الأحد، 29 نوفمبر 2015

أكذوبة الملاحدة أن وجود الله مجرد فرضية



فساد أكذوبة الملاحدة أن وجود الله مجرد فرضية
كفرضية وجود الوحش الاسباجيتي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى أصحابه الغر الميامين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة؛ إذ يفتك بالإيمان، ويعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن، وتجد المريض به يجادل في البديهيات، ويجمع بين النقيضين، ويفرق بين المتماثلين، ويجعل من الظن علمًا، ومن العلم جهلًا، ومن الحق باطلًا، ومن الباطل حقًّا.

ومن عوامل انتشار هذا المرض: الجهل بالدين، وضعف العقيدة واليقين، والاسترسال في الوساوس الكفرية، والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل.

وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل، وادعاءات بلا مستند، ورغم ضعفها وبطلانها فإنها قد تؤثر في بعض المسلمين؛ لقلة العلم، وازدياد الجهل بالدين؛ ولذلك كان لا بد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوى أهل الإلحاد، شبهة تلو الأخرى، ومغالطة تلو المغالطة، ودعوى تلو الدعوى؛ حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشُبَهِهم.

وفي هذا المقال سنتناول - بإذن الله - الرد على دعوى الملاحدة: أن وجود الله مجرد فرضية كفرضية وجود الوحش الاسباجيتي الطائر،
 يقول أحد الملاحدة - هداه الله -:
 "هل تستطيعون إثبات أن وحش المكرونة (أو السباغيتي) الطائر الذي يأكل البسكويت غير موجود؟ أليس السؤال المنطقي هنا هو كوني أملك دليلًا على وجوده أم لا؟ هل عدم قدرتكم على إثبات أنه غير موجود يعني أنه موجود؟ بنفس الطريقة، الله غير موجود؛ لأنكم لا تستطيعون إثبات وجوده، والبرهان لا يقع على عاتقنا للإثبات بأن الله غير موجود، بل يقع على عاتق المؤمن أن يثبت أن الله موجود بالدليل، بنفس الطريقة التي يقع على عاتقي إثبات أن وحش السباغيتي الطائر موجود إذا ادعيت ذلك، وما قلته أنا هو قاعدة علمية؛ فعبء الإثبات يقع على عاتق المدَّعِي، وليس عبء الإنكار يقع على عاتق المستمع".

ويقول آخر:
 "وجود علة أولى لا يعني وجود إلهك الديني... خلق الكون ليس مسجلًا كبراءة اختراع للإله الإسلامي، ولا لأي إله آخر... لماذا يفترض أن الفرضية المقبولة هي فكرة أحد آلهة الأديان، وليس مثلًا وحش السباغيتي الطائر،أو إذا أردنا فرضية اقترحها بعض علماء الفيزياء النظرية، فلدينا "نظرية - إم" التي يرى ستيفن هوكنج أنها تفسر وجود الكون دون حاجة إلى خالق؟".

وقال أحدهم عندما سئل عن أدلته في نفي وجود الله: "ما يقال بغير دليل، ينقض بغير دليل"، وقال آخر: "لا مانع من وجود إله، لكن لماذا لا يكون هذا الإله هو وحش السباجيتي الطائر؟".

وقال آخر:
"هل تستطيع إثبات أن الله ليس موجودًا؟ بالطبع لا.. البينة على من ادعى، القصة أشبه بقصة رجل ذهب إلى الغابة، وعندما عاد قال: إنه رأى وحشًا بسبعة أرجل وعشرين جناحًا، ونظرًا لاستحالة الأمر كذبه الجميع، لكن بدلًا من أن يثبت لهم أن الوحش موجود، طلب منهم محاولة نفي وجوده، فإن لم يستطيعوا نفي وجوده، فهذا يعني أنه موجود، المنطق الذي قام عليه السؤال غبي جدًّا، إذا ادعيت أن عندي إلهًا اسمه وحش السباغيتي الطائر، هذا الإله أوحى برسالة لنا، وطلب منا أن نعبده، هل تستطيع أن تكذب كلامي؟ هل علي أن أثبت لك أن وحش السباغيتي الطائر موجود أم عليك أنت أن تحاول نفي وجوده؟".

وجود خالق للكون ليس فرضية من الفرضيات
إن قضية وجود خالق للكون ليس فرضية من الفرضيات قد يثبت الدليل صحتها وقد يثبت خطأها، بل قضية وجود خالق للكون قضية بديهية، وحقيقة ثابتة مستقرة في النفوس والفِطَر، ولا يمكن إنكار وجوده؛ إذ العلم بوجود خالق للكون كالعلم بوجود كاتب للكتابة، وبانٍ للبناء، ومؤثر للأثر، وفاعل للفعل، ومحدِث للحدث، وهذه القضايا المعينة الجزئية لا يشك فيها أحد من العقلاء، ولا يفتقر في العلم بها إلى دليل؛ فهي واضحة ظاهرة، والواضح لا يحتاج إلى توضيح، والظاهر لا يحتاج إلى إظهار.

قال سيد سابق - رحمه الله -: (إن وجود الله حقيقة لا شك في أمرها، ولا مجال لإنكارها؛ فهو ظاهر كالشمس، باهر كفلَق الصبح، وكل ما في الكون شاهد على هذا الوجود الإلهي، ومواد الطبيعة وعناصرها تؤكد أن لها خالقًا ومدبرًا.

فالعالم العلوي، وما فيه من شموس وأقمار ونجوم وكواكب، والعالم الأرضي وما فيه من إنسان وحيوان ونبات وجماد، والترابط الوثيق، والتوازن الدقيق، الذي يؤلف بين هذه العوالم، ويحكم أمرها.. ما هو إلا آية وجود الله، ومظهر تفرده بالخلق، ولا يتصور العقل أن توجد هذه الأشياء بدون موجِد، كما لا يُتصوَّرُ أن توجد الصنعة بدون صانع.

فإذا كان العقل يحيل أن تطير طائرة في الهواء، أو تغوص غواصة في الماء دون أن يكون فيها صانع للطائرة، ومنشئ للغواصة، فإنه يجزم جزمًا قاطعًا باستحالة وجود هذا الكون البديع، وهذه الطبيعة الجميلة من غير خالق خلقها، ومدبِّر دبَّر أمرها)[1].

وقال د. جعفر شيخ إدريس - حفظه الله -: (إن وجود الإله الخالق أمر تعرفه العقول بداهة؛ لذلك لم يكن ينكر وجود الإله الخالق فيما مضى إلا فئات قليلة من البشر؛ ولذلك كانت الرسالات السماوية تُبنى على إقرار الناس بوجود الرب تعالى، وأنه هو الذي خلقهم ويرزقهم ويحييهم ويميتهم، ثم تزيدهم علمًا به، وتدعوهم إلى عبادته وحده دون سواه مما يعلمون أنه لم يخلق ولم يرزق، ولا يحيي ولا يميت، ولا يتصف بشيء من صفات الإله الخالق.

﴿ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 16، 17].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 21، 22].

حتى الذين أنكروا وجود الخالق، والذين يسمَّون في عصرنا بالملحدين،
لا ينكر معظمهم وجود الخالق أي خالق،
 وإنما ينكرون وجود الخالق الحق الذي دعتهم إلى الإيمان به رسالات السماء، والذي كان يؤمن بربوبيته من يشرك معه غيره في عبادته، انظر إلى حال الملحدين في عصرنا: تراهم - إذا أنكروا وجود الخالق الحق - يعزون حدوث الأشياء إلى أشياء أُخَرَ، وهم وإن لم يسموها بالخالقة إلا أنهم يقيمونها مقام الخالق سبحانه، بل ويُضْفون عليها بعض صفاته!)[2].

إبطال قولهم: لو كان وجود خالق للكون أمرًا بديهيًّا، لما أنكر وجوده أحد
وقد يقول قائل: لو كان وجود خالق للكون أمرًا بديهيًّا، لَمَا أنكر وجوده أحد،
 والجواب: أن الإقرار بوجود خالق للكون إنما يكون بديهيًّا ضروريًّا في حق من سلم من المؤثرات الخارجية والشُّبَه التي قد تجعله ينحرف عن الحق، وقد يحتاج بعض الناس إلى ذكر الأدلة على وجود خالق للكون؛ لوجود بعض الشُّبَه لديهم، أو لزيادة إيمانهم بوجود خالق.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
 (إن الإقرار والاعتراف بالخالق فطري ضروري في نفوس الناس، وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى يحتاج إلى نظر تحصُلُ له به المعرفة)[3].

بعض الأدلة على وجود الخالق
إن الأدلة على وجود الخالق كثيرة ومتنوعة لتُناسِبَ جميع المتلقِّين؛ العالم منهم والجاهل، الصغير منهم والكبير، وهذا التعدد في الأدلةيزيد في التصديق بوجود خالق، واليقين بوجوده،
ومن الأدلة على وجود خالق للكون قوله تعالى:
 ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الطور: 35، 36]، وقد ذكر الله هذا الدليل بصيغة استفهام الإنكار؛ ليتبين أن هذه القضية التي استدل بها فطرية بديهية مستقرة في النفوس، لا يمكن إنكارها، فلا يمكن لصحيح الفطرة أن يدعي وجود حادث بدون محدِثٍ أحدَثه، ولا يمكنه أن يقول: هو أحدَث نفسه. ‏

وكأن القرآن الكريم يقول لهذا المنكر:
 إذا لم يكن الله هو الذي خلقك، وخلق هذا الكون حولك؛ فهل خُلِقت من غير شيء خلقك؛ أي: جئت من العدم المحض؟

سيقول كل عاقل في نفسه: كلا؛ فإن هذا مستحيل.
أو: أنك أنت الذي خلقت نفسك؟ سيقول: كلا؛
فإن هذا يبدو أكثر استحالة.

هل كنت أنت الذي خلق السموات والأرض؟
سيقول: كلا؛ فالقول بغير هذا مكابرة.

هذه حجة فطرية يدركها الناس بعقولهم؛ لذلك قرر القرآن الكريم مقدماتها في شكل أسئلة استنكارية، وهذه هي طريقة القرآن في تقرير كل حقيقة معروفة بالبديهية العقلية،
يقررها بسؤال استنكاري؛ ليدل على أن منكرها ينكر البدائهَ...

هذه الحجة القرآنية - التي أسميناها دليل الآيات
- يمكن وضعها هي الأخرى في صيغة من الصيغ المنطقية العقلية المعروفة، كأن نقول مخاطبين الملحد:
أنت تعلم من نفسك أنك حادث وُجِدْتَ بعد أن لم تكن، فإما أن تكون قد وُجِدْتَ من العدم، أو أن شيئًا أوجدك.

من المستحيل أن توجد من العدم، إذًا فقد أوجدك شيء.
هذا المُوجِد إما أن يكون نفسك، أو أن يكون غيرك.
من المستحيل أن تكون أنت الذي أوجدت نفسك.
إذًا لا بد أن يكون شيء غيرك هو الذي أوجدك.
هذا الغير
إما أن يكون مثلك في حاجته إلى من يُوجِدُه أو لا يكون.

لا يمكن أن يكون مثلك؛ إذ ما قيل عنك سيقال عنه أيضًا،
لا بد إذًا أن يكون خالقًا بنفسه، غير مفتقر إلى من يوجده، وهذا هو الله تعالى[4].

ومن الأدلة على وجود خالق للكون دليل الحدوث؛
فقد أثبت العلم وأثبتت الملاحظة أن الكون وحوادثه المستمرة، أمورٌ لم تكن ثم كانت، وكل شيءٍ لم يكن شيئًا مذكورًا ثم كان لا بد له حتمًا من مُوجِد أوجده، ولا بد أن يتصف هذا الموجِدُ بالصفات التي تؤهله لعمليات الإيجاد، ولا بد أن يكون أزليًّا غير حادث، وإلا احتاج هو أيضًا إلى مُوجِدٍ يُوجِده[5].

ومن المعلوم أن كل الكائنات في الكون لها ساعة ميلاد، ويوم هلاك، فمَن الذي أوجَدها؟ ومَن الذي يُفنيها؟

هل جاءت من العدم؟ كلا؛ فإن هذا مستحيل عقلًا.
لا بد لها إذًا من سبب أحدثها، لكن هذا السبب لا يمكن أن يكون الشيء المحدث نفسه؛ إذ كيف يسُوغ عقلًا أن يكون الحادث المعين سببًا في إحداث نفسه؟

لا بد إذًا أن يكون سببه شيئًا غيره.

لكن إذا كان ذلك السبب الخارجي هو نفسه حادثًا، كالأسباب الطبيعية التي نشاهدها، فإنه سيحتاج - كالحادث الأول - إلى سبب، وسيحتاج سببه إذا كان حادثًا إلى سبب.. وهكذا.

لكن هذا التسلسل في العلل والمؤثرات مستحيل عقلًا.

لا بد - إذًا - من أن يكون السبب الحقيقي للحوادث سببًا غير حادث؛ أي: لا بد أن يكون شيئًا أزليًّا ليس لوجوده ابتداء، ولا يمكن أن يكون هذا السبب الأزلي شيئًا غير الله[6].

وقال الشيخ عبدالرحمن الميداني - رحمه الله -: (فالأدلة العقلية الفلسفية تثبت لنا حدوث العالم من ظاهرة التغير الملازمة لكل شيء فيه؛ وذلك لأن التغير نوع من الحدوث للصورة والهيئة والصفات، وهذا الحدوث لا بد له من علة، وتسلسلًا مع العلل للمتغيرات الأولى، سنصل حتمًا إلى نقطة بدء نقرر فيها أن هذا الكون له بداية، في صفاته وأعراضه، وفي ذاته ومادته الأولى، وحينما نصل إلى هذه الحقيقة لا بد أن نقرر أن خالقًا أزليًّا لا يمكن أن يتصف بصفات تقتضي حدوثه، وهذا الخالق هو الذي خلق هذا الكون وأمَدَّه بالصفات التي هو عليها)[7].

ومن الأدلة على وجود خالق للكون:دليل الإمكان؛
فهذا الكون بكل ما فيه من مجرات ونجوم وكواكب وبحار وأنهار ومحيطات ونباتات وحيوانات وغير ذلك يقبل الوجود والعدم، فإننا نرى أعيان ما في الكون تموت وتحيا، وتُوجَد وتنعدم، وكانت غير موجودة ثم وجدت.

ونعلم أن المجرات والنجوم والكواكب والحيوانات والنباتات والجمادات لم تكن موجودة ثم وجدت، وعليه فلا مانع عقلًا من انعدام الكون، ولا يلزم من فرض وجود الكون محال، ولا يلزم من فرض عدمه محال، وهذه صفات ممكن الوجود.

وممكن الوجود الأصل فيه العدم؛ إذ لو كان الأصل فيه الوجود، لكان واجب الوجود، فلا يكون مع ذلك ممكن الوجود والعدم، وإذ كان الكون مسبوقًا بالعدم، فلا بد من وجود من رجح وجود الكون على عدمه؛ لبطلان الترجيح بلا مرجح، والممكن لا يوجد بنفسه، بل بغيره، ولا يكون كذلك إلا ما كان محدثًا، ومن المعلوم ببداهة العقول أن كل محدَث لا بد له من محدِث، وكل ممكن لا بد له من واجب، فتعين أن يكون للكون خالق أحدثه.

ومن الأدلة على وجود خالق للكون: دليل النظام؛
ففروع العلم كافة تثبت أن هنالك نظامًا معجِزًا يسود هذا الكون، أساسه القوانين والسنن الكونية الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل، والتي يعمل العلماء جاهدين على كشفها والإحاطة بها، وقد بلغت كشوفنا من الدقة قدرًا يمكننا من التنبؤ بالكسوف والخسوف وغيرهما من الظواهر قبل وقوعها بمئات السنين.

فمن الذي سن هذه القوانين وأودعها كل ذرة من ذرات الوجود، بل في كل ما هو دون الذرة عند نشأتها الأولى؟ ومن الذي خلق كل ذلك النظام والتوافق والانسجام؟ من الذي صمم فأبدع وقدر فأحسن التقدير؟ هل خُلِقَ كلُّ ذلك من غير خالق أم هم الخالقون؟ إن النظام والقانون وذلك الإبداع الذي نلمسه في الكون حيثما اتجهت أبصارنا يدل على أنه القدير، وعلى أنه العليم الخبير من وراء كل شيء[8].

ومن الأدلة على وجود خالق للكون: دليل العناية؛
إذ تثبت الملاحظة المستمرة في أشياء هذا الكون أن العناية إحدى الصفات البارزة فيه، فما من حاجة لحي من الأحياء في الكون إلا لها ما يسدها، ويلبي مطالبها على أكمل وضع وأتقنه.

فما من حاجة لدى نبات أو حيوان إلى غذاء إلا لها الغذاء الملائم لها على أحسن وجه وأتقنه.

وما من حاجة لدى ذي حياة إلى كساء يدفع عنه الحر والبرد والضر، إلا لها ما يحقق مطالبها على أحسن وجه وأتقنه.

وما من نزعة إلى رفاهية وترف واستمتاعٍ بجمال إلا لها في الكون ما يُلبِّي رغبتها، سواءً للسائلين.

وما من داء إلا له دواء، وما من قوة إلا لها ضد مكافئ، ما لم يكن للقضاء والقدر في الحكمة العامة مرادٌ ما.

إلى غير ذلك من أمور كثيرة لا تحصى، وكل هذا من العناية، والعناية لا تكون إلا صفة لذي علم وحكمة ورحمة، وهذه صفات عليم حكيم رحيم، وهو الله عز وجل [9].

ومن الأدلة على وجود خالق للكون: ظاهرة العدل؛
فمن الملاحظ في أحداث تاريخ الإنسان أن مظاهر الجزاء العادل للأمم من السنن الثابتة في الكون.

والجزاء العادل لا يكون من مادة صماء عمياء لا تعلم من أحداث الناس ونياتهم شيئًا.

إذًا فلا بد من موجود عظيم عليم يرقب أعمال الناس، ويعلم نياتهم ومقاصدهم، ويجازيهم بعدله.

وهذه الصفات لا بد أن تكون صفات موجودٍ ليس جزءًا من الكون المدروس، ولا مشبهًا له؛ لأن شيئًا منه لا يصلح لمثل هذه الصفات.

وشواهد مظاهر الجزاء العادل الذي ليس له سبب إنساني ظاهر كثيرة في تاريخ الناس، وهذا دليل ظاهرة العدل [10].

والحياة في المخلوقات الحية دليل على وجود خالق لها، فمن الذي وهب الحياة للمخلوقات الحية؟

والعقل في المخلوقات العاقلة دليل على وجود خالق له، فمن الذي وهب العقل لهذه المخلوقات؟

والحكمة في المخلوقات الحكيمة دليل على وجود خالق لها، فمن الذي وهب الحكمة لهذه المخلوقات؟

والبصر في المخلوقات ذات البصر دليل على وجود خالق له، فمن الذي وهب البصر لهذه المخلوقات؟

والسمع في المخلوقات التي تسمع دليل على وجود خالق له، فمن الذي وهب السمع لهذه المخلوقات؟

والضحك في المخلوقات التي تضحك وتبكي دليل على وجود خالق له، فمن الذي وهبه لهذه المخلوقات؟

ولا يصح القول بأن المادة أو الطبيعة هي الخالقة؛ فهي ليست حية، وليست عاقلة، وليست حكيمة، وليست سميعة، وليست بصيرة، وفاقد الشيء لا يعطيه.

وبهذا يتبين فساد قول أحدهم:
 "إن الله غير موجود؛ لأنكم لا تستطيعون إثبات وجوده"، وفساد قول الآخر عندما سئل عن أدلته في نفي وجود الله فقال:
 "ما يقال بغير دليل، يُنقَض بغير دليل"؛
 فالأدلة على وجود الله كثيرة، لكن الملاحدة لا يعلمون، أو يتجاهلون تلك الأدلة استكبارًا وعنادًا.

فساد قولهم: القول بوجود خالق للكون يقضي بوجود خالق لهذا الخالق
يقول الملاحدة: قولكم أيها المؤمنون بوجود خالق للكون يقضي بوجود خالق لهذا الخالق، لكنكم لا تقرون بذلك،
 فلماذا تقفون بمبدأ السببية وتعطلونه عندما يتعلق الأمر بالخالق؟
والجواب على سؤالهم من وجوه:
الوجه الأول: أن الأصل في الخالق الوجود؛ إذ لو كان الأصل فيه العدم لما أوجد الكون؛ لأن فاقد الشيء الذي لا يملكه، ولا يملك سببًا لإعطائه لا يعطيه، وإذا كان الأصل في الخالق الوجود، فلا يصح أن نسأل عن سبب وجوده.

الوجه الثاني: أن الخالق أزلي؛ فوجوده ذاتي لا ينفك عنه، فلا يصح أن نسأل عن سبب وجوده، ووجوده ليس له بداية.

الوجه الثالث: أن الخالق له الكمال المطلق؛ إذ هو واهب الكمال لمخلوقاته، فهو أحق بالاتصاف بها من الموهوب، وكل كمال ثبت للمخلوق المحدَث المربوب الممكن، فإنه يكون ثابتًا للخالق من باب أولى، وإذا كان الكمال المطلق للخالق، والاحتياج يناقض الكمال المطلق، فالكامل المطلق لا يحتاج إلى غيره، وعليه فالخالق لا يحتاج إلى غيره، وإذا لم يحتج إلى غيره فهو غير معلول، وإذا كان غير معلول، فلا يصح أن نسأل عن علته.

الوجه الرابع: أن السؤال عن سبب وجود شيء يصح فيما كان الأصل فيه الحدوث، وأنه لم يكن موجودًا ثم أصبح موجودًا بعد عدم، والخالق قديم وليس حادثًا.

الوجه الخامس: لو قلنا بأن كل خالق له مَن خَلَقه؛ أي: خالق الكون له مَن خلَقه، ومن خلق خالق الكون له من خلَقه، ومن خلق خالق خالق الكون له من خلَقه، وهكذا إلى ما لا نهاية، فهذا يستلزم ألا خلق للكون، وهذا باطل؛ لوجود الكون؛ فوجود الكون يستلزم عدم تسلسل الفاعلين إلى ما لانهاية؛ إذ لا بد أن تصل سلسلة الفاعلين إلى علة غير معلولة، ولا بد من سبب تنتهي إليه الأسباب، وليس هناك أسباب لا تنتهي إلى شيء، وإلا لم يكن هناك شيء؛ أي: إن التسلسل في الفاعلين ممنوع، بل لا بد أن نصل إلى نهاية، وهذه النهاية في الفاعلين أو المؤثرين هي إلى الله - سبحانه وتعالى.

وللتقريب نأخذ مثال الجندي والرصاصة، الجندي يريد أن يطلق النار، ولكن حتى يطلق النار، يجب على الجندي أن يستأذن من الجندي الذي خلفه، وهذا الجندي حتى يعطي الإذن يجب أن يستأذن من الجندي الذي خلفه، وهكذا إلى ما لا نهاية، السؤال: هل سيطلق الجندي النار؟ الجواب: لا؛ لأنه لن يصل إلى الجندي الذي سيعطيه الإذن بإطلاق النار، أما إذا انتهت السلسلة إلى شخص لا يوجد فوقه أحد ليعطيه الإذن بإطلاق النار، فستنطلق الرصاصة، وبدون هذا الشخص، ومهما كثر عدد الأشخاص لن تنطلق الرصاصة، فهم كالأصفار إذا وضعتها بجانب بعضها البعض فمهما كثرت وبلغت حدًّا لا نهاية له، فستظل لا تساوي شيئا إلا أن يوضع قبلها رقم 1 فأكثر.

فساد قولهم: هناك نظريات تفسر وجود الكون دون الحاجة إلى خالق
يقول الملاحدة: القول بوجود خالق للكون احتجاج بالجهل؛ فلأن المؤمنين جهلوا آلية نشأة الكون ادعوا أن سبب الكون هو الإله، واليوم هناك العديد من النظريات تفسر نشأة الكون بمعزل عن الإله، والجواب أن القول بوجود خالق للكون احتجاج بعلم وليس بجهل، فيوجد عشرات الأدلة الدالة على وجود خالق، وإذا كان أصغر شيء مصنوع في الكون يستحيل أن يكون بلا صانع،
 فكيف يصح أن يقال: هذا الكون بأكمله بلا خالق؟!

ولا تعارض بين وجود تفسير لنشأة الكون وبين وجود منشئ للكون، كما لا تعارض بين مخترع الشيء وآلية عمل الشيء، ووجود حدث لا ينفي وجود محدِث له، بل يؤكد على وجوده.

ولا تعارض بين وجود قوانين تتحكم في عمل الكون وبين وجود خالق للكون؛ فالخالق يدير الكون من خلال قوانين قد سنَّها للكون، ولا يدير الكون بالمعجزات.

والاعتقاد بوجود خالق، وأنه مسبب الأسباب، وأنه خالق القوانين الفيزيائية
لا يعني الاستغناء عن الأسباب الطبيعية، أو التمرُّد على شيء من حقائق العلم الصحيح،
وإنما هو اعتقاد بأن الخالق هو المسبب لهذه الأسباب الطبيعية، ومسبب لهذه القوانين الفيزيائية، وحتى لو سلمنا جدلًا أن العلم وصل إلى معرفة كل الأسباب الطبيعية وكل القوانين التي تدير الكون، فهذا لا ينفي وجود الخالق، بل هذه الأسباب الطبيعية وهذه القوانين دالة على موجِدٍ لها؛ فكل سبب له مُسبِّب، وكل قانون له مقنِّن، والخالق عز وجل مسبِّبُ هذه الأسباب الطبيعية، وخالق هذه القوانين.

خالق الكون هو الله لا أحد سواه
إذا ثبت أن للكون إلهًا، فلا بد أن يعرِّفَنا هذا الإله بنفسه وبصفاته وبخَلْقه للكون، وبما يحبه وبما يكرهه، والإله لا يعرفنا نفسه وما يحبه وما يكرهه عن طريق نزوله بنفسه لنا؛ لعظمته وملكه، فإذا كان ملوك الدنيا لا يعرفون الناس أنفسهم بأنفسهم، بل عن طريق رسل، فلخالقهم المثل الأعلى، فلا بد أن يرسل الإله الملك المعبود رسولًا يعرف الناس به، وبما يحبه وما يكرهه، وكيفية عبادته، وبذلك يكون الأنبياء والرسل الواسطة بين الإله وبين خلقه في تعريفهم به، وما يحبه وما يكرهه، وكيفية عبادته.

ولا أحد يعرف صفات الإله وما يحبه وما يكره إلا من عرَّفه الإله ذلك، والذي يعرفه الإله ذلك هو الرسول والنبي؛ كي يُعلِمَ مَن بُعِثَ فيهم بذلك.

وكل دين ليس مبلِّغُه هو الرسول والنبي المبعوث من قِبَل الإله، فليس دين حق؛ إذ كيف يعرف صفات الإله، وما يحبه وما يكره، والإله لم يعرفه.

ومن الأدلة على أن مدعي الرسالة صادق في دعواه:
 تأييد الإله له بالأدلة الدالة على صدق دعوته؛ كتأييده بالمعجزات، فلا يبعث الخالق رسولًا من الرسل إلا ومعه آية وعلامة تدل على صدقه فيما أخبر به عنه.

وقد عرفنا خالق الكون بنفسه وبأسمائه وبصفاته وبخلقه للكون، وبما يحبه وبما يكرهه من خلال رسله وأنبيـائه المؤيَّدين بالمعجزات، وأخبرنا أنه الله، وأخبرنا أنه هو الذي خلقنـا، ولو كان هناك خالق غير الله لادعى الخلق، ولم يدَّع أحد غير الله لنفسه الخلق إلا خذله الله في الدنيا، وافتضح أمره،
أما الله سبحانه فقد قال: إنه الخالق لكل شيء عن طريق رسله وأنبيائه، ولم ينازعه أحد؛
قال تعالى: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [فاطر: 3]،
وقال تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54]،
وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الزمر: 62]،
وقال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الرعد: 16]،
وقال تعالى: ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [لقمان: 10، 11].

وقد أمرنا الله بعبادته وحده دون ما سواه؛
قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 36]،
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 21، 22]،
وقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 158].

فساد قول من يدعي أن هناك خالقًا غير الله
إن القول بوجود خالق غير الله قول مردود، لا أثارة عليه من علم؛ إذ خالق الكون قد عرَّفنا بنفسه عن طريق أنبيائه ورسله أنه الله، وقد أيَّد أنبياءه ورسله بالمعجزات الدالة على صدقهم، ولم يأتِ أحد من البشر غيرهم بمعجزة مثلهم، وقال بخلاف ما قالوا.

ولا يعقل أن من خلق هذا الكون بهذا الإبداع وهذا التناسق وهذا الجمال وهذا النظام وهذا الاتساع لا يعرِّف البشر بنفسه ليحمَدوه على بديع صنعه، ويشكروه على كثير إنعامه وفضله.

وإذا كان من اخترع شيئًا من الأشياء يبين للناس أنه مخترع ذلك الشيء، بل ويغضب إذا نُسِب الاختراع لغيره، فكيف بمن أبدع السموات والأرض، ولله المثل الأعلى؟!

ويقال لكل من يدعي أن هناك خالقًا غير الله:
 صِفْ لنا هذا الخالق،
واذكر برهانك على أنه الخالق وليس غيره،
وإلا فأنت تتكلم بلا علم، وبلا برهان؛
قال تعالى: ﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ ﴾  [الرعد: 33]،
 وليس المراد أن يذكروا أساميها، نحو اللات والعُزَّى، وإنما المعنى إظهار تحقيق ما تدعونه إلهًا، وأنه هل يوجد معاني تلك الأسماء فيها؛ ولهذا قال بعده: ﴿ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ ﴾ [الرعد: 33][11]، ومعنى الآية: يا من تدعون أن هناك آلهة غير الله، صِفُوا هذه الآلهة بالصفات التي يستحقونها، هل هي خالقة رازقة محيية مميتة، أم هي مخلوقة لا تملك ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةولا نشورًا؟! فإذا وصفوها بما تستحقه من الصفات تبيَّنَ ضلالُهم.

والقرآن الكريم
 الذي بين أيدينا يثبت وبدون شك عند تفحصه ومقارنته بكلام البشر أنه ليس من كلامهم، وفي الوقت ذاته، فهو رسالة من خالق هذا الكون لنا، يبلغنا فيه أنه خالقنا، ويبلغنا فيه عن صفاته، فإن لم يكن هناك خالق، فمن أرسل بهذه الرسالة؟
وإذا كان هناك خالق آخر، فلماذا لم يتفضل بإبلاغنا عن وجوده؟!
وبهذا يتبين فساد قول أحد الملاحدة:
 "وجود علة أولى لا يعني وجود إلهك الديني... خلق الكون ليس مسجلًا كبراءة اختراع للإله الإسلام،ا
ي ولا لأي إله آخر... لماذا يفترض أن الفرضية المقبولة هي فكرة أحد آلهة الأديان، وليس مثلًا وحش السباغيتي الطائر"، وفساد قول من قال: "لا مانع من وجود إله، لكن لماذا لا يكون هذا الإله هو وحش السباجيتي الطائر؟".

فساد القول بترك عبادة جميع الآلهة لتعددها
وقد يقول قائل: لأن الآلهة كثيرة، والكل يدعي أنه الإله، فالأسلم ترك جميع الآلهة.

والجواب:
 ليس تعدد الآلهة ذريعة لترك عبادة الإله الحق، فلو كنت قاضيًا وأمامك أشخاص، وكل منهم يدعي، أيحق لك أن تقول: لا يوجد حق، بسبب تعدد مدعي الحق،
 والبينة على المدعي، والحق له نور تعرفه به.

شتان ما بين وجود الخالق ووجود الوحش الاسباجيتي
إن من يشبه وجود الله خالق الكون بوجود الوحش الاسباجيتي قد شبه الحقيقة الثابتة بالباطل المضطرب، وشبَّه ما ثبت بالبداهة بما ثبت بالأوهام والظنون والخيالات، وشبه ما تضافرت عليه الأدلة والبراهين بما لا دليل عليه ولا برهان، وشبه من لنا به علم بما ليس لنا به علم، وشبه من له الأسماء الحسنى والصفات العلى بمن ليس له الأسماء الحسنى ولا الصفات العلى، ولمن تأنس القلوب؛ لله الغفور الرحيم الحكيم الخبير الذي له الكمال المطلق أم للوحش الاسباجيتي؟!
وما من إنسان يسمع كلمة وحش إلا اشمأز وفزع.

وهل عرفنا الوحش الاسباجيتي بنفسه عن طريق رسل مؤيدين بالمعجزات؟
وهل أنزل لنا كتبًا يعرفنا فيها بنفسه وبصفاته وبخلقه للكون وبما يحبه وبما يكرهه؟
وهل له صفات الكمال والجلال والعظمة؟
وكيف تكون له صفات الكمال وهو وحش اسباجيتي؟
وصدق الله القائل: ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ﴾ [النجم: 23].

هذا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات!

[1] العقائد الإسلامية لسيد سابق ص 39.
[2] الفيزياء ووجود الخالق للدكتور جعفر شيخ إدريس ص 36 - 37.
[3] مجموع الفتاوى لابن تيمية 16/ 328.
[4] الفيزياء ووجود الخالق للدكتور جعفر شيخ إدريس ص 53 - 54.
[5] كواشف زيوف للشيخ عبدالرحمن حبنكة الميداني ص 549.
[6] الفيزياء ووجود الخالق للدكتور جعفر شيخ إدريس ص 48 - 49.
[7] صراع مع الملاحدة حتى العظم للشيخ عبدالرحمن الميداني ص 97.
[8] من مقدمة مترجم كتاب: الله يتجلى في عصر العلم الدكتور الدمرداش عبدالمجيد ص 7.
[9] كواشف زيوف للشيخ عبدالرحمن حبنكة الميداني ص 550.
[10] كواشف زيوف للشيخ عبدالرحمن حبنكة الميداني ص 551.
[11] المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص423.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق