الاثنين، 30 نوفمبر 2015

زعم اليهود بقتل المسيح وصلبه (2)


زعم اليهود بقتل المسيح وصلبه (2)


لقد كان إقرار الخطيئة اليهودية التي قرَّر القيام بها وتنفيذَها تحالفُ قوى الكهان والشيوخ تعبيرًا عن توجيه ممثِّلي فئات التناقض الاجتماعي من الفريسيين، والبارسيين، والصدوقيين، والعشارين، والمرابين، وغيرهم، ثم تأثيرهم جميعًا في الحال الاجتماعي كله، وتلويثهم لما تبقى من العقيدة الدينية التي كانت مناخًا عامًّا للسيد المسيح من أثر دعوته‏.‏

ولقد بلغتِ السيطرةُ اليهودية تضليلاً للجماهير المغلوبة على أمرها إلى الدرجة التي كانت تجعل جمعًا كبيرًا من الشعب المريض المطحون بالألم يتجرَّد من الولاء للبشارة الدينية على يدي السيد المسيح، ويتحلل من الارتباط بالعقيدة الدينية على يد المعلِّم العظيم.‏

ولقد بلغ من سيطرتهم على الجماهير البسيطة أن الذين كانوا يرون في السيد المسيح المخرجَ والخلاص، أصبحوا تحت أَسْر القوى الثائرة، تثور هي الأخرى، وتهلل للنهاية التي مثَّلت أبشع مرحلة في تاريخ قاتلي الأنبياء وراجمي المرسلين‏.‏

ولقد كان كل هذا بعضَ حلقاتٍ في السلسلة الطويلة، التي تقود الفرد الإنسان اليهودي ومجتمعه إلى بهيمية الطبع الملتوي، والخلق النهاز الذي يأبى إلا أن يكون مسيطرًا أو سيدًا أو مستغلاًّ، يمثِّل كل أساليب العَلاقات العنصرية، ومظاهر الاستغلال المَقِيت، ما إن تلوح في أفق حياتهم دعوة من الحق والعدل والمساواة، إلا وتقوم الكهانة الدينية في خدمة السيادة الدنيوية، وتتكاتف قوى تناقضات الميراث القائم على الوشاية والاستغلال؛ حتى تتخلص من الدعوة والدعاة بالقتل أو بالتشريد أو المطاردة، وهذا هو ما تقصُّه آيات الأناجيل كميراث لكل المؤمنين بهذه الآيات عمَّا تعرَّضت له دعوة المعلِّم العظيم، وعمَّا تعرَّض هو له، وعمَّا ناله أصحابه ووقع عليهم من صنوف المحن والآلام، حتى انتهى الدور العظيم للمعلم - سلام الله عليه - وقوى الاستغلال اليهودي ساخطةٌ عليه وثائرة‏؛ [‏التاريخ اليهودي العام، ص 347، 350، بتصرف‏].‏

ثم ماذا‏؟‏
‏"‏إنه بعد المحكمة الملفقة، والتي لم تكن سوى موقف من المهاترات التي أرادها القوم في حوارهم مع السيد المسيح، وبعد الأخبار المتعلِّقة بالقبض عليه، والمناقشات الدينية التي تمت بعد القبض عليه فيما تقصُّه الأناجيل - كان الحال الاجتماعي أن الجماهير اليهودية قد ضللت؛ أي: إنها قد أصبحت في موقفِ رفضٍ وثورة، وتمرد وسخط على المعلِّم، وكأن ‏"‏متى‏"‏ - فيما يَرْوِيه في الإصحاح السابع والعشرين - يُرِيد أن يصفَ تظاهرة ثائرة وساخطة أحاطتِ بالموكب الذي لازم السيد المسيح، وهو يساق إلى النهاية الأثيمة التي تصوِّرها الأناجيل للمؤمنين بها‏.

يصوِّر لنا ‏"‏متى‏"‏ غوغائيةَ الشعب اليهودي وبهيميةَ طبعِه، واندفاعه الأعمى الأحمق، وهو يطارد - في النهاية - داعي الحب والسلام، بعبارات الشماتة والسخرية، والهزء والنكران، والنيات المبيَّتة بالغدر والخداع، ولم يكتفِ بالمطاردة والتضييق، والحصار، وتعبئة الجمهور بالقوة، والوشاية، ثم تشويه كل ما دعا إليه، وما نادى به، لإيقاف خطر دعوة المسيح الجديدة، ثم التمرد والثورة حتى كانت المأساة بأن اشترك الجميع في تلك النهاية المأساوية‏‏!‏

كل هذا يصوِّر لنا عَلاقة الشعب اليهودي عبر التاريخ في مواقفهم من دعاة الحق والخير والسلام، فإنه من داخل الحال الذي يصوِّره ‏"‏متى‏"‏ عن السيد المسيح - الذي نعتقد نحن أنه الشبيه - وهو يساقُ في موكب الشامتين الساخطين، وقد نَزَع القوم عنه ملابسه وعَرَّوْه ووضعوا حول رأسه شوكًا، أو ضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه، وبصقوا على وجهه، وجعلوا قصبة في يمينه، وهم يستهزئون به قائلين‏: السلام عليك يا ملك اليهود، ثم يبصقون عليه‏.‏

هكذا يصوِّر الإنجيل هذا المشهد المأساوي، ونحن نستخلص منه‏: كيف يعمل النكران والكفر عمله ببني إسرائيل في علاقاتهم وتاريخهم مع السيد المسيح، فحتى أثناء المواقف الرهيبة التي طاردوا فيها السيد المسيح، ووصل إلى الحال الذي صوَّرته الأناجيل، قد وقفوا منه في شماتة وسخرية ينادون بعبارات الجحود والنكران، مؤمِّلين في اندفاعهم وحقدهم أن يقتلوا في قلب مَن لا يزال متعلقًا أو مرتبطًا بما دعا إليه المعلِّم - عليه السلام - كلَّ أثر لهذا الارتباط‏.‏

يقول ‏"‏متى‏"‏‏: ‏‏.‏‏.‏‏‏‏. ‏وكذلك رؤساء الكهنة أيضًا وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ، قالوا‏: خلَّص آخرين، وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها‏!‏ إن كان هو ملك إسرائيل، فلينزل الآن من على الصليب فنؤمن به، قد اتَّكل على الله فلينقذه الآن إن أراد؛ لأنه قال: أنا ابن الله‏"‏‏.‏

ومن أعجب العجب أنه حتى الذين لم يكن من صالحهم ولا يضيرهم حياة السيد المسيح أو نهايته، بل وما يكون لهم أن يجاروا قوى التناقض الطبقي الذين يهدِّدهم منهج السيد المسيح في الحياة ودعوته إلى الحب والعدل، أن اندفعوا مع القوم في ثورتهم، وأصبح تيار التمرُّد والسخط والرفض لقيم الحق والخير يشمل جميع فئات وجماعات بني إسرائيل، فاللصَّانِ اللذان كانا حُكِم عليهما بالصَّلْب - وبنفس النهاية التي يبتغيها القوم للسيد المسيح - قد أصبحا رغم نهايتهما السيئة مثلَ القوم جميعًا، ويرون في السيد المسيح مثلما يستشعر القوم جميعًا؛ الخطر، والرفض لوجود حياة المعلم العظيم، فكانا - على حد رواية ‏"‏متى‏"‏ - يقفانِ نفس الموقف‏"‏‏.‏‏.‏‏.،‏ وبذلك أيضًا كان اللصان اللذان صُلِبا معه يعيِّرانه‏"‏‏!‏

إنها - على أي حال - صورةٌ من حوادث التاريخ الإنساني المريرة - كما تصوِّرها الأناجيل - تكالبتْ فيها قوى الشر؛ كي تمزِّق من الأرض قضية الخير قبل أن ينمو ويستقر، على لسان صاحب دعوةٍ يؤسِّس مبادئها ويجمع الناس عليها من أجل الحق والعدل.‏

إنها آياتٌ تصوِّر لنا المعتقد الديني - حسبما سجَّلَتْه الأناجيل - عن عَلاقة الشعب اليهودي وجماعات إسرائيل بالسيد المسيح، ويمثِّلها القوم الإسرائيليون كأسلوبِ حياةٍ في محاولات لاستبقاءِ وهم التشدُّق بالأفضلية والامتياز، أو الاختيار والاصطفاء، فإن المرحلة الخطيرة من عمر الوجود الإسرائيلي وهي المرحلة التي حاول فيها السيد المسيح أن يؤصِّل ويخلق مع معاني الخير في قلوب الذين سَرَقوا الحق وقتلوا أصحابه - على حدِّ ما ترمز إليه عبارات الأناجيل - فرفضوا الدعوة وصاحبها‏‏!‏

ومع كل هذه الاستخراجات التي أتينا عليها مما قرَّرتْها آيات الأناجيل في تاريخها لنوع العلاقة اليهودية المسيحية، التي بدأت من جانب جماعات إسرائيل في عصر الميلاد بالتخلص من صاحب الميلاد - عليه السلام - ثم عنادهم وإصرارهم ومواصلتهم طريق العداء والرفض، بل والمطاردة لكل قِيَم ومبادئ وعقيدة صاحب الميلاد - عليه السلام - فإنه في العصر الحديث وتحت سمع الدنيا وبصرها، قد وُجِد من الذين أرادوا أن يشوِّهوا ميراثَ الدين المسيحي، وصُلْبَ دعوته وعقيدته في خدمة مرحلة جديدة وعصرية من محاولات اليهود صهاينة الحركة الاستعمارية العنصرية الرأسمالية - مجموعةٌ من العملاء والجهلاء على حد سواء، عَمِلوا على أن يشوِّهوا آيات العقيدة الدينية المسيحية التي تَكشِف عورات اليهود وسُوء نياتهم نحو قيم الحب والحق والخير، وتبدِّد النظر عن إثم عملهم وخطيئة ميراثهم، كان ذلك حين أمكن لنشاط اليهود العالمي أن يصلَ إلى معقل القداسة الدينية، وموطن التطهر المسيحي في العالم؛ كي يمسخ ويشوه الآيات التي تقوم عليها قداسة الدين المسيحي ومعتقد المسيحيين في الفاتيكان وفي غيره من بقاع الأرض، وحيثما يوجد مسيحي يردد بضع آيات من الأناجيل يؤمن بها ويعتز بقداستها‏"؛ [‏التاريخ اليهودي العام، ص357 - 363، بتصرف‏].‏

حقًّا إنها مفارقة عجيبة تبرئة اليهود من دم المسيح، ‏ومع أن المسيحية كانت منذ بدايتها دحضًا صريحًا لكل آمال اليهود، قائلة‏: ‏‏"هو ذا بيتكم يترك لكم خرابًا‏"،‏ فإننا نجد أن المسيحية قد تحوَّلت منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى أكبر مساندٍ عنيد لتحقيق آمال اليهود ومطامعهم؛ حيث خضع ‏"‏البروتستانت‏"‏ أولاً، ثم ها نحن نرى أن الكاثوليكية قد خضعت هي الأخرى في السنوات الأخيرة، حتى أعلنت تبرئة اليهود من دم المسيح، وسمحت للمسيحيين بالانضمام إلى محافل الماسونية‏‏‏!"‏؛ [‏المخططات التلمودية، ص63‏]‏.

قد كان على المسيحيين قبل المسلمين أن يهبُّوا - ولديهم القوة - لأخذ ثأرهم من بني إسرائيل ‏"‏اليهود‏"‏ لدورهم الذي قاموا به مع أعظم شخصية لديهم، لا أن يمتحلوا لهم الأعذار، ويقوموا بتأليف وثيقة لتبرئة اليهود من دم المسيح‏؛ [‏جنايات بني إسرائيل على الدين والمجتمع، ص 159 - 160، بتصرف‏].‏

حيث أصدر‏ "‏المؤتمر الإكليروسي العالمي‏"‏ المنعقد برئاسة ‏البابا "بولس السادس‏"‏ سنة 1963م، قرارًا بتبرئة اليهود من دم المسيح، هذا نصه‏: ‏‏"‏إن التآمر اليهودي على السيد المسيح لم يكن جماعيًّا، وإن اليهود الذين لم يحضروا ذلك التآمر أبرياءُ من اللعنة‏".‏

هذا القرار لم يأتِ عفوَ الخاطر، وإنما جاء ولا شك بعد جهود دائبة مكثفة وعمل مضنٍ امتد عدة قرون‏‏؛ [‏القوى الخفية، ص78 - 79، بتصرف‏].‏

تبرئة اليهود من اللعنة، مع أن الإنجيل ينص صراحة على لعن اليهود‏‏‏!‏ ويؤكِّد على أنهم هم الذين طلبوا اللعنة على أنفسهم، وعلى ذراريهم مِن بعدِهم، وهذا يدل على أن القرار لم يأتِ عفوًا بلا تعب، فلا يُدين جميع اليهود الذين عاصروا المسيح، ويبرِّئ اليهود الذين لم يحضروا ذلك التآمر من الأجيال اللاحقة، تلك الأجيال التي كانت وما تزال وستبقى تحمل التوراة وتقدِّسها، وتقدِّم التلمود عليها، وكما رأينا التلمود يصف المسيح بالدجل، ويصف أمه بالزنا، ويحكم عليه أنه في سقر، بين القار والنار‏‏!‏

فهل لمثل هذا ينعت شعب الله المختار بالشعب الملعون، والشعب القاتل‏؟‏‏!‏‏
لا، لا‏.‏‏.‏‏.‏ إنه بريء من اللعنة، بريء من الصَّلب والقتل‏!‏‏!‏

ولم يكتفِ المؤتمرون بقرار التبرئة هذا، بل إنهم حملوا على جميع الأديان، ما عدا المسيحية واليهودية طبعًا، ووصفوها بأنها ديانات وثنية‏؛ [‏القوى الخفية، ص80‏]‏.

ومع وجود هذا القرار الذي برَّأ ساحة اليهود من دم المسيح، لا يسعنا إلا أن نفتح الإنجيل لنفتح به بصيرة عميان المسيحية بعد أن أعمت اليهوديةُ بِذَهَبِها بصرَهم، لنفتح إنجيل متى ونقرأ‏: "‏ويل لكم، أيها الكتبة والفريسيون المراؤون؛ لأنكم تَبْنُون قبور الأنبياء، وتزينون مدافن الصديقين، وتقولون: لو كنا في أيام آبائنا لما شاركناهم في دم الأنبياء، فأنتم بذلك تشهدون على أنكم قَتَلة، أيها الحيات، يا أولاد الأفاعي، يا أبناء إبليس، كيف تهربون من دينونة جهنم، لذلك أنا أرسل لكم أنبياء وحكماء وكتبة، فمنهم تقتلون وتصلبون، ومنهم تجلدون في مجامعكم، وتطردون من مدينة إلى مدينة‏"‏‏؛ [‏إنجيل متى، إصحاح، 23‏].‏

ألا يدلُّ هذا الكلام - الذي جاء على لسان المسيح - دلالةً صريحة على أن اليهود قَتَلة في كل زمان ومكان‏؟‏ هل ما زلتم في شك من ذلك‏؟‏ أما قرأتم هذا الحوار الذي دار بين اليهود وبين ‏"‏بيلاطوس البنطي‏"‏ قُبَيل محاكمة المسيح‏‏‏؟‏
بيلاطوس‏: وأي شر عمل‏؟‏
الجميع‏: ليصلب، ليصلب.
‏(‏فلما رأى بيلاطوس أنه لا ينفع شيء، أخذ ماءً، وغسل يديه قدام الجميع‏).‏
وقال بيلاطوس‏: إني بريء من دم هذا البار، أبصروا أنتم.
الجميع‏: دمُهُ علينا وعلى أولادنا‏.‏

فهذا بيلاطوس غسل يديه من دم المسيح، لئلاَّ يلطخها بالدم البريء، في حين كان جميع المجتمعين يقولون: ‏"‏دمُه علينا وعلى أولادنا‏"‏‏؛ [‏إنجيل متى، إصحاح، 27‏(‏20 - 26‏)‏ بتصرف‏].‏

ولا شك أن المسيحيين قد قرؤوا في إنجيلهم هذا الحوار المأساوي الذي دار بين المسيح ومَن أرادوا صلبه قُبَيل تنفيذ عملية الصلب هذه - حسب زعم الإنجيل‏.‏

اليهود‏: أبونا إبراهيم‏.‏
المسيح‏: لو كنتم أولاد إبراهيم، لكنتم تعملون أعمال إبراهيم، ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني، وأنا إنسان قد كلَّمكم بالحق الذي سمعه من الله، هذا لم يعمله إبراهيم، أنتم تعملون أعمال أبيكم‏.‏

اليهود‏: إننا لم نولد من زنا، لنا أب واحد، هو الله‏.‏
المسيح‏: لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني؛ لأني خرجت من قبل الله وأتيت، لأني لم آتِ من نفسي، بل ذاك أرسلني، لماذا لا تفهمون كلامي‏؟‏ لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا قولي، أنتم من أبٍ هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا، ذاك كان قتالاً للناس من البَدْء، ولم يثبت في الحق؛ لأنه ليس فيه حق، متى تكلم بالكذب، فإنه يتكلم مما له؛ لأنه كذاب وأبو الكذاب، وأما أنا، فلأني أقول الحق، لستم تؤمنون بي، مَن منكم يبكي على خطيئته‏؟‏ فإن كنت أقول الحق، فلماذا لستم تؤمنون بي‏؟ الذي من الله يسمع كلام الله‏.‏

اليهود‏: ألسنا نقول حسنًا‏؟‏ إنك سامري، وبك شيطان‏.‏
المسيح‏: أنا ليس بي شيطان، لكني أكرم أبي، وأنتم تهينونني، أنا لستُ أطلب مجدي، يوجد مَن يطلب ويدين، الحق الحق أقول لكم، إن كان أحد يحفظ كلامي، فلن يرى الموت إلى الأبد‏.‏

اليهود‏: الآن علمنا أن بك شيطانًا، قد مات إبراهيم والأنبياء، وأنت تقول: إن كل واحد يحفظ كلامي، فلن يذوق الموت إلى الأبد، ألعلك أعظم من أبينا إبراهيم الذي مات والأنبياء الذين ماتوا‏؟‏ مَن تجعل نفسك‏؟‏
المسيح‏: إن كنت أمجد نفسي، فليس مجدي شيئًا‏.‏‏.‏‏.‏ أبي هو الذي يمجدني، الذي تقولون أنتم إنه إلهكم، وليس تعرفونه، وأما أنا فأعرفه، وإن قلت: إني لست أعرفه أكن مثلكم كاذبًا، لكنني أعرفه وأحفظ قوله‏.‏

أبوكم إبراهيم تهلَّل بأن يرى يومي، فرأى وفرح‏.‏

اليهود‏: ليس لك خمسون سنة بعد، أفرأيت إبراهيم‏؟‏
المسيح‏: الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن‏.‏

تقول الرواية‏: لقد رفعوا حجارة ورجموه بها، ثم بعد ذلك صلبوه‏؛ [‏إنجيل يوحنا، إصحاح، 8‏(‏38 - 4‏)‏‏]‏ ‏(‏زعموا‏!‏‏)‏

فهذا الذي فعله هؤلاء الأبرياء‏‏!‏ فهل تريدون المزيد‏؟‏
وأنا أعلم - وايم الله - أن المسيح لم يُصلَب، ولكني أُوقِن - والله - لو لم يرفعْه الله إليه لصلبه اليهود، ما يتورَّعون من ذلك، ووالله لو استطاعوا صلبه وقتله أكثر من مرة لفعلوا، وليس هذا مع المسيح فقط، بل ومع كل الأنبياء، وسائر الصلحاء، والمصلحين والمقسطين، وصدق ربنا العظيم القائل في قرآنه الكريم‏: ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ [البقرة: 87]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [آل عمران: 21].

إنهم ما قتلوا المسيح؛ لأن الله نجاه، ولأنه رفعه إليه، ولكن القتل والصلب وقع على شبه المسيح؛ كما قال -تعالى-‏: ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ﴾ [النساء: 157].

ألقى اللهُ شبهَ المسيح على ‏"‏يهوذا الإسخريوطي‏"‏، زعيم الطائفة التي تطارد المسيح فقتلوه وصلبوه وعذَّبوه، ومع ذلك فنحن لا نبرِّئهم من دم المسيح كما فعلت الكنائس المسيحية؛ لأن قوانين العقوبات، تقول‏: إنه إذا ترصَّد شخص لقتل آخر، ووضع الرصاصة في بندقيته وصوبها إليه ليقتله فقتل غيره بدلاً منه.‏‏.‏‏.‏ فإنه حقيقة ما قتل مَن يقصد قتله، ولكنه قاتل بالعمد وبسبق الإصرار، وبإزهاق روح‏‏؛

إن المسيح جاء ليكشف تعاليم اليهود الشريرة، ويطردهم من الهيكل الذي دنسوه؛ ولهذا فإنهم لم يعفوا عنه‏.‏

إن قرار التبرئة هذا كان قرارًا سياسيًّا، اقتضاه قيام إسرائيل وخروج اليهود علنًا إلى مسرح السياسة العالمية‏.‏

فهل رفع المسيحيون على اليهودِ قضيةً يطالبونهم فيها بدم المسيح، حتى يطلب هؤلاء منهم براءتهم من دمه‏؟‏
إن الإجابة على السؤال تفسِّر لماذا ألحَّ اليهود على الفاتيكان بإصدار القرار، وفي هذا الوقت بالذات‏؟‏‏!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق