الاثنين، 30 نوفمبر 2015

بولس والمسيح

بولس والمسيح


لقد كان بولس أول من دعاه ابن الله، ورفض تسميته: ابن الإنسان، وهو ما استخدمه المسيح كثيرًا عند الحديث عن نفسه، حسبما تذكر الأناجيل الأربعة، في مثل هذه الأقوال: ."... ابن الإنسان فليس له أن يسند رأسه - متى 8: 20"

"لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا - مرقس 2: 10".

"كل من قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له، وأما من جدف على الروح القدس فلا يغفر له - لوقا 12: 10".

"متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو - يوحنا 8: 28".

"ولقد كان المسيح يأمر بإقامة كل ما جاء في ناموس موسى والأنبياء، فقال في بَدء دعوته: لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل - متى 5: 17 - 18".

وفي نهاية دعوته: "خاطب يسوع الجموع وتلاميذه قائلاً: على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه، فاحفظوه وافعلوه. ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا؛ لأنهم يقولون ولا يفعلون - متى 23: 1 - 3".

ولقد أنذر المسيح من يتعدى ناموس موسى والأنبياء بأنه سيكون أحقر الناس يوم الدنيونة، فقال: فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى، وعلم الناس هكذا، يدعى أصغر في ملكوت السموات.

وأما من عمل وعلم فهذا يدعى عظيمًا في ملكوت السموات - متى 5: 19".

لكن بولس كان يقول بعكس ذلك تمامًا؛ فهجومه على الناموس معروف، ودعوته إلى التحرر من سلطانه تملأ رسائله؛ فقد قال: "نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس، بل بإيمان يسوع المسيح... لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما - غلاطية 2: 16".

قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح، لكي نتبرر بالإيمان - ولكن بعدما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدب - غلاطية 3: 10 - 25".

ولقد كان المسيح يعلم الإسرائيليين أن جوهر الناموس يتركز في: "الحق والرحمة والإيمان. وكان ينبغي أن تعملوا هذه - متى 23: 23".

وأن الله يريد الرحمة، لا الذبحة والقربان، فقال المسيح: "اذهبوا وتعلموا ما هو: إني أريد رحمة لا ذبيحة - متى 9: 13، 12: 7".

والمسيح يشير هنا إلى ما جاء في أسفار الأنبياء: "إني أريد رحمة لا ذبيحة، ومعرفة الله أكثر من محرقات" - هوشع 6: 6".

وقد أكد داود هذا المعنى من قبل، فقال في مزاميره: بذبيحة وتقدمة لم تسر. محرقة وذبيحة خطية لم تطلب - مزمور 40: 6".

ذبائح الله هي روح مكسرة - مزمور 51: 17".

لكن بولس، خلافًا لكل ذلك، يصر على أن الذبيحة هي السبيل إلى الخلاص والمصالحة مع الله. وأن تلك الذبيحة لا بد أن تكون المسيح ابن الله، الذي يقتل على الصليب رغمًا عنه، بزعم أن ذلك يكفر عن خطايا البشر، ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه - رومية 5: 10".

الذي لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين - رومية 8: 32".

ولهذا أغمض بولس عينيه عن كل ما جاء في مسيحية المسيح الحقة الفاضلة، وأقام بدلاً منها مسيحية الصلب وسفك الدم: إني لم أعزم أن أعرف شيئًا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبًا - (1) كورنثوس 2: 2".

هذا، ولقد جرى التقليد على أن بولس جعل المسيح إلهًا، وفق عبارة يستشهد بها كثيرًا، تقول: ومنهم (الإسرائيليين) المسيح، حسب الجسد، الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد - آمين رومية 9: 5".

لكن هذا القول أصبح في حاجة إلى إعادة نظر على ضوء الترجمات المختلفة، وكم غيرت المقارنة بين الترجمات من مفاهيم ومعتقدات سادت قرونًا عديدة ثم ثبت زيفها، وما حذف فقرة التثليث ببعيد، كذلك أصبح هذا القول في حاجة إلى مراجعة، على ضوء مفهوم بولس لوضع المسيح بالنسبة لله، كما عبر عنه في رسائله.

إن هذا الموضوع الخطير يتطلب بحثًا بشيء من التفصيل، وليس نقطة فرعية أو تعليقًا جانبيًّا، وهذا ما نطرحه الآن في صيغة سؤال نقدم له الإجابة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق