الأربعاء، 9 ديسمبر 2015

19- التناقض والاختلاف حول الأمر أو النهي عن قتل النفس:



 19- التناقض والاختلاف حول الأمر أو النهي عن قتل النفس:
الشبهة:
التناقض بين فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ - وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا.

الرد على الشبهة:
الآية الأولى: "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إلى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)" البقرة، هذه الآية نزلت في بني إسرائيل خاصة في زمن معين قبل  3200 سنة تقريبا أو يزيد، وسببها أن بني إسرائيل عبدوا العجل (تمثال من الذهب لصغير البقر) والذي صنعه السامري نسبتا لقبائل السامريين والذين سكنوا شمال وسط فلسطين) قرب نابلس حاليا) منذ 3500 سنة أو يزيد كما ذكرت حملة أحمس الأول على فلسطين لطرد الهسكوس من مصر ومطاردة فلولهم، فقد ذكر في نقش اسم السامرة وأنها تقع شرق جبل الكرمل، النبي موسى وبّخهُم لعبادة العجل ودعاهم للتوبة من ذلك الفعل وأخبرهم أن تكفير ذنبهم بقتل أنفسهم ليس بأيديهم ولكن بأيدي الذين لم يعبدوا العجل، فهنا الحكم على الذين أشركوا بالله وعبدوا العجل كان إعداما لتكفير الذنب الذي وقعوا فيه، فقد ذكر أكثر من مفسر ذلك.
وتأويل ذلك : اذكروا أيضا إذ قال موسى لقومه من بني إسرائيل : يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم . وظلمهم إياها كان فعلهم بها ما لم يكن لهم أن يفعلوه بها ، مما أوجب لهم العقوبة من الله تعالى . وكذلك كل فاعل فعلا يستوجب به العقوبة من الله تعالى فهو ظالم لنفسه بإيجابه العقوبة لها من الله تعالى . وكان الفعل الذي فعلوه فظلموا به أنفسهم ، هو ما أخبر الله عنهم : من ارتدادهم باتخاذهم العجل ربا بعد فراق موسى إياهم. ثم أمرهم موسى بالمراجعة من ذنبهم ، والإنابة إلى الله من ردتهم ، بالتوبة إليه ، والتسليم لطاعته فيما أمرهم به . وأخبرهم أن توبتهم من الذنب الذي ركبوه قتلهم أنفسهم. وقد دللنا فيما مضى على أن معنى "التوبة": الأوبة مما يكرهه الله إلى ما يرضاه من طاعته. فاستجاب القوم لما أمرهم به موسى من التوبة مما ركبوا من ذنوبهم إلى ربهم ، على ما أمرهم به ، كما: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة بن الحجاج ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الرحمن أنه قال في هذه الآية: (فاقتلوا أنفسكم) قال: عمدوا إلى الخناجر ، فجعل يطعن بعضهم بعضا (تفسير الطبري).
قوله تعالى: "فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم" لما قال لهم فتوبوا إلى بارئكم قالوا كيف؟ قال "فاقتلوا أنفسكم" قال أرباب الخواطر ذللوها بالطاعات وكفوها عن الشهوات والصحيح أنه قتل على الحقيقة هنا والقتل: إماتة الحركة وقتلت الخمر: كسرت شدتها بالماء قال سفيان بن عينه التوبة نعمة من الله أنعم الله بها على هذه الأمة دون غيرها من الأمم وكانت توبة بني إسرائيل القتل. وأجمعوا على أنه لم يؤمر كل واحد من عبدة العجل بأن يقتل نفسه بيده قال الزهري: لما قيل لهم: "فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم" قاموا صفين وقتل بعضهم بعضا (تفسير القرطبي).
قال موسى لقومه: "توبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم، فتاب عليكم، إنه هو التواب الرحيم" قال: أمر موسى قومه عن أمر ربه عز وجل أن يقتلوا أنفسهم، قال: وأخبر الذين عبدوا العجل فجلسوا وقام الذين لم يعكفوا على العجل فأخذوا الخناجر بأيديهم وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضاً (تفسير ابن كثير).
وهكذا ذهبت أغلب التفاسير، وهذا كان حكما خاصا على من ارتدوا وعبدوا العجل، وهذا ليس انتحار كما يتوهم النصراني فهم أذنبوا واقترفوا جرما عظيما أوجب قتلهم، ولم يكن بقتل أنفسهم من تلقاء أيديهم كما توهم الحاقدون وكان بقتل الفئة التي عبدت العجل تكفيرا عن الذنب حتى يتوب الله عليهم، فالشرك ظلم عظيم، فقتل النفس أو الخيانة الزوجية (زنا المحصن) توجب القصاص بالقتل وإن تاب صاحبها، فما بالكم بالشرك بالله جل وعلا، وهو أعظم الذنوب، فالحق جل وعلا رحيم بعباده رؤوف بهم،
وهذا ما توضحه الآية الثانية والتي تحرم قتل النفس لنفسها لا من قريب ولا من بعيد "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) النساء ،
والسنة المطهرة كذلك توضح حرمة الانتحار بأي شكل من الاشكال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا) أخرجة البخاري وغيره من أصحاب السنن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق