الجمعة، 27 نوفمبر 2015

صفات الإله الخالق عند المسلمين(1)


صفات الإله الخالق عند المسلمين(1)

لقد ثبت لدينا بيقين وحدانية الإله سبحانه وتعالى، الخالق لهذا الكون المشهود بما فيه من مخلوقات وموجودات، والخالق لكل شيء كما أشرنا سابقًا، حيث إنه من المستحيل وجود أي من آلهة أخرى مع الله عز وجل.
وتبعًا لما قد أوضحناه من وحدانية الله سبحانه وتعالى، فإنه يلزمنا الإيمان والتصديق بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور...
وهذا هو ما يُسمى بتوحيد الربوبية لله عز وجل، حيث إنه لا رب سواه جل وعلا.

وننوه إلى:
إذا ما أقررنا بتوحيد الربوبية لله عز وجل، فإنه يلزمنا إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة وحده، بأن لا يتخذ الإنسان مع الله تعالى أو شريكًا، يعبده أو يتقرب إليه بتقديم القرابين أو غيرها، حيث إن الله سبحانه وتعالى هو المستحق بالعبادة وحده دون غيره، وهذا هو ما يُسمى بتوحيد الألوهية.

فلو فُرض أن رجلا يُقرُّ إقرارًا كاملا بتوحيد الربوبية لله جل وعلا، وأنه جل وعلا هو الخالق، الرازق، المالك، المدبر لجميع الأمور... ولكنه –ذلك الرجل- يعبد مع الله جل وعلا غيره، كأن يذهب إلى القبر فيعبد صاحبه، فيدعوه أو يُنذر له قربانًا يتقرب به إليه، فإنه –ذلك الرجل- بذلك يكون قد أشرك بالله تعالى، وصار مستحقًّا لعقابه وعذابه جل وعلا، لأنه وإن كان قد أقرَّ بتوحيد الربوبية جل وعلا إلا أنه صرف عبادته لغير الله سبحانه وتعالى، فلم ينفعه بذلك إقراره بتوحيد الربوبية.

وننوه أيضًا إلى:
أنه كما ألزمنا الإيمان بوحدانية الله سبحانه وتعالى وإفراده بالربوبية وتوحيد ألوهيته بعدم عبادة غيره أو تقديم القرابين لهم تقربًا إليهم، فإن الإيمان بتوحيد الله سبحانه وتعالى يُلزمنا أيضًا بتوحيد أسمائه وصفاته من حيث إفراد الله سبحانه وتعالى بما سمَّى به نفسه، وبما وصف به ذاته في كتابه أو على لسان رسوله r من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.

يعني: أنه لا بد من الإيمان بما سمى الله تعالى به نفسه وبما وصفها به من صفات على وجه الحقيقة لا المجاز، ولكن من غير تكييف ولا تمثيل، فلا ندَّعي ما ليس لنا به علم.

فنُثبت لله عز وجل ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله محمد صل الله علية وسلم من أسماء وصفات إثباتًا بلا تمثيل ولا تكييف، وننفي عنه جل وعلا ما نفاه عن نفسه سبحانه وتعالى وما نفاه عنه رسوله محمد صل الله علية وسلم من أسـماء وصفات نفيًا بلا تعطيل ولا تحريف، في إطار قول الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11].

فالإله الخالق جل وعلا لا يمكن أن يكون عدمًا، وهذا أمر بديهي.
وإذا لم يكن عَدَمًا، فلا بد أن يُوصف بصفات ثبوتية.
ولا يمكن له جل وعلا أن يكون ذا وجود ذهني مُجرَّد، لأنه سبحانه وتعالى هو خالق الأذهان، فوجوده جل وعلا سابق لوجودها –الأذهان-.

لذلك، فإن من شَبَّه صفات الإله الخالق جل وعلا بصفات الموجودات المخلوقة، فكأنه يعبد صنمًا، ومن تأوَّل صفات الإله الخالق جل وعلا تأويلا يُعطل معانيها فكأنه يعبد عدمًا.

وكان ما أشرنا إليه بإيجاز هو ما ذكره أهل العلم من أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

وتمهيدًا لتوضيح صفات الإله الخالق، نُشير إلى:
أن الإنسان بفطرته يؤمن بربه، وأن غريزته الفطرية قد جُبلت على الإيمان بوجود الله عز وجل، والإيمان بحسن صفاته وعظيم قدرته، حيث إن الفطرة السوية تتطلع دائمًا إلى إله خالق قادر عليم حكيم... إلى غير ذلك من صفات الله تعالى وأسمائه الحسنى.

ولقد وهبنا الله سبحانه وتعالى نعمة العقل، وميَّزنا وفضَّلنا به عن كثير من خلقه، لنصل به في التعرف على عظيم قدرته وحكمته... إلى خير مقام وأعلى درجة ومنزلة تليق بعظمته جل وعلا.

فالإنسان مع كونه مخلوق، فإنه يُحكِم ويُعمِل عقله، ويسعى جاهدًا للوصول به إلى ما هو الأحسن والأفضل من صفات وغيرها بالنسبة له وفي كل شيء.

فإذا ما امتدح شخص ما ذا جاه وسـلطان بحسـن خلقه، وجميل صفاته –افتراضًا- فإننا نصل بعقولنا وتصوراتنا إلى وضع هذا الشخص في أحسن تصور ممكن وأفضل منزلة.

وكذلك إذا ما وصف بناء ما بعلوه وشموخه، وجماله، وحسن أساسه وصفاته –افتراضًا- فإننا نصل بعقولنا وتصوراتنا إلى وضع هذا المبنى في أحسن تصور يمكن تخيُّله.

فإذا كان ما أشرنا إليه من حسن التصور هو في شأن عبد مخلوق أوفي شأن ما هو مصنوع موجود، فما بالنا بالإله الخلق الواجد؟!

أفلا نصل بهذه النعمة العظيمة –العقل- التي وهبنا الله تبارك وتعالى إياها إلى أن نُعظم الله عز وجل حق التعظيم، وأن نُنَزِّه هذا الإله العظيم، الخالق لنا والواجد لكل شيء، عن ما لا يليق به سبحانه وتعالى من صفات نقص، وعيب، وذم، مما قد يُنسَب إليه من افتراءات النصارى، وكَذِب اليهود، وغيرهما من الأمم السابقة، والفِرَق الباطلة المعاصرة؟! وأن نقر بعظيم قدرته وكمال حكمته، وحسن خلقه... لِما قد خلق لنا من الآيات والشواهد الدالة على ذلك؟!

لقد جاء رسول الله محمد صل الله علية وسلم بالإسلام دينا وشريعة من الله تبارك وتعالى،

 مُتضمنًا الاعتقاد والتصور السليم في الله سبحانه وتعالى، اعتقادًا وتصورًا ترتضيه الفِطر السوية والنفوس الزكية، اعتقادًا وتصورًا ليس فيه إعنات للعقل أو قهر للذهن، اعتقادًا وتصورًا يقبله كل عقل سليم.

لقد جاء رسول الله صل الله علية وسلم بما فيه التعظيم للرب جل وعلا

 من توحيد للربوبية والألوهية وتوحيد للأسماء والصفات، كما أشرنا سابقًا.

وقد جاء رسول الله صل الله علية وسلم بتنزيه الله سبحانه وتعالى عن كل ما لا يليق به من أفعال وأقوال وصفات، وتنزيهه

 سبحانه وتعالى عن ما نُسِب إليه من قدح وعيب، ونقص وذمٍ... كأن يُنسب إليه اتخاذه صاحبة وولدًا مثلما افترت النصارى أو كأن يوصف بأنه إله طائفة معينة من البشر مثلما كذب اليهود وقالوا بأن الرب هو رب بني إسرائيل أو كأن يُنسب إليه العجز والضعف كادَّعاء المجوس... أو إلى غير ذلك من افتراءات المخلوق على الخالق، تعالى الله عن كل ذلك علوًا كبيرًا.

لقد جاء رسول الله صل الله علية وسلم بالقرآن الكريم مُتضمنًا لقول الله تعالى:
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11].
حيث إن صفات الله تعالى الخالق ليست كصفات عباده المخلوقين.
فقد بلغت صفات الله عز وجل الغاية والكمال المطلق في حسنها وجمالها، وذاتها ودلالاتها.
فالله سبحانه وتعالى أول ليس قبله شيء، متصف بصفات الكمال قبل كل شيء، فأسماؤه وصفاته جل وعلا أزلية أبدية.
وكما أنه سبحانه وتعالى في ذاته أول بلا ابتداء، فكذلك أسماؤه وصفاته تابعة لذاته جل وعلا، فهي أولية بأولية الله تعالى بلا ابتداء، وكذلك فإنه سـبحانه وتعالى لا يكتسب صفة جديدة لم تكن له، ولا يفقد صفة كانت له.

لقد جاء رسول الله صل الله علية وسلم بقول الله تعالى:
﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [سورة الإخلاص].

فالله سبحانه وتعالى هو الإله الواحد الأحد، المنفـرد الذي لا مثـيل له، فـلا يستوي مع سائر خلقه، ولا يسري عليه قانون أو قياس أو قواعد تحكمه كما تحكمهم، وهو سبحانه وتعالى الصمد: السيد المُطاع، الذي يُقصد إليه في الحوائج على الدوام، ولم يتخذ الله سبحانه وتعالى أيا من ولد، فهو جل شأنه لم يلد ولم يولد، وهو الخالق، الغني عن اتخاذ ولد.
وهو سـبحانه وتعالى ليس له مكافئ أو ممـاثل، فالله سـبحانه وتعالى ليس كمثله شيء.


ولمزيد من التعرف على صفات الله تعالى وأسمائه الحسنى يُرجى الرجوع إلى الكتب الإسلاميـة التي تخصصت في إيضاحها وشرحها، وبصفة خاصة كتاب: أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة، للدكتور/ محمود عبد الرازق الرضواني.
كان ما أشرنا إليه بإيجاز بعض من صفات الله سبحانه وتعالى التي يعتقدها المسلم في إلهه وخالقه، والتي لا ينبغي أن يحيد عنها كل ذي عقل سليم رشيد وكل ذي فطرة سوية نقية، بل وليس له ذلك.

وهناك صفات لله سبحانه وتعالى، وددنا أن نشير إليها مُفصَّلة، في غير إجمال، وذلك نظرًا لأهميتها، وما قد يتلبَّس على البعض عند معرفته بها، ومن هذه الصفات:

1- صفة الخالقية نفسها:
وهي التي وردت في مثل قول الله تعالى:
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الزمر: 62].
حيث إن الله عز وجل هو الذي أوجد جميع الأشياء بعد أن لم تكن موجودة، وقدّر أمورها في الأزل بعد أن كانت معدومة.
فالله سبحانه وتعالى هو الخالق الذي يُنشئ من العدم بتقدير وعلم، ثم بتصنيع وخلق عن قدرة وغنى، مصداقًا لقوله تعالى:
﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: 82]، وهو سبحانه وتعالى الخلاق الذي يُبدع في خلقه كمًّا وكيفًا.

2- صفتا الأزلية والأبدية:
وهما الصفتان الواردتان في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى:
﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ﴾ [الحديد: 3].
فالله سبحانه وتعالى سابق في وجوده لكل موجود سواه، وهو جل وعلا الباقي بعد زوال كل مخلوق زائل، وهو سبحانه وتعالى الأول الذي لم يسبقه في الوجود شيء، وهو الذي عَلا بذاته وشأنه فوق كل شيء، ولا يحتاج إلى غيره في شيء، وهو المُستغني بنفسه عن كل شيء.
فكون الله سبحانه وتعالى أزليًّا لا بد وأن يكون قائمًا بنفسه، مستقلا عن غيره.
وهو سبحانه وتعالى المُتصف بالبقاء والآخرية، فهو جل وعلا الباقي بعد فناء الخلق، ويشير إلى هذا المعنى قوله تعالى:

﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: 26، 27].

وهنا سؤال يطرح نفسه:
عن كيفية الجمع بين وصف الله عز وجل بأنه الآخر الباقي، الذي ليس بعده شيء، وبين بقاء المخلوقات في الجنة ودوامها وأبديتها كما قال تعالى عن أهل الجنة ونعيمها ودوام مُتعتها ولذتها، في كتابه المجيد:


﴿قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [المائدة: 119].

وقال عز وجل عن أهل النار وعذابها ودوام الشقاء لأهلها، في كتابه المحكم:
﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الجن: 23].

وما تفسير قوله تعالى: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: 27] 

والحديث الذي رواه مسلم، أن النبي r كان يقول في دعائه: ((وأنت الآخر فليس بعدك شيء)).

الجواب:  

إن بقاء أهل الجنة والنار أبدًا قد يبدو متعارضًا في ظاهر مع إفراد الله عز وجل بالبقاء، وأنه الآخر الذي ليس بعده شيء، ولكن ذلك التعارض يزول إذا علمنا أنه لا بد وأن نُفرق بين بقاء الذات والصفات الإلهية وبين بقاء المخلوقات التي أوجدها الله عز وجل، كالجنة والنار وما فيها.
فالجنة مثلا باقية بإبقاء الله عز وجل ولها، وما يتجدد فيها من نعيم مُتوقف في وجوده على مشيئة الله جل وعلا.
أما ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته فباقية ببقائه.

وشتَّان الفارق بين ما يبقى ببقاء الله سبحانه وتعالى، وبين ما يبقى بإبقائه جل وعلا.

فالجنة مخلوقة، حيث خلقها الله عز وجل، وكائنة بأمره، وهي رهن مشيئته وحكمته.
فخلود الجنة وأهلها إلى ما لا نهاية إنما هو بإبقاء الله جل وعلا وإرادته، فالبقاء والخلود ليس من خصائص المخلوقات ولا من خصائصها الذاتية، بل إن من طبيعتها جميعًا الفناء.

والخلود لا يكون لذات المخلوق أو طبيعته، وإنما هو بمددٍ دائم من الله تعالى وإبقاء مستمر لا ينقطع.([1])
3- صفة العلم:
وهذه الصفة كما في قول تعالى: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: 137].
إن الله عز وجل من صفاته أنه عليم بما كان وما هو كائن وما سيكون، حيث إنه جل وعلا لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، سبحانه أحاط علمه بجميع الأشياء ظاهرها وباطنها، دقيقها وجليلها، فيعلم بالشيء قبل كونه.
فالله عز وجل عالم بما كان وما هو كائن وما سيكون، وما لو كان كيف يكون على ما اقتضته حكمته البالغة ([2]).
إن علم سبحانه وتعالى يُوصف بالعلم الشمولي، حيث يسع ويشمل علمه جل وعلا كل شيء.

وشتَّان الفارق بين علم الإله الأزلي الأبدي الخالق وبين علم العبد الفاني المخلوق، فعلم الله جل وعلا هو العلم الواسع الكامل الذي لا يسبقه جهل، بينما علم المخلوق الضيق المحدود مُسبق بالجهل.
فاسم الله «العليم» كما في ورد في الآية الكريمة وغيرها مُرادًا به العَلَمية، ودالًّا على الوصفية وكمالها.

4- صفة القدرة:
وهذه الصفة كما في قول الله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [الكهف: 45]، ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الروم: 54].
إن الله عز وجل من صفاته أنه قادر على كل شيء وهذا المعنى قد دلَّ عليه اسمه (المقتدر) الذي ورد في الآية الكريمة الأولى.
وهو سبحانه وتعالى المقتدر المُحيط بالشيء إحاطة تامة، والمُتمكن منه بقوة، والمسيطر عليه بإحكام كامل وقدرة، فلا يمتنع عليه شيء.
- إن قدرة الله عز وجل توصف بالقدرة المطلقة، وهي التي ليست لأحد سواه جل وعلا، فالله سبحانه وتعالى هو الإله الأزلي الأبدي، الخالق لكل شيء.

5- صفة الملك:
وهذه الصفة كما في قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ [آل عمران: 26].
إن الله عز وجل هو المالك لكل شـيء، المالك لعالم الغيب والشـهادة، فالله سبحانه وتعالى هو المالك على سبيل الإطلاق أزلًا وأبدًا.
وهذه الصفة أيضًا كما في قوله تعالى: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: 116].
فالله عز وجل هو الملك الذي له الأمر والنهي في ملكه، والذي يتصرف في خلقه بأمره وفعله، فليس لأحد عليه فضل في قيام ملكه.
فهو جل وعلا يفعل ما يشاء وما يُريد وفقًا لما اقتضته حكمته البالغة التامة، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج: 16].

فالله عز وجل هو الملك الحق الدائم، فلا خالق للكون غيره، ولا مُدبِّر له سواه جل وعلا.

6- الاستواء:
وهذه الصفة كما في قول الله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5].
وعلينا أن نعلم قبل أي شيء أن اسـتواء الله سبحانه وتعالى على عرشـه لا يُماثله استواء المخلوق على الشيء، فالله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء.
وعلينا أن نعلم: أن العرش هو أعظم مخلوقات الله جل وعلا، ولقد مَجَّد الله عز وجل نفسه وامتدحها باستوائه على العرش وأنه رب العرش، فقال:
﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: 22].
واستواء الله سبحانه وتعالى على العرش يعني: أنه عز وجل علا عُلوًا خاصًّا يليق بجلالته وعظمته، وهذا العلو ثابت لله تعالى على وجه الحقيقة.
فالله سبحانه وتعالى عالٍ على عرشه علوًا يليق به عز وجل، ولا يشبهه علو الإنسان على سريره أو على الفلك أو غير ذلك.
وأما من فسَّر الاستواء بالاستيلاء فقد أخطأ خطأً عظيمًا: لأن ذلك يكون تحريف للكلم عن مواضعه ومُخالف لما أجمع عليه صحابة رسول الله صل الله علية وسلم والتابعون لهم بإحسان، ويكون ذلك التفسير الخاطئ مُستلزم للوازم باطلة، ليس للمؤمن أن يتفوَّه بها.
إن الاستيلاء على الشيء لا يكون إلا في حالة وجود مُضاد، فأيهما غلب يكون الاستيلاء له على ذلك الشيء، ومثل ذلك القول مُنكر باطل، فتعالى الله عن أن يكون له مُضاد ينازعه في ملكه.

فالحق: سبحانة وتعالى

أن استواء الله عز وجل على عرشه هو استواء وعلو حقيقي، استواء يليق بجلاله وعظمته، وفقا لقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11].
وهذا هو المعنى المطابق للفظ، فالقرآن الكريم نزل باللغة العربية، والأصل فيما يدل عليه اللفظ في القـرآن الكريم والسـنة النبوية أنه باقٍ على ما تقتضيه اللغة العربية من المعنى.
وعندما سئل الإمام مالك: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5كيف استوى؟ 

 قال رحمه الله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان واجب، والسؤال عنه بدعة.

وبعد إثباتنا لاستواء الله عز وجل على عرشه استواءً يليق بجلاله وعظمته، وأن هذا الاستواء لا يمكن أن يُشبه استواء الإنسان المخلوق على سرير أو غيره، وأن الله سبحانه ليس كمثله شيء، 

فإن هذا يقودنا إلى تساؤل مهم وهو: أين الله؟
لقد أخبرنا الله جل وعلا أنه في السماء، مستوٍ على عرشه، فقال تعالى: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾ [الملك: 16].

وقد أخبر الرسول صل الله علية وسلم عن ربه أنه جل وعلا في السماء، فقال:
((ألا تأمنوني وأنا أمين مَن في السماء، يأتيني الخبر صباح مساء)) [صحيح البخاري].

وقد شهد رسول الله صل الله علية وسلم للجارية بالإيمان عندما أخبرته أن الله في السماء.
ففي صحيح مسلم: أن معاوية بن الحكم السلمي ضرب جارية له لتقصيرها في الحفاظ على أغنامه، ثم ندم، فجاء إلى الرسول صل الله علية وسلم يستأذنه في إعتاقها، فطلبها الرسول صل الله علية وسلم وسألها: ((أين الله؟)) قالت: في السماء. قال: ((من أنا)) قالت: أنت رسول الله. قال: ((أعتقها، فإنها مؤمنة)) [رواه مسلم].

وننوه إلى:
أن قولنا بأن الله جل وعلا في السماء لا يعني وجوده عزوجل داخل السماء، ولكن القصد بهذا القول: أن الله سبحانه وتعالى فوق السماء، عالٍ فوق خلقه، غير مُتصل بهم، وأن علوه جل وعلا هو علو ذات ومكانة وشرف وقهر، وهو من الصفات اللازمة له جل شأنه.
وقد ثبت ما قلناه بالقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
ويوضح ما أشرنا إليه ما أخبر الله تعالى به من كلام فرعون للذين آمنوا بموسى عليه السلام في كتابه الحكيم (القرآن الكريم): ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: 71].
حيث إن فرعون تَوَعَّد الذين آمنوا بإله موسى عليه السلام بالصلب على جذوع النخل، وليس في داخلها، حيث جاء حرف «في» في الآية الكريمة بمعنى: «على».
وأيضًا، فإن وجود الله تعالى فوق السماء أمر يُدرك بالفطرة السليمة، ويُعرف بالعقل الصحيح الصريح، وقد تبين ذلك من قول الجارية.

وقد يُطرح تساؤلًا منكرًا، وهو:
هل معنى أن يوصف الله سبحانه وتعالى بالعلو، أن هذه الصفة –العلو- تقتضي التحيّز؟ أي وجوده في مكان يَحُدُّه، أو أن الأمر على غير ذلك، وأنه -تعالى- يوصف بوجوده في كل مكان؟

نجيب أولا قبل التوضيح: 

بأن الله عز وجل يُوصـف بالعلو في غير تحيز، وأنه جل وعلا لا يوصف بوجوده في كل مكان.

نوضح أولا: إجابة التساؤل الثاني:
بأن الله جل وعلا لا يوصف بوجوده في كل مكان؛ وذلك لأن الفطرة السوية والعقل السليم الصحيح ينكران مثل ذلك القول الفاحش، ولا يوجد أي من الدلائل على مثل ذلك القول من القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة، ويستحيل أن يشيرا –القرآن الكريم والسنة النبوية- إلى مثل ذلك.
فالقرآن الكريم حق، أنزله ربنا تبارك وتعالى على رسوله محمد صل الله علية وسلم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، 

فلا يكون مشتملا إلا على الحق، مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [الإسراء: 105].

والحق أن الله جل وعلا عظيم، مُنزَّه عن كل عيب أو نقص في ذاته أو صفاته وأسمائه، وهذا ما تدلنا عليه الفطرة السوية والعقل السليم، حيث إنهما:
لا يقبلان أن يكون من صفات الله عز وجل وجوده في مثل الأماكن النجسة القذرة، أو النجاسات أو القاذورات نفسها، فهي من جملة الأماكن.
ويستحيل قبول وصف وجود الله عز وجل في أي من الحيوانات القذرة؛ كالخنزير أو غيره، أو إلى ما غير ذلك.
فتعالى الله جل وعلا عن أن يكون من صفاته مثل ذلك القول المطلق في كل مكان؛ لأنه بذلك يكون متضمنًا للذات الإلهية، ويستحيل تصور ذلك كما أشرنا.

وتعليقًا على ذلك القول:
نقول بأن الله عز وجل معنا بصفاته، يسمعنا ويرانا في أي مكان كنا، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: 46].
بل ويعلم جل وعلا ما تُكنُّه وما تخفيه صدورنا، مصداقًا لقوله تعالى:
﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: 19].

ثم ننتقل إلى إجابة التساؤل الأول:
بأن الله عز وجل يوصف في غير تحيُّز، ونوضح هذه الإجابة كالتالي:
إنه قبل خَلْقِ الله عز وجل للخلق، لم يكن موجود مكان أو زمان، فلم يكن سوى الله سبحانه وتعالى.
فالله سبحانه وتعالى هو الأزلي الأبدي، الواجد لكل شيء، والخالق لكل مخلوق.
والمكان والزمان: 

أوجدهما الله عز وجل لخلقه بعد أن خلقهم من العدم، فهو سبحانه وتعالى فعال لما يريد، وفقًا لحكمته التامة البالغة، وهو سبحانه وتعالى القادر على كل شيء، وليس كمثله شيء.
فالمكان والزمان هما من خَلْق الله عز وجل.

لذلك، فإن الله سبحانه وتعالى لا يحيط به مكان، ولا يُفنيه انتهاء زمان.
فقبل أن يوجد المكان والزمان لم يكن إلا الإله الخالق سبحانه وتعالى.


لذلك فإن علو الله سبحانه وتعالى فوق خلقه وفوق سمائه التي خلقها، إنما هو علو ذات ومكانة وشرف وقهر، في إحاطة لهم في غير اتصال بهم، وفي غير تحيز.
ونمثل هذا عقليًّا:
بما ضربه الإمام أحمد بن حنبل –كمثال افتراضي- فقال رحمه الله:
لو أن رجلًا كان في يديه قدح من قوارير صافٍ، وفيه شراب صافٍ، كان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم في القدح، فالله –وله المثل الأعلى- قد أحاط بجميع خلقه من غير أن يكون في شيء من خلقه.([3])
وأيضًا: لو أن رجلًا بنى دارًا بجميع مرافقها، ثم أغلق بابها وخرج منها، كان ابن آدم لا يخفى عليه كم بيت في داره، وكم سعة كل بيت من غير أن يكون صاحب الدار في جوف الدار، فالله –وله المثل الأعلى- قد أحاط بجميع خلقه، وعلم سرهم وعلانيتهم، من غير أن يكون في شيء مما خلق.([4])
كان ذلك تمثيلا عقليًّا لما قد ذكرنا من أجل تقريب المعنى في الأذهـان، وهو الذي يقبله الصريح السليم.

ولنتأمل هذا القدر العظيم من تعظيم المسلمين لهذا الإله الخالق العظيم في الشريعة الخاتمة التي جاء بها النبي محمد صل الله علية وسلم ، مُنـزها له جل وعلا في ذاته وصفاته وأسمائه.
وكم يبلغ توافق تعظيم المسلمين لله تعالى مع الفطرة السوية التي فُطِر الإنسان عليها من إلهه وخالقه.

وكم يبلغ توافق تعظيم المسلمين لله تعالى مع العقل السليم الصريح الذي منحه الله تبارك وتعالى للإنسان ليتعرف به على عظيم صفاته جل وعلا ويشهد بها، فلا يقبل أو يرضى ما يَعيبُها أو ينقص من قدرها وشأنها.

فلم يُعَظَّم الله جل وعلا حق التعظيم إلا في شريعة الإسلام التي جاء بها النبي محمد صل الله علية وسلم ، وسوف نُدلِّل على ذلك بمشيئة الله تعالى عن طريق توضيح بعض مما قد نسبته أهل الأديان الباطلة، وأهل الرسالات السابقة بعد تحريفها –النصرانية واليهودية- من صفات مَعِيبة مذمومة للإله الخالق جل وعلا.

([1] ) أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة، للشيخ/ محمود عبد الرازق الرضواني.
([2] ) أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة، للشيخ/ محمود عبد الرازق الرضواني.
([3] ) منهج الجدل والمناظرة في تقرير الاعتقاد، للدكتور/ عثمان علي حسن.
([4] ) منهج الجدل والمناظرة في تقرير الاعتقاد، الدكتور/ عثمان علي حسن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق