الاثنين، 30 نوفمبر 2015

بولس الرسول الشخصية المحورية في (2)

بولس الرسول أو شاول الطرسوسي

الشخصية المحورية في  النصرانية (2)


النشأة والتكوين:
أصله:
بولس هو ذلك اليهوديُّ الديانةِ، الفريسيُّ المذهبِ، الرومانيُّ النشأةِ واللِّسان، وعنه قيل: "دون بولس كان من المحتمل أن لا توجد النصرانية"[1].

وُلد بولس واسمه الأصلي شاول[2] في طرسوس من أعمال كليلية[3]، من أصل يهودي كما زعم، وهاجر إلى القدس وتربَّى فيها[4]، فعمل شرطيًّا مخبرًا عند الكاهن الأكبر، الذي كان يعمل لحساب روما، فكان يطارد أتباعَ عيسى -عليه السلام- ويعذِّبهم ويسجنهم ويقتلهم، وفجأة ظهر عيسى -عليه السلام- لهذا الشرطي المخبر، وهو على طريق دمشق في مهمة لمطاردة النصارى، وأوحى له بنشر الدِّين، بذلك كان يحاجج كلَّ مَن ينكر عليه شيئًا من افتراءاته بأن عيسى -عليه السلام- هو الذي أوحى بذلك، وأن النصرانية الحقَّة ليست ما أعلنها المسيح، أو ما آمن به حواريُّوه؛ بل هي ما أُوحي إليه[5].

ويقول لوقا في "أعمال الرسل": "إن بولس قد تعلَّم في أكاديمية القدس الفريسية على يد الحاخام عمالائيل"[6]؛ غيرَ أن بولس لا يَذكُر شيئًا من ذلك في رسائله؛ بل نجده مرة يدَّعي أنه يهودي، وأخرى أنه روماني، "فقال بولس: أنا يهودي، ومواطن روماني من طرسوس في كليلية"[7]، وهناك نص آخر يقول: "فجاء القائد إلى بولس وقال له: قل لي: هل أنت روماني؟ قال: نعم"[8].

يبدو أن النصَّين متعارضان، ويقول أبو زهرة في هذا: "لعل أرجحهما أنه يهودي، وإنما ذكر أنه روماني عندما رأى أن جسمه سيُكْوى بالسياط، فأعمل الحيلة؛ عساه يجد مخرجًا... وقد تمَّ له ما أراد"[9].

واعتبره أحمد شلبي من علية طبقات المجتمع اليهودي، فقال:"شاول، وهو يهودي روماني من الفريسيين، أحد طبقات اليهود العليا"[10]، فهو ابن لأسرة يهودية متدينة، لها شأنها ونفوذها في مدينة طرسوس من أعمال كيليكية بآسيا الصغرى، التي كانت مفترقًا للطُّرق التِّجارية، التي ترد إليها القوافلُ محمَّلةً بالسلع والأفكار والمعتقدات من اليونان، وإيطاليا، وآسيا الصغرى، والشام، وما وراء النهرين، وقبرص، ومصر، فكانت مدينةً شرقية من حيثُ انتماؤها الجغرافي والديني، وغربيةً من حيث انتماؤها الثقافي والفكري[11].

وأمضى بولس بعضَ الوقت في روما مواطنًا رومانيًّا، فتأثَّر باحتكاكه بهذا الوسط بطريقة الحياة الرومانية[12].

لقد تحوَّل بولس فجأة، ودون تمهيد، إلى النقيض تمامًا، من مطاردٍ غليظ القلب لا يرحم، قاسٍ في تعصُّبِه وخصومته ضد عيسى -عليه السلام- وأتباعه، إلى مؤمنٍ وَرِعٍ محبٍّ للمسيح، ورسولٍ من أكبر رسل المسيحية قدرًا، وأعظمهم أثرًا في تاريخها، وذلك إثر نوبة روحية عنيفة داهمتْه على طريق دمشق في رحلة من رحلاته المشهورة[13] في اصطياد أتباع عيسى -عليه السلام-[14] "إن هذا الحدث هو الذي حوَّل المسيحية، من دين يشكل استمرارًا للديانة اليهودية الأصلية، إلى دين مختلف جديد، ذي لاهوت وأساطيرَ خاصةٍ، لا علاقة لها بالأصل"[15].

وجدير بالذِّكر أن هذا التحوُّل التاريخي لبولس الرسول كان محطَّ خلافٍ بين الباحثين، الذين ذهبوا في تفسيره مذاهبَ شتَّى "حول ما حصل بالضبط لبولس في ذلك اليوم، أهي ضربة شمس مثلاً، أم هلوسة، أم حتى حالة صَرَع؟!"[16].

ويمكن إجمالها في نظريتين؛ بل حتى بين روايات الإنجيل نفسه؛ إذ وردت بهذا الخصوص ثلاث روايات لهذا الحدث في أعمال الرسل وحدها: في الإصحاح السادس، والإصحاح الثاني والعشرين، والسادس والعشرين، وأخرى رابعة في الإصحاح الأول من الرسالة إلى أهل غلاطية، التي بدورها لا تخلو من تناقضات[17].

وعليه؛ سأشير في عجالة إلى هذه الروايات الإنجيلية، ثم أعرض بعدها النظريتين في المقال القادم.


[1] "المسيحية نشأتها وتطورها"، شارل جنيبر؛ ترجمة: عبدالحليم محمود، منشورات المكتبة العصرية، بيروت، ص: 111.
[2] "محاضرات في النصرانية: تبحث في الأدوار التي مرت عليها عقائد النصارى، وفي كتبهم، وفي مجامعهم المقدسة وفرقهم"، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، ص: 73.
[3] طرسوس: مدينة يونانية كانت تعج بالمبادئ الدينية والأخلاقية، وانتقلت إليها نصرانية بولس؛ "أصول المسيحية كما يصورها القرآن الكريم"، داود علي الفاضلي، م س، ص: 192.
[4] "محاضرات في النصرانية"، محمد أبو زهرة، م س، ص: 73.
[5] "بولس وتحريف المسيحية"، هيم ماكبي، م س، ص: 8.
[6] أعمال الرسل، الإصحاح: 8، الفقرة: 3.
[7] أعمال الرسل، الإصحاح: 39، الفقرة: 21.
[8] أعمال الرسل، الإصحاح: 28، الفقرة: 22.
[9] "محاضرات في النصرانية"، محمد أبو زهرة، م س، ص:73.
[10] "مقارنة الأديان: المسيحية"، أحمد شلبي، م س، ج2/ 93.
[11] "تحقيق القول في تحول بولس"، حمدي عبدالعالي، م س، ص:23.
[12] "عيسى المسيح والتوحيد: عرض تاريخي للمسيحية والأناجيل والموحدين المسيحيين الأوائل والأواخر"، محمد عطا الرحيم، م س، ص: 65.
[13] الصور لخرائط تبين هذه الرحلة.
[14] "تحقيق القول في تحول بولس"، حمدي عبدالعالي، م س، ص: 30، "رجال الكتاب المقدس"، القس إلياس مقار، دار الثقافة، القاهرة، مصر، الطبعة: الثانية، الجزء: 4، ص: 115، 116.
[15] "بولس وتحريف المسيحية"، هيم ماكبي، م س، ص: 35.
[16] "نظرة عن قرب في المسيحية"، بربارا براون، م س، ص: 20.
[17] "بولس وتحريف المسيحية"، هيم ماكبي، م س، ص: 40.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق