت على أن المتحدث قال له: أنا يسوع (في روايتين، وفي ثالثة: أنا يسوع الناصري)، فكان الواجب الذي لا مفر منه أن يبدأ بولس مسيحيته بالدعوة إلى الإيمان بيسوع الناصري، إلا أنه بدلاً من ذلك كان أول ما بدأ به هو الدعوة إلى الإيمان بـ: يسوع ابن الله!

فها هو الإصحاح التاسع - الذي ذكر القصة الأولى - يقول عن بدء النشاط التبشيري لبولس: وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح أن هذا هو ابن الله - أعمال 9: 20".

لقد كان هذا أول معتقد أدخله بولس في مسيحيته التي بدأ يبشر بها، ولقد كانت رسائله التي بدأ كتابتها قبل أقدم الأناجيل (إنجيل مرقس) بأكثر من خمسة عشر عامًا، هي المصدر الكتابي الذي تسربت منه، تقول الترجمة الفرنسية المسكونية في مدخل إلى العهد الجديد، تحت عنوان: بعض النظرات إلى العالم اليوناني الروماني: أخذ الناس، قبل العهد المسيحي بقليل، ينظرون إلى الأباطرة نظرتهم إلى كائنات إلهية، أبناء الله، بل آلهة، وهذا التطور، وقد أثرت فيه تأثيرًا كبيرًا معتقدات الشعوب الشرقية (مصر وفارس)، موافق لمنطق الأمور...

وتشمل الحفلات (الدينية) صلوات طقسية (دعاء ودعوة الإله إلى الذبيحة وطلب للخيرات، وذبائح ينظرون إليها نظرهم إلى هدايا تهدى للإله)... وقد ساعد اختلاط الأفكار والناس على نشر عبادات أصلها شرقي... نذكر عبادات إيزيس، وفيها اختبارات متتابعة تصحب التلقين، وتسير بالإنسان إلى الاندماج في أوزيريس الإله الذي مات، فأعادته أساليب إيزيس السحرية إلى الحياة، فقد كانوا يعلنون أنها تحتوي ضمانًا للخلود [1].

وهكذا، شاع في العالم اليوناني الروماني، قبل العصر المسيحي بقليل، عدد من الأفكار الوثنية، مثل: إطلاق اسم: ابن الله، على كبار الشخصيات وصانعي الأعاجيب، وكذلك شاعت فيه ديانات الطقوس السرية التي تقوم على الاندماج في الإله، من خلال الزعم بأكل لحمه وشُرب دمِه في احتفال طقسي تكتنفه الأسرار، ومن ثم يحصل العابد على الخلود الذي يتمتع به المعبود، ولقد اقتبس بولس هذه الأفكار وتأثر بها وسجلها في رسائله، وعنه أخذ كتَبة الأناجيل.

يقول هيام ماكوبي في كتابه (صانع الأسطورة): أين نجد أول تعبير عن الفكرة التي تقول: إن يسوع قد سن طقس القربان المقدس كشعيرة دائمة في الكنيسة المسيحية؟

إن أول توكيد لهذا نجده في رسائل بولس، التي نجد فيها أيضًا أول إشارة إلى فكرة القربان المقدس، أي: الفكرة التي تقول بوجود قوة للخلاص في جسد المسيح ودمه، فهو يقول:
"لأنني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضًا إن الرب يسوع في الليلة التي أسلم فيها أخذ خبزًا وشكر فكسر وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور لأجلكم. اصنعوا هذا لذكري. كذلك الكأس أيضًا بعدما تعشوا قائلاً: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي. اصنعوا هذا كلما شربتم لذكري... - 1 - كورنثوس 11: 23 - 30".

فمن هذه الفقرة يتضح تمامًا أن بولس هو مخترع القربان المقدس كفكرة وكسنة راسخة الجذور؛ فهو يقول - بكل وضوح -: إن هذا القربان قد تأسس بناءً على وحي تلقاه شخصيًّا؛ إذ يقول: لأنني تسلمت من الرب ما سلمتكم [2].

وهكذا، أدخل بولس إلى مسيحيته التي بدأ يبشر بها فكرة أكل لحم المسيح وشرب دمه، ممثلاً في خبز وخمر، قربانًا مقدسًا، يجلب الخلاص لمعتنقي هذه الفكرة!


[1] العهد الجديد - منشورات دار الشرق - ص 15 - 16.
[2]HyamMaccoby: The Myth Maker, pp. 112-3.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق