الجمعة، 27 نوفمبر 2015

هل للكون إله خالق؟!!!!!


هل للكون إله خالق؟!!!!!

نبذة عن منكري وجود الإله الخالق..
لقد كان الناس في القرون الماضية يعتقدون بوجود الإله الخالق، وظل الأمر كذلك حتى القرن الثامن عشر الميلادي تقريبًا، حيث صدر أول كتاب يصرح بالإلحاد وإنكار الألوهية في أوروبا عام 1770م.

ونقول: إن مثل هؤلاء الذين ينكرون وجود الله سبحانه وتعالى قد استهوتهم أنفسهم، وساروا تبعًا لأهوائهم وشهواتهم.

فلقد رأوا من عظيم آيات الله جل وعلا في الآفاق، وفي أنفسهم من إحكام ودقة في الخلق ما يشهد بوجوده، وأنه هو الخالق الحكيم، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: 53].

ولكنهم آثروا الإنكار والجحود، مع يقينهم بوجود هذا الخالق العظيم، كما في قوله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: 14].
فكان ذلك الجحود والإنكار جَرَّاء كبرهم واستعلائهم، وسيطرة أهوائهم وشهواتهم على عقولهم وأفعالهم، فهم يعلمون تمامًا أنهم إذا ما آمنوا بهذا الإله الخالق العظيم، فلا يسعهم إلا الخضوع لسلطانه ونفوذه، والاتباع لأنبيائه ورسله، وأن لا تحاكم إلا إليه سبحانه وتعالى، وفقًا لما أنزل في كتبه السماوية على أنبيائه ورسله، وأن يسود شرعه سبحانه وتعالى...

ولِمَ لا؟! وهو الإله الخالق، الذي له كل شيء، وإليه يرجع كل شـيء، فالله سبحانه وتعالى له الأمر كله، وإليه يُرجع الأمر كله، فله جل وعلا أن يأمر بما شاء، وأن ينهى عما شاء، فهل لعبد مملوك إلا الطاعة لسيده مهما بلغ وعظم أمره أو نهيه؟!

فالعبد ليس له من الأمر شيء، فهو مملوك لسيده، حيث يأمره سيده بما شاء، وينهاه عما شاء، كيفما شـاء، ووقت ما يريد، وذلك مثـال ما في الواقـع، ولكن الله سبحانه وتعالى له المثل الأعلى، فليس كمثله شيء، فمن رحمة الله سبحانه وتعالى ومَنِّه وفَضله، أنه جل وعلا له يأمر ولم يُكلِّف عباده بما لا تطيقه النفس البشرية السوية، وإن كان جل وعلا له أن يأمر وأن يُكلِّف بما شاء، وأن ينهى عما شاء، فالله عز وجل لا يُسـأل عن ما يفعل، ولكنه سبحانه وتعالى هو الذي سوف يسـأل عبـاده ويحاسبهم في يوم تُبعث فيه الخلائق للفصـل والقضـاء، مصـداقًا لقوله تعالى: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: 23].

ومن رحمة الله سبحانه وتعالى وعظيم فضله أنه جل وعلا خلق الجنة بما فيها من نعيم دائم مُقيم، وأعدها لعباده المؤمنين الصالحين الذين أطاعوه في حياتهم الدنيا وامتثلوا لأوامره، مجتنبين نواهيه، حيث خضعت قلوبهم وعقولهم وجوارحهم لله سبحانه وتعالى، ولنفوذه وسلطانه عليهم.

ومن رحمة الله سبحانه وتعالى: أنه تبارك وتعالى كتب على نفسه الرحمة، وأن رحمته سبقت غضبه جل شأنه، فله سبحانه وتعالى أن يغفر لمن يشاء وأن يرحم من يشاء من عباده، فضلًا ومِنَّة مِنه تبارك وتعالى على عباده، وهو سبحانه وتعالى أعلم بمن يستحق هذه المغفرة والرحمة من عباده، وهم عباده المؤمنون.

ومن عدل الله جل وعلا: أن خلق النار بما فيها من عذاب أليم مهين، دائم مقيم لمن كفر به، وأنكر آياته وجحد وجوده.
وأيضًا فقد خلق الله تعالى النار بما فيها من عذاب أليم لمن خالف أوامره وانتهك حدوده ونواهيه عن علم وقصد.

فهؤلاء الملحدون المنكرون لوجود الله عز وجل قد آثروا دنياهم الفانية على آخرتهم الباقية، واهمين أنفسهم، مُتعَلِّلين بما لا تقبله الفطرة السليمة السوية من استدلالات وهمية تخمينية، ليس لها قيمة أو وزن، وما هي إلا ظنون وأكاذيب لا يُعتدُّ بها.

فمثل هؤلاء المتفلسفون –أهل المنطق- المنكرين لوجود الإله الخالق لا يبحثون عن الحقيقة، بل عن وسائل التأثير الخطابي، ولم يستطيعوا أن يُجمعوا للبرهان على دعواهم الباطلة شروطه، واستعجلوا بالجحود والكفر تبعًا لأهوائهم وشهواتهم ومصالحهم الدنيوية.

فلم يستطع البرهان الفلسفي أن يصل بالإنسان لليقين عند تطبيقه في الإلهيات، حيث إنه -البرهان الفلسفي- عبارة عن مجموعة من الأوهام والتخمينات والأكاذيب التي لا يُعتدُّ بها، ولعل من أبرز ما يوضح ذلك عيانًا:

1- هو ما يسببه المنطق من التفرق والاختلاف والتنابذ بين أهله، والمشتغلين به.
2- أننا نجد أن الأطباء والحسَّاب والكُتَّاب وغيرهم يُحقِّقون ما يُحققون من علومهم وصناعاتهم دون اللجوء إلى مثل تلك الفلسفة وذلك المنطق.
3- أننا نجد أن مثل تلك الفلسفة كانت سببًا في تخلف أهلها والمشتغلين بها عن ركب المدنية والتقدم العلمي والحضاري.

فالملحدون والمنكرون لوجود الله عز وجل يعتمدون في دعواهم الباطلة على مثل تلك الفلسفيات التي لا صلة لها بالواقع، حيث يبحثون في عالم لا وجود له في الخارج، وإنما وجوده في الذهن فقط، فقد سَلَّموا بمقدمات عقلية ظنوها صحيحة، وهي فاسدة، ونذكر تشبيهًا بسيطًا يوضح مدى اختلاف المقاييس:

إننا إذا ما نظرنا إلى حائط به عيب ما، وقال أحد الناظرين بعقله: إن العيب لا يقع على الشيء المصنوع، وإنما يقع على الصانع، ولم يأخذ في حسباته العوامل
الأخرى غير المرئية، والتي قد تكون سببًا في مثل ذلك العيب، بعيدًا عن الصانع، كالرطوبة، وغير ذلك، فهل يمكن أن نقول مثل ذلك القول في:

إنسانٍ ليس صاحب وجه جميل، خلقه الله تعالى على هذه الصورة لحكمة يعلمها، كأن نقول مثلا: إن العيب لا يقع على المخلوق، وإنما يقع على الخالق؟!
بالطبع: لا، حاشا وكلا.

إن مثل هؤلاء الملحدين والمنكرين لوجود الإله الخالق قد استخدموا طريقة الفلسفة والمنطق في الاستدلال على دعواهم، بما فيها من الغموض والألغاز مع بطلانها، حيث لا يتفهمها إلا طائفة خاصة من الناس.
في حين أننا نجد أن القرآن الكريم يعتمد في الاستدلال على وجود الإله بما فُطِرت عليه النفس البشرية من الإيمان بما تشاهده وتحسّ به دون عمل فكري مُعقد ينافي القصد من هداية الناس وبيان الحق لهم.

ونجد أيضًا أن القرآن الكريم قد استخدم في الاستدلال على وجود الإله الخالق البراهين والحجج التي لا يمتري فيها عاقل، وليست فيها أي من قيود الإشكال، ودون أن يخلَّ بصدق كل ما اشتملت عليه من مقدمات ونتائج في أحكام العقل.

نبذة عن فكر ودعوى منكري وجود الإله الخالق وبطلانها:

يزعم الملحدون والمنكرون لوجود الإله الخالق أن الدين لا حقيقة له، وأنه مظهر للغريزة الإنسانية، وأن كل ما يحدث في الكون من الأرض إلى السماء خاضع لقانون معلوم يسمى بـ "قانون الطبيعة" وكانوا بداءة قد قالوا بوجود الإله الذي كان في البداية هو الـمُحرك الأول لهذا الكون، ثم ما لبث أن تركه وشأنه، فلا صلة له به، ولا صلة له بما يحويه هذا الكون من مخلوقات حية أو غير حية، موافقين بذلك قول المشركين من قبل الذين أنكروا بعث الإنسان بعد موته للحساب والجزاء، فقالوا: إن هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع.

ثم قام زعماء الإلحاد ومنكري الألوهية بضرب مثالٍ في هذا الصدد، حيث قال (والتير): «إن الكون كالساعة يرتب صانعها آلاتها الدقيقة في هيئة خاصة ويحركها، ثم تنقطع صلته بها..» على حد قوله.

ثم جاء بعده مَن أنكر وجود الإله من البداية، حيث لم يرتضِ كبره وغروره بأن يثبت مُجرد الإثبات، لذلك الإله، وإن كان دوره ليس إلا في بدء الخلق فقط.

فجاء (هيوم) منقادًا لأهوائه وشهواته، فتخلص من ذلك الإله الميت الذي لم يَعُد له صلة بهذا الكون منذ بدء الخلق، فقال:
«لقد رأينا الساعات وهي تُصنع في المصانع، ولكننا لم نر الكون وهو يُصنع، فكيف نسلم بأن له صانعًا؟!» على حد قوله وزعمه.
فأصبح ذلك القول سائدًا ومسيطرًا على عقولهم، بعد أن غُلِّقت على مثل تلك المفاهيم والمقاييس الخاطئة، والأوهام الخادعة التي لا قيمة ولا وزن بها، فعميت قلوبهم وبصيرتهم، مصداقًا لقول الله تعالى:

﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46].

ومن ثَمَّ بعدما كان من إنكار هؤلاء الملحدين للألوهية والدين، مُتبعين أهواءهم وشهواتهم، مُسيطرًا عليهم الكبر والغرور، ما كان منهم إلا إنكار كل ما يَمَسُّ قضية الألوهية والدين بصلةٍ ما.
فأنكروا إرسال الرسل، ومِن ثَمَّ أنكروا الكتب السماوية التي أُنزلت عليهم متضمنة الأوامر والواجبات والتكاليف الشرعية، ومتضمنة الحدود والنواهي، والتعاليم السامية هدايةً للبشر، وأنكروا كل ما جاء فيها من إخبار بالغيبيات سواءً كانت ماضية أو حاضرة أو مستقبلية.
ومن ثم أنكروا وجود الملائكة وغيرهم من المخلوقات غير المرئية.
ومن ثم أنكروا القضاء والقدر، وأن كل ما يحدث في الكون المرئي وغير المرئي بإرادة وعلمٍ من الله سبحانه وتعالى، وأن كل ذلك كان بتقدير مُسْبق من الله تعالى لحكمة يعلمها، فأنكروا كل ذلك، ولم يؤمنوا به.
ومن ثم أنكروا قضية البعث مرة أخرى من أجل الحساب والجزاء والحياة الأبدية، إما إلى جنة الله تبارك وتعالى ودار نعيمه إن كان مؤمنًا صالحًا، وإما إلى نار الله عز وجل وأليم عذابه إن كان كافرًا فاسقًا، فلم يؤمنوا بذلك كله.
ومن ثم أنكروا وجود جنة الله تبارك وتعالى ودار نعيمه ورضاه، وأنكروا وجود نار الله عز وجل ودار عذابه وسخطه، فلم يؤمنوا بأي من ذلك.

فهم دائما في تَخَبُّطٍ وتيه في دنياهم التي عُجَّلت لهم، حيث لا دين يدينون به، ولا إله يتعبدون ويتقربون إليه، وإن شئت قلت على الوجه الدقيق:
إنهم قد اتخذوا من أهوائهم وشهواتهم إلهًا يُعبد من دون الله جل وعلا، لانقيادهم خلفها واتباعهم لها، وتفضيلهم لديناهم الفانية على الآخرة الباقية، وذلك مصداقًا لقول الله تعالى:

﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾ [الفرقان: 43].

ونوضح ما ذكرنا من فكر ودعوى منكري الألوهية في الآتي:
1- أن التصور العام الشائع بين الملحدين ومنكري الألوهية يفترض أنه لا واقع إلا الواقع المادي، وأن الحقائق إنما هي الحقائق المادية.
2- أن الكون مُكتف بنفسه، غني عن أي شيء خارجي.
3- أن المادة في ذاتها أزلية، وأنها قد تجمعت بمحض الصدفة؛ لتأخذ تلك الأشكال التي يتكون منها عالمنا هذا، بما فيه من حياة وعقل.
4- يقولون إنه ينبغي أن يكون الاعتماد على العلم الطبيعي، لا على الدين في معرفة الحقائق.

وردًّا على مثل تلك الافتراءات والدعاوى الكاذبة الباطلة، نوضح أولا:
أن الله سبحانه وتعالى قد هيأ للأمة الإسلامية الجهابذة من علماء السنة الذين قد بينوا زيف ما يقولونه وما يدَّعونه –الملحدون- عقلا ونقلا.
ومن الردود التي توضح عجز فكر ودعوى منكري الألوهية وبطلانها:
1- أن الطبيعة حقيقة من حقائق الكون، وليست تفسيرًا له، فالدين يُبين لنا الأسباب والدوافع الحقيقية من خلق هذا الكون، وما اكتشف من اكتشافات علمية في مجال الطبيعة ما هو إلا الهيكل الظاهر للكون.
- فالعلم الحديث تفصيل لما يحدث، وليس بتفسير لهذا الأمر الواقع، ونذكر مثالًا على ذلك:
لقد كان الإنسان القديم يعرف أن السماء تمطر، وكان ينسب ذلك إلى الله سبحانه وتعالى، وأنه جل شأنه هو الذي قدَّر وأذن للسماء بأن تُمطِر، فكل ما يحدث في الكون يكون وفقًا لمشيئته وإرادته سبحانه وتعالى.
ولكننا اليوم نعرف ما ينتج عن عملية تبخر الماء في البحر، حى نزول قطرات على الأرض، وكل هذه المشاهدات صور للواقع.

فهل يعني ذلك: أن العلم قد كشف لنا كيف صارت هذه الوقائع قوانين؟! وكيف قامت هذه القوانين بين الأرض والسماء على هذه الصورة المذهلة حتى أن العلماء يستنبطون منها القوانين العلمية؟!

بالطبع: لا.
فالإنسان لم يكتشف سوى نظام الطبيعة.
وإذا ما ادَّعى الإنسان أن كشفه لنظام الطبيعة يُعَدُّ كشفًا لتفسير هذا الكون، فإن ذلك يكون ما هو إلى خُدْعة لنفسه.

قد صار حتمًا علينا بعد هذه المشاهدات أن نؤمن بأن من وراء هذا النظام العتيق للكون الواسع الفسيح إله خالق عظيم.([1])

مثال آخر:
إن الكون على حاله ليس إلا كمثل ماكينة تدور تحت غطائها، ولا نعلم عنها إلا أنها تدور، ولكننا إذا فتحنا غطاءها، فسوف نشاهد كيف ترتبط هذه الماكينة بدوائر وتروس كثيرة، يدور بعضها ببعض، ونشاهد حركاتها كلها.
فهل معنى ذلك: أننا قد علمنا خالق هذه الماكينة وصانعها بمجرد مشاهدتنا لما يدور داخلها؟ بالطبع: لا.

فهل يُفهم منطقيًّا أن مشاهدتنا لما يدور بداخل الماكينة أثبتت أن الماكينة جاءت من تلقاء ذاتها؟! وأنها تقوم بدورها ذاتيًّا؟!([2])
بالطبع: لا.
فلا يصدر مثل ذلك القول من عاقل، بل من منكر جاحد.
إذن فكيف نُثبت بعد مشاهدة لبعض عمليات الكون أنه جاء تلقائيًّا، ويتحرك ذاتيًّا؟!
فلو أن هذه الاكتشافات العلمية لهذا الكون زادت مليون ضعف عنها اليوم أو أكثر، فلا يكون مثل ذلك إلا مشاهدة لبعض عمليات الكون، وليس إثباتًا لمجيئه أو تركه تلقائيًّا ذاتيًّا.
بل إن ذلك كله يدفعنا بقوة للإيمان برب هذا الكون وخالقه ومُبدعه على مثل هذا النظام الدقيق، والذي يستحيل أن يكون مجيئه مصادفة، كما يدعي الكاذبون المفترون.

2- أن الكون ليس مُكتفٍ بنفسه أو غني عن أي شيء خارجه؛ لأنه قد ثبت لدينا عقلا ونقلا –من كلام الأنبياء والمرسلين والكتب السماوية- أن للكون خالق عظيم، ذو صفات مُغايرة لصفات المخلوقين.
3- ولما أشرنا سابقًا، يكون من المُحال أن تكون المادة أزلية أو تكون قد تجمعت بمحض الصدفة؛ لتأخذ تلك الأشكال التي يتكون منها عالمنا من حياة وعقل.
4- أن الحواس ليست طريقًا إلى معرفة كل ما يحتاج الناس إلى معرفته، فلا تناقض بين الاعتماد على الحس في معرفة ما من شأنه أن يُعرف بها، والاعتماد على العقل في معرفة ما لا يُعرف إلا به، فلا تقابل بين العلم الطبيعي والدين، بل إن الدين يعترف بالمنهج العلمي الطبيعي كوسيلة إلى المعرفة، ولكنه يقول: إنه –العلم الطبيعي- ليس وسيلة إلى كل المعارف.

فهناك معارف لا تدرك إلا بالرواية، وأخرى لا تُدرك إلا بالاستنتاج العقلي، وأخرى لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق الأنبياء والرسل والكتب السماوية.

فالعاقل هو الذي يستفيد من كل هذه الوسائل بحسب نوع المعرفة التي يريدها.([3])

نبذة عن الفلسفة الوهمية لأهل الإلحاد ومنكري الألوهية:
لقد سلَّم أهل الإلحاد ومنكري الألوهية بمقدمات عقلية وهمية تخمينية، لا يُعتد بها حيث لا أساس لها من الصحة، نذكر منها:

1- قولهم بأن المادة أزلية، وأن المادة لا تخلق ولا تُفنى، وهذا قول باطل؛ حيث أثبت العلم الحديث أن المادة في كل شكل من أشكالها المعينة التي يمكن أن نشير إليها ليست أزلية،بل إنها قابلة للتحلل أو التحول إلى مواد أو طاقات أخرى.
ومعلوم أن كل ما يتحلل أو يتحول فليس بأزلي غير حادث، بل هو بالضرورة حادث.

إذن فالمادة المعينة حادثة فانية.
ونذكر مثالًا لذلك:
إننا إذا قلنا لإنسان له إلمام بعلم الكيمياء والفيزياء بأن المادة تُفنى، ثم ضربنا له مثلًا على ذلك بموته، فقد تكون إجابته: إنني لم أفن، وإنما تحولت إلى مواد أخرى، فإذا قلنا له: ولكن هذه المواد الأخرى أيضًا تُفنى.

يقول: ولكنها بدورها تتحول إلى مواد أخرى.
فإذا استمررنا قائلين: وهذه بدورها تفنى، وما تتحول إليه تُفنى.
ظل هو مُصرًّا على رأيه بأن هنالك وراء كل هذا مادة لا تُفنى.
فإذا قلنا له: وما هي هذه المادة التي لا تُفنى؟

نجده لا يُحري جوابًا.
لأنه في الحقيقة لا يتحدث عن مادة واقعية، وإنما يتحدث عن مادة ذهنية فلسفية، وهمية تخمينية.

لذلك، فإن المادة الأزلية لا وجود لها في الأعيان، وإنما وجودها في الأذهان، ونحن في حياتنا اليومية والعلمية إنما نتعامل مع مادة مُعينة، لا مادة ذهنية.([4])

ونخلص من ذلك: 

بأنه لا بد أن يكون من وراء هذه المادة ووجودها سبب حقيقي ما يكون من طبيعتها، أي يكون: أزلي ليس لوجوده بداية وليـس له نهاية، ألا وهو الإله الخالق العظيم.

2- مثال على مثل تلك الفلسفة الذهنية الوهمية.
لنتخيل أن رهطًا من سكان بعض النجوم هبط إلى الأرض، وهم يسمعون لكنهم ليس لديهم القدرة على الكلام، وأرادوا أن يبحثوا عن الأسباب المؤدية إلى تكلم الإنسان، وبينما هم في بحثهم إذ هبت الرياح، واحتك غصنان أحدهما مع الآخر، فنتج صوت، وتكررت هذه العملية غير مرة حتى توقفت الرياح، وإذا بهم يظنون أنهم قد توصلوا إلى معرفة سر كلام الإنسان، وهو أن فم الإنسان يحتوي على فكين من الأسنان، فإذا احتك الفك العلوي بالفك السفلي تكلم، ومما لا شك فيه أنه إذا احتك شيء بالآخر يُحدث صوتًا، ولكن: هل هذا الواقع يكشف عن سر كلام الإنسان؟!

بالطبع: لا.([5])

لأن ذلك يُعدُّ وهمًا، وباطلًا لا أساس له من الصحة.
كذلك، فإن الفلسفية الوهمية لأهل الإلحاد ومنكري الألوهية تعدّ كشفها لنظام الطبيعة تفسيرًا لهذا الكون.
وما ذلك إلا خُدعة، وادعاء باطل، كما أشرنا في المثال السابق للتقريب.
ولذلك نؤكد بأن: فلسفة أهل الإلحاد ما هي إلا فلسفة ذهنية تخمينية، وادعاء باطل لا أساس له من الصحة.

فمثل هؤلاء الملحدين ومنكري الألوهية قد أغمضوا أعينهم عن الحقائق الظاهرة وشادوا قناطر خيالية من الادعاء، كما تتمثل في استدلالاتهم بالشاذ من الأمور.([6])
وما ذلك إلا اتباعًا للأهواء والشهوات، وخضوعًا لكبر النفس وغرورها.

- مثال آخر على مثل تلك الفلسفة الذهنية الوهمية لأهل الإلحاد ومنكري الألوهية:
قد يقول ذلك المنكر لوجود الله تعالى: هل يستطيع ربكم أن يخلق حجرًا لا يستطيع تحريكه؟ وهو يظن أننا مضطرون إلى أن نجيب بنعم أو لا، وفي كلا الحالين يتحقق له ما يريد.
فإن قلنا: نعم يستطيع، يقول: إذن هنالك شيء لا يستطيعه، وهو تحريك هذا الحجر.
وإن قلنا: لا، يقول: إذن هنالك شيء لا يستطيعه، فهو ليس قادرًا، 

ولكننا لن نجيب بهذا ولا بذاك، بل نقول:
إن سؤالك ينطوي على تناقض، فهو أمر مستحيل عقلا، وقدرة الله تعالى لا تتعلق بالمستحيلات، لأن المستحيل عقلا ليس في حقيقة الأمر بشيء. ([7])

3- لقد سلَّم –أهل الإلحاد ومنكري الألوهية- بأن التجربة والمشاهدة هما وسيلتا العلم القطعيتان، وهذا ادعاء كاذب.
وسوف نذكر مثالًا يوضح أن التجربة والمشاهدة ليستا وسيلتي العلم القطعيتين، حيث إن العلم لا ينحصر في الأمور التي شوهدت بالتجربة المباشرة، حيث إن هناك من العلوم ما لا يُدرك إلا بالرواية، وأخرى بالاستنتاج العقلي, وأخرى عن طريق الأنبياء والرسل والكتب السماوية.

ومما يدل على أن العلم لا ينحصر في الأمور التي شوهدت بالتجربة المباشرة:

كان الناس قديمًا يصنعون السفن الشراعية من الخشب، اعتقادًا منهم أن الماء لا يحمل إلا ما يكون أخف منه وزنًا، وحين قال بعضهم: إن السفن الحديدية سوف تطفو على سطح الماء كالتي من الخشب، أنكر الناس عليه مقالته، واتخذوها هزوًا، وجاءوا بنعل من حديد في دلو مملوء بالماء ليشهد الناس على أن هذه القطعة الحديدية استقرت في القاع، بدلا من أن تطفو على سطح الماء، وكان ذلك العمل تجربة.

ولكننا جميعًا نعتقد اليوم، ونقول بأنها كانت تجربة باطلة، فلو كانوا قد ألقوا بطبق من حديد لشاهدوا بالعين صدق ما قيل من طفو السفن الحديدية. ([8])

وكذلك الحال بالنسبة لأهل الإلحاد ومنكري الألوهية فقد حصروا علمهم فيما شاهدوه بأعينهم أو بالتجربة المباشرة، مستدلين بها على صحة قولهم.

ولذلك فإن أهل الإلحاد قد أنكروا وجود الإله الخاق استدلالًا بعدم رؤيتهم له، حيث إنهم قد حصروا علمهم في الأمور المشاهدة عيانًا أو بالتجربة المباشرة، وذلك مما لا شك فيه فلسفة وهمية، وادعاء خاطئ كاذب.

ويُدلل على ذلك أيضًا:
أنه في بداية القرن العشرين كان ما زال التلسكوب ضعيفًا، فلما شاهد العلماء السماء بهذا المنظار وجدوا أجرامًا كثيرة كالنور، فاستنبطوا أنها سحب من البخار والغاز، تمر بمرحلة قبل أن تصير نجمًا، ولكن بعدما صُنع منظارًا قويًّا، وشوهدت هذه الأجرام مرة ثانية، علموا أن هذه الأجرام الكثيرة المضيئة هي مجموعة من نجوم كثيرة كالسحب، نتيجة البعد الهائل بينها وبين الأرض.([9])
وهذا مما يؤكد أن: التجربة والمشاهدة ليستا وسيلتي العلم القطعيتين، فالعلم لا ينحصر في الأمور التي قد شوهدت عيانًا أو بالتجربة المباشرة.

فكل حقيقة نؤمن بها تكون فرضًا في أول أمرها، إلى أن تُكتشف حقائق جديدة تُدعِّم صدقها، لذلك فإن العالم يؤمن بوجود شيء غائب بمجرد ظهور نتائجه وآثاره.

وهذا مما يُحتِّم علينا أن نؤمن أن من وراء هذا الكون إله خالق عظيم لظهور آياته، والآثار الدالة على عظيم صفاته وقدرته في إبداعه لهذا النظام الكوني العجيب المُذهل.

4- قولهم بأن المادة قد تجمعت مصادفة لتأخذ الأشكال التي يتكون منها عالمنا من حياة وعقل، وذلك زعم باطل.
فالمصادفة وحدها –لا سيما في مثل ذلك الحال- لا تُجدي، بل لا بد أن يكون وراءها تصميم.

مثال ذلك: إذا ما كان تكوين الكائنات من الذرات مُجتمعة يكون بالمصادفة، فإن ذلك نقيض أن هذه الذرات كانت مُصممة بحيث إذا اجتمعت بطريقة ما تكون منها ذهب، وإذا تكونت بطريقة ما تكون منها ماء، وهكذا.
إذن فالمصادفة وحدها لا تحل الإشكال؛ لأنها لا تغني عن التصميم.([10])

مما يؤكد وجود هذا المُصمم المبدع لهذه الذرات، وطريقة تجمعها، وبالتالي لهذا الكون.

فلا يسعنا إلا أن نقول بأن من وراء هذا الكون مصمِّم مبدع، وهو الإله الخالق العظيم.


([1] ) كتاب: الإسلام يتحدى، وحيد الدين خان.
([2] ) موجز من كتاب: الإسلام يتحدى.
([3]) الفيزياء ووجود الخلق، للدكتور/ جعفر شيخ إدريس.
([4] ) الفيزياء ووجود الخالق، د/ جعفر شيخ إدريس.
([5] ) الإسلام يتحدى، وحيد الدين خان.
([6] ) الإسلام يتحدى، وحيد الدين خان.
([7] ) منهج الجدل والمناظرة في تقرير الاعتقاد، د/ عثمان علي حسن.
([8] ) الإسلام يتحدى، وحيد الدين خان.
([9] ) الإسلام يتحدى، وحيد الدين خان.
([10] ) الفيزياء ووجود الخالق، د/ جعفر شيخ إدريس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق