الجمعة، 27 نوفمبر 2015

هل للكون إله؟



هل للكون إله؟
إن وجود الإله الخالق أمر تعرفه العقول بداهة، لذلك لم يكن ينكر وجود الإله الخالق فيما مضى إلا فئات قليلة من البشر، ولذلك كانت الرسالات السماوية تُبنى على إقرار الناس بوجود الرب تعالى، وأنه هو الذي خلقهم ويرزقهم ويحييهم ويميتهم، ثم تزيدهم علمًا به، وتدعوهم إلى عبادته وحده دون سواه مما يعلمون أن أنه لم يخلق ولم يرزق، ولا يحيي ولا يميت، ولا يتصف بشيء من صفات الإله الخالق.([1])

ويمكن صياغة السؤال السابق بكيفية أخرى، فنقول:
هل الخالق هو الأزلي –الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء- أم المادة؟!

لقد اكتُشف قانون يسمى بـ "قانون الطاقة المتاحة" أو "ضابط التغيير"، حيث إن هذا القانون يُثبت أن المادة ليست أزلية، وبالتالي فإنه لا يمكن أن يكون وجود هذا الكون أزليًّا.

ما يشير إليه "قانون الطاقة المتاحة" أو "ضابط التغيير":
إن قانون الطاقة المتاحة يصف لنا: أن الحرارة تنتقل دائمًا من "وجود حراري" إلى "عدم حراري" والعكس غير ممكن.

فلا يمكن أن تنتقل الحرارة من (وجود حراري قليل) أو (عدم وجود حراري)إلى (وجود حراري أكثر) بل إن الحرارة تنتقل من (وجود حراري أعلى) إلى (وجود حراري أقل).

وبناء على هذا الكشف العلمي المهم، فإنه:
لا بد من وقت تتساوى فيه حرارة جميع الموجودات، وحينئذ لا تبقى أية طاقة مفيدة للحياة والعمل، وسيترتب على ذلك: أن تنتهي العمليات الكيماوية والطبيعية، وتنتهي الحياة بذلك تلقائيًّا.

وبذلك يثبت لدينا قطعيًّا: أن الكون ليس بأزلي.

وهكذا أثبتت البحوث العلمية –دون قصد- أن لهذا الكون بداية، ومن ثم أثبتت تلقائيًّا وجود الإله الخالق لهذا الكون، لأن كل شيء ذو بداية لا يمكن أن يبتدي بذاته، بل لا بد إلى المحرك الأول، وهو الإله الخالق.

وعلينا أن نعلم: أنه لا تناقض بين كون الشيء مخلوقًا، أي خلقه الله سبحانه وتعالى، وأن يكون لحدوثه تفسيرًا طبيعيًّا.

فقد قيل للنبي محمد صل الله علية وسلم: يا رسول الله، أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقى نسترقي بها، وتقاة نتقيها، هل تَرُدُّ من قدر الله شيئًا؟
قال صل الله علية وسلم: ((هي من قدر الله)) [أخرجه الترمذي].

فمن مشاهدتنا لمخلوقات الله تبارك وتعالى نجد أن من سنته جل وعلا أن يخلق الأشياء بأسباب، وأن هذه الأسباب تكون في بعض الأمور لا تتغير البتة.
فالله جل وعلا هو الذي خلق الأسباب، وجعلها أسبابًا، فهي لا تؤثر إلا بقدرته سبحانه وتعالى.

ونذكر ختامًا لهذا الفصل: موجزًا لهذه المناظرة من المسلمين للشيوعيين المنكرين لوجود الإله الخالق، والتي حدثت بعد الانقلاب الذي حدث في روسيا على يد لينين، وكان هناك جمع عظيم من المسلمين والنصارى والشيوعيين الدهريين وغيرهم، أكثر من عشرة آلاف نفس:

المناظرة

- قام زعيم الشيوعيين وخطب وتكلم، وهذي، إلى أن قال:

إن الناس يقولون: إن الله موجود، وهو الذي أوجد العالم ورباه ويُربيه، وقولهم هذا خرافة، لأنه لو كان موجودًا لرأيناه كما نرى الشمس والقمر وغيرهما، وهم يصفونه بأنه كبير وعظيم وجليل، كما في القرآن والتوراة والإنجيل، ونحن الآن نرى أدق الأشياء وأصغرها بآلة الرصد (الميكروسكوب والتلسكوب)، الآلات الـمُكبرة والـمُقربة، وقد دققنا وفتشنا فلم نره، ولم يره أحد، بل ولا أخبر أحد أنه رآه، فهو معدوم وليس بموجود، والأشياء تولدها الطبيعة حسب مقتضى المادة... إلى آخر ما طغى وغوى وبغى.

قال أبو عبد الكريم (المناظر المسلم):
فقمت، وصعدت المنبر، وحمدت الله تعالى، وصليت على رسوله سيدنا محمد r وقلت: إن الزعيم المنكر لوجود ربه وخالقه جل سلطانه بنى إنكاره على أنه لم يره، فأنا سائله: هل له روح في جسده، وعقل في مخه؟!

فلا بد أن يقول: نعم. إن له روحًا في بدنه، وعقلًا في مخه، فإن كان هكذا، فهل رأى روحه وعقله؟! ما هو وكيف هو؟!

فهذا قد أقر بوجود ما لم يره، واعترف بثبوت ما لم يُشاهد، وإنما أقر واعترف بوجود الروح والعقل لظهور أثرهما.

فإن كان هكذا فليُقر وليعترف بوجود الله الذي كل المخلوقات من آثار قدرته، ودلائل علمه وحكمته.

وهذا الإنسان الجاهل المُنكِر إذا لم يستطع رؤية روحه التي هي في نفسه، فكيف يستطيع رؤية رب العالمين الذي الروح أمر من أمره؟!

والخالق الجليل هو الذي لا شبه له ولا نظير له، وهو سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا، ﴿ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 258].

وقال أبو عبد الكريم: فالمسلمون كبَّروا وسبَّحوا وصفقوا، وسُرُّوا واستبشروا، وأما المنكرون الضالون فخجلوا وخابوا.

وتبعًا لهذه المناظرة، فقد هجم الروس على دار أبو عبد الكريم وأخذوا كل ما فيها مما له قيمة، ثم حكموا عليه بالإعدام رميًا بالرصاص، لكن الله تعالى –خالقه وبارئه- نجاه من شرِّهم وكيدهم في قصة عجيبة مذكورة في موضعها.([2])

([1] ) الفيزياء ووجود الخالق، د/ جعفر شيخ إدريس.
([2] ) منهج الجدل والمناظرة في تقرير الاعتقاد، د/ عثمان علي حسن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق