الجمعة، 27 نوفمبر 2015

الإيمان بالأنبياء والرسل


الإيمان بالأنبياء والرسل
لقد تحدثنا عن الإيمان بالله عز وجل ووحدانيته، وأنه قد ثبت لدينا بشتى أنواع الأدلة والبراهين وجود هذا الإله الخالق لهذا الكون ولكل شيء من عدم، لما له من عظيم الصفات وطلاقة القدرة وشمولية العلم، وقد أشرنا إلى ذلك.

وقد ذكرنا: أنه يترتب على إيماننا بالإله الخالق عز وجل وصفاته ووحدانيته -وهو ما يسمى بتوحيد الربوبية- أن نعبده ونتقرب إليه دون أن نجعل له شريكًا أو ندًّا!
وكان من حكمة الله عز وجل البالغة أن يرسل إلى عباده الأنبياء والمرسلين بالشرع القويم، حتى يتعرف العباد على الصفات العظيمة لإلههم وخالقهم، وكيفية عبادته جل وعلا وتوحيده، والتقرب إليه، والسبيل الذي يوصل إلى رضائه جل وعلا وعدم سخطه.

وما نود أن نلقي الضوء عليه بإيجاز شديد هو: 

بعض من الدلائل على بعث وإرسـال الله عز وجل للأنبياء والرسل، ومن ثم الإيمان بهم وبدعوتهم وبكل ما أخبروا به.

الدلائل على بعث وإرسال الله عز وجل للأنبياء والمرسلين:

1- الفطرة السوية النقية والعقل السليم الصريح:

لقد خلق الله عز وجل البشر وفطرهم على الإيمان بوجوده جل وعلا ووحدانيته، وأرسل إليهم الأنبياء والرسل من جنسهم –من البشر- وبلسانهم؛ ليفقهوا عنه ويفهموا منه، وليتمكنوا من مخاطبته ومكالمته.

فلو أنه جل وعلا بعث إلى البشر رسولا من غير جنسهم كالملائكة لَما استطاعوا مواجهته ولا الأخذ عنه.
لذلك كان من مهام الأنبياء والمرسلين وفقا لقول الله تعالى:

﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأنعام: 48، 49].

أي أن الأنبياء والمرسلين جاءوا مبشرين عباد الله المؤمنين الصالحين بالخيرات والأجر

والثواب من الله تبارك وتعالى، ومنذرين من كفر الله تعالى وجحد آياته، متبعًا لأهوائه وشهواته، بالنقمات والعقوبات منه جل وعلا.

والفطرة السوية والعقل السليم لا ينكران ما قد ذكرنا ولا يعارضانه، ولكنهما يقبلانه ويتوافقان معه أشد القبول والتوافق، بل وينكران –الفطرة السوية والعقل السليم- على مثل من يحاول التشكيك في إرسال الله عز وجل للأنبياء والرسل، ويتعارضان معه.

وتتمّة لإيضاح حكمة الله عز وجل في إرسال أنبيائه ورسله من جنس ما أرسلوا إليهم البشر:

- أن الأنبياء والرسل إذا كانوا من جنس الملائكة مثلا، لما استطاع البشر رؤيتهم على حقيقتهم لعظم خلقتهم، ولما أَنِسوا بهم، ولداخلهم الرعب من كلامهم ومعاشرتهم ما لم يمكنهم الانتفاع به –بكلامهم ودعوتهم-.

- وإذا جاء الملائكة كأنبياء ومرسلين على صورة بشر، لاختلط على الناس أمرهم، ولقالوا لهم: إنكم لستم ملائكة ولكنكم بشر.

- أن الأنبياء والرسل إذا كانوا من جنس الملائكة لما حَسُن للبشر الاقتداء بهم.

فإذا ما دعت الملائكة الناس إلى القيام بما أمر الله به عز وجل من تكاليف والانتهاء عما نهى عنه من نواهٍ وامتثلت –الملائكة- هي أولا لِما دَعَت إليه من تنفيذ الأوامر لله عز وجل واجتنابًا لما نها الله جل وعلا عنه ليقتدي الناس بهم، لقال الناس: لا طاقة لنا بما دعوتمونا إليه، وإنما استطعتم أنتم –الملائكة- القيام والتنفيذ بما دعوتمونا إليه؛ لأنكم من جنس الملائكة الأقوياء، وإنما نحن من جنس البشر الضعفاء.

لذلك كان من حكمة الله عز وجل البالغة أن يُرسل أنبياءه ورسله من جنس ما أرسلوا إليهم، وهم البشر، وغير ما ذكرنا من الحكم الكثير، ولكن نكتفي بما قد أشرنا إليه.

2- الإيمان بحكمة الله عز وجل البالغة الكاملة، وفقًا لقوله جل وعلا: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الحشر: 1].

لقد أشرنا فيما سبق إلى عظيم صفات الله عز وجل وطلاقة قدرته، ودَلّلنا على ذلك علميًّا، وبمختلف الأدلة الدامغة والبراهين الواضحة.

ومن عظيم صفات الله عز وجل التي يتوجب علينا الإيمان بها: حكمته التامة، البالغة الكاملة.
فالإله الخالق جل وعلا له الكمال المطلق في جميع أسمائه وصفاته.

ومن حكمة الله عز وجل: أنه كما أتاح للإنسان كل ما يحتاج إليه بدنه من طعام وشراب وكساء، واتزان للكون يعمل في صالحه –الإنسان- من أرض وشمس وقمر وسماء وجبال وزروع وحيوان وطير وماء.... إلى غير ذلك، فإنه جل وعلا من تمام حكمته وكمالها أن يوفر للإنسان ما تحتاج إليه روحه التي هي أهم من جسده، من التشاريع القويمة والتعاليم السامية والعبادات الهادية التي تُقَرِّبه من إلهه وخالقه، والفوز بدار نعيمه ورضاه عليه.

ولكن: من أين يعلم البشر ما يُرضي إلههم وخالقهم؟

فكان الأنبياء والمرسلون هم المكلفون بهذه المهمة، مهمة دعوة الناس إلى الله تعالى، دعوة الناس إلى ما يُرضي الإله الخالق العظيم، الله رب العالمين.

وإذا وُجِد من يُنكر –افتراءً وزورًا- بعث الرسل من الله تعالى إلى خلقه، لزعمهم، وقولهم بأنهم –المنكرين للأنبياء والرسل- قد وجدوا الخلق مستغنين عن كل علم، وعن كل أمر من الأنبياء والرسل، لِما في عقولهم من المعرفة بالخير والشر، يُرَدّ عليهم، وعلى جدالهم ومراءاتهم، فيُقال لهم:

ألستم تجدون أن في تذكار العباد بعضهم لبعض، وتنبيه بعضهم بعضًا، وتعليم بعضهم بعضًا، يزيد في علمهم وشكرهم وطاعتهم لله تعالى، ومخافتهم منه جل وعلا؟ -مجاراة لهم- سيقولون: نعم، حيث إن ذلك مما توجبه العقول السليمة، الراجحة الرشيدة.

نقول لهم: 

كذلك، فإن تواتر وتتابع أنبياء ورسل الله تعالى إلى خلقه ما يقوم بتجديد عهد الله جل وعلا إلى عباده –بأن يؤمنوا به ويوحدوه ويُخلِصون في عبادتهم له- على ألسنة أنبيائه ورسله، وتتابع وَعْظهم وتذكيرهم وإرشادهم إلى العبادات الهادية والتعاليم السامية والمعاملات السديدة والتشاريع القويمة، والدقيق من الأمور المشتبهات بين ما أحله الله عز وجل وبين ما حرمه، وبالتالي معرفة طريقي الخير والشر حق المعرفة، لا على سبيل الوهم والظنون واتباع الهوى، لا سيما أن طبائع البشر وأفكارهم ومقاييسهم مختلفة.
لذلك، فإن من كمال حكمة الله تعالى أن يرسل أنبياءه ورسله، رأفة ورحمة منه تبارك وتعالى بعباده.

ومثال ذلك أيضًا:
أنَّه لو قدر وجود ملك أو سلطان قد خرج عليه بعض جنوده في مخالفة أمره، أليس من الحكمة والعدل والرفق والاستصلاح منه أن يُرسل ذلك السلطان إليهم رسولا ليرجعوا عن مخالفة أمره ويرتدعوا عن معاندته والخروج عن طاعته، قبل أن يبطش بهم على غير إنذار منه إليهم، وقبل أن يأخذهم على غِرة من غير إنذار منه إليهم؟!([1])

الجواب: بلى، فإن ذلك من الحكمة والعدل والرحمة والرأفة.


3- المعجزات والخوارق التي أيد الله عز وجل أنبياءه ورسله بها:

لقد أرسل الله عز وجل أنبياءه ورسله مؤيدًا لهم بالمعجزات والخوارق التي تشهد بنبواتهم ورسالاتهم وصدق دعواهم وما أخبروا به، لا سيما أن دعوتهم تتوافق تمامًا مع الفطرة السوية النقية والعقل السليم الصريح.

وقد أشرنا سابقًا إلى جانب من الإعجاز الحسّي لرسول الله محمد  صل الله علية وسلم. .
فيجب على الجميع أن يؤمن بأنبياء الله ورسله جميعًا، إذا ما تبين صدق دعوتهم التي تتفق مع الفطرة النقية السوية، والعقل السليم الصريح، وإذا ما ظهر ما يؤيد ويشهد بصدق نبواتهم ورسالاتهم من المعجزات والخوارق تأييدًا من الله عز وجل لهم، والتي يعجز عن الإتيان بمثلها غير الأنبياء والمرسلين.

*ولذلك، فإن تكذيب أيًّا من الأنبياء أو المرسلين ومعاداته هو في الحقيقة تكذيب لجميع الأنبياء والرسل، بل هو معاداة لله عز وجل الذي أرسلهم.

فكما أن من آمن برسول يلزمه الإيمان بجميع الرسل، كذلك فإن من كفر بواحد منهم، فإنه يلزمه الكفر بالجميع، كما قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 150-152].

وكذلك نوضح: أن كل نبي أدرك قومًا فهم أمته، وعليهم أن يتبعوه، ومثال ذلك:
إذا آمن شخص ما بنبي الله موسى عليه السلام لِما علم من صدق دعوته التي تتوافق مع الفطرة السوية والعقل السليم، والتزم بالشرع الذي جاء به موسى عليه السلام، ثم قُدِّر لهذا الشخص أن يدرك نبي الله عيسى عليه السلام، وأن يكون على يقين من نبوته
ورسالته، 

فهل يمكن لذلك الشخص الذي آمن بموسى عليه السلام والتزم الشرع الذي جاء به أن لا يتبع نبي الله عيسى عليه السلام والشرع الذي جاء به بزعم أنه من أمة موسى عليه السلام، وليس من أمة عيسى عليه السلام!!

بالطبع: لا، 

حيث إن ذلك الشخص كونه أدرك نبي الله عيسى عليه السلام، فإنه يصبح من أمته، ويلزمه أن يلتزم بالشرع الذي جاء به، ولا يلزمه الالتزام بالشرع الذي كان قد جاء به موسى عليه السلام.
وكذلك، 

فإن كل من أدرك رسول الله محمد صل الله علية وسلم فإنه يصبح من أمته، ويصير مُلزمًا باتباعه صل الله علية وسلم ، 
والتزام الشرع الذي جاء به سواءً كان يهوديا أو نصرانيا أو غير ذلك.
**والحق أن كل من يتبع نبي الله موسى عليه السلام أو يتبع نبي الله عيسى عليه السلام اتباعًا صحيحًا، لقاده ذلك الاتباع إلى الإيمان والتصديق بنبوة ورسالة النبي محمد صل الله علية وسلم واتباعه، حيث إن كلا من التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السماوية بشروا بهذا النبي الخاتم للأنبياء والمرسلين محمد صل الله علية وسلم وأخبروا عنه، وسوف نذكر بمشيئة الله تعالى جزءًا من هذه البشارات في موضعها.

فالنقل الصحيـح والعقل الصـريح يقودان إلى الإيمان بالرسـالة الخاتمة، رسالة محمد صل الله علية وسلم.
([1] ) منهج الجدل والمناظرة ي تقرير الاعتقاد، د/ عثمان علي حسن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق