الجمعة، 27 نوفمبر 2015

♥هل يُشترط للإيمان بالإله الخالق سبحانه وتعالى رؤيته عيانًا؟


♥هل يُشترط للإيمان بالإله الخالق سبحانه وتعالى رؤيته عيانًا؟

وهل عدم رؤيته دليل على عدم وجوده؟!
إن الدليل الحِسي المباشر دليل مقبول عند كافة العقلاء، وله في الدين مكانة كبيرة، لكن الأدلة العلمية ليست محصورة في هذا الدليل، بل إن الإصرار على عدم قبول أي دليل آخر غير هذا الدليل الحسيّ المباشر هو نفسه من علامات عدم العقلانية.

ولو أن العلماء الطبيعيين من فيزيائيين وكيميائيين وأحيائيين وغيرهم، وسائر العقلاء لم يقبلوا دليلا غير هذا الدليل لما تقدم علم من العلوم، بل ولا قامت له قائمة.([1])

لقد ثبت لدينا بكافة أنواع الأدلة (من أدلة فِطرية وحِسية وعقلية وعلمية..) وجود الإله الخالق ووحدانيته، وقد سبق أن أشرنا إلى ذلك.
ونضيف إلى ما أثبتناه سابقًا ما يُجيب علميًّا على مثل ذلك التساؤل الذي قد ابتدئ به كعنوان لهذا الفصل:

- إن قانون الجاذبية لا يمكن ملاحظته قطعيًّا، وكل ما شاهده العلماء لا يُمثل في ذاته قانون الجاذبية، وإنما هي أشياء أخرى اضطروا لأجلها أن يؤمنوا بوجود هذا القانون، واليوم فإن قانون الجاذبية يلقى قبولا عاما، وهو الذي كشف عنه نيوتن لأول مرة، وأصبح هذا القانون حقيقة علمية، لماذا؟
ذلك لأن قانون الجاذبية يفسر لنا بعض ملاحظاتنا.
إذن: فليس بلازم أن الحقيقة هي ما علمناه مباشرة بالتجربة.

**فالجاذبية لم تُر ولم تَشاهد عيانًا، ومع ذلك فهي حقيقة علمية، لا يمكن لأحد إنكارها لعدم رؤيتها ومشاهدتها.
فما بال الملحدين المنكرين لوجود الإله الخالق سبحانه وتعالى يشترطون رؤية الله تعالى للإيمان به، ويقولون بأن عدم رؤيته دليل على عدم وجوده!!

فما بالهم يناقضون أنفسهم؟!
وما بالهم يتناقضون مع مبادئ العلم الحديث؟!

وهذا مع عظيم الفارق بين الإله الخالق لكافة المخلوقات والموجودات، وبين غيره من عبد مخلوق ضعيف.
فإذا عجز الإنسان عن رؤية مثل الجاذبية وهي من بديع صنع الله تعالى، فهل يستطيع أن يرى الإله الخالق له وللجاذبية ولغيرها من كافة المخلوقات والموجودات؟
وقياسًا على ما ذكرناه علميًّا كمثال لتوضيح أن الحقيقة ليست محصورة في الدليل الحسي المباشر، وغير مُقتصرة عليه، نضرب هذه الأمثلة البينة، لكل من له فطرة سوية وعقل سليم –وإن لم يكن عالمًا فيزيائيًّا أو غيره- وذلك لتأكيد ما ذكرناه:

أ- اللبن والزُّبد:
معلوم لكل كبير وصغير، مُتعلم وغير مُتعلم، أن اللبن يُستخرج منه الزبد.
فهل يمكن أن نرى الزُّبد المُستخرج من اللبن حين حَلْب اللبن ودَرِّه، وهو على حالته الطبيعية السائلة؟!

 بالطبع: لا.
فهل يمكن من هذا اللبن وهو على حالته الطبيعية، حين حَلْبِه ودرِّه، أن نستخرج منه الزبد؟! 

بالطبع: كلا، حيث إن اللبن لا بد وأن يمر بعدة مراحل قبل إتمام هذه العملية.

فإذا كنا لا نستطيع أن نرى الزبد في اللبن، وهو بين أيدينا –في حالته الطبيعية السائلة- ولا نستطيع أن نستخرجه منه آنذاك،

 فهل نستطيع أن نرى هذا الإله الخالق لنا والخالق لكافة المخلوقات والموجودات؟!

الجواب المؤكد: الذي لا بديل له ولا حياد عنه: كلا.

ب- العقل:
لقد منحنا الله سبحانه وتعالى هذا العقل لنتفكر به في عظيم آياته الدالة على وجوده سبحانه وتعالى، وعلى وحدانيته، ومن ثم التعرف على عظيم صفاته جل وعلا، ومن ثَمَّ التذكر بعظيم نعمته تبارك وتعالى علينا، ومن ثم إفراده عز وجل بالعبادة وحده، حيث لا نِدَّ ولا شريك له.

فالعقل السوي لا ينكر أيًّا مما ذكرناه.
وبالعقل السليم تحصل التذكرة والانتفاع بالموعظة، فلا يستطيع أحد أن ينكر وجود هذا العقل الذي نُفكر به.

ونتساءل مثلما تساءلنا من قبل:
هل يستطيع أحد من الملحدين أو المنكرين لوجود الله تعالى أن يرى عقله الذي يُفكر به ويتفلسف به؟!

 بالطبع: لا.

فهل يمكن إنكار وجود العقل لعدم رؤيتنا له؟! بالطبع: لا.

إذن: فلا يُعدُّ رؤية العقل شرطًا للاعتراف والتصديق بوجوده.
ولكن: لماذا يشترط مثل هؤلاء الملحدين رؤية الله تعالى للإيمان به، ويقولون بأن عدم رؤيته دليل على عدم وجوده؟!
الجواب:

 لا شك أن الدافع وراء مثل ذلك الاشتراط هو الغرور والكبر عن الخضوع للحق، واتباعهم لهوى النفس وشهواتها، وسوف ينالون من الله عز وجل ما يستحقونه جراء ذلك الافتراء والكبر.

جـ- الروح:
لقد منحنا الله تبارك وتعالى هذه الروح لنحيا بها وفقا للحياة التي أرادها الله عز وجل لنا، والالتزام بالضوابط التي قد بيَّنها جل وعلا لنا على ألسنة أنبيائه ورسله، وفي الكتب التي أنزلها عليهم، إلى أن يأذن سبحانه وتعالى بقبض أرواحنا.
ولا أحد يستطيع أن ينكر وجود هذه الروح التي في نفسه وبين جنبيه.

وللتوضيح: 

نُوجِّه مثل هذه التساؤلات –مثلما تساءلنا من قبل- لذلك المُلحد الجاحد لوجود إلهه وخالقه، ونقول:

- هل تعتقد أن فيك روحًا؟
فيقول: بالطبع نعم.
- هل رأيت هذه الروح؟
فيقول: بالتأكيد لا.
- هل عدم رؤيتك لروحك تجعلك تنكر وتجحد وجودها؟!
فيقول: لا.
فإذا كنت لا تُنكر هذه الروح مع أنك لا تستطيع أن ترى روحك التي هي في نفسك، وبين جنبيك، فما بالك تنكر وجود هذا الإله الخالق جل وعلا لعدم رؤيتك له، حيث تتوهم ظنًّا لا يُغني من الحق شيئًا، ومع ذلك تستند إليه؟
وما بالك تحاول أن تقنع نفسك مُخادعة بغير المعقول من الأوهام والظنون الكاذبة؟!


ولا شك من وجود الفارق العظيم بين الإله الخالق العظيم وبين روح العبد المخلوق الصغير.

إن الله سبحانه وتعالى قد جعل لنا الكثير والكثير من الآيات البالغات، البيٍِّنات التي تشهد بوجوده جل وعلا ووحدانيته وعظيم صفاته وطلاقة قدرته.
لذلك: فإنه لا يُشترط للإيمان بهذا الإله الخالق العظيم أن نراه عيانًا، حيث إن ليس في عدم رؤيته دليل على عدم وجوده.
([1] ) الفيزياء ووجود الخالق، د/ جعفر شيخ إدريس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق