الاثنين، 30 نوفمبر 2015

ابطال مثلث النصارى(1)



ابطال مثلث النصارى(1)
عندما خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان جبله على التوحيد وفطره عليه؛ كما في قوله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين)، وكما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها من عرجاء))(1).
وقد بدأ الانحراف عن منهج التوحيد من لدن قوم نوح عليه السلام، فقد روى البخاري في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: "وصارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعدُ.."(2)، ومنذ ذلك التاريخ بدأ الإنسان ينحرف إلى الشرك بالله ويتخذ الأنداد والأرباب معه.
ومن أبرز عقائد المعددين للآلهة التي سادت العالم آنذاك عقيدة الإله المثلث، أو ما عرف بعد ذلك بـ(عقيدة التثليث). والمتتبع لتاريخ الديانات الوثنية القديمة يلاحظ انتشار هذا المبدأ الذي يعتبر أصلاً من أصولها ومعتقداً راسخاً من معتقداتها.
وفي هذا المقال سوف نتناول بإذن الله أصل عقيدة التثليث، وكيف انتشرت بين الأمم السابقة حتى وصلت إلى النصرانية وصارت أصلها الذي يعتقدونه.
التثليث عند قدماء المصريين:
اشتهر قدماء المصريين بعبادة آلهة متعددة، خاصة الآلهة المثلثة الأقانيم، حيث يصورون هذه الآلهة بداخل هياكلهم ومعابدهم ؛ حيث عُثر على رمز يحوي صورة جناح طائر ووكر أفعى، يظن بأنه إشارة إلى الإله المثلث الأقانيم، وقد كان سدنة (هيكل ممفيس) بمصر القديمة يعلِّمون المبتدئين في الدين قولهم: "إنّ الأول خلق الثاني، والأول مع الثاني، خلق الثالث"، وذلك تعبيراً عن اعتقادهم في الثالوث المقدس(3).
ويعتقد قدماء المصريين في الإله الأعظم الذي يمثل عندهم أولاً الله، ثم الكلمة، ومعها روح القدس ويقولون إنّ هذه الثلاثة لها طبيعة واحدة وهم ذات واحدة وعنهم صدرت القوة الأبدية، وقد اشتهر هذا (الثالوث) المصري الذي يتكون من (أوزيرس الأب، وأيزيس الأم، وحورس الابن)، وأُقيمت له المعابد العظيمة الضخمة كمعبد (السرابيوم) الذي أقامه (بطليموس الأول)، ومما يدل على أنّ عقيدة الثالوث هذه كانت سائدة وشائعة لحد كبير بين قدماء المصريين هو ظهور (لاهوت عين شمس)، الذي يتكون من الآلهة الثلاثة المذكورة وانتشار عبادته واستمرارها لوقت طويل، حتى إننا نجد الآن في الحفريات الخاصة بممالك مصر القديمة ما يدل على شيوعه وانتشاره بينهم وظهوره في معابدهم وكتاباتهم وآدابهم(4).
وهؤلاء القدماء من المصريين كانوا يعتقدون أنّ إلههم هذا مولود من والده ووالدته وهو مع هذا إله واحد بثلاثة أقانيم يمثل فيها (أوزيرس) إله عين الشمس (رع). وهو الإله الخالق باسم (خنوم) وهو الإله المعلم الحكيم باسم (توت) ومع هذا كله فإنه إله العالم الآخر(5).
وبما أنّ الهدف من موضوع هذه السلسلة هو التعرف على عقيدة التثليث وبيان علاقتها بعقيدة النصارى اليوم كان لا بد لنا من معرفة أسماء هذا الثالوث ووظائفه ثم عقد مقارنة بينه وبين ثالوث النصارى.
الأقنوم الأول:
وهو عندهم الإله (أوزيرس) ويسمى الأب أو الوالد، ويعتقدون أنه الإله الأكبر الذي انبثق منه الأقنوم الثاني المسمى (حورس أو هورس).
الأقنوم الثاني:
المسمى (حورس) وهو ابن الإله العظيم (أوزيرس)، ويدعونه أيضاً النطق أو الكلمة، وهو النور أو الشمس المشرقة، ورمزوا له بعجل أفضل من بقية العجول وصوَّره رافعاً أصبعه إلى فمه حاملاً ذنوب وخطايا العالم وتشبه بالإنسان ليكون قابلاً للتضحية.
الأقنوم الثالث:
ملكة السماء، الإله (إيزيس) والدة الإله (حورس)، باعثة الحياة للناس، ولهذا رمزوا لها بصورة طائر جميل على رأسه صولجان، كما رمزوا لها برمز آخر يمثل امرأة جالسة على عرشها ترضع ابنها الوحيد.
ومن المعروف أنّ كل الكنائس النصرانية تؤمن بما يعرف عندها (بقانون الإيمان النيقاوي)، الذي يشرح ويوضح العقيدة التي يجب أن يكون عليها النصارى جميعاً، ففي فقرات هذا (القانون) وعند الاطلاع عليها يخيل إليك أنك تطالع ديانة قدماء المصريين هذه، ومثال ذلك قولهم في هذا القانون: "نؤمن بإله واحد: أب، ضابط الكل، خالق السماء والأرض، فهذا مشابه بل مطابق تماماً للأقنوم الأول عند قدماء المصريين، حيث يفهم منه وبطبيعة الحال أن يكون هو أب الأقنوم الثاني خصوصاً إذا علمنا أنّ النصارى يقولون في (قانونهم) هذا عن الأقنوم الثاني (ابن الله الوحيد من الأب قبل الدهور).
ومن العجيب أيضاً أنك تجد أن ما أطلقه الوثنيون المصريون على أقنومهم الثاني، فإنّ النصارى أنفسهم قد سموا به أقنومهم الثاني، حيث يقولون عنه (الابن، الكلمة، النطق)، ويضاف إلى هذا أنّ قول النصارى في (قانونهم) هذا عن الأقنوم الثاني: "تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنس"، فهذا عين ما قاله قدماء المصريين عن (حورس) الابن الذي تشبه بالإنسان ليكون قابلاً للموت، فهذا عجب!
وإذا أرجعت البصر إلى (القانون النيقاوي) فإنه يصف (الروح القدس) الأقنوم الثالث بقوله: "الرب المحيي"، فهذا يطابق تماماً المعنى الذي أراده قدماء المصريين من أقنومهم الثالث (إيزيس)، حيث قالوا عنه: "باعثة الحياة للناس". فاشتركا في أنّ كل من الروح القدس عند النصارى و(إيزيس) عند قدماء المصريين، في أنّ كل واحد منهما هو مصدر حياة البشر، فكيف تَأَتَّى ذلك؟
ومن خلال هذه المقارنة بين الديانتين: المصرية القديمة والنصرانية المحرفة، يتأكد لنا أنّ إحداهما لا بد أن تكون قد أخذت عن الأخرى، وبما أنّ العقل والمنطق يقولان أنّ اللاحق يأخذ من السابق، ومعلوم تأريخياً أنّ الثالوث المصري القديم سابق في الزمان للثالوث النصراني، فعليه يمكن القطع بأنّ الثالوث النصراني قد أُستعير من الثالوث المصري القديم الذي يتمثل في: (أوزيرس، وحورس، وإيزيس).
وقد سبق إلى هذا الرأي الأستاذ (جارسلان كريني) أستاذ الحفريات بجامعة أكسفورد ببريطانيا، كما نقل ذلك عنه في كتابه (ديانة قدماء المصريين) حيث أكد وجود التماثل والتطابق التام بين الثالوث المسيحي والثالوث الفرعوني المصري القديم، الأمر الذي دعاه إلى التقرير بأنّ الثالوث النصراني مأخوذ من الثالوث المصري القديم.
ومن خلال هذا السرد تبين كيف انتشرت عبادة الإله المثلث الأقانيم بين المصريين القدماء، حتى طغت على فطرة الإنسان في تلك الحقبة، وأصبح الإله المثلث هو الأصل في العبادة، بل هو الدين الرسمي للدولة، وكل من أتى بخلاف هذا المعتقد يعتبر ضالاً وخارجاً على ما عهده الناس وألفوه، وهذا هو نفسه ما حصل في دين النصارى اليوم ، وهذا ما يعزز الأقوال التي تؤكد بأنّ (نصرانية بولس) مأخوذة عن هؤلاء الوثنيين بحذافيرها، وأنها ليست هي النصرانية الموحدة التي جاء بها عيسى عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة وأتم السلام.
----------
(1) صحيح البخاري، حديث رقم 1385، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، مجلد 3، ص 245-246.
(2) فتح الباري، مجلد 8، ص 669.
(3) العقائد الوثنية في الديانة النصرانية، محمد طاهر التنير، ط1، بدون ناشر، 1330هـ 1913م، ص 37,38,40.
(4) المرجع السابق ص 40. ومجلة الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الكويت العدد الخامس، شوال 1406هـ يوليو 1986م، ص 35، والعدد 16، شعبان 1410هـ مارس 1990م، ص 53.
(5) انظر حول موثوقية الأناجيل والتوراة، محمد السعدي، ط1، طرابلس ليبيا، جمعية الدعوة الإسلامية، 1395هـ 1986م، ص 61. وانظر: الله: كتابٌ في نشأة العقيدة الإلهية، عباس محمود العقاد، ط2، القاهرة، دار المعارف، بدون تاريخ، ص26. وانظر: النصرانية من التوحيد إلى التثليث، د. محمد أحمد الحاج، ط1، دمشق، دار القلم، 1413هـ 1992م، ص10.
(6) النصرانية من التوحيد إلى التثليث، ص 101,102.
(7) المرجع السابق، ص103.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق