الجمعة، 27 نوفمبر 2015

لماذا جعل الله عز وجل إنسانًا في بيئةٍ مسلمة وآخر في بيئةٍ كافرة؟



لماذا جعل الله عز وجل إنسانًا في بيئةٍ مسلمة وآخر في بيئةٍ كافرة؟ 
وما الحكمة من ذلك؟
وهل يُعد من نشأ في بيئة كافرة مظلومًا، حيث لا إرادة له في ذلك؟
لقد أوضحنـا فيما سـبق عظيم صفات الله عز وجل وطلاقة قدرته، وأن الله سـبحانه وتعالى له الكمال المطلق في كل شـيء وقد أوضحنـا أيضًا أن صفات الله عز وجل وأسمائه تبلغ الكمال في حسنها وجمالها. 
لذلك: فإنه من المؤكد في اعتقاد كل عاقل، سليم الفطرة، أن الله عز وجل هو الحكيم؛ حيث إنه سبحانه وتعالى هو المتصف بحكمة تامة حقيقية، عائدة إليه، وقائمة به كسائر صفاته، والتي من أجلها خلق عباده، فسوّى، وقّدر فهدى، وأسعد وأشقى، وأضل وهدى، ومنع وأعطى، فهو المُحكِم لخلق الأشياء على مُقتضى حكمته جل وعلا.
وحكمة الله سبحانه وتعالى تستلزم العلم الكامل الشمولي الذي لا يسبقه جهل، وتستلزم الإرادة التامّة، فيفعل جل وعلا ما يشاء، ولا يُرَدّ له قضاء، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وكل ذلك وفقًا لما تقتضيه حكمته سبحانه وتعالى، وتستلزم القدرة المُطلقة ... إلى غير ذلك من صفات الكمال لله سبحانه وتعالى.
ومن أسماء الله عز وجل (الحق): فالله سبحانه وتعالى هو الذي يحقّ الحق وينصره، وله العدل المطلق، فلا يظلم سبحانه وتعالى أحدًا أبدًا في مثقال ذرة ولا أصغر منها. 
ومن أسماء الله عز وجل (الرحمن، الرحيم): فالرحمة هي من صفات الله عز وجل، والتي تستلزم الحكمة التامة، والحلم، والرأفة، واللطف، والعفو، إلى غير ذلك من صفات الكمال لله جل وعلا.
وما نودّ أن نلقي عليه الضوء من صفات الكمال لله عز وجل في تلك الجزئية:
- الحكمة           - الإرادة والمشيئة          - القدرة
- العلم             - العدل                   - الرحمة والفضل
حيث نوضّح إجابة التساؤل الأول لهذا الفصل، بالآتي: 
أن الله عز وجل خلق دارًا للنعيم الأبدي (وهي الجنة)، وخلق دارًا للعذاب المقيم (وهي النار)، وذلك وفقًا لإرادته ومشيئته سبحانه وتعالى، فهو القائل جل شأنه:
﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: 82]أنه:
أ
.
﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [سورة الحج آية: 14].
وكان من مقتضى إرادة الله عز وجل ومشيئته: أن يخلق خلقًا للجنة، حيث يُنعّمون فيها نعيمًا أبديًا غير زائل لإيمانهم وصلاحهم في الحياة الدنيا، وأيضًا يخلق خلقاُ للنّار، حيث يُعذّبون فيها عذابًا مقيمًا؛ لكفرهم وإلحادهم وإفسادهم في حياتهم الدنيا، فهو القائل جل شأنه:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحج: 18].
﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ[القصص: 68].
وكان من مقتضى حكمة الله عز وجل أن يُدخل المؤمنين الصالحين في الجنة برحمته وفضله تبارك وتعالى، وأن يُدخل الكافرين الملحدين، المفسدين في النار بعدله جل وعلا. 
ومن حكمة الله سبحانه وتعالى: أن جعل هذا مسلمًا وذلك كافرًا وآخر مُلحدًا ليبلو بعضهم ببعض؛ حيث أن الحياة الدنيا دار ابتلاء واختبار وامتحان.
 ومثال ذلك أيضًا: الغني والفقير، القوي والضعيف، السلطان والعبد ... وهكذا ليبلوا الله عز وجل بعضهم ببعص في دار البلاء والامتحان، أي: ليمتحن بعضهم ببعض، فيظهر المصلح من المفسد، والكريم من اللئيم ... وهكذا.
ومن قبل أن يتبيّن المؤمن من الكافر، والمصلح من المفسد ... وهكذا في الحياة الدنيا، فإن الله سبحانه وتعالى على علم كامل مُسبق بمن سيكون من المؤمنين المصلحين الذين ارتضاهم لجنته ودار نعيمه تبارك وتعالى، وبمن سيكون من الكافرين المُفسدين الذي قد باءوا بسخطه جل وعلا عليهم، فجعلهم لناره ودار عذابه. 
- وإرادة الله عز وجل تستلزم طلاقة القدرة، لفعل ما يشاء وما يريد وفقًا لما تقتضيه حكمته سبحانه وتعالى.  
- وإرادة الله عز وجل تستلزم كمال العلم وشموليته، حيث إنه من يفعل شيئًا بغير علم لا يُقال إنه  أراده، وما دام الله عز وجل هو الخالق لكل شيء، وهو الفعّال لما يُريد، فيلزم أن يكون جل وعلا عالمًا بكل شيء، وقد أثبتا ذلك كما سبق.
ومما يُدلّل عقليًا على كمال علم الله عز وجل وشموليته:
أ – أن الإله الخالق من اللازم له أن يعلم ما تحويه قلوب عباده وما تنطوي عليه من خير أو شر، من إيمان أو نفاق، من إخلاص له جل وعلا في العبادات والمعاملات وغيرها أو رياء وسمعة، ... إلى غير ذلك.
ب – أن الإله الخالق من اللازم له أن يعلم درجات خشوع عباده له جل وعلا في أوقات العبادات وغيرها، كي يعطي الثواب عليها، فيُفاضل بينهم، وهذا أمر قلبي غير مرئي.
جـ - أن الإله الخالق من اللازم له أن يعلم ما يُعدِّده عباده من النوايا الحسنة في الأعمال الصالحة بأن ينوي الإنسان في العمل الصالح الواحد الكثير من النوايا الحسنة؛ رغبة في زيادة الأجر والثواب، وزيادة في التقرب من الله عز وجل. وغير ما ذكرنا الكثير، وقد أشرنا إلى ذلك سابقا.
ثم نوضح إجابة التساؤل الثاني لهذا الفصل بالآتي: 
بداءة:
إن الله عز وجل هو الحق، فلا يظلم عباده مثقال ذرة أو أصغر منها، والله عز وجل هو أعلم بقلوب عباده الذين خلقهم، فإن كان بقلوب عباده خيرًا يرتضيه الله سبحانه وتعالى فسيهديهم للخير والإيمان ويوفقهم للصلاح والهدى، وإن لم يكن بقلوبهم خيرًا فلن يهتدوا للإيمان وإلى ما يرتضيه الله عز وجل.
ولتوضيح ذلك:
فقد يتساءل أحدنا بعد ما مَضَى زمان النبي محمد صل الله علية وسلم وزمان أصحابه الكرام، لماذا لم يجعلني الله عز وجل في زمن النبي محمدصل الله علية وسلم فأؤمن به وأجاهد معه، وأنصر دينه؛ الإسلام، فأكن من السابقين الأولين الفائزين برضا الله عزّ وجلّ؟! لماذا لم أكن من أصحاب رسول الله صل الله علية وسلم ؟!
للإجابة على ذلك، نُبيِّن: 
 أن الله عز وجل اصطفى من خلقه نبيه ورسوله محمد صل الله علية وسلم ، خاتمًا للأنبياء والمرسلين، واصطفى له أصحابه رضوان الله عليهم الذين يليقون ويشرفون بصحبته صل الله علية وسلم ، فلقد اصطفى الله سبحانه وتعالى أصحاب محمد رضوان الله عليهم لمحمد صل الله علية وسلم.
- قال الله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [إبراهيم:11].
﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: 23].
فأصحاب النبي محمد صل الله علية وسلم: هم أبَرّ هذه الأمة قلوباُ، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلّفًا، وأقومها هَدْيًا، قومًا اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صل الله علية وسلم وإقامة دينه. 
وبالفعل: فلم تمض غير سنوات معدودات من بعثة النبي محمد صل الله علية وسلم وإيمان أصحابه به إلا وقد انتشر هذا الدين العظيم – الإسلام – في شتى بقاع الأرض، وأصبحت راية التوحيد [لا إله إلا الله] عاليةً خفَّاقة، وتحطم تحتها ما سواها من شرك وأوثان وطواغيت، وقد انهارت أعظم إمبراطورتين وأعظم قوتين في ذلك الوقت – الفرس والروم – على أيدي المسلمين الفاتحين تحت لواء التوحيد؛ حيث كان الفرس يعبدون النار، وكان الروم يُشركون بالله تعالى، وينسبون إليه الولد ويعبدون الصليب...، إلى غير ذلك.  
فأصحاب النبي محمد صل الله علية وسلم هم أفضل البشر بعد الأنبياء والمرسلين.
ثم ما يدري المُتسائل أنه إذا كان في زمن النبي محمد صل الله علية وسلم سوف يكون من أصحابه الذين نصروه، وليس من أعدائه الذين حاربون وآذوه وكانوا من الهالكين؟!
لقد أرسل الله عز وجل أنبيائه ورسله بالبينات والمعجزات والدلائل القاطعة والبراهين الدامغة على نبواتهم وصدق رسالاتهم ودعوتهم:
أ – لإنذار أقوامهم من عقـاب الله عـز وجل إذا لم يؤمنوا به جل وعلا ولم يتّبعوا أنبيائه ورسله، وإذا لم يلتزموا شرعه.
ب – وليُبشروهم – يُبشروا أقوامهم- بالأجر والثواب، والنعيم والرضا من الله سبحانه وتعالى إذا هم آمنوا به جل وعلا واتبعوا أنبيائه ورسله والتزموا شرعه جل وعلا، مصداقًا لقول الله تعالى:
﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 165].
- فالله عز وجل يُقيم حجَّته على خلقه بإرسال الأنبياء والرسل إليهم؛ ليُبيّنوا لهم الحق فيتبعونه، ويُبيّنوا لهم الباطل فيتركونه ويدعونه، وذلك من فضل الله تبارك وتعالى ورحمته بعباده.
ومن ثم فلا حجّة للناس على الله عز وجل بعدم إرسال الأنبياء والمرسلين إليهم ليتبيّنوا منهم سبيل الحق والباطل، فقد قال تعالى:
﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى﴾ [طه: 134].
﴿يَا أَهْل الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ[المائدة: 19].
﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: 15].
ومن عدل الله عز وجل: أن من لم تَبْلغُه حُجّة الله تعالى الرسالية، بإرسال الأنبياء والرسل، لا يؤاخذ ولا يعاقب منه جل وعلا إلا بعد قيامها عليه.  
وعلى ذلك فإن من مات في الفترة – وقت الانقطاع من إرسال الأنبياء والرسل – والمعتوه الذي لا يعقل، والأصمّ الذي لا يسمع ما تدعو إليه الأنبياء والرسل، وأطفال المشـركين، ومن في حكم هؤلاء، أنهم يمتحنون من الله عز وجل يوم القيامة؛ فمن أطاع الله عز وجل فاز برضاه وجنّته ودار نعيمه، ومن عصاه جل وعلا استحق غضبه عليه وناره ودار عذابه.
وننوّه إلى:
 أن الله عز وجل على علم كامل – ليس مسبوق بجهل – واسع، مطلق أزلي لما سوف يكون عليه خلقه من تصديق واتباع للأنبياء والرسل، أو تكذيب ومُعاداةٍ لهم.
وعلى علمٍ كامل واسع، مطلق أزلي بما سوف يكون من طاعة أو عصيان أهل الفترة ومن حكمهم عند امتحانهم يوم القيامة.
فالله سـبحانه وتعالى يعلم مصير خَلْقه أجمعين، يعلم مَن سيئول مصيره إلى دار نعيمه [الجنة]، ومن سيئول إلى دار عذابه [النار]، وذلك من قبل أن يُخلقوا.
ولكن من حكمة الله عز وجل:
 أن يُرسل الأنبياء والمرسلين إلى خَلْقه، وأن يُنزّل كتبه إليهم، وأن يمتحن من له تبلغة رسالة الأنبياء والرسل، ليقيم حُجّته على الناس أجمعين، ولا يكون لهم حُجّة عليه جل وعلا، مصداقًا لقوله تعالى:
﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأنعام: 149].
وعلينا أن نعلم أن الله عز وجل قد فَطَر الناس على الإيمان به جلّ وعلا وتوحيده، ومَنَحهم العقل الذي يتفكّرون به في آياته، فيستدلون بها على وجوده ووحدانيته وعظيم صفاته وطلاقة قدرته. وعلينا أن نعلم: أنه يوجد تفريق بين جاهل تمكن من العلم ومعرفة الحق ثم أعرض عنه، وبين جاهل لم يتمكن من ذلك.فالذي تمكّن من أن يتعلم ويعرف الحـق ثم أعـرض عنه، لا عذر له عند الله عز وجل.  
وأما الجاهل الذي لم يتمكن من العلم ومعرفة الحق فهو قسمان:أ – إما أن يكون مُريدًا للهدى، يُحِب أن يهتـدي إلى الحق ولكنه غير قادر على ذلك لعدم وجود من يرشده. فهذا حكمه حكـم من لم تبلغه دعوة الأنبياء والرسل.
ب – وإما أن يكون غير مريد للهدى، ولا يُحدِّث نفسه بغير ما هو عليه من الباطل، ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته، فذلك ليس كمن أراد الهدى وأراد أن يهتدي.
ونخلص مما سبق:
- أن الله عز وجل يفعل ما يشاء وما يُريد، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يخلق الجنة وأن يخلق النار، وأن من حكمته جل وعلا أن يخلق أناسًا مؤمنين صالحين يدخلون الجنة، وأناسًا كافرين فاسقين يدخلون النار. 
- وأن الذي يدخل الجنة يدخلها بفضل الله تعالى ورحمته، ومن يدخل النار يدخلها بعدل الله عز وجل.  
وأن الفطرة السوية للإنسان تدُلّه على الإيمان بالله تعالى ووحدانيته، والعقل الصريح لا يعارض ذلك، بل يتوافق معه تمامًا، وقد أشرنا إلى ذلك في السابق.
لقد اقتضت حكمة الله جل وعلا أن يقيم حجّته على خلقه بأن يرسل إليهم أنبياءً ورسلًا يبيّنوا لهم الحق ويدلّوهم عليه، ويبينوا لهم الباطل ويحذورنهم منه، مع إنزاله جل وعلا الكتب السماوية على أنبيائه ورسله. 
- أن الله سبحانه وتعالى عليمٌ بقلوب عباده، فمن عَلِم في قلبه خيرًا وأراد به خيرًا يوفقه للخير ويهديه إلى الحق والصلاح.
ومن ليس في قلبه خير، ولم يُرد الله تعالى به خيرًا، لا يمنّ الله تعالى عليه بهدايته وتوفقيه.
-   أن الناس في الحياة الدنيا مُخيّرون بين الإيمان والتكذيب، بين الطاعة والمعصية، بين الإصلاح والفساد .... ، 
ولم يُجبرهم الله عز وجل على الإيمان أو الكفر والتكذيب، ولم يجبرهم على الطاعة أو المعصية .... ؛ لأن الدنيا دار ابتلاء وامتحان واختبار، فمن آمن بالله سبحانه وتعالى وأطاعه فقد اجتاز الامتحان ونجح في الاختبار، ومن كذّب وعصى فقد سقط في الامتحان والاختبار.  
ومما ذكرنا يتبيّن لنا:
أن الله عز وجل يُدخل الكافر الفاسق ناره ودار عقابه وعذابه؛ لأنه كان مُخيّرًا بين الإيمان والكفر، وبين الطاعة والمعصية، فلم يُجبره الله تعالى على الكفر والتكذيب ولم يُجبره الله تعالى على الفسق والمعصية. 
ويتبيّن أيضًا:
 أن الله عز وجل لم يظلم الكافر حين أوجده في بيئة كافرة؛ حيث: 
1– إن الله عز وجل جعل الكافر مُخيَّراَ بين أن يختار طريق الهداية فيؤمن بإلهه وخالق، وبوحدانيته وعظيم صفاته وطلاقة قدرته، ويتبع أنبيائه ورسله وبين أن يظل على كفره وفسوقه وعصيانه واتباعه لكبره وهواه وشهواته.
 2– إن الله عز وجل لم يحجب الحق عن الكافر، بل جعل الحق دومًا على مرئى ومسمع منه، ففطرته التي فطره الله عز وجل عليه تدُله على وجود الإله الخالق ووحدانيته؛ حيث إن كل مولود يُولد على الفِطرة، والعقل الصريح الذي منحه الله تعالى للإنسان يتوافق مع الفطرة السويّة له، ويشهدان بوجود الله سبحانه وتعالى ووحدانيته. 
ولقد أرسل الله عز وجل إليه – الكافر – الأنبياء والمرسلين لدعوته إلى الإيمان به جل وعلا، وإلى طاعته واتّباع أنبيائه ورسله.
ولكن ذلك الكافر، والمشرك، والمُلحد آثر الباطل وفضّله على الحق اتباعًا لكبره وجحوده، وأهواءه وشهواته، مع أنه لو آمن واتّبع الحق لكان له من الأجر والثواب الضِّعف، فضلًا من الله تعالى.
فالله سبحانه وتعالى إذا لم يهد الكافر إلى الإيمان والصلاح، فذلك ليس معناه أن الله قد منع الكافر ما هو له. 
فالهداية ملك لله عز وجل يختصّ بها من يشاء، فيرحم من يشاء من عباده.
فقد قال تعالى: ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [النور: 35].
وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الجمعة: 4].
فالله سبحانه وتعالى أعلم بمن يقبل الهدى. 
وأيضًا قد يطرأ تساؤل آخر في شأن من مات على الكفر في مُقتبل عمره، بعد بلوغه:
هل يُعَدّ ظُلمًا لمثل هؤلاء الذين ماتوا على الكفر في مُقتبل عمرهم – بعد بلوغهم -؛ لأن الله عز وجل لم يزِد ولم يُطِل في أعمارهم؛ حيث كان من الممكن أن يلحقوا بأهل الإيمان بعد توبتهم مما هم عليه من الكفرِ، وذلك في أواخر أعمارهم؟!
أولًا: نُكِّرر بإيجاز: 
أن الله عز وجل قد جعل الكافر مُخيّرًا بين طريق الهداية وبين أن يظلّ على كفره، ولم يُجبره ولم يُرغمه على شيء.
وأن الله عز وجل لم يحجب الحق عن الكافر كما أوضحنا, 
وأن الله عز وجل قد أرسل الأنبياء والرسل لدعوة الناس إليه جل وعلا، وليبيّنوا لهم سبيل الحق من غيره. 
ثانيًا: قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [يونس: 44].
فالله سبحانه وتعالى لا يظلم أحدًا، ولكن الناس هم الظالمين لأنفسهم،
حيث كان ينبغي عليهم أن يؤمنوا بما جاءت به الأنبياء والرسل، فيعلموا أن تلك الدار التي يحيون فيها ما هي إلا دار فناء، ودار للامتحان والاختبار، ويعلموا أن حياتهم فيها ليست للعبث واللهو والترف المُحرّم أو بُعدٍ عن الدين، وعن ما جاءت به أنبياء الله ورسله.
فكان عليهم أن يُسارعوا في مرضات إلههم وخالقهم، وأن يُسارعوا في اتباع الحق وترك الباطل. 
فكونهم يُعرضون عن كل ذلك ولا يأبهون به، إنما هو من ظلمهم لأنفسهم، وليس من ظلم الله عز وجل لهم.
ثالثًا: قال الله تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14].
إن الله سبحانه وتعالى هو علام الغيوب، فيعلم ما كان وما سيكون، وهو سبحانه وتعالى له الكمال المطلق في عِلمه وفي صفاته وأفعاله. 
فالله سبحانه وتعالى يعلم أن مثل هؤلاء الذين ماتوا على الكفر في مقتبل أعمارهم ليسوا بأهل لرحمته وهدايته جل وعلا.  
وأن الله سبحانه وتعالى قد سبق في علمه الكامل المُطلق – الغير مسبوق بجهل – أن مثل هؤلاء الذين ماتوا على الكفر في مقتبل أعمارهم لن يؤمنوا ولن يهتدوا، حتى وإن طالت أعمارهم أضعاف أضعاف ما كانت عليه.
ومثال ذلك:
أنه قد نجد مِمن هم على الكفر أو الفسوق والعصيان كثيرًا ما يدعون إلى الحق وتَرْك ما هم عليه من باطل، ولكننا نجد: أنهم لا يُذعنون للحق ولا يستجيبون له وإن طالت أعمارهم؛ اتباعًا لأهوائهم وشهواتهم، مع علمهم بما هم عليه من باطل.
وشاهد على ذلك: أبو طالب عمّ النبي محمد صل الله علية وسلم الذي كان يدافع عن النبي صل الله علية وسلم ويعلم صدقه، حيث دعاه النبي صل الله علية وسلم مرارًا وتكرارًا، وإلى أن حضرته الوفاة – أبو طالب-  ودخل عليه النبي صل الله علية وسلم فقال: أي عمّ، قُل لا إله إلا الله ، كلمة أُحاجّ لك بها عند الله، فقال بعض من كان عند أبي طالب من المشركين: يا أبا طالب ترغب عن مِلّة عبد المطلب [والد أبي طالب وجدّ النبي صل الله علية وسلم ، وهو سيد مكة]!، وأخذ من كان عنده من المشركين يُكلمونه، إلى أن قال آخر شيء كلمهم به: بل على مِلّة عبد المطلب.
ومثال آخر:
 نجد كثيرًا ممن يُنسـبون إلى الإسلام يجحدون فريضة الصلاة، ولا يُصلون إلى أن يُرَدُّوا إلى أرذل العمر – المرحلة المتأخرة من العمر – وإلى أن يموتون على ذلك، أعاذنا الله، مع أنهم كانوا دائمًا يسمعون نداء المؤذنين للصلاة في كل وقت، ويسمعون القرآن والتكبير – الله أكبر – في الصلاة من خلال الإذاعات الحديثة القوية بالمساجد، وكثيرًا ما يُدعون إلى إقامتها وتأديتها من الدُعاة والوعّاظ.
إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة.
لذلك فإن خلود الكافرين والملحدين في نار جهنّم، مع فترتهم القصيرة التي حيوها في دار الدنيا إنما هو من عدل الله عز وجل بهم، وعلمه تعالى بقلوبهم، وعدم إيمانهم، وعدم اتباعهم للحق حتى وإن خُلِّدوا في تلك الدنيا.
قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا﴾ [مريم: 70]. 
أي: أن الله عز وجل أعلم بمن يستحق دخول النار ومُقاساة حرّها.
**فالله سبحانه وتعالى أعلم بقلوب عباده، وأعلم بمن يصير من المهتدين المؤمنين الصالحين إذا ما ازداد عمره وأدرك العمل فيه، فلا يظلمه الله جل وعلا، بل يهديه ويوفقه للإيمان والخير والصلاح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق