الجمعة، 27 نوفمبر 2015

دلائل عظيمة على طلاقة قدرة الله عز وجل


دلائل عظيمة على طلاقة قدرة الله عز وجل

ومن ثم كمال وشمولية علمه وتمام حكمته

وعظيم صفاته وأفعاله


يقول الله تعالى في كتابه الحكيم –القرآن الكريم- واصفًا إرادته وقدرته: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82].

أي أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد شيئًا، فإنما يأمر أمرًا واحدًا، فلا يحتاج إلى أن يُكرر أمره أو أن يؤكده.
فهو سبحانه وتعالى بيده مقاليد السماوات والأرض، وإليه يرجع الأمر كله، وله الخلق والأمر.
والآيات الدالة على قدرة الله عز وجل وطلاقتها أكثر من أن تحصى، كخلقه جل وعلا للسماوات والأرض والكون وما به من مجرات ونجوم وكواكب بما فيها الأرض.

وأيضًا من عظيم الآيات الدالة على قدرة الله عز وجل وطلاقتها، التوازن العجيب والتناسق البديع للكون بما فيه، وكـذلك التناسـب الذي يصـل إلى حد لا يمكن تصوره.

وأيضًا من عظيم الآيات الدالة على قدرة الله عز وجل وطلاقتها: خلقه جل وعلا للإنسان بما فيه من نعم عظيمة لا تعد ولا تحصى... إلى غير ذلك.

مما يوضح عظيم حكمة الله عز وجل وقدرته، وما قد اكتشفه العلم الحديث بأحدث الأجهزة العلمية من هذا التوازن والتناسب بين أجزاء الكون، وأيضًا في مكونات الإنسان والكائنات الحية يؤكد عظيم قدرة الله جل وعلا وجليل حكمته وبديع صنعته.

لكننا نود أن نشير إلى جوانب ودلائل أخرى توضح طلاقة قدرة الله عز وجل وعظيم صفاته وأفعاله، منها:

1- الفطرة السوية النقية والعقل السليم الصريح

لقد خلق الله عز وجل الإنسان وفَطَره على الإيمان بوجوده وعظيم قدرته وجميل صفاته.
فنجد أن الإنسان إذا ما نزلت به نازلة أو كارثة، فإنه سرعان ما يتوجه إلى الله تعالى بالدعاء مرارًا وتكرارًا علمًا من هذا الإنسان بوجود ربه تبارك وتعالى وإيمانًا به، وبعظيم قدرته، وأنه سبحانه وتعالى هو القادر وحده على أن يرفع جميع ما نزل به من المصائب والكوارث لطلاقة قدرته جل وعلا وعظيم رحمته.

والعقل السليم الصريح لا يقبل إنكار وجود الله تعالى أو عظيم صفاته أو طلاقة قدرته.
فالإنسان إذا ما نظر في نفسه وتأمل في تركيب جسمه، لا سيما بعد التقدم العلمي الهائل في الطب وفي شتى المجالات وتطور أجهزته العلمية إلى درجة كبيرة، لعلم –الإنسان- عظيم حكمة الله سبحانه وتعالى، وطلاقة قدرته وكمالها وبديع وعجيب صنعته.

فما بالنا إذا نظر الإنسان وتأمل في ملكوت الله عز وجل الواسع، من سماوات وأراضين 

–حيث إن العلم قد اكتشف أن الأرض مقسمة إلى سبع طبقات- ومجرات ونجوم ومخلوقات حية –كالحيوانات والطيور- وأخرى غير حية، ليست ذات روح -كالأشجار والنباتات والجمادات- لا سيما بعد تقدم التلسكوبات والمجاهر الإلكترونية، لَشاهد بعينيه عظيم وطلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى.

لذلك فإن الفطرة السوية النقية والعقل السليم الصريح، الراجح الرشيد من الدلائل العظيمة على طلاقة قدرة الله عز وجل وعظيم صفاته وأفعاله.

2- دعوة الأنبياء والرسل، وتأييدها بالمعجزات والخوارق دلالة وشهادة بصدق ما أخبرت به:

لقد أرسل الله تعالى الأنبياء والمرسلين لدعوة الناس إلى الإيمان به جل وعلا وإلى الإيمان بعظيم صفاته وطلاقة قدرته وجليل حكمته وكمالها وشمولية علمه سبحانه وتعالى، ومن ثم إفراده عز وجل بالعبادة وحده دون أن يُشرك به شيئًا.

ولقد أيَّد الله عز وجل أنبياءه ورسله بما يشهد بصدق ما دعت إليه من وحدانية الله جل وعلا، وصدق ما أخبرت به من عظيم صفاته وطلاقة قدرته، من المعجزات والخوارق التي يعجز عن الإتيان بمثلها غير الأنبياء والمرسلين.

ومن أمثلة هذه المعجزات ما كان للنبي محمد صل الله علية وسلم مثل:

- انشقاق القمر له صل الله علية وسلم محمد صل الله علية وسلم:
وقد اكتُشف ذلك علميًّا نتيجة التمزقات والشقوق الغائرة، العميقة جدًًّا، والتي لا يمكن تفسيرها على أنها أثر لارتطام النيازك وغيرها بالقمر، وذلك لعظيم عمقها وطولها، حيث تتراوح أعماقها بين عدة مئات من الأمتار وأكثر من الكيلومتر، وأعراضها بين النصف كيلو متر وخمسة كيلو مترات، وتمتد إلى مئات من الكيلو مترات في خطوط مستقيمة أو متُعرجة، وتمر هذه الشقوق الطويلة الهائلة بالعديد من الحفر العميقة، هذا بالإضافة إلى اكتشاف حزام من الصخور المتحولة في القمر، وهي طبيعة لم يعهدها العلماء في أجرام السماء، لذلك فسَّر العلماء –بما فيهم علماء الجيولوجيا- كل ذلك أنه نتيجة انشقاق القمر في يوم من الأيام، وقد تم تصوير هذه الشقوق حديثًا، حيث يمكن للجميع أن يطلع عليها، فتكون شاهدة بصدق هذه المعجزة العظيمة، تأييدًا من الله سبحانه وتعالى لدعوة ورسالة نبيه محمد صل الله علية وسلم.

وكان هذا الكشف العلمي وغيره من أسباب اعتناق الكثير والكثير للإسلام، وقبوله دينًا لهم، والإيمان برسول الإسلام محمد صل الله علية وسلم وتصديقه.

- نبع الماء من بين أصابعه صل الله علية وسلم.

- البركة في الطعام القليل حتى يكفي الكثير والكثير.

- حنين الجذع لرسول الله صل الله علية وسلم وسماع صوت بكائه.

- تسبيح الطعام وسماع صوت تسبيحه على عهد رسول الله صل الله علية وسلم.

- رده صل الله علية وسلم لعين قتادة بن النعمان لما أصيبت يوم أحد، وسقطت على وجنتيه، فعادت أحسن عينيه وأحَدّهما.

- شفاء بعض أصحابه على يديه صل الله علية وسلم بدون دواء حِسِّي.


وغير هذا الكثير والكثير من أمثلة هذه المعجزات وأنواع أخرى غيرها، مما هو صحيح وثابت عن النبي صل الله علية وسلم.

لذلك فإن الإله الخالق الذي دلَّتا الفطرة السوية والعقل السليم على وجوده هو الإله الخالق الذي دعت الشرائع –التي جاءت بها الأنبياء والرسل- إلى الإيمان به وبعظيم صفاته وطلاقة قدرته.
3- أزلية الله سبحانه وتعالى وأبديته وفقا لقوله جل وعلا:
﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ﴾ [الحديد: 3]، ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ [الإخلاص: 3].

- وخلق الله عز وجل للإنسان ولكافة المخلوقات والموجودات من عدم، وفقا لقوله تعالى:

﴿أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا﴾ [مريم: 67].

﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ [الزخرف: 9].

إن الله سبحانه وتعالى لم يولد، لذلك فهو جل شأنه مُنزَّه عن أن يتخذ صاحبة أو ولدًا.

وهو سبحانه وتعالى الخالق من عدم، يخلق ما يشاء وفقًا لما يُريد ويشاء، ولمِا تقتضيه حكمته سبحانه وتعالى.

فلِمَ يكون اتخاذه جل وعلا ولدًا أو أكثر من البشر أو غيرهم كما يفتري الكاذبون؟!

إن الله عز وجل مُنزَّه عن مثل ذلك، فهو جل وعلا الأول الذي ليس قبله شيء.

وقد ثبت لدينا بالأدلة الدامغة فطريًّا وعقليًّا وعلميًّا وغير ذلك كما أشرنا سابقًا.

وإذا ما نظر الإنسان بعقله في نفسه كمخلوق، 

فإنه يكون على يقين من أمر ولادته، وأنه مولود، وأن أبويه كانا سببًا في وجوده، وأنه لم يكن من قبل شيئًا، وأن والدا أبويه –جداه- كانا سببًا في وجود أبويه، وهكذا إلى أن يصل إلى وجود الخالق الأزلي الذي لم يُولد، والذي أوجد الإنسان في بداية خلقه من العدم بعظيم وطلاقة قدرته، لذا فإن الإنسان دومًا ينظر إلى الأشياء والموجودات من حوله وهو على يقين من أنه لا بد من سبب في وجودها، وأنها كانت في بداية الأمر عَدَمًا، كما كان هو، ومن ثَمَّ يستلزم ذلك وجود واجِد أزلي لم يوجده أحد من قبل، وهذا الواجد هو الذي أوجدها –الأشياء والموجودات- من العدم بعظيم وطلاقة قدرته، وهذا الواجد هو الإله الخالق، الله سبحانه وتعالى.

ويُستنتج من ذلك كله: 

أن الإله الخالق لا بد وأن يكون أبدي، أي: حي، دائم باقٍ، لا يموت ولا يفنى ولا ينتهي.

لذلك، فإن ثبوت أزلية سبحانه وتعالى بكافة البراهين والأدلة فطريًّا وعقليًّا وعلميًّا.. دليل وبرهان لكل لبيب وعاقل على طلاقة قدرة الله عز وجل، هذا وإن كان عقله يعجزه عن إدراك كيفية هذه القدرة المطلقة لله سبحانه وتعالى؛ لأن الإنسان نفسه موجود مخلوق، أوجده الله الخالق جل وعلا من العدم.

لذا، فإن عقله محدود، له إمكانية محدودة، يعجز عن إدراك ما فوقها.
ونضرب لذلك مثالا بسيطًا لتوضيح ذلك:

هل يمكن أن نضع في كوب ماء صغير ما يُعادل كوبين من حجمه؟!
بالطبع: لا.
فإذا كان هذا الكوب الصغير من الماء لا يستوعب كوبًا آخر مثله، 

فهل يمكن أن يستوعب ما على الأرض من مياه أنهار وبحار ومحيطات ومِدادٍ من أمثلتها جميعًا إلى ما لا نهاية؟!!

بالتأكيد: كلا، لا يمكن ذلك.
فذلك مَثُلُ العقل المحدود، المشبه بكوب الماء الصغير المحدود، لا يمكنه إدراك كيفية طلاقة قدرة الإله الخالق جل وعلا.

-وبما أن الحديث قد تطرق بنا إلى الماء –كمثال- ،فلنتبين من خلاله على عظيم صفات الإله الخالق جل وعلا وطلاقة قدرته، وذلك عن طريق النظر إلى مكوناته عبر ما توصل إليه العلم الحديث،كما على النحو التالى:
جزىء الماء:- فنجد أن الجزىء الواحد من الماء يتكون من ذرتين من الهيدروجين متحدتين مع ذرة من الأوكسجين، ومن العجيب فى هذا الأمر :
أن الهيدروجين –أحد مكونا جزىء الماء- هو غاز مشتعل يسبب الحريق وإشعال النار، وأن الأوكسجين – المكون الآخر لجزىء الماء-هو غاز يساعد على اشتعال النار، ولكن ماينتج عنهما معا هو الماء الذى من صفاته التى أودعها الله تعالى فيه:إطفاء هذه النار.

فسبحان الإله الخالق جل وعلا ،المتفرد بعظيم الصفات وطلاقة القدرة.
4- خلق الله سبحانه وتعالى للروح، وفقًا لقوله جل وعلا:
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 85].
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الروح، وأودعها الإنسان وغيره من المخلوقات إلى أجل مسمى، إلى أن يتوفاه الله عز وجل بقبض وأخذ روحه، لأن الله جل وعلا قد كتب عليه – الإنسان- وعلى غيره من الأحياء الموت والفناء، وفقًا لقوله سبحانه وتعالى:

﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ*وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: 26، 27].
ثم يَرُدُّ الله تعالى على الإنسان روحه وإلى غيره من الأحياء (كالحيوانات والطيور) ليُوفيه حسابه وجزاءه، وكذلك غيره، وذلك في يوم الحساب (الدار الآخرة الباقية).

فإن كان مؤمنًا صالحًا، فإلى جنته تبارك وتعالى ودار نعيمه والفوز برضائه.
وإن كان كافرًا، مشركًا، مُلحدًا، فاسقًا... فإلى النار ودار الشقاء لسخطه جل وعلا عليه.

ولقد خلق الله عز وجل الروح وجعلها سببًا في حياة الإنسان وغيره من الأحياء، فهو جل وعلا مُسبب الأسباب وخالقها، وذلك لحكم عظيمة وجليلة يعلمها جل وعلا.

وإذا أمعنا النظر وتأملنا في هذه الروح التي خلقها الله تعالى، وجعلها سببًا في حياة الإنسان وغيره من المخلوقات لَثَبَتَ لدينا بيقين طلاقة قدرة الإله الخالق لها

– الروح- وعظيم وبديع خلقه لكل شيء.
فالروح:

 لم يستطع العلم الحديث دراستها مع كل وسائله التقنية الحديثة، حيث إن أساسيات وبدائيات هذه الدراسة غير متاحة، وليست معلومة، لذلك فإن الروح التي خلقها الله تعالى وأودعها الإنسان، وجعلها سببًا في حياته وحياة غيره من الأحياء هي سر من أسراره جل وعلا في خلقه، وآية على بديع صنعته، ودلالة على عظيم وطلاقة قدرته جل وعلا.

6- استجابة المؤمنين الصالحين لأوامر الله عز وجل وطاعتهم له وفقا لقوله جل وعلا:
﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [الشورى: 26].
لقد خلق الله تعالى البشر وأرسل إليهم أنبياءه ورسله لدعوتهم إلى الإيمان بوحدانيته وعظيم صـفاته، ومن ثم عبادته جل وعلا وحده، وذلك بعد أن أيدهم –أيَّد أنبياءه ورسله- بالمعجزات والخوارق كدليل على صدق دعوتهم.

وبالفعل: 

نجد أن من يؤمن بدعوة أنبياء الله ورسله – وهم المؤمنون الصادقون- يستجيبون ويمتثلون لكل ما أمر الله عز وجل به، ويسعون في القيام به على الوجه الأمثل، بل ويتبادرون في تنفيذه.
وإذا ما نهى الله عز وجل عن شيء، فإنهم –المؤمنون الصادقون- سرعان ما يجتنبونه، بل ولا يقربونه أو يقربون إلى ما يؤدي إليه.

علمًا بأن الله عز وجل لم يخلق الإنسان مُجبرًا على طاعته أو على معصيته، ولكن خلقه مُخيرًا بين أن يطيعه جل وعلا أو أن يعصيه، هذا مع علمه عز وجل الكامل المسبق لما سوف يختاره الإنسان، ولما سوف يقوم به من طاعته جل وعلا أو عصيانه.

*وذلك كله لحكمة من الله سبحانه وتعالى، كما سنشير إليها بمشيئة الله تعالى فيما بعد.


ومع أن الله تعالى قد خلق الإنسان مُخيَّرًا بين الطاعة والمعصية، ولم يُجبره على فعل أي منها، كاختبار وامتحان له – الإنسان- إلا أننا نرى المؤمنين الصادقين والصالحين وكأنهم مُجبرون على طاعة الله عز وجل وتنفيذ أوامره على الوجه الأمثل لسرعة وفورية استجابتهم لأمر الله تعالى والتبادر إلى فعله.

*فإذا كان ما نراه هو حال من كان مُخيرًا، وليس بمُجبر، فما بالنا بمن خلقهم الله عز وجل للقيام فقط بطاعته وتنفيذ أوامره، ولا سبيل لهم لأن يهموا بعصيانه!! ونموذج ذلك من الملائكة.
فالملائكة لا عمل لهم إلا عبادة الله سبحانه وتعالى وطاعته والامتثال له، 

وتنفيذ كل ما أمر الله تعالى به؛ لذلك، فإن ما نراه رأي العين من حال المؤمنين الصادقين الصالحين، وفورية استجابتهم لله تعالى وأوامره مع تخييرهم، وكذلك ما نعلمه عن
الملائكة وإخبار الأنبياء والرسل عن حالهم، لدليل على عظيم قدرة الله عز وجل والتنويع في كيفية خلقه لعباده كيفما يشاء.

وأيضًا: إن في استجابة المؤمنين الصالحين لأوامر الله عز وجل والتبادر إلى تنفيذها، مع تخييرهم وعدم جبرهم لشاهد مرئي على طلاقة قدرة الله تعالى، وأنه جل وعلا إذا ما أمر بأمر، فإن الجميع يتبادر إلى تنفيذ أمره –لا سيما من جبرهم الله تعالى على عبادته وطاعته- وأنه جل وعلا إذا ما أراد شيئًا فإنما يقول له: كن، فيكون.

*ونوضح أيضًا: عظيم قدرة الله عز وجل وطلاقتها عن طريق صياغة سؤال افتراضيّ، والإجابة عليه، والسؤال الافتراضي هو:

هل يمكن لهذا الإله الخالق أن يجعل هذا الكون الفسيح أو غيره بما فيه من مخلوقات وموجودات، في بيضة أو ما هو أقل من بيضة؟! هل يقدر على ذلك؟!

ونُجيب على ذلك السؤال: نعم، 

 فإذا أراد الله تعالى شيئًا، فإنما يقول له: كن. فيكون، وندلل على هذه الإجابة علميًّا بما يوضح عظيم قدرة الله جل وعلا وطلاقتها، عن طريق الاستدلال بنموذجين مما قد اكتشفهما العلم الحديث:

أ- الصبغيات (الكروموسومات):
إن جسد الإنسان يحتوي على مئات البلايين من الخلايا، وأغلب هذه الخلايا على قدر كبير من الضآلة، حيث لا يتعدى قطر الواحدة منها (0.03) ثلاثة من مائة من الملليمتر في المتوسط.

والخلية الحية بناء في غاية الإحكام والتعقيد إلى درجة يعجز العقل البشري عن تصورها، ويراها كل ذي بصيرة شاهدة لخالقها بطلاقة القدرة، وببديع الصنعة وبإحكام الخلق، ويراها نافية نفيًا قاطعًا للعشوائية أو المصادفة.

فنجد أن الخلية لها جسمًا مركزيًّا يُسمى نواة الخلية –عدا بعض الأنواع القليلة من الخلايا، مثل خلايا الدم الحمراء.

ونواة الخلية تمثل العقل المُفكر لها، ومركز التحكم فيها، الذي يحمل كل الصفات الوراثية لها وللجسد المُنطوية فيه.

وتُحمَل الصفات الوراثية في نواة الخلية على عدد محدد من الصبغيات التي تتآلف من حبيبات السكر الناقص الأوكسجين وجزيئات من الفوسفات والنيتروجين، حيث إن هذه الأزواج مربوطة بعضها ببعض بأربعة قواعد نيتروجينية هي: (آدنين- غوانين- سايتوزين- ثايمين).

وعدد هذه الصبغيات في نواة الخلية يساوي 46 صبغيًّا، مُرتبة في 23 زوجًا، حيث إن نصفها من الحيوان المنوي للرجل والنصف الآخر من بييضة الأنثى، بحيث إذا ما اتحد الحيوان المنوي للرجل مع البييضة للأنثى يصبح عدد الصبغيات يساوي 46 صبغيًّا.

أي أن هناك 23 صبغيًّا في كل بُييضة من بييضات الأنثى، وكذلك في كل حيوان منوي لدى الرجل، وهذه الصبغيات تكون على هيئة حلزونية، ذات لفّ وطيّ شديد، حيث تعرف باسم الرقائق الحلزونية، ويبلغ سمك جدار كل واحدة من هذه الرقائق الحلزونية (واحدا من خمسين مليون من الملليمتر).

ويبلغ قطر الحلزون الواحد: واحدًا من نصف مليون من الملليمتر.

ويبلغ حجم الحلزون وهو مُكدس على ذاته داخل الجسم الطبيعي: واحدًا من المليون من الملليمتر المكعب، وإذا تم فَرْده، فإن طوله يصل إلى أربعة سنتيمترات.

وإذا تم فَرْد هذه الحلزونات (الصبغيات) داخل خلية واحدة من خلايا جسم الإنسان العادية، والتي لا يتعدى قطر الواحدة منها (0.03) من الملليمتر، وتم رصها بجوار بعضها البعض، كخيط ممدود، فإن طولها يبلغ حوالي المترين.

وإذا تم ذلك بالنسبة للصبغيات الموجودة في تريليونات الخلايا المكونة بجسم فرد واحد من بني الإنسان، فإن طولها يزيد عدة أضعاف عن طول المسافة بين

الأرض والشمس المقدرة بحوالي مائة وخمسين مليونًا من الكيلومترات([1])، سبحان الإله الخالق!!

إن العقل البشري له حدود، لذلك فإنه يعجز عن تصور ما ذكرناه علميًّا، حيث إن الحيز الذي يحتوي على هذه الصبغيات بصفاتها المكتشفة علميًّا يُعد بالنسبة للعقل البشري منعدمًا، ولكن العلم الحديث قد أثبته ولا مجال لنفيه، حتى وإن لم يتصوره العقل البشري المخلوق المحدود.

وهذا يُعدّ في حد ذاته ردًّا حاسمًا قاصمًا لأهل الإلحاد ومنكري الألوهية الذين ينكرون وجود الإله الخالق لعدم إمكانيتهم رؤيته جل شأنه.
فإذا كانوا لا يستطيعون تصور واستيعاب ما أثبته العلم الحديث بعقلهم المحدود، فهل يمكنهم إنكاره؟!

بالطبع: لا، فما أثبته العلم الحديث لا مجال لنفيه.
وإذا كان العقل البشري عاجزًا عن تصور مثل هذه الأشياء التي بجسده الضعيف المخلوق، 

فهل يمكنه أن يتصور الإله الخالق، وكيفية وعظيم قدرته وطلاقتها؟!

إن ما أشرنا إليه: يوضح ويؤكد لنا علميًّا عظيم وطلاقة القدرة الإلهية، وأن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء.

ومع ذلك، فإن الإنسان قد فُطر على تعظيم إلهه وخالقه، وأن يصفه بجميل وعظيم الصفات من حيث طلاقة القدرة، وشمولية علمه وكمال حكمته سبحانه وتعالى.
وما أشرنا إليه ووضحناه بالفطرة والعلم يؤكد لنا ذلك، حتى وإن عجز العقل البشري عن تصوره، فما هو إلا عقل محدود.

ومن الجدير بالذكر أن نوضح:
أن رسول الله محمد صل الله علية وسلم قد أشار إلى هذه الصبغيات وأخبر بمواصفاتها في حديثه الشريف بلفظ واحد يشير إلى جميع هذه الصفات المكتشفة للصبغيات.

وهذا اللفظ هو كلمة (عصب)، فلقد قال رسول الله صل الله علية وسلم:
((إن الله إذا أراد خلق النسمة، فجامع الرجل المرأة طار ماؤه في كل عرق وعصب منها)) [إسناده جيد، رواه الطبراني].

فالعرق والعصب بمعنى واحد في الحديث الشريف، وهما يمثلان الصبغيات التي نتحدث عنها، ولكن عطف كلمة (عصب) على كلمة (عرق) لكي تلقى مزيدًا من الضوء على صفات هذه الصبغيات التي قد اكتشفها العلم الحديث بمواصفاتها.

فالصبغيات: شبيهة بالحبال الطويلة المُلتوية، والمطوية طيًّا شديدًا، حيث إنها تشكل حلزون (DNA).

وقد أشار رسول الله محمد صل الله علية وسلم إلى كل هذه الصفات بلفظ واحد وهو كلمة (عصب) حيث إن كلمة (عصب) تُشير إلى معنى:
1- الحبال الطويلة. 2- الطيّ والالتواء في هذه الحبال.
3- ليس هذا فحسب، بل تُشير إلى الالتواء والطيّ الشديد الذي يُظهر الحبال وكأنها مربوطة مع بعضها البعض.([2])

فلقد أشار رسول الله محمد صل الله علية وسلم إلى هذه الحقيقة العلمية منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، ولم يكن لأحد أدنى معرفة عن مثل هذه الصبغيات ومواصفاتها.
فتكون هذه الحقيقة العلمية التي أشار إليها رسول الله صل الله علية وسلم وَمْضة مُبهرة، شاهدة له بصدق رسالته ودعوته إلى وحدانية الإله الخالق، وإثبات وجوده، وتوحيده بالألوهية والربوبية.

ب- عالم الذرة:
إن هذا النظام الذي يوجد في العوالم الكبرى، نجده في صورته الكاملة في أصغر عالم عرفناه وهو عالم الذرة.

إن الذرة قد تناهت في صغرها حتى أننا لا يمكن مشاهدتها بالمنظار الذي يُكبر الأشياء ملايين المرات، فهي –بناء على هذا- ليست شيئًا، بل إنها (لا شيء) بالنسبة إلى أدنى ما يستطيع البصر أن يراه.
ومع ذلك: فإن عالم الذرة قد اكتشفه العلم الحديث ولا مجال لنفيه.
والذرة مع ما وصفناها به تحتوي بصورة رائعة على نظام الدوران العجيب الموجود في النظام الشمسي.

فالذرة تحتوي على:
1- النواة: وهي نواة الذرة، وتحتوي هذه النواة للذرة الواحدة، المتناهية جدًّا في الصِّغر على بروتونات موجبة الشحنة، وأيضًا تحتوي على نيوترونات مُتعادلة الشحنة.

2- الإلكترونات: وهي التي تحمل الشحنة السالبة في عالم الذرة، ولا تتصل ببعضها البعض، بل يوجد بينها فراغ كبير الحجم (نسبيًّا).
وهذه الإلكترونات تدور حول نواة الذرة في اتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة، بسرعة كبيرة جدًّا، حيث يدور الإلكترون حول مداره بلايين المرات في الثانية الواحدة.
والإلكترونات لا تشغل أكثر من 1/ 1.000.000.000 من مساحة الذرة، سبحان الإله الخالق العظيم!!

ونكرر ما قد ذكرناه سابقًا للتذكرة والموعظة، ولتمام الفائدة، أنه:
إذا كان العقل البشري عاجزًا عن تصوُّر مثل هذا العالم العجيب، حيث إن الحيز الذي يحتوي على جميع ما ذكرنا، يُعدّ بالنسبة للعقل البشري مُنعدمًا، فما بالنا بمكونات هذا العالم العجيب –عالم الذرة- من نواة وبروتونات متعددة، ونيوترونات متعددة وإلكترونات متعددة، إضافة إلى المسافات الكبيرة (نسبيًّا) بين كل منها، وكل هذا إنما هو في ذرة واحدة مفردة!!

إن العقل البشري له حدود، حيث إنه يعجز عن تصور ما ذكرناه، ولكن العلم الحديث قد اكتشفه ولا سبيل لرفضه وإن لم يستوعبه أو يتصوره العقل البشري المحدود.
بل إن العلم الحديث قد اكشتف ما هو أصغر بكثير من الذرة (الكوارك) وقد يكتشف مستقبلا ما هو أصغر من (الكوارك).
وإذا كان العقل البشري عاجزًا عن تصور مثل هذه الأشياء، 

فهل يمكنه أن يتصور الإله الخالق العظيم، وكيفية وعظيم قدرته جل وعلا وطلاقتها؟!

بالطبع: لا.
لذلك، فإن ما ذكرناه وأشرنا إليه يوضح ويؤكد لنا علميًّا طلاقة القدرة الإلهية، ومن ثم كمال وشمولية علمه وتمام حكمته وعظيم صفاته وأفعاله، وأن الله سبحانه وتعالى هو القادر وحده على كل شيء، لا سيما إذا علمنا أن هذه المكونات التي تتكون منها الذرة (الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات) تتركب وتتكون مما هو أصغر منها، كما أشرنا، حيث إن آخر ما عرفه الفيزيائيون منها هو ما يسمى (الكوارك)، وصدق الله تعالى إذ يقول:
﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الملك: 1].


ومن الجدير بالذكر أن نُدلِّل ونُبرهن علميًّا على رسالة النبي  محمد صل الله علية وسلم وصدق دعوته ونبوته، بموجز لما أشرنا إليه سابقًا، حيث:
إن عبادة المسلمين المتمثلة في الطواف حول البيت العتيق –الكعبة المشرفة- وهو أول بيت وضع لعبادة الله عز وجل في الأرض، هي العبادة التي تتوافق وتنسجم مع النظام الكوني الذي خلقه وأبدعه الله سبحانه وتعالى، كما أشرنا سابقًا.

وها هو عالم الذرة، حيث نجد أن النواة التي تحتويها الذرة التي تتكون منها المادة، تدور حولها الإلكترونات في (7) مستويات من الطاقة، حيث إن النواة حولها سبعة مستويات من الطاقة وهي: k, L, M, N, O, P, Q وهي نفس عدد أشواط الطواف حول الكعبة.
وأيضًا، تدور هذه الإلكترونات عكس عقارب الساعة، وهو نفس اتجاه الطواف حول الكعبة المشرفة، فسبحان الله!!

ومن ثم يتجلى لنا تطابق النصوص الدينية الإسلامية مع نظام المادة، مما يُدلِّل على أن
الإله الخالق لهذه المادة المتكونة من الذرات هو الذي أنزل الدين الحق على رسوله محمد صل الله علية وسلم الذي يتجلَّى فيه ناموس الكون، ألا وهو الإسلام.
ومن ثم يتوجب علينا تصديق النبي  محمد صل الله علية وسلم في كل ما أخبر به والإيمان به واتباعه محمد صل الله علية وسلم في جميع ما دعا إليه.
ومما قد أخبر عنه المصطفى  صل الله علية وسلم ويتوجب علينا الإيمان به، عندما سُئل محمد صل الله علية وسلم عن الإيمان، فقال:
((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)) [رواه الإمام مسلم من حديث طويل].

ولقد تحدثنا عن الإيمان بالله عز وجل ووحدانيته سابقًا، وسوف نتحدث بمشيئة الله تعالى عن الإيمان بالرسل والكتب السماوية والملائكة والقدر واليوم الآخر، وذلك في إيجاز شديد.

([1] ) الإعجاز العلمي في السنة النبوية، د/ زغلول النجار.
([2] ) إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق