الجمعة، 27 نوفمبر 2015

أين الهـداية؟!


أين الهـداية؟!


إن كل إنسان له عقل حكيم، وافر رشيد، لا بد وأن يبحث عن الهداية، يبحث عن السبيل الذي يرتضيه إلهه وخالقه، فتراه يُحاول أن ينظر في كل من اليهودية والنصرانية والإسلام؛ لأنها رسالات السماء، ولكنه سرعان ما يهتدي إلى أن دين الإسلام هو دين الله تبارك وتعالى، هو الدين الحق الذي ترتضيه فطرته السوية التي فطره الله عز وجل عليها، وهو الدين الحق الذي يقبله العقل السليم الصريح، الراجح الرشيد الذي منحه الله تبارك وتعالى إياه.

ولا شك، إن الإله الذي أرسل محمدًا صل الله علية وسلم بالإسلام هو الإله الخالق لهذه الفطرة السوية، وهو الإله المانح لهذا العقل السليم الصريح، واللذان يتوافقان مع كل ما جاء به الإسلام، من معتقد بسيط سليم، صافٍ، ليس به شوائب أو عكرات، وليس به إعنات للفكر أو قهر للذهن والتصور، واللذان يتوافقان أيضًا –الفطرة السوية والعقل السليم الصريح- مع كل ما جاء به الإسلام من شرع قويم، وتعاليم سامية، ومعاملات حكيمة سديدة على أسس من الخير والفضيلة.

وسوف نُدلِّل على أن الهداية ليست إلا في الإسلام، بأن نوضح جانب من دلائل نبوة رسول الإسلام محمد صل الله علية وسلم ، وهي شهادة الكتب السابقة برسالة النبي محمد صل الله علية وسلم ، علمًا بأن الشواهد والدلائل التي تشهد برسالته صل الله علية وسلم كثيرة جدًّا.([1])

وقبل أن نشير إلى هذه البشارات بالنبي محمد صل الله علية وسلم من الكتب السابقة –التوراة والإنجيل وغيرهما- نوضح هذا العنوان المهم:

لا يمكن البتة أن يؤمن يهودي بنبوة موسى عليه السلام إن لم يؤمن بنبوة محمد صل الله علية وسلم ، ولا يمكن البتة أن يؤمن نصراني بنبوة المسيح عليه السلام إلا بعد إقراره بنبوة محمد صل الله علية وسلم.

حيث يُقال لهاتين الأمتين –اليهود والنصارى- أنتم لم تشاهدوا هذين الرسـولين، موسـى وعيسى عليهما السلام، ولا شاهدتما آياتهما ولا معجزاتهما ولا براهين نبوتهما.
أ- فنقول لتلك الأمة اليهودية الآن:

بأي شيء عرفتم نبوة موسى عليه السلام وصدقه وأنتم لم تشاهدوا معجزاته ولا براهين نبوته؟!

ب- ونقول لتلك الأمة النصرانية الآن:

بأي شيء عرفتم المسيح عليه السلام وصدقه، وآمنتم به وأنتم لما تشاهدوا معجزاته وآياته؟

فيكون الرد أحد هذين الجوابين:

الجواب الأول: أن يقولوا: آباؤنا أخبرونا بذلك.

فنقول لهم: ومن أين علمتم صدقهم فيما أخبروكم به؟

فيلجئوا إلى الجواب الثاني:

الجواب الثاني: أن يقولوا: التواتر وشهادات الناقلين بمعجزاته وآياته، والبراهين التي جاء بها حقق ذلك عندنا.

فنقول لهم:

إذًا يلزمكم الإيمان بأن محمدًا صل الله علية وسلم هو رسول الله حقًّا وصدقًا؛ لأن من المعلوم أن الناقلين لمعجزات النبي محمد صل الله علية وسلم وآياته وبراهين نبوته أضعاف أضعافكم بكثير، ولأن الله عز وجل جمع لرسوله محمد صل الله علية وسلم بين كلٍّ من نوعي المعجزات، المعنوية والحسية.

فما أعطى الله تعالى نبيًّا شيئًا إلا وأعطى نبيه محمد صل الله علية وسلم ما هو أكثر منه.

*فكان من مُعجزات موسى عليه السلام انفلاق البحر، فأعطى الله سبحانه وتعالى محمدًا صل الله علية وسلم معجزة انشقاق القمر، وهي أبلغ وأعجب؛ لأنها آية سماوية، حيث لم يكن

يستطيع أحد آنذاك الوصول إلى القمر، وكما أشرنا سابقًا: أنه قد اكتشف العلم الحديث حقيقة انشقاق القمر.

*وكان من معجزات عيسى عليه السلام إحياء الموتى، فأعطى الله سبحانه وتعالى محمدًا صل الله علية وسلم:

حنين جِذْع النخلة –الذي كان يخطب صل الله علية وسلم عليه- إليه معجزة له صل الله علية وسلم ، فكان الجذع يبكي ويَئِن كما يَئِن الصبي، لِما فَقَد من خِطاب الرسول صل الله علية وسلم عليه، بعد أن صُنِعَ له صل الله علية وسلم منبرًا يخطب عليه، وهذه المعجزة هي أبلغ من معجزة عيسى عليه السلام وأعجب، لأن حياة الخشبة –الجذع- أبلغ من إحياء الميِّت الذي كان فيه حياة قبل موته، أما الخشبة –الجِذْع- فالأصل أنها لا روح فيها.

وغير هذا الكثير والكثير من المعجزات والآيات والبراهين والإعجازات العلمية التي جاء بها خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صل الله علية وسلم ، الدالة على نبوته وصدق رسالته، وصدق الدين الذي جاء به من ربه تبارك وتعالى، ألا وهو الإسلام.

ونوضِّح أيضًا:

أن الكتب التي يؤمن بها النصارى يُصنفونها صنفين وهما:

العهد القديم والعهد الجديد،

ولكنهم يُركزون على العهد الجديد، وأما اليهود فإنهم يؤمنون بالعهد القديم ويُكذبون بالعهد الجديد، ويتكون كلٌّ من العهد القديم والجديد من عدة كتب ورسائل وأشعار لمؤلفين مختلفين كتبوها في أزمان مختلفة وأماكن مختلفة، وبلغة غير لغة الوحي، بعد موت أو رفع النبي بسنين طويلة.

فالعهد القديم الذي يؤمن به اليهود:

يتكون من مجموعة من الكتابات التي يمتد عهدها من القرن الثاني عشر قبل الميلاد إلى القرن الثاني قبل الميلاد.

ولا توجد مخطوطات لأي من تلك الكتابات يرجع تاريخها إلى أوائل تلك الفترة.

أما بالنسبة للعهد الجديد الذي يُركِّز عليه النصارى،

فمعظم كتبه كانت في البداية لمؤلفين مجهولين، وكثير منها ليس من تأليف مؤلف واحد، بل مجموعة من المؤلفين، وكثير منها أُلِّف على مراحل متعددة.

ولعل القارئ يُلاحظ استخدامنا لكلمة (تأليف)

وذلك لأن النصارى لا يعتقدون أن ذلك الذي بين أيديهم (العهد الجديد) هو الذي نطق به المسيح عليه السلام

،ولكنهم يزعمون أن من كتبوه كانوا مُلهمين، كيف يُعقل ذلك؟!

فكل ذلك زعم لا سند له تاريخيًّا، وما ذلك الإلهام الذي يتحدثون عنه؟!

ومن أين لمثل هؤلاء ذلك الإلهام؟!

بل إن شئنا نقول: الأوهام وليس الإلهام.

وكيف يكون كل ما كتبوه حقًّا من عند الله تعالى إذا كنا نجد فيما يقولونه تناقضًا، ونجد فيه ما يُخالف الواقع؟!

فلا يمكن لكلام يقوله الإله الخالق سبحانه وتعالى، إلا أن يكون مُتسقًا لا تناقض فيه، ولا يمكن إلا أن يكون موافقًا لحقائق الوجود التي خلقها الله سبحانه وتعالى.

لا شك أن الكتب السماوية لليهود والنصارى قد حُرِّفت وبُدِّلت وضيِّعت، وتم إخراجها عن إطارها الرباني الصالح لهداية البشر.

ولكننا مع ذلك نجد بعض من البشارات الواضحة بالنبي محمد صل الله علية وسلم في كتبهم؛ تأييدًا من الله عز وجل لهذا الدين الخاتم الذي أرسل به رسوله محمد صل الله علية وسلم ، ألا وهو الإسلام.

ويحسُن أن نتحدث عن الكتاب السماوي الذي أنزل على النبي محمد صل الله علية وسلم (القرآن الكريم) وحِفْظِهِ من الله تبارك وتعالى، ولو بإيجاز شديد:

إن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الذي ليس بعده أي كتاب سماوي آخر

لذلك فهو مهيمن على جميع الكتب السابقة، وهو المعجزة الكبرى للنبي محمد صل الله علية وسلم ، كما أشرنا بالإضافة إلى الكثير من المعجزات الأخرى، والقرآن الكريم لم ينزل على النبي محمد صل الله علية وسلم دفعة واحدة، ولكنه ظل ينزل به الأمين جبريل عليه السلام من عند الله سبحانه وتعالى على النبي محمد صل الله علية وسلم على مدى ثلاثة وعشرين عامًا.

ولقد تكفَّل ربنا تبارك وتعالى بحفظ كتابه العظيم (القرآن الكريم) من أن تمسه أو تناله أيدي البشر بشيء من التحريف أو التبديل كما حدث في الكتب السابقة، حيث إنه ليس بعده أي كتاب سماوي آخر، وليس بعد النبي محمد صل الله علية وسلم أي نبي آخر.

كيفية حفظ الله عز وجل لكلامه (القرآن الكريم):

لقد كان النبي محمد صل الله علية وسلم يتلقى القرآن الكريم من ربه جل وعلا عن طريق الوحي، فيحفظه عن ظهر قلب، ثم يُمليه على كُتَّابه، ثم يقرؤه على أصحابه، فيحفظه بعضهم عن ظهر قلب كما حَفِظه نبيهم، فقد كانوا مشهورين بسرعة الحفظ وجودة الذاكرة.

وعندما تُوفي النبي محمد صل الله علية وسلم كان القرآن الكريم قد حُفِظ كله في صدور كثير من صحابة رسول الله صل الله علية وسلم ، كما كان قد كتب كله فيما تيسَّر لهم الكتابة عليه من العظام والجلود ولِحَى الأشجار، ثم احتفظ الخليفة الأول أبو بكر الصديق بكل هذه الوثائق التي كُتب عليها القرآن كله، ثم احتفظ بها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، ثم أمر الخليفة الثالث عثمان بن عفان بكتابة القرآن الكريم كله في مصاحف، وتوزيعها على البلاد.

فكل ما نرى الآن من نُسخٍ للقرآن الكريم الآن، إنما هي نسخ من هذا المصحف الذي أمر سيدنا عثمان بن عفان بكتابته، وهو الذي يسمى بـ (المصحف الإمام)([2]).

لذلك، فإن القرآن الكريم هو الكتاب المُحتفِظ بإطاره الربَّاني الصالح لهداية الناس أجمعين، ومما يدلل على ذلك:

1- أن القرآن الكريم غير متناقض، وليس بمُخالف للواقع.

فلا يمكن أن يكون الكتاب المحفوظ من الله عز وجل قد اعتراه أي اختلاف أو تناقض؛ لأن الاختلاف والتناقض نقص، والله تعالى مُنـزَّه عن كل نقص، ولأن وقوع الاختلاف أمر لازم لكل ما هو من تأليف البشر، فإذا كان وجود الاختلاف والتناقض يدل على ما هو من صناعة البشر، فإن عدم وجود الاختلاف والتناقض به –القرآن الكريم- يدل على أنه من عند الله عز وجل.

ولا يمكن للكتاب المحفوظ من الله عز وجل أن يُقرِّر شيئًا يكون الواقع بخلافه؛ لأن الإله الذي خلق الكون هو أعلم بما خلق، وحاشاه أن يكذب على عباده، فيخلق الواقع على هيئة، ثم يكون خبره عنها مخالفًا لها.([3])

وصدق الله تعالى إذ يقول:

﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82].

2- أن القرآن الكريم يدعو إلى مكارم الأخلاق، وليس في دعوته ما يُخالف هذه الأخلاق الحميدة التي فطرنا الله عز وجل عليه.

3- أن القرآن الكريم ليس فيه ما يُناقض القواعد العقلية التي فطرنا الله عز وجل عليها، وغير ما ذكرنا الكثير والكثير من الدلائل القاطعة والبراهين الدامغة على أن القـرآن الكريم هو كلام رب العالمين، الذي تعهد ربنا تبارك وتعالى بحفظه إلى يوم الدين.

([1] ) يرجى الرجوع إلى كتاب: محمد رسول الله حقًّا وصدقًا، للمؤلف.

([2] ) الفيزياء ووجود الخالق، للدكتور/ جعفر شيخ إدريس.

([3] ) الفيزياء ووجود الخالق، د/ جعفر شيخ إدريس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق