السبت، 28 نوفمبر 2015

الملحد وتشنيعه على حد الرجم



الملحد وتشنيعه على حد الرجم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى أصحابه الغر الميامين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة؛ إذ يفتك بالإيمان، ويعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن، وتجد المريض به يجادل في البديهيات، ويجمع بين النقيضين، ويفرق بين المتماثلين، ويجعل من الظن علمًا، ومن العلم جهلًا، ومن الحق باطلًا، ومن الباطل حقًّا.

ومن عوامل انتشار هذا المرض: الجهل بالدين، وضعف العقيدة واليقين، والاسترسال في الوساوس الكفرية، والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل.

وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل، وادعاءات بلا مستند، ورغم ضعفها وبطلانها فإنها قد تؤثر في بعض المسلمين؛ لقلة العلم، وازدياد الجهل بالدين؛ ولذلك كان لا بد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوى أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى، ومغالطة تلو المغالطة، ودعوى تلو الدعوى؛ حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشُبَههم.

وفي هذا المقال سنتناول - بإذن الله - تشنيع الملاحدة على حد الرجم، ودعواهم: أن الرجم عقوبة وحشية همجية، في غاية القسوة والبشاعة والعنف والتخلف، ودليل على انعدام الرحمة عند المسلمين.

شناعة جريمة الزنا:
لا شك أن الزنا جريمة من أقبح الجرائم، وموبقة من أخبث الموبقات، وفاحشة من أشد الفواحش، ومنكر من أبشع المنكرات، والزنا جريمة شنيعة مَشينة، منكَرة مستقذرة في جميع الشرائع والملل والأعراف الأخلاقية في كل عصر ومصرٍ.

والنفوس مجبولة على النفرة من الزنا والزناة، وبُغض الزنا والزناة، ومَن مِن الناس لا يستقبح ولا يستنكر ولا يستبشع أن تزني زوجه أو ابنته أو أمه أو أخته إلا عديم الرجولة والمروءة خبيث النفس والطباع؟! وهل توجد امرأة عفيفة لا تستقبح ولا تستنكر ولا تستبشع أن يزني زوجها أو ابنها أو أبوها أو أخوها؟!

ولو وقعت جريمة زنا في حي أو قرية علم بها الأهالي، لوجدتهم مشمئزين غاضبين مسارعين في الانتقام من الزاني والزانية، ينهالون عليهما ضربًا وسبًّا إلى أن يتم تسليمهم لأولي الأمر.

مفاسد جريمة الزنا:
للزنا العديد من المفاسد في العاجل والآجل، منها: هتك الأعراض، واختلاط الأنساب، وانحطاط الآداب،وإلقاء العداوة والبغضاء بين الناس، وفساد المجتمع وتهديده بالفَناء والانقراض؛ عن طريق إشاعة الفحش والفجور، والتبرج والسفور، وانتشار الأمراض الجنسية المعدية، وفقد الثقة بين الأزواج والزوجات، وتقطيع العلاقات الزوجية، وتفكك الروابط الأسرية، وتعريض النسل للخطر والضَّياعوالتشرد والانحراف.


والسعي لإشباع الغريزة الجنسية بالحرام يؤدي لعزوف الشباب عن الزواج؛ فيقل بناء الأسر التي هي لبنة المجتمع؛ فيضمحل المجتمع.


والمرأة إذا حملت من الزنا فربما قتلت ولدها، وبذلك تجمع بين الزنا والقتل، وإذا كانت متزوجة وقتلت ولدها، جمعت بين الزنا والقتل والخيانة الزوجية، والزنا قد ينتج عنه الحمل، ويتوهم الزوج أنه منه، فينسبه إليه، ويقوم بتربيته، ويرث هذا الولد ممن ليس بأبيه، والزانية تجلب العار لزوجها وأهلها وولدها، وربما قتلت زوجها من أجل عشيقها، والرجل إذا رأى زوجته تزني ربما قتلها وقتل عشيقها، وربما يشك في أولاده: أهم من صلبه أم لا؟ فيقتلهم أو يعاملهم أسوأ معاملة.

الزاني المحصن يستحق الرجم:
من الأمور التي يجب معرفتها أن العقوبة المستحقة لا بد أن تتناسب مع جسامة الجريمة التي ارتكبها المدان، فكلما زادت جسامة الجريمة، زاد العقاب؛ فمثلًا عقوبة من قتل شخصًا أشدُّ وأغلظ من عقوبة من ضرب شخصًا، وعقوبة من خان الدولة أشد وأغلظ من عقوبة من خان فردًا من أفراد الدولة، وعقوبة القتل العمد أشد وأغلظ من عقوبة القتل شبه العمد، وعقوبة اللواط أشد وأغلظ من عقوبة فعل مقدمات اللواط، وعقوبة من زنا بامرأة أشد وأغلظ من عقوبة من قبَّل امرأة، وعقوبة من اعتدى على مجتمع أشد وأغلظ من عقوبة من اعتدى على فرد.

والزنا فيه اعتداء على العِرْض والمجتمع.

والعِرْض أغلى ما يملك المرء بعد دينه، والعِرْض أعز من نفس الإنسان وماله، وإذا زنى الإنسان فقد هتك عرض أخيه الإنسان، وحكم على طُهر أخته في الإنسانية بالإعدام، والناس قد تسامح من قتل شخصًا عزيزًا لهم، لكن لا تسامح من هتَك عِرضًا لهم.

والزانية تُلحق بأهلها وزوجها - إن كانت متزوجة - عارًا يجعلهم مقتولي الكرامة بين الناس، وعُرضة للنقص والازدراء من قِبَل الآخرين.


والزنا أقوى مِعول يهدم كيان الأسرة، ويفكك رابطتها، ويأتي على بنائها من أساسه، ويُعرِّض الأولاد للخطر والضَّياع، والتشرد والانحراف.


والزنا يضعف قوى المجتمع؛ إذ ماذا يبقى للمجتمع من قوة إذا تهدَّمت الأسر، وانحلت روابطها، وتحطمت قواها بسبب الزنا؟! وهل المجتمع إلا مجموعةُ أُسَرٍ؟!

والزاني المحصن عنده الحلال الطيب فيتركه ويذهب للحرام الخبيث؛ فيهتك العِرْض، ويشيع الفاحشة، ويخون الزوجة... إلى غير ذلك من المفاسد.

والزاني المحصن قد تمَّت عليه النعمة بالزوجة؛ فإقدامه على الزنا يعد دليلاً على أنَّ الشر متأصل في نفسه، وأما غير المحصَن فلعلَّ داعي الشهوة غلبه على ذلك؛ فخُفِّفَ عنه الحد - بالجلد - مراعاة لحاله وعذره[1].

واستحق الزاني المحصن أشدَّ العقوبة - وهي الرجم نَكالًا من الله - لشناعة فعله، وبشاعة جريمته وقذارتها، وعظم آثارها السيئة والمدمرة على الفرد والأسرة والمجتمع؛ فالعقوبة تكون على الجريمة والآثار الناتجة عنها، والأضرار المترتبة عليها، والجزاء من جنس العمل.

رجم الزاني المحصن فيه ردع لمن تسول له نفسه الزنا:
إن من تسوِّل له نفسه الإقدام على الزنا إذا استحضر عقوبة الرجم بالحجارة حتى الموت، فقد يستيقظ ضميره، ويؤنب نفسه، ويرجع عن الزنا، وبذلك تكون عقوبة رجم الزاني المحصن وسيلةً لكف الناس عن الإقدام على الزنا، وليرتدعوا أشد الردع؛ فكلما اشتدت العقوبة، قَوِيَ المنع.

ورجم الزاني المحصن والزانية المحصنة بالحجارة حتى الموت ليرتدع الباقون عن الزنا - خيرٌ من أن يعاقبا بعقوبة أخف من الرجم؛ فيأمن الناس، ويرتكب بعضهم الزنا، ويستشري الزنا في المجتمع؛ إذ مَن أَمِنَ العقوبة الرادعة، أساء الأدب، ومن المعلوم أن عقوبة الجناة والمفسدين لا تتم إلا بمؤلم يردعهم، ويجعل الجاني نكالًا وعِظَةً لمن يريد أن يفعل مثل فعله، وعند هذا فلا بد من إفساد شيء منه بحسب جريمته في الكِبَر والصِّغَر، والقلة والكثرة[2].

وقد غلَّظ الله جل وعلا عقوبة المحصن بالرجم تغليظًا أشد من تغليظ عقوبة البِكر بمائة جلدة؛ لأن المحصَن قد ذاق عُسَيلة النساء، ومن كان كذلك يعسُرُ عليه الصبر عنهن، فلما كان الداعي إلى الزنا أعظمَ، كان الرادع عنه أعظمَ، وهو الرجم[3].

رجم الزاني المحصن فيه ضرب من القسوة لمصلحة الفرد والمجتمع:
إن رجم الزاني المحصن والزانية المحصنة فيه ضرب من القسوة والغلظة لمصلحتهما ومصلحة المجتمع الذي يعيشان فيه؛ فقَبْل الإقدام على جريمة الزنا إذا تذكر المرء أنه سيُرجَم بالحجارة حتى الموت ربما خاف وارتدع، فيمتنع عن الزنا، ويكف عنه؛ فيسلم.

والتشديد في عقوبة الزنا فيه ردع لأفراد المجتمع عن اقتراف هذه الفَعلة المَشينة؛ وبذلك يأمن كل فرد من أفراد المجتمع من أن يُدَنَّسَ عِرضُه؛ فتُحفَظ أعراض الناس، وبذلك يكون إقامة حد الزنا على المحصن أنفى للزنا، ويشعر كل إنسان في المجتمع بأنه مَصُون في عِرضِه.

وفي رجم الزاني المحصن صيانة للمجتمع؛ باستئصال الفرد الفاسد منه؛ ليدفع شره البالغ غاية الشناعة والبشاعة عن المجتمعالذي يعيش فيه، وفي ذلك رحمة بالمجتمع، بإنقاذه من الفساد والمفسدين، واستئصال الفساد والمفسدين.


ومَن لم يبالِ بغلظة العقوبة وأقدَمَ على الزنا، فلا بد من تطهيره، وتطهير المجتمع منه؛ كيلا يفسد باقي المجتمع،كما يُستأصَلُ العضوُ الفاسد من جسد الإنسان؛ كيلا يفسد باقي الجسد، وقتلُ مرتكب الزنا بالرجمأقل ضررًامن ظهور الآثار السيئة التي يسببها الزنا في المجتمع.

ولولا عقوبة الجناة والمفسدين، لأهلك الناس بعضهم بعضًا، وفسَد نظام العالم، وصارت حال الدواب والأنعام والوحوش أحسنَ من حال بني آدم[4].

رجم الزاني المحصن فيه شفاء لنفوس أهل الزانية وزوجها - إن كانت متزوجة -:
حادثة الزنا تجلب لأهل الزانية وزوجها - إن كانت متزوجة - الخزي والعار، والحزن والأسى؛ فتثير في نفوسهم الانتقام، شر الانتقام، ممن فعل هذه الفَعلة المَشينة؛ فشرع الله إقامة الحد؛ ليَشفِيَ نفوسهم، ويُذهِبَ غيظ قلوبهم، ويرد اعتبارهم، وحين يعلمون أن الزاني الذي انتهك عِرْضَهم سيُرجَم، فإن في ذلك شفاءً لصدورهم، فلا يفكرون في الانتقام.

والزانية والزاني حينما أقدما على الزنا لم يراعيا مصلحة الآخرين، ولم يباليَا بحق الآخرين، ولم يباليَا بالفاحشة التي ارتُكِبَت، والعِرْض الذي انتُهِك، والعار الذي سيلحق بالأهل؛ ولذلك ليس لهما أن يطمَعَا في تخفيف العقاب، ومَن لا يَرْحَم لا يُرْحَم!

رجم الزاني المحصن والزانية المحصنة فيه قسوة عليهما؛ قسوة فيها رحمة:
إن رجم الزاني المحصن والزانية المحصنة فيه ضرب من القسوة والغلظة والعذاب؛ نكالًا لهما على ما اقترفاه من الذنب العظيم، والفاحشة المُبينة، فهذه القسوة التي في العقوبة سببُها فعلٌ أشدُّ قسوةً، بل فعل همجي بهيمي، ولعِظَمِه وعِظَمِ آثارِه عظُمَ الحدُّ والعقاب.

والرجم ليس مكافأة، بل عقوبة على فعل مُجَرَّم، ولا عقوبة بلا قسوة وألم، والقسوة ليست شرًّا في كل أحوالها، ولا بد أن تشتمل العقوبة على عقاب رادع، وألم حسي أو معنوي، أو الاثنين معًا، يزداد بزيادة جسامة الجريمة، وإلا لَمَا كان للعقوبة أثرٌ في الزجر والردع.

ولما كان الداعي إلى الزنا داعيًا قويًّا في الطباع، غلظت هذه العقوبة لمقابلة قوة الداعي؛ رحمةً بضعاف النفوس، وإعانة لهم على النفور من هذه الفَعلة الشنيعة، فلا يُقدِمون عليها، فإذا أقدموا عليها بعد هذا التحذير الشديد، كان العقاب شديدًا.

حقًّا إن الرجم رحمة:
في رجم الزناة المحصنين تطهيرٌ للمجتمع من الأفراد الفاسدين، وهذا رحمة.

في رجم الزناة المحصنين ردعٌ لباقي أفراد المجتمع عن الوقوع في الفاحشة؛ فيأمن الناس على أعراضهم، وهذا رحمة.

مع رجم الزناة المحصنين لا تشيع الفاحشة في المجتمع؛ وهذا رحمة.

في رجم الزناة المحصنين حفظ للأعراض من الانتهاك، والأنساب من الاختلاط؛ وهذا رحمة.

في رجم الزناة المحصنين مكافحةٌ للأمراض الجنسية المعدية التي يسببها الزنا؛ كالإيدز، والزهري، وفي ذلك حماية للمجتمع منها ومن أخطارها؛ وهذا رحمة.

في رجم الزناة المحصنين توطيد للعلاقة الزوجية، ومنعٌ للخيانة، وحفظ للرابطة الأسرية من التفكك، وحفظ لكيان الأسرة؛وهذا رحمة.

وكما أن عقوبة الزنا مشددة، فأدلة إثباته كذلك؛ فشرطُ إقامة الحد على الزاني المحصن والزانية المحصنة: إما الاعتراف القاطع الصريح، وإما بشهادة أربعة شهود برؤية الفعل على حقيقته؛ مبالغة في الحيطة والحذر؛ حتى لا يرمى بها الأبرياء، وتغليظًا على المدَّعي، وسترًا على العباد؛ وهذا رحمة.

هذا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

[1] توضيح الأحكام من بلوغ المرام للبسام 6/ 218.
[2] إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم 2/ 69.
[3] أضواء البيان للشنقيطي 3/ 37.
[4] إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم 2/ 69.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق