الجمعة، 27 نوفمبر 2015

الأدلة على وجود الإله الخالق سبحانه وتعالى


الأدلة على وجود الإله الخالق سبحانه وتعالى 

إن الإيمان بوجود الله عز وجل
 قد دلَّت عليه جميع الأدلة العقلية، والفطرية، والحسية والشرعية وغير ذلك من الدلائل والشواهد العلمية المكتشفة حديثًا، والتي أثبتت وجود هذا الإله الخالق، ولم تترك مجالًا لعاقل لإنكار وجوده جل وعلا.
فلم يَفِه أحد بإنكار وجود الله عز وجل إلا على سبيل المكابرة، واتباع الهوى، فإن كل عاقل لا يمكنه أن يدَّعي أن هذا الكون خُلق أو جاء صدفة، أو جاء من غير مُوجِد؛ لأن هذا ممتنع باتفاق العقلاء.([1])

ونذكر من الأدلة على وجود الإله الخالق مُوجِزين:

أولا: الدليل العقلي:

أننا نشاهد هذا الكون في وجوده، وفيما يحدث فيه من أمور لا يمكن أن يقدر عليها أحد من المخلوقين، كوجود هذا الكون، والسماوات والأرض وما فيها من نجوم، وجبال، وأنهار، وأشجار، وناطق –الإنسان- وبهيم، وغير ذلك...

ونتساءل: من أين حصل هذا الوجود؟!
أ - هل حصل هذا صدفة؟
ب- هل حصل هذا بغير مُوجِد؟
جـ- هل هذا الكون أوجد نفسه؟


فهذه ثلاثة احتمالات، وكلها باطلة، ولم يبق إلا الاحتمال الرابع –لم نذكره بعد- الذي هو الحق.

فأما كونها وُجدت صدفة، 

فهذا أمر يُنكره العقل وينكره الواقع؛ لأن مثل هذه المخلوقات العظيمة لا يمكنك أنت أن توجدها هكذا صدفة، فكل أثر لا بد له من مُؤثِّر.وكون هذه المخلوقات العظيمة بهذا النظام البديع المتناسق، الذي لا يتعارض، ولا يتصادم، لا يمكن أن يكون صدفة؛ لأن الواقع –الذي يقع- صدفة تكون تغيراته غير منتظمة؛ لأنه كله صدفة.

وأما هذا الوجود أوجد نفسه، 

فظاهر ومعلوم استحالته أيضًا؛ لأن هذا الوجود قبل أن يُوجَد ليس بشيء، بل هو عدم، والعدم لا يمكن أن يوجد معدومًا.

وأما كونه وُجِد من غير مُوجِد، 

فهو بمعنى قولنا: إنه وُجِدَ صدفة، وهذا كما سبق مستحيل.

بقي أن نقول بالقول الحق –القول الرابع-: 

إن هذا الوجود وُجِد بمُوجِد، وهو الله عز وجل, كما قال الله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ﴾ [الطور: 35، 36].
إذن فهذا الكون دلَّ عقلا على وجود الله سبحانه وتعالى.([2])

ثانيا: وأما دلالة الفطرة:
فكما أشرنا سابقًا، أن دلالة الفطرة أظهر من أن تحتاج إلى دليل؛ لأن الإنسان بفطرته يؤمن بربه، ولهذا لو وقع على أي إنسان في الدنيا شيء بغتة، وهذا الشيء مهلك له، لكان يقول بلسانه من غير أن يشعر: يا الله، أو: يارب أو ما أشبه ذلك، مما يدل على أن الغريزة الفطرية جُبلت على الإيمان بوجود الله عز وجل.([3])

ولقد لفت القرآن الكريم أنظارنا إلى هذا الاعتراف الفطري، حيث قال تعالى في صيغة الاستفهام التقريري: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ [النمل: 62]

ولذلك: فإن الإنسان وخَلْقه على هذه الصورة، حيث ميل غريزته وفطرته للإيمان به جل، وتوحيده لشاهد ودليل على وجوده وحكمته وطلاقة قدرته.
وجميع سلف الأمة مُجْمِعُون على أن في فطرة كل كائن ما يوصله إلى التعرف على خالقه، ويجذبه إليه ويربطه به، ويشعره دائمًا لحاجته إليه في وجوده، وفي حفظ وجوده عليه.([4])

ثالثًا: دلالة الحس:
إن الغريزة البشرية والفطرة الإنسانية تعترف بوجود الله سبحانه وتعالى، حيث تجعل الإنسان دومًا يلجأ إلى إلهه وخالقه جل وعلا في الدعاء والمسألة.
ولا شك أن الذي خلق الإنسان وفطره على كيفيته هذه، من ميل غريزته وفطرته للإيمان به وتوحيده واللجوء إليه دومًا في الدعاء والمسألة لَشاهد حق ودليل صدق على وجوده، وحكمته وطلاقة قدرته.

وكثير ما نسمع –بيقين دون أدنى شك- عن إجابة الله سبحانه وتعالى لدعاء عباده المؤمنين الصالحين، لا سيما الأنبياء والمرسلين، وكثير ما نرى بأعيينا ما يدل على إجابة الله سبحانه وتعالى لدعائنا ومسألتنا، فكم من إنسان دعا الله تعالى، وقال: يا رب. فرأى الإجابة نصب عينيه. ([5])

وقد أنزل الله تبارك وتعالى في كتابه العظيم [القرآن الكريم] ما يدل على إجابته تبارك وتعالى لدعاء عباده، مثل قوله تعالى:
﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ﴾ [الأنبياء: 83، 84].وقد جاء في السنة الصحيحة لخاتم أنبياء الله ورسله محمد صل الله علية وسلم ما يدل على ذلك أيضًا منها:
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، حيث قال:
دخل رجل يوم الجمعة والنبي r يخطب، فقال –الرجل-: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السُّبُلُ، فادْع الله يُغيثنا، فرفع النبي r يديه وقال: ((اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا))، وكانت السماء صحوا، ليس فيها شيء من السحاب، فما نزل النبي r من على منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته عليه الصلاة والسلام لنـزول المطر، وبقي المطر أسبوعًا كاملا حتى دخل رجل من الجمعة الثانية، فقال: يا رسول الله، تهدَّم البناء، وغرق المال، فادع الله أن يمسكها –السماء- عنا، فرفع النبي r يديه، وجل يقول: ((اللهم حوالينا ولا علينا)) ويشير بيده، فما يشير من ناحية إلا انفرجت بإذن الله، فخرج الناس يمشون في الشمس. [رواه البخاري]

فكان هذا الحديث الشريف دليلا مرئيًّا وشاهدًا حسيًّا على إجابة الله سبحانه وتعالى لدعاء نبيه صل الله علية وسلم.

ونشير إلى:

1- أن في هذا الحديث الشريف الصحيح إشارة إلى صدق نبوة رسول الله محمد صل الله علية وسلم.، حيث إن من دلائل نبوته صل الله علية وسلم. أن يؤيده ربه تبارك وتعالى بإجابة دعائه، لا سيما إن كان على مرئى ومسمع من كثير من الناس، فيكون ذلك حجة له صل الله علية وسلم.، ودليلا على صدق رسالته، وحجة على الناس جميعًا –كل من علم بهذا الحديث وبغيره من دلائل النبوة- للإيمان والتصديق بنبوته ورسالته صل الله علية وسلم.، ومن ثم اليقين في صدق دعوته، وصدق كل ما أخبر صل الله علية وسلم. به.

2 - أن في هذا الحديث الشريف الصحيح إشارة إلى رحمة وفطنة وحكمة رسول الله صل الله علية وسلم. حيث إنهصل الله علية وسلم. قد استجاب لمطلب الرجل بداية، بأن دعا صل الله علية وسلم. ربه تبارك وتعالى كي ينزل المطر للحاجة والإغاثة، فكان ذلك إشارة إلى رأفته ورحمته صل الله علية وسلم..
ثم بعد استمرار المطر أسبوعًا كاملًا، ومجيء رجل مرة ثانية ليطلب من رسول الله صل الله علية وسلم. أن يدعو ربه سبحانه وتعالى لإمساك المطر لِما قد نزل به من ضرر، استجاب رسول الله صل الله علية وسلم. لمطلبه، ولكن بفطنة وحكمة، حيث دعا صل الله علية وسلم. ربه تبارك وتعالى: ((اللهم حوالينا ولا علينا)) يعني: أن يستمر المطر للانتفاع به، مع أن يكون نزوله من حول المدينة لا عليها، لعدم إلحاق الضرر بأهلها.
فلا يأت آخر ويطلب منه صل الله علية وسلم. أن ينزل المطر مرة ثانية لما قد نشأ من هلاك وضرر لعدم نزوله، فكانت هذه الحكمة العظيمة من رسول الله صل الله علية وسلم. ورحمته ورأفته بمن أُرسِل إليهم؛ إشارة ودليلا على نبوته صل الله علية وسلم. وصدق دعوته وكل ما أخبر به.
ولذلك: كان ما أشرنا إليه من إجابة الله سبحانه وتعالى لدعاء عباده، موجزًا من الدليل الحسي على وجود الله عز وجل.

رابعًا: الدليل الشرعي:
أما الدليل الشرعي، فأكثر من أن يُحصر، فإن كل القرآن الكريم، وكل ما ثبت عن النبي r من الأحاديث الحكمية والخبرية، فإنه دال على وجود الله عز وجل([6]).
وصدق الله تعالى إذ يقول في شأن كتابه المُحكم آياته، كشهادة على تنزيله منه جل وعلا، الإله الحكيم الخبير:
﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82].
﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: 1].

خامسًا: ما أخبرت به الأنبياء والرسل من وجود الإله الخالق ووحدانيته وعظيم صفاته وطلاقة قدرته، وما جاءت به من معجزات وخوارق شاهدة بنبواتهم ورسالاتهم وصدق دعواهم، حيث لا تنكرها الفطرة السوية، بل تتوافق معها توافقًا تامًّا:
وهذه النقطة التي نجد بصددها تابعة لما قبلها، حيث إنها دليل وشاهد على مصداقية الدليل الشرعي، ونشير إلى:
أن أعظم هذه المعجزات التي أُيدت بها الأنبياء والرسل كشواهد ودلائل على صدق دعواهم: القرآن الكريم، فهو الكتاب الذي أنزله الله تبارك وتعالى على خاتم أنبيائه ورسله محمد صل الله علية وسلم..

لذلك فالقرآن الكريم هو المعجزة الباقية الخالدة إلى قيام الساعة؛ حيث لا رسول ولا نبي بعد مجيء خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صل الله علية وسلم..
فبمجيء النبي صل الله علية وسلم. خُتمت جميع الرسالات، لذلك كان من حكمة الله سبحانه وتعالى أن يحفظ كتابه العظيم –القرآن الكريم- معجزة باقية خالدة شاهدة بنبوة ورسالة خاتم أنبيائه ورسله محمد r وصدق دعوته وصدق ما أخبر به من وجود لله تعالى، الإله الخالق، ووحدانيته وعظيم صفاته وطلاقة قدرته...
وبذلك يكون القرآن الكريم الذي أُنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صل الله علية وسلم. ، بما فيه من إعجاز يشهد بأنه كلام رب العالمين، دليلا دامغًا على صدق دعوته وصدق ما أخبر به.

قال رسول الله صل الله علية وسلم.: ((ما من الأنبياء نبي إلا أُعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة)) [صحيح البخاري].

فما من نبي أُرسل إلى قومه مؤيدًا بمعجزة من الله سبحانه وتعالى إلا وتنتهي هذه المعجزة، وينتهي قوة تأثيرها وإقناعها بموت هذا النبي، على عكس الحال بأمة النبي محمد صل الله علية وسلم.، حيث كانت معجزته الكبرى –القرآن الكريم- باقية خالدة بعد موته صل الله علية وسلم. مُحتفظة بقوة تأثيرها وإقناعها، وما ذلك إلا لكونه صل الله علية وسلم. خاتم الأنبياء والمرسلين، أرسله ربنا تبارك وتعالى إلى جميع الأمم، والبشرية كافة.
وجه الإعجاز في القرآن الكريم –المعجزة الكبرى- ومميزاته:
لقد كان من حكمة الله سبحانه وتعالى أن يُرسل أنبياءه ورسله مؤيدين بالمعجزات والخوارق، وكانت هذه المعجزات من جنس ما نبغ فيه قوم هذا النبي المرسل، ومن أمثلة ذلك:

لقد عُرف قوم موسى بالسحر واشتُهروا به، وعَظُم سحرهم، وكثرت سَحَرَتهم، فأُرسل نبي الله موسى مؤيدًا من الله عز وجل من جنس ما نبغ فيه قومه، إبطالا لمعتقدهم وسحرهم، حيث كان من معجزاته عليه السلام: العصا وتحولها إلى حية عظيمة، حقيقية تسعى، فعلم السحرة ومن بعدهم القوم أن ما جاء به نبي الله موسى عليه السلام ليس سحرًا، حيث إنهم -السحرة– هم أهل ذلك الباطل –السحر- وهم على دراية ومعرفة تامة به.
فكانوا هم –السحرة- أول من شهدوا لموسى عليه السلام بالنبوة والرسالة، وأن ما جاء به من معجزة العصا وغيرها أمرًا خارقًا، ليس بمجرد التخييل كالباطل الذي كانوا عليه، وأنه لا يقدر على مثل ذلك إلا من يقول للشيء: كن فيكون، وهو الله رب العالمين.

وكذلك نبي الله عيسى عليه السلام:
حيث إن قومه قد عُرِفوا بالطبِّ، ونبغوا في مجاله، فكانت معجزة نبي الله عيسى عليه السلام من جنس ما نبغ فيه قومه، حيث كان من معجزاته عليه السلام أنه كان يبرئ ويشفي الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى ويحيي الموتى –الذين لم تكن موتتهم موتة نهاية الأجل والانتقال إلى عالم البرزخ- بإذن الله تعالى، فكانت هذه المعجزات شاهدة بأنه عليه السلام نبي مرسل من الله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى قد أيده بهذه المعجزات حتى يؤمن قومه برسالته ودعوته، فآمنت طائفة بنبوته ورسالته وبشريته، وضلَّت طوائف أخرى إما بتكذيبه أو بالمغالاة فيه.


- أما عن رسول الله محمد صل الله علية وسلم.:
فقد عُرف العرب بالبلاغة والفصاحة وأنهم أهل الشعر والأدب... إلى غير ذلك مما قد عُرفوا به في هذا المجال ونبغوا فيه.
فكان القرآن الكريم الذي أنزله الله تبارك وتعالى على عبده ونبيه محمد r معجزة كبرى، باقية خالدة من جنس ما نبغ فيه قومه صل الله علية وسلم.، هذا بالإضافة إلى الكثير والكثير من المعجزات العظيمة التي جاءت على يديه صل الله علية وسلم. تأييدًا من الله سبحانه وتعالى لرسالته ودعوته.

ومن إعجاز القرآن الكريم [المعجزة الكبرى]:
1- بلاغته وروعة معانيه، ودقة ائتلاف ألفاظه ومبانيه، وسمو أهدافه ومراميه، وتحديه للعرب –وهم أهل اللسن والفصاحة- بأن يأتوا ولو بسورة واحدة من مثله، ولكنهم جميعًا عجزوا، وخابوا وفشلوا، ولم يجرءوا على قبول هذا التحدي، وما استطاعوا أن يُهاجموا القرآن الكريم ولو بكلمة واحدة، بل إن منهم من كان على كفره، ومع ذلك يقول مادحًا للقرآن الكريم عند سماعه له: (إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول بشر) وما ذلك إلا لأن القرآن الكريم ليس بصناعة بشرية، بل هو كلام الخالق العظيم تبارك وتعالى.

2- لقد تضمن القرآن الكريم أخبارًا غيبية لا عهد لرسول الله صل الله علية وسلم. بها، وقد جاءت دقيقة صادقة كما أخبر، وهذه الأخبار مشتملة أخبارًا ماضية وأخبارًا حاضرة لم تكن على مرئى أو مسمع من النبي محمد صل الله علية وسلم.، وكذلك أخبارًا مستقبلية.

3- إخباره بحقائق علمية غيبية مذهلة، لم يكن لأحد أدنى معرفة بها منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، ثم يأتي العلم الحديث ليكتشف صدق ودقة ما أخبر به رسول الله صل الله علية وسلم.، ولما أشرنا، 

فإن القرآن الكريم يتميز بـ:
أ- يمتاز بأنه قد بلغ غاية الكمال في إعجازه وبلاغته.
ب- يمتاز بأنه قد جمع كل ما تحتاج إليه الخلائق في معاشهم ومعادهم، حيث جاء بالعقائد الصافية، والعبادات الهادية والمعاملات السليمة، والأخلاق الكريمة، والسياسة الرحيمة.
جـ- أنه قد جاء بالمعارف والعلوم الرائعة والتوجيهات النافعة والحجج الساطعة: فلا تجد أمرًا من أمور الحياة إلا وقد تعرض له القرآن الكريم بطريق العبارة أو الإشارة أو التلميح، ففيه خبر الأولين وتاريخهم، وفيه خبر الآخرين.
د- يمتاز القرآن الكريم بأنه شريعة خالدة:
حيث إن القرآن الكريم هو المعجزة الباقية إلى قيام الساعة للعرب وغير العرب، للناس كافة، في كل مكان وزمان، فلا تنقضي عجائبه.

مما جعل الكثير والكثير من علماء العرب في شتى المجالات، فلك، طب، جيولوجيا... يذعنون ويستجيبون له.
هـ- يمتاز القرآن الكريم بأنه مهيمن على الكتب السابقة.
و- يمتاز القرآن بتأثيره العجيب الذي يملك على السامع لبه، ويجذب قلبه، ويستحوذ على أحاسيسه ومشاعره ووجدانه.


فالقرآن الكريم يخاطب العقل والوجدان جميعًا، فيأتي بالفائدة العقلية والمتعة الوجدانية معًا، وقد كان الكفار هم مع كفرهم شركهم يُحبون أن يستمعوا إلى القرآن الكريم.

وغير ما ذكرنا الكثير والكثير مما تميزت به هذه المعجزة الكبرى الخالدة: القرآن الكريم الذي أنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صل الله علية وسلم..
صحيح ما أشرنا إليه من أن القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى لرسول الله صل الله علية وسلم.، إلا أنه ليس المعجزة الوحيدة له صل الله علية وسلم.، حيث إن السنة النبوية المطهرة والأحاديث النبوية الشريفة بما فيها من الإخبار بغيبيات ماضية وحاضرة لم تكن على مرئى أو مسمع من النبي صل الله علية وسلم.، وغيبيات مستقبلية لم يكن لرسول الله صل الله علية وسلم. عهد بها، ثم تجئ وقائعها –ما أخبر به رسول الله صل الله علية وسلم.- مطابقة لما أخبر به صل الله علية وسلم.، إضافة إلى إشارتها وإخبارها بحقائق علمية لم يكن لأحد معرفة بها آنذاك، ثم يجيء العلم الحديث ليكتشف مصداقية ما أخبر به المصطفى صل الله علية وسلم. يُعدُّ من أكبر المعجزات التي قد أُيِّدَ بها النبي صل الله علية وسلم. من الله تبارك وتعالى، فتكون من الشواهد والدلائل على رساله ودعوته وصدق ما أخبر به.
هذا بالإضافة إلى شواهد أخرى، ودلائل ومعجزات وآيات كونية كلها تشهد برسالة هذا الرسول الأمين، وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين.([7])

إشارة مهمة:
لقد أرسل ربنا تبارك وتعالى رسوله محمد صل الله علية وسلم. بالشرع القويم والعبادات الهادية، وإن مما يدلل علميا على أن الشرع الذي جاء به رسول الله صل الله علية وسلم. هو من عند  الإله الخالق:

عبادة الطواف للمسلمين حول الكعبة المشرفة (بيت الله العتيق).
إن عبادة المسلمين المتمثلة في الطواف حول الكعبة المشرفة –البيت العتيق- التي شرعها الله عز وجل لهم، واختارهم لها، هي العبادة الوحيدة التي تتوافق وتنسجم مع النظام الكوني الذي خلقه وأبدعه الله سبحانه وتعالى.
فقد شرع الله سبحانه وتعالى لنا الطواف سبعة أشواط حول الكعبة، في اتجاه مُعاكس لعقارب الساعة، بحيث تكون الكعبة على يسارنا.

ولنتأمل ولنمعن النظر في هذا التوافق والانسجام العجيب:
1- النواة التي تحتويها الذرة، والتي تتكون منها المادة:
تدور حول هذه النواة جسيمات ذات شحنة سالبة تُعرف بالإلكترونات، وتدور في (7) سبعة مستويات من الطاقة، حيث إن النواة حولها سبعة مستويات من الطاقة، وهو نفس عدد أشواط الطواف حول الكعبة.([8])
وتدور هذه الإلكترونات في اتجاه معاكس لعقارب الساعة، وهو نفس اتجاه الطواف حول الكعبة المشرفة، فسبحان الله!!

2- وتدور الأرض حول محورها: في اتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة([9])، سبحان الله!!
3- وفي نفس الوقت تدور الأرض حول الشمس: في اتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة، وهو نفس اتجاه طواف المسلمين حول الكعبة، عكس عقارب الساعة ([10])، فسبحان الله!!
4- والحيوان المنوي للإنسان يدور حول البويضة: في اتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة، وهو نفس اتجاه الطواف حول الكعبة ([11])، فسبحان الله العظيم وبحمده!!

فكأن الدوران عكس عقارب الساعة كما في عبادة الطواف حول الكعبة واتجاهها ركن من أركان التسبيح.
فسائر الأجرام السماوية والشمس والقمر والنجوم والكواكب والجزيئات، كلها تدور عكس عقارب الساعة في أفلاك تسبح الله سبحانه وتعالى.([12])

فالحيوانات المنوية للإنسان تدور حول محور النطفة عكس عقارب الساعة، والنطفة تدور حول نفسها في اتجاه معاكس لعقارب الساعة، والمسلمون يطوفون خلال أداء مناسك الحج حول الكعبة في اتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة، فبهذا المثل مثل الدوران عكس عقارب الساعة حول النواة أثناء التسبيح –كطواف المسلمين حول الكعبة- ودوران الأرض حول الشمس، ودوران المجموعة الشمسية حول الثقب الأسود، يتجلى لنا تطابق النصوص الدينية الإسلامية مع نظام الكون، مما يُدلِّل على أن خالق هذا الكون، هو الذي أنزل الدين الحق الذي يتجلى فيه ناموس الكون، ألا وهو الإسلام.

حيث إن مثل هذا التطابق والتوافق بين الشرع والعبادات التي جاء بها رسول الله صل الله علية وسلم. وبين النظام الكوني، لا يقبل العقل السليم فيه إلا الاعتقاد الجازم بـ:
1- أن مَن شرَّع لمُحمَّد صل الله علية وسلم. هذا الشرع القويم، وهذه العبادات الهادية، لا بد وأن يكون هو الإله العظيم الخالق لهذا الكون.
2- وأن صفات هذا الإله الخالق لا بد وأن تكون مُماثلة لما أخبر به رسول الله محمد صل الله علية وسلم.ومطابقة لما دعا إليه.

ومعلوم أن رسول الله صل الله علية وسلم. قد دعا إلى إثبات وجود هذا الإله العظيم الخالق سبحانه وتعالى.

وقد دعا صل الله علية وسلم. إلى وحدانية هذا الإله العظيم الخالق، وفقًا لقول الله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1].

وقد دعا رسول الله صل الله علية وسلم. إلى تعظيم وتنـزيه هذا الإله الخالق عن أن يُجعل له جل وعلا نِدًّا أو شريكًا أو ولدًا، وفقا لقول الله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد: 19]، ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ [الإخلاص: 3].

وقد أخبر رسول الله صل الله علية وسلم. بعظيم صفات هذا الإله الخالق جل وعلا وطلاقة قدرته وشمولية علمه وكمال حكمته... وفقا لقول الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 4].

سادسًا: الدليل العلمي:
لقد كان الإنسان المادي المُلحد في بادئ الأمر يُخيل إليه كمخلوق ضعيف أن نجم هائل كالشمس التي يراها يوميا دون تغير في هيئتها أنها أزلية، وأنها ستظل هكذا إلى الأبد؛ لأنه دائما يراها على حالتها دون تغير.
لقد قال الفلاسفة بقدم الأجرام السماوية وأزليتها، أي أنها لم تُخلق، أي أنها على حالتها تلك منذ القدم وإلى الأبد.

ولكن العلم الحديث: قد أثبت الآن يقينًا أن الإشعاع الصادر عن الشمس ينقص من كتلتها، وإن كان القدر الذي يُنقصه ضئيلا بالنسبة لحجمها، مما يؤدي إلى نهايتها في يوم من الأيام المُستقبلية وإن بَعُد.

وبذلك فقد أثبت العلم الحديث بطلان قول الفلاسفة ومنكري الألوهية بأزلية الشمس أو غيرها من سائر النجوم، وكذلك سائر الأجرام والكواكب، حيث إن لها تاريخ بداية، وبالتالي فإنه من الضرورة أن تكون لها نهاية.

ثم جاء من هؤلاء الفلاسفة الذين أنكروا وجود الإله الخالق، وقال بأن الذرة هي المادة الأزلية، ولكن علم الفيزياء قد أبطل هذا الظن، إذ قد تبيَّن أن الذرة نفسها تتكون من أجزاء أخرى مثل الإلكترون والنيوترون والبروتون.

ثم قد تبيَّن أن هذه المكونات للذرة هي نفسها مُركبة من أجزاء، وآخر ما عرفه الفيزيائيون منها هو ما يُسمى بـ (الكوارك).

وقد يقول قائل بأن الكوارك هو المادة (الكوارك) هو المادة الأزلية، ولكن ذلك قول باطل من حيث:
1- أنه قول بغير علم، إذ ليس في هذه الكواركات ما يدل على أزليتها، وعدم تكونها هي الأخرى من أجزاء أصغر منها مثلما كان الظن في الذرة من قبل لا سيما إذا ما تقدمت وتطورت الوسائل التكنولوجية أكثر مما هي عليه الآن، ولا شك، فإن التقدم في الوسائل التكنولوجية يتم بشكل سريع مذهل.
2- إذا كانت (الكواركات) أو غيرها مما قد يُكتشف فيما بعد بأنه مكون لها، وأنه أصغر أو أضأل منها، فلا بد وأن تكون هذه المادة من (كواركات أو غيرها) قائمة بنفسها، مستغنية في وجودها عن غيرها، أي لا تُفنى ولا تتغير ولا تتبدل، ولكن ذلك قول خاطئ، حيث:
- إن العلم الحديث أثبت أن هذه الأجزاء قابلة لأن تتحول إلى طاقة، وأن الطاقة نفسها قابلة لأن تتحول إلى مادة، فما نُسميه مادة الهيدروجين مثلا، وما نُسميه طاقة كالضوء، هما في الحقيقة وجهان لعملة واحدة، حيث:
- إن الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء.
وتدل هذه القابلية للتحول على: أن بقاءها في هيئتها المعينة كان معتمدًا على ظروف خارجة عن ذاتها، فلما زالت تلك الظروف زالت تلك الهيئة.

إذن، فهي ليست مُعتمدة في وجودها على نفسها.
إذن: فمن المستحيل أن تكون أزلية.


وناتج ذلك أيضًا: أن المادة في كل شكل من أشكالها المُعيَّنة قابلة للفناء، فالمادة تُستحدث، وتفنى، حيث إنها قابلة للتحلل أو التحول إلى مواد أو طاقات أخرى، وكل ما يتحلل أو يتحول فليس بأزلي.([13])


سابعًا: الدليل الكوني:
لقد اكتشف العلم الحديث في مجال الفلك حقيقة في غاية الأهمية لم تكن تُعرف من قبل.
فقد اكتشف علم الفلك أن الكون يتسع بالتسلسل الدائم، حيث تتباعد مجراته بعضها عن بعض بصورة مستمرة، وبسرعة كبيرة، وأن الذي يتحرك متسعًا هو المكان الذي تحل فيه تلك المجرات، وباتساع ذلك المكان يزداد البُعد بين المجرات الحالَّة فيه مع استمرارها وانتظامها في دورانها في أفلاكها.

وقد حاول علماء الفلك تفسير هذه الظاهرة العجيبة، فكان من نتاج ذلك أن قد اقْتُرِحتا نظريتان شهيرتان لتفسير هذه الظاهرة، وهاتان النظريتان هما:

أ- نظرية الخلق المستمر أو (الكون ذي الحال الثابت).
ب- نظرية الانفجار العظيم.


- وكانتا هاتان النظريتان قد صِيغتا من أجل تفسير ما قد اكتشف من الثبات في كثافة هذا الكون على الرغم من التباعد المستمر بين أجزائه.

أ- نظرية الخلق المستمر (الكون ذي الحال الثابت):
لقد فسَّرت نظرية الخلق المستمر ثبات كثافة الكون مع استمرار التباعد بين أجزائه على أنه: توجد مادة تأتي محل –مكان- المادة التي تباعدت، وبهذا يظل الكون مُحتفظًا بكثافته رغما عن تباعده، ثم قالوا: إنه لذلك، فإن الكون على حال ثابت منذ الأزل، لا بداية له ولا نهاية.

- ثم جاء التساؤل الذي أبطل ذلك الاستنتاج، ومن ثم تلك النظرية، حيث كان التساؤل: من أين جاءت هذه المادة؟

فقال بعض القائلين بتلك النظرية –في بادئ الأمر

- أنها تُخلق من العدم، فجاء اعتراض الكثير على مثل ذلك القول، حيث إن العدم لا يخلق شيئًا.

ثم لم يلبث العلماء أن اكتشفوا حقائق أصابت تلك النظرية في مقتل، حيث وجدوا أدلة قاطعة على أن الكون لم يبق على حال واحد، كما تفترض النظرية، والتي كانت لذلك تسمى (نظرية الكون ذي الحال الثابت).
بل ثبت أن الكون في تَغيُّر على عكس ما افترضته تلك النظرية، ولم تستطع تلك النظرية أن تُفسر هذا التغير، ولهذا فقد مال العلماء عنها إلى النظرية الأخرى، وهي نظرية الانفجار العظيم.([14]).

ب- نظرية الانفجار العظيم:
تقول هذه النظرية: بأنه إذا كان الكون إلى اليوم يتباعد، فلا بد أنه في يوم ما كان متقاربًا، وإذا ما تخيلنا سَيْر هذه المجرات في الاتجاه المعاكس لاتجاه تباعدها اليوم، أي وهي تجري مُقتربة بعضها من بعض، فإنها ستكون قطعة واحدة مُساوية في حجمها لمجموع أحجام المجرات المكونة لها.

ولكن الفيزيائيين يقولون: إنه كلما اقتربت هذه المجرات من بعضها وتضامَّت ازدادت كتلتها، فتزداد شدة جاذبيتها، فيزداد التلاصق، وتتلاشى الفراغات بين النجوم المُكونة للمجرات، ثم يزداد ضغط الجاذبية على النجوم نفسها، وهكذا يستمر الضغط حتى تكون المادة المكونة للكون في حجم الذرة، ثم يستمر الضغط إلى أن تكون هذه المادة في أصغر ما يمكن.
ثم انفجرت هذه المادة ذات الضغط الشديد والطاقة الهائلة، وانتشرت أجزاؤها في صورة إشعاع، ثم بدأ يَبرُد فتكوّن منه بالتدريج هذا الكون المشهود.([15])


ثم جاء التساؤل المهم:
من أين جاءت هذه المادة التي خُلِق منها هذا الكون؟!
هل من الممكن أن تكون هذه المادة جاءت من العدم؟!


بالتأكيد: لا، فإن العدم لا يخلق شيئًا.

إذن: فمن أين وجدت؟

الجواب المؤكد:  

لا شك أن الذي أوجدها هو الإله الخالق لها من العدم، والخالق لكل شيء، وأنه سبحانه وتعالى يُوصف بطلاقة القدرة، وأن صفاته مُغايرة لصفات المخلوقين، فإذا أراد شيئا فإنما يقول له: كن. فيكون، فسبحان الله العظيم!!

إشارة مهمة:
نود أن نشير إلى أن القرآن الكريم قد أشار إلى هذه النظرية (نظرية الانفجار العظيم)، 

بل إنه –القرآن الكريم- رفعها من كونها نظرية فرضية –وإن كان مال إليها العلماء عن غيرها- إلى كونها حقيقة مؤكدة، لما أشرنا سابقا من أنه يلزمنا الإيمان بأنبياء الله ورسله، والتصديق بما أُنزل عليهم من كتب سماوية، وبكل ما أخبروا به.

فقد أنزل الله جل شأنه في القرآن الكريم، قوله تعالى:
﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء: 30].

كانتا رتقا: تعني: أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين، غير متباعدتين.
ففتقناهما: تعني: ففصلنا بينهما؛ أي: بين السماء والأرض.

حيث تدعونا الآية الكريمة إلى التأمل في كيفية بَدْأ هذا الكون المشهود، للتعرف على خالقه، والإيمان به وبعظيم صفاته وطلاقة قدرته.
ولذلك: فإن هذه الآية الكريمة إعجاز علمي رائع، شاهدة بصدق كلام رب العالمين الذي أنُزل على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد صل الله علية وسلم..

ثامنًا: دليل العناية:
إن مَن يتأمل في هذا الكون الذي خلقه الله سبحانه وتعالى يَجده في غاية التوازن، ومُتناسبًا إلى حد لا يمكن تصوره.
بل إن هذا التوازن العجيب والتناسب الدقيق يكون في صالحه –الإنسان-.

فكيف يمكن أن يكون مثل هذا التوازن الـمُذهل في صالحه، إذا كان الكون قد وُجد صدفة؟!!
إن كل مُتأمل لهذا الكون وما به من مخلوقات يرى أنها ليست كومًا عشوائيًّا من الموجودات، بل هي مرتبة ترتيبًا، ومصممة تصميمًا يكون من ورائه غاية تدل على أن لهذا الكون، وما به من مخلوقات وموجودات له صانع عالم حكيم.
فنجد أن حركة هذه المخلوقات والموجودات حركة مُتسقة لا يُعطل بعضها بعضًا، بل إن القوانين التي تحكمها قوانين واحدة، لا تختلف مهما اختلف الزمان أو المكان، إلا إذا أراد الإله الخالق لها أن تتخلف تخلُّفًا يكون هو في نفسه معجزة دالة عليه سبحانه وتعالى، وعلى طلاقة قدرته، وعظيم خلقه.([16])

وعلينا أن نعلم: 

أنه لا تناقض بين كون الشيء مخلوقًا، وكون لحدوثه أسباب؛ لأن الله سبحانه وتعالى ما سنته أن يخلق بالأسباب، ولأنه سبحانه وتعالى هو خالق تلك الأسباب وجاعلها أسبابًا.
ولذلك: فإن كل ما نراه ونشاهده من الاتزان العجيب والتناسق الدقيق في هذا الكون دلالة على عناية الله سبحانه وتعالى بخلقه.

ولنُلقي الضوء على بعض ما يُوضح هذا الاتزان العجيب والتناسب الدقيق في هذا النظام الكوني دلالة على كمال حكمة الإله الخالق وعظيم صنعته، وإشارة إلى عنايته سبحانه وتعالى بخلقه:
1- قول الله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا* وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا * وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا * وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا﴾ [النبأ: 6-16].

ولنتأمل في هذه الآيات الكريمات من كتاب الله سبحانه وتعالى (القرآن الكريم) حيث تدعونا إلى التأمل في آيات ومخلوقات الله تعالى، وأن نُفكر في الصلة بين كل واحدة من هذه المخلوقات والأخرى، وما تُحققه للإنسان من منافع ومصالح وأهداف دالة على عناية الله سبحانه وتعالى به.

2- إن الأرض التي نحيا عليهم في ضخامتها بالنسبة لنا، لا تساوي ذرة من هذا الكون العظيم، فلو أنها كانت في حجم القمر لكانت جاذبيتها سُدس جاذبيتها الحالية، ولكان نتيجة ذلك: أنها لا يمكن لها أن تُمسك الماء والهواء من حولها، كما هو الحال في القمر الذي لا يوجد به ماء، ولا يحوطه غلاف جوي، وسوف تشتد البرودة ليلا حتى يتجمد كل ما فيها، وتشتد الحرارة نهارًا حتى يحترق كل ما عليها.

وعلى العكس من ذلك: فإذا كان قُطر الأرض ضعف قطرها الحالي لتضاعفت جاذبيتها الحالية، ثم ينكمش غلافها الجوي، ثم ينشأ ضغط يؤثر أسوأ الأثر في الحياة التي نعيشها، وكلما ازداد حجم الأرض يزداد هذا الضغط الذي يؤدي إلى استحالة نشأة الأجسام الحية.([17])

3- إن الأرض تتم دورة واحدة حول محورها في كل أربع وعشرين ساعة، ومعنى ذلك: أنها تسير حول محورها بسرعة ألف ميل في السرعة.

فإذا فرضنا أن هذه السرعة انخفضت إلى مائتي ميل في الساعة لطالت أوقات الليل والنهار عشرات المرات بالنسبة إلى ما هي عليه الآن، ويترتب على ذلك أن تحرق الشمس -بشدة حرارتها- كل شي فوق الأرض، وما بقي بعد ذلك سوف تقضي عليه البرودة الشديدة في الليل.([18])

4- قشرة الأرض: فإذا كانت قشرة الأرض أكثر سمكًا بمقدار عشرة أقدام من سمكها الحالي، لما وُجد الأوكسجين، حيث إن القشرة الأرضية سوف تمتص الأوكسجين، وبذلك تستحيل الحياة.

5- البحار: فإذا كانت البحار أعمق بضعة أقدام أكثر من القاع الحالي، لانجذب الأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون الذي يأخذه النبات ليُخرج الأوكسجين اللازم للحياة، وبذلك يستحيل وجود النبات على الأرض، ولانعدمت الحياة لانعدام الأوكسجين.([19])

6- الغلاف الجوي: فإذا كان الغلاف الجوي ألطف مما هو عليه الآن لاخترقته النيازك، ولسقطت على الأرض فأحرقتها.([20])

7- الشمس: فإذا اقتربت الشمس من الأرض بمقدار نصف مسافتها الحالية لاحترق الورق على الفور من حرارتها، ولو بعدت بمقدار ضعف مسافتها الحالية بينها وبين الأرض، فإن البرودة الشديدة الناتجة عن ذلك سوف تقضي على الحياة على سطح الأرض.

ولو أنه حلَّ محل الشمس نجم آخر يحمل حرارة تزيد أضعافًا على حرارة الشمس، فإن الأرض سوف تكون تنورًا رهيبًا.([21])

وإلى غير ذلك الكثير والكثير من مظاهر الاتزان العجيب والتناسب الدقيق في هذا النظام الكوني المشهود، إشارة إلى عناية الله سبحانه وتعالى بخلقه، وحفظه لهم، ودلالة على وجوده وحكمته وعظيم صنعته.

تاسعًا: الدليل الخُلُقِي:
إن القيم الخُلُقية كالصدق والأمانة والعدل... قيم ضرورية لوجود المجتمعات البشرية، وبدون هذه القيم لا تكون هناك علاقات اجتماعية أو غيرها.
فالصدق وغيره من الفضائل والقيم الأخلاقية الأخرى ضرورة اجتماعية، وكلما كَثُر أصحابه –الصدق وغيره من الفضائل- وأهله كان المجتمع أقوى تماسكًا وأدعى؛ لأن تزدهر فيه العلوم والتقنية، والاقتصاد إذا ما توافرت شروطها الأخرى.([22])

وفي غياب الألوهية والدين تنعدم مثل هذه القيم الخُلُقية، حيث إنه:
لا تتوافر الدواعي التي يقتضي من ورائها التمسك بمثل هذه القيم.
فعلى سبيل المثال:
قد لا يجد الصادق جزاء صدقه، وقد لا يجد أي من تمسك بمثل هذه الأخلاقيات جزاءً له نظير تمسكه وتحلِّيه بمثل هذه الأخلاقيات والفضائل.
وقد يكون الكذب وسيلة –وإن كانت خاطئة- لدفع ضرر مُلحق بصاحبه أو الحصول على ما ليس بحق، وإذن فلن يتردد الفرد في أن يتخذ الكذب أو غيره من
الرذائل وسيلة لدفع ضرر ملحق به أو نيل ما ليس بحقه، إذ لا تتوافر من الدواعي ما يقتضي من ورائها التخلي وعدم التمسك بأي من هذه الرذائل.
حيث إنه لا يوجد على سبيل ما افترضناه إله خالق، عادل حكيم...

يثيب المحسن المُصلح ويجازي ويُعاقب الرذيل المفسد، ومن ثم لا توجد دار أخرى يُثاب أو يجازى فيها أي منهما.
ولذلك، فإن من يتمسك بمثل هذه الفضائل والقيم الخُلُقية، إذا كان فيها خسارة لبعض المكاسب الدنيوية، يقول في نفسه:
عَلامَ وفِيمَ التضحية بمثل تلك المكاسب الدنيوية وضياع مثل تلك اللذة العاجلة إذا لم يكن هناك جزاء لِما تمسكت به من فضائل وقيم خُلُقية؟!
وعندئذ يُمحى نور الخير من هذا الكون، ولا يبقى إلا الظلام الحالك الذي تتلاشى فيه معايير الخير والشر، حتى إن إبادة الناس بالقنابل لا تُعدّ ظلمًا، لأنهم سوف يلقون حتفهم في يوم ما، ولا إله محاسبًا للظالمين على أفعالهم، أو رادًّا للمظلومين حقوقهم.

إن المُلحد المنكر لوجود الإله الخالق حين يتمسك ببعض من هذه القيم الخلقية 

كالصدق والأمانة والعدل مثلا، فإنه بذلك يتناقض مع مقتضيات مبدئه، حيث إنه لا يصدق صدقًا يفوِّت ويُضيِّع عليه مصلحة ما إلا في حين تخليه مؤقتا عن مبدئه أو عن عقله.

أما المؤمن الذي يؤمن بالله سبحانه وتعالى الخالق لكل شيء، فالأمر بالنسبة له عكس ذلك تمامًا.
فهو حين يكذب مثلا، فإنه يكون قد سلك سلوكًا يتناقض مع مبدئه وعقله، وحين يصدق فإنه يكون موافقا لهما، وكذلك موافقا لفطرته.
حيث إن الناس مفطورون على أن هذه القيم الخلقية قيم يحسن أن يلتزموا ويتمسكوا بها، فهـي جزء من تكوينهم العقلي، وهم يشعرون لذلك –ما داموا محتفظين بفطرتهم- بالفرح والسعادة، وإذا ما تخلوا عن التمسك بمثل هذه القيم فإنهم يشعرون بالحزن والشقاء.
مِمَّا يُدلِّل على أن إيداع مثل هذه القيم الخلقية في فطرتهم لا بد وأن يكون من مودع حكيم، ولا بد وأن يكون من فاطرٍ لهذه الفطرة السوية.

أي لا بد من وجود إله خالق لهذا الكون ومن فيه، وأن يكون جل شأنه هو الذي فطر الناس على مثل هذه الفطرة السليمة السوية.

ونُشير ختامًا لهذا الفصل الذي نتحدث فيه إلى:
أنه لو كان يمكن للكون أن يخلق نفسه، فإن معنى ذلك أنه يتمتع بأوصاف الخالق، وفي هذه الحال سنضطر أن نؤمن بأن الكون هو الإله، وهكذا ننتهي إلى التسليم بأن للكون إله، ولكن إلهنا ذلك سوف يكون عجيبًا، أي أنه سوف يكون إلهًا غيبيًّا وماديًّا في آن واحد!! ([23])

وبذلك يكون مثل ذلك القول باطلا مُنكرًا.
ولكننا نؤمن بالإله الخالق لهذا العالم المادي، وهو ليس بجزء من هذا الكون، بل هو جل شأنه حاكمه ومُدبِّره.

([1] ) فقه العبادات، ابن العثيمين.
([2] ) فقه العبادات، ابن عثيمين.
([3] ) فقه العبادات، ابن عثيمين.
([4] ) قضية الألوهية بين الدين والفلسفة، د/ محمد السيد الجليند.
([5] ) فقه العبادات، الشيخ/ ابن عثيمين.
([6] ) فقه العبادات، ابن عثيمين.
([7] ) يرجى الرجوع إلى كتاب: محمد r رسول الله حقا وصدقا للمؤلف، والرجوع إلى: المصادر الرئيسية من كتب ومسموعات خاصة بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة النبوية، لا سيما للدكتور/ زغلول النجار.
([8] ) أ/ كريم نجيب، إعجاز القرآن فيما تخفيه الأرحام.
([9] ) نفس المصدر السابق.
([10] ) أ/ كريم نجيب، إعجاز القرآن فيما تخفيه الأرحام.
([11] ) نفس المصدر السابق.
([12] ) نفس المصدر السابق.
([13] ) موجز من كتاب الفيزياء ووجود الخالق، للدكتور/ جعفر شيخ إدريس.
([14] ) موجز من كتاب الفيزياء ووجود الخالق، د/ جعفر شيخ إدريس.
([15] ) موجز من كتاب الفيزياء ووجود الخالق، د/ جعفر شيخ إدريس.
([16] ) موجز من كتاب: الفيزياء ووجود الخالق، د/ جعفر شيخ إدريس.
([17] ) الإسلام يتحدى، وحيد الدين خان.
([18] ) الإسلام يتحدى، وحيد الدين خان.
([19] ) الإسلام يتحدى، وحيد الدين خان.
([20] ) الإسلام يتحدى، وحيد الدين خان.
([21] ) المرجع السابق.
([22] ) موجز من كتاب: الفيزياء ووجود الخالق، د/ جعفر شيخ إدريس.
([23] ) الإسلام يتحدى، وحيد الدين خان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق