الخميس، 10 ديسمبر 2015

5- تعدد الزوجات



5- تعدد الزوجات 

من أكثر الانتقادات شيوعًا على ألسنة المُغْرِضين أن الإسلام جاء بتعدد الزوجات لمصلحة الرجال على حساب النساء، وهو بذلك يلبى شهوات الرجل بينما ينتقص من حق المرأة فى المعاملة بالمثل، ويهدر كرامة الزوجة التى يقترن زوجها بأخرى أو أخريات، ولا يعبأ بمشاعرها، إلى آخر تلك الادعاءات
وليس أيسر من تفنيد تلك الأقاويل الباطلة بحقائق التاريخ والعلم والواقع المشهود أيضًا.
فمن الناحية التاريخية:
نلاحظ أولًا أن تعدد الزوجات نظام عرفته البشرية منذ فجر التاريخ وقبل مجيء الإسلام بآلاف السنين. ولم تكن هناك أية ضوابط من أى نوع بالنسبة للرجل الذى يهوى إقامة علاقات نسائية، لا من حيث العدد، ولا معاملة الزوجات أو الأولاد، ولا حتى التزام أي معيار من معايير العدالة بين نسائه. فقد عرف الفراعنة تعدد الزوجات والمحظيات بلا حدود.
وعلى سبيل المثال
كان للفرعون الشهير رمسيس الثانى 8 زوجات وعشرات المحظيات، وأنجب منهن أكثر من مائة وخمسين ولدًا وبنتًا، وأسماء الجميع منقوشة  على جدران المعابد، وأجساد بعضهن موجودة حتى الآن بالمتاحف.

وكانت لفرعون موسى عِدَّة زوجات منهن السيدة آسية- رضي الله عنها - التي ربّت موسى - عليه السلام - وكانت قد احتضنته رضيعًا ومنعت فرعون من قتله لتتخذه ولدًا.
وكذلك كان تعدد الزوجات شائعًا على أوسع نطاق لدى الفرس والرومان والشعوب ذات الأصل السلافى مثل: الروس، والصرب، والسلوفاك، والشعوب الجرمانية والسكسونية مثل: الألمان، وسكان النمسا، وسويسرا، وبلجيكا، وهولندا، وإنجلترا، والنرويج.

وكان التعدد - وما يزال - منتشرًا عند طائفة المورمون بأمريكا وشعوب وقبائل غير مسلمة مثل: الوثنيين في أفريقيا، والهندوس، والصينيون، واليابانيون[1].
وفى كل شرائع الأنبياء قبل نزول القرآن الكريم على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كان التعدد مشروعًا وبلا حد أقصى لعدد الزوجات أو الجواري.
فقد تزوَّج أبو الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - سارة وهاجر، ثم اثنتين أخريين هما قطور ابنة يقطان الكنعانية وحجون بنت أهيب وهى عربية أيضًا.
وتقول مصادر أهل الكتاب أن يعقوب - عليه السلام - تزوج ابنتي خاله لابان وهما "ليا" و"راحيل" معًا، ثم عاشر أيضًا جاريتين لهما وأنجب من النساء الأربعة الأسباط وعددهم اثنا عشر ولدًا.
ولا يمكن لأحد إنكار ما أورده العهد القديم عن داود وسليمان - عليهما السلام - إذ تقول مصادرهم أن داود تزوج مائة امرأة، بينما تزوج ولده سليمان ثلاثمائة امرأة وكانت له سبعمائة جارية بالإضافة إلى زوجاته[2].

وهذه الأرقام الهائلة لا يجدون فيها أية غرابة، بينما يتصايحون لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - تزوج 11 سيدة معظمهن أرامل ومطلقات وبعضهن كن أكبر منه سنًّا!!
لماذا تقبل عقولهم أن يتزوج نبى ثلاثمائة زوجة وسبعمائة جارية - أي ألف حليلة - بينما يستنكرون زواج أخيه محمد بإحدى عشر؟!! إنه الحقد على نبى الإسلام فقط لاغير!!
كما ذكروا أيضًا أن رحبعام بن سليمان تزوج 18 وكانت له ستون جارية أى كانت له 78 حليلة!!!
وكذلك كان تعدد الزوجات منتشرًا في جزيرة العرب قبل الإسلام. وعلى سبيل المثال أسلم غيلان الثقفى وعنده عشر زوجات فأمره النبى - عليه السلام - باستبقاء 4 وتطليق الباقيات، والحديث رواه البخاري. وروى أبو داود أن عميرة الأسدى أسلم وعنده 8 زوجات، فذكر ذلك للنبى - صلى الله عليه وسلم - فقال له: "اختر منهن أربعًا".
وفى مسند الشافعى أن نوفل بن معاوية الديلمى كانت له 5 زوجات قبل الإسلام فلما أسلم قال له النبى - عليه السلام -: "اختر أربعًا أيتهن شئت وفارق الأخرى".
ولا يوجد نص فى الإنجيل على تحريم التعدد، وكل مَن يزعم ذلك من النصارى فإنه يكذب، بل يكفر بدينه الذى يوجب عليه الإيمان بأنبياء العهد القديم، وكلهم كما رأينا أباحوا التعدد وطَبَّقُوه بأنفسهم  عليهم السلام أجمعين. وقد أجازت الكنيسة للملك شارلمان الزواج بعدة نساء في وقت واحد  وأنجب منهن.

وحتى الآن تمارس طائفة المورمون المسيحية فى أمريكا - كما قلنا - تعدد الزوجات بلا حصر ولا عدد ولا ضوابط من أى نوع كان.

ومن الناحية العلمية فقد أكد علماء النفس والاجتماع في الغرب أن الرجل بطبعه وتكوينه  مفطور على حب التعدد، ولذلك أكَّدوا عدم صلاحية نظام الزوجة الواحدة للبقاء والاستمرار.
والواقع يثبت أن كثيرًا من الرجال لا يكتفى بامرأة واحدة. والدليل القاطع هو ما نراه في الغرب من فوضى جنسية عارمة. فإذا كانت القوانين هناك تمنع تعدد الزوجات، فإنها تبيح تعدد العشيقات والشذوذ الجنسى بشتى صوره وأشكاله وأنواعه!!
وتكفى نظرة عابرة على ما تنشره وسائل الإعلام فى اوروبا وأمريكا عن فضائح الزعماء هناك وعشيقاتهم. وعلى سبيل المثال أحصى الصحفيون الأمريكان مائة عشيقة للرئيس الأسبق بيل كلينتون طوال مراحل حياته المختلفة.
واضطر الرئيس الفرنسى ساركوزى إلى تطليق زوجته بعد انتخابه رئيسًا لفرنسا والزواج من عشيقته حرصًا على منصبه بعد أن فجَّرت الصحف الأوروبية فضائحه معها!!! وكذلك كان الحال مع معظم قادة أوروبا وأمريكا والصين[3].
فأين هذا الدنس والانحلال من طهارة ونقاء الإسلام الذى يضبط التعدد بعدم جواز الزيادة على 4 زوجات، وبشروط مشدّدة هي القدرة على إعالتهن والعدل بينهن فى كل شيء وإلا كان عليه الاكتفاء بواحدة فقط.
وتثبت كل الإحصائيات فى العالم الآن عظمة التشريع الإسلامى فى إباحة التعدد بشرط العدل. ففي معظم دول العالم هناك زيادة خطيرة فى أعداد النساء بالمقارنة بأعداد الرجال. والفجوة تزداد بين أعداد الجنسين عامًا بعد الآخر بسبب الحروب المجنونة التى تفتك بملايين الرجال سنويًّا في مختلف أنحاء العالم. ففي الولايات المتحدة الأمريكية يزيد عدد النساء على عدد الرجال بأكثر من 10 ملايين امرأة.
وفى بريطانيا 5 مليون امرأة زيادة على أعداد الرجال. وفى ألمانيا بلغت النسبة 3 نساء لكل رجل بعد الحرب العالمية الثانية.
وفى لبنان الآن نسبة عدد النساء إلى عدد الرجال هى 5 إلى 1 بسبب الحروب الطاحنة، وهجرة الذكور للعمل والاستقرار بالخارج وغالبًا ما يتزوج الشاب في البلد الذي يهاجر إليه ويستقر به. ويزيد عدد النساء على عدد رجال الهند بأكثر من 50 مليون امرأة.
وفى روسيا يزيد عدد النساء على عدد الرجال بعشرين مليون امرأة، مما دعا رئيس الحزب الشيوعى الروسى المتطرِّف إلى المطالبة باستحداث تشريع هناك يسمح بتعدد الزوجات لعلاج الخلل الاجتماعي الخطير.
لاحظ أن هذا الرجل ملحد ولكنه لم يجد حلا آخر أفضل مما جاء به الإسلام!!وأصدر رئيس الشيشان قرارًا جمهوريًّا يسمح بالتعدد للتغلب على مشاكل النقص الحاد فى أعداد الرجال.
وهو ما فعله أيضًا برلمان جمهورية أنجوشيا - إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق - إذ أقرَّ قانونًا منذ بضع سنوات أباح تعدد الزوجات هناك، للتغلب على الخلل الخطير فى العدد بين الجنسين الذي بلغت نسبته 3 نساء لكل رجل. وذات الخلل موجود أيضًا في الفلبين وأفغانستان والبوسنة والهرسك التى كان الصرب يذبحون الرجال فيها ويتركون النساء لاغتصابهن.
وفى العراق أظهرت آخر الإحصائيات الرسمية أن النسبة هي رجل واحد لكل ستة نساء، وبلغ عدد الأرامل هناك أكثر من 3 مليون أرملة بسبب الحروب الطاحنة المستمرَّة منذ ما يقرب من 30 سنة، فضلاً عن 5 ملايين من الأيتام. وفى هونج كونج النسبة هى رجلان لكل خمس نساء طبقًا للإحصائيات الرسمية.

ونسال كل مَن يعارض التعدد: كيف يمكن حل هذه الكارثة الإجتماعية فى العراق مثلاً بدون التعدد؟!! ثلاثة ملايين أرملة معظمهن فى سن الزهور، وبحاجة إلى رجل بأسلوب مشروع نظيف، كما يحتاج أطفالهن إلى رجل صالح يلعب دور الأب الشهيد ويعوضهم ما فقدوه من حنان ورعاية ودفء الأبوَّة التي لا غنى عنها من كل النواحى النفسية والاجتماعية والاقتصادية أيضًا لأي طفل.
وتشير الإحصائيات كذلك إلى ارتفاع خطير في معدلات العنوسة المتزايدة فى الدول العربية والأسيوية والإفريقية. وتتراوح النسبة بين 35% إلى 50% فى دول الخليج وشمال إفريقيا. كما تتزايد معدلات الطلاق بصورة خطيرة. وكل هذا من شأنه إرتفاع أعداد النساء الوحيدات اللاتى بحاجة إلى الزواج.
وقد نُشرت مؤخرًا أبحاث عملية متواترة فى الغرب أجمعت على أن كروموسوم Y الذى يتسبب فى إنجاب الذكور فى تناقص حادٍّ مستمر جيلاً بعد الآخر. وهذا يتسبب - كما هو مُشاهد الآن - فى تزايد أعداد المواليد من الإناث، وتناقص أعداد المواليد من الذكور. وهو دليل جديد على عظمة تشريع الإسلام فى إباحة التعدد للتغلب على مشكلة تناقص الذكور. وهو يثبت أيضًا صدق ونبوة خاتم المرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أخبرنا منذ 14 قرنًا بهذه الظاهرة فى حديث صحيح عن علامات الساعة، ذكر منها تناقص أعداد الرجال وتزايد أعداد النساء، حتى يكون للرجل الواحد خمسين امرأة (رواه البخاري ومسلم) وهو ما تؤكد كل الشواهد والحقائق العلمية والواقعية أننا فى الطريق إليه بالفعل!!
ولو سألنا أية امرأة شريفة عاقلة: هل تفضّلين الحياة كزوجة ثانية أو ثالثة مع العدل وكفالة حقوق متساوية لك ولأولادك مع الأخريات وأولادهن أم كعشيقة فى الظلام لا حقوق لك ولا لأولادك؟! أعتقد أن الجواب بالقطع هو تفضيل الزواج ولو مع أخريات. بل أكدت نساء كثيرات فى إحصائيات واستطلاعات جرت فى مصر ودول عربية أخرى أنهن يفضلن الاقتران برجل متزوج بشروط العدل، على حياة العزوبة الموحشة البائسة.
وهناك ملايين من الزوجات العاقرات غير القادرات على الإنجاب وكذلك المريضات والطاعنات فى السن. وليس من المروءة فى مثل هذه الأحوال أن يطلِّقها الزوج بعد  سنوات طوال من العشرة. والأكرم والأنبل أن تظل هذه العاقر أو المريضة أو العجوز زوجة مُعزَّزة مُكرَّمة، وأن تأتى إلى جانبها أخرى للإنجاب وتلبية رغبات الزوج المشروعة وخدمة الأسرة مع حصولها على حقوق مساوية للأولى.
ويقرر كبار علماء الاجتماع والمؤرخون من غير المسلمين - مثل وسترمارك وهوبهوس وهيلير وجنربرج - أن التعدد ينتشر فقط بين الشعوب التى بلغت قدرًا كبيرًا من الرقى والحضارة وليست الشعوب البدائية. فقد عرفت تعدد الزوجات كل الشعوب التى استقرَّت في وديان الأنهار ومناطق الأمطار الغزيرة، وتحولت إلى الزراعة المنتظمة بدلاً من صيد الحيوانات وجمع ثمار الغابة. ويؤكد هؤلاء العلماء أن نظام تعدد الزوجات آخذ فى الاستمرار ويتسع نطاقه كلما تقدمت البشرية خطوات إلى مزيد من التحضر والتطور والتقدم العلمي، خلافًا لما يظنه بعض الحاقدين على الإسلام الذين يزعمون أن التعدد ظاهرة متخلفة انقضى زمانها وفات أوانها.
ويرى المفكر الفرنسى الكبير "جوستاف لوبون" أن نظام التعدد الذى أقَرَّه الإسلام هو أفضلُ حلٍّ ممكن لضبط العلاقات بين الجنسين. وذكر لوبون فى كتابه "حضارة العرب": أن التعدد كان موجودًا قبل الإسلام، وأن أحوال المسلمات أفضل كثيرًا من أحوال الأوروبيات".

وقال المفكر الانجليزى "لايتنر": أن التعدد يقلل قطعًا من أعداد البغايا والمواليد غير الشرعيين وتندر معه الأمراض الجنسية المنتشرة فى الغرب. وأشاد المفكر الفرنسي رينيه بتعدد الزوجات الإسلامى لذات الأسباب.
ونظن أن شهادات هؤلاء العلماء والمفكرين - وهم من غير المسلمين - هى أكبر دليل على بطلان دعاوى المغرضين.
لقد جاء الإسلام ليضبط العلاقات بين الجنسين، ويقضى على الفوضى الجنسية والاجتماعية، فمنع الزيادة على 4 زوجات فى وقت واحد. وتظهر عظمة الإسلام فى وضع حدٍّ أقصى على ضوء ما نراه عند الآخرين مثل طائفة المورمون المسيحية الأمريكية التى لا تضع أي ضوابط على تعدد الزوجات. ويكفى أن نشير إلى ما نشرته وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية مؤخرًا من ضبط رجل أمريكى من المورمون لديه تسعون امرأة، ولم يكتفِ بمعاشرة نسائه التسعين بل اغتصب ابنته أيضًا!!! ولولا ارتكابه جريمة اغتصاب ابنته ما قبضت عليه الشرطة!![4].
والقرآن الكريم هو الكتاب السماوى الوحيد الذى نص على حظر التعدد فى حالة "مجرد الخوف" من عدم تحقيق العدالة بين الزوجتين.
قال – تعالى -: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء: 3]، والأمر الإلهي في الآية الكريمة صريح فى وجوب الاكتفاء بزوجة واحدة إذا خاف من عدم العدل.
وأكدت كل الإحصائيات فى أوروبا وأمريكا أن الإسلام هو أسرع الأديان انتشارًا في العالم. ويعتنق الملايين من الناس الدين الإسلامي كل عام عن اقتناع تام بعد دراسات عميقة متأنية.

والطريف الذي ذكرته وسائل الإعلام الغربية أن أكثر من 80% من هؤلاء الذين يعتنقون الإسلام هم من النساء. ويعنى هذا بوضوح أنه مقابل كل رجل يعتنق الإسلام هناك أربع من النساء المسلمات الجدد.
ومن المعلوم من الإسلام بالضرورة أنه لا يجوز للمسلمة أن تتزوج بشخص غير مسلم. فإذا كانت المسلمة الجديدة لا تستطيع الهجرة أو الانتقال للحياة فى بلد إسلامي، فإنها تكون أمام عدة خيارات أحلاها مرير شديدة المرارة. فإما أن تظل وحيدة وتدفن شبابها وأحاسيسها، وتعانى كل أنواع الأمراض النفسية والعصبية والبدنية الناجمة عن العنوسة والكَبْت والحرمان طوال حياتها، أو تقع في الحرام بمعاشرة جنسية خارج إطار الزواج، وهو ما يحظره الإسلام  تمامًا، أو تسقط فريسة للشذوذ وهو محظور كذلك.
وهكذا فإنه لا يوجد حل نظيف طاهر أمام ملايين من المسلمات الجدد فى الغرب أفضل من قبول تعدد الزوجات مع العدل وكفالة كل الحقوق المتساوية لهن ولأطفالهن. والله وحده أعلم بما يُصْلِح حال خلقه أجمعين.ولقد بدأت الكثيرات من المسلمات فى الغرب يدركن أهمية التعدد الإسلامى ونُبْل مقاصده وضرورته المتزايدة، وهناك حالات كثيرة قبلت فيها مسلمات جدد الاقتران بمسلم متزوج بالفعل، بعد أن أدركن أنَ هذا هو أفضل وأكرم الحلول لهن[5].
ويحاول المشكِّكون النيل من نظام التعدد بإدعاء أن تحقيق العدل بين الزوجات مستحيل، ويقتطعون جزءًا من الآية 129 من سورة النساء، ويتجاهلون الباقي على طريقة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ [النساء: 43]، دون ذكر باقى الآية: ﴿ وَأَنْتُمْ سُكَارَى فتكون النتيجة قلب المعنى تمامًا وتفسير الآية على خلاف ما أراد الله - تعالى - بها، والله أعلم بمراده.

يقولون: لقد قال القرآن صراحة ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ﴾ ويتجاهلون بقية الآية: ﴿ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 129][6].
والمعنى كما قال المفسّرون: أن العدل المطلق بين الزوجات فى الميل القلبى مستحيل، فالقلوب بيد الله يُصِّرفها كما يشاء، فيكفى الزوج أن يبذل قصارى جهده فى العدل بينهن فى كل الأمور المادية بما فيها النفقة والمبيت وحتى القُبْلة والابتسامة. أما الميل القلبى فيمكنه أن يحاول التحكُّم فيه حتى لا يؤدى به إلى ظلم إحداهن وهجرها تمامًا، فتكون كالمُعَلَّقة لا هى بُمطَلَّقة يمكنها الزواج من آخر ولا هى بزوجة تحصل على حقوقها. هذا الميل الكامل بشكل ظالم لإحداهن هو المنهى عنه، وليس معنى الآية أن التعدد ممنوع؛ لأن العدل التام مستحيل، فكما قال الشيخ سيد قطب - رحمه الله - في الظلال: "شريعة الله ليست هازلة لتأخذ بالشمال ما أعطته باليمين".

ونضيف إلى ما قاله سيد قطب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم بين زوجاته فيعدل فى كل الأمور المادية، وكان الجميع يعلمون أنه يحب عائشة أكثر لكنه لم يظلم الأخريات، وكان يسأل ربه العفو وعدم المؤاخذة بالميل القلبي، لأنه ليس بيد الإنسان.
ألا تلاحظ أن الإنسان يميل قلبه إلى بعض أولاده أكثر من بعض رغم أن الكل فَلَذَات كبده، فهل نادى أحد بمنع الإنجاب خشية عدم تحقيق العدل بين الأولاد؟؟!!
وباقي الآية الكريمة يثبت ذلك،فقد نهى الله - تعالى - عن "الميل" بشكل كامل إلى إحداهن، وأرشد الزوج إلى مقاومة هذا الميل إلى إحداهن، وكبح جماحه حتى لا يتسبب فى تحويل المرغوب عنها إلى مسجونة أو مهجورة، لا هى تحصل على حقوق الزوجة، ولا هى مُطَلَّقة فيمكنها الزواج بآخر يعطيها ما حرمها منه الأول المشغول عنها دائمًا بأخرى. ولو كانت الآية تحظر التعدُّد لعدم إمكان تحقيق العدل المطلق حتى فى المشاعر، لما وعد الله - سبحانه - في آخر الآية من يصلح ويتقي بالمغفرة والعفو عن بعض الميل القلبى الذى لا يملكه الإنسان: ﴿ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 129].
ونلمس في هذه الآية العظيمة  تهدئة لروع الرجل  وإخبارا له أنه لا سبيل أمامه إلى  تحقيق العدل بين زوجاته بشكل كامل. والمعنى هو: لا تخف وابذل ما في استطاعتك لإسعاد زوجاتك والعدل بينهن بقدر ما تستطيع، وسوف يتجاوز الله بكرمه وإحسانه عن القدر الذي ليس في وسعك ويغفره لك.
ومن الثابت أن العدالة المطلقة هي الإلهية، أما العدالة البشرية فهي دائما ناقصة، لأن الناقص لا يمكنه الإتيان بالكمال،  والله أعلى وأعلم .
وعلى كل حال تملك الزوجة الحق فى طلب التطليق لعدم العدل، وعلى القاضي أن يحكم لها بالتطليق إذا ثبت وقوع ضرر عليها خاصة فى حالة ثبوت ظلم الزوج لها بعدم المساواة بينها وبين زوجته الأخرى. كما يحكم لها بالخُلع - وهو طلقة بائنة - طالما رَدَّت إلى زوجها ما دفعه لها من مهر، لأنه ليس من العدل أن تحتفظ هى بالمهر رغم إقدامها على هدم الزوجية بالخُلْع. والفرض هنا أن الزوج لم يرتكب خطأ ما، بل هى التى تريد الفراق وتسعى إليه كما سيأتي عند الكلام عن الخلع.
ونرد على من يستنكرون عدم السماح للمرأة بتعدد الأزواج أيضًا بسؤال: من سيكون الأب لأطفال تلك المرأة التى تضاجع عدة أزواج فى وقت واحد؟! وما هو الحل إذا كان كل واحد من أزواجها يريدها فى فراشه فى ذات اللحظة؟! ومَن هو الذي سيدير دفة الأمور فى مثل هذا المنزل الذى لا يُعرف له قائد أو مدبِّر لشؤونه؟!

ثم يأتي العلم الحديث ليثبت دومًا عظمة الإسلام، وصواب منهجه الإلهي المحكم.
فقد أثبتت أحدث الأبحاث الطبية فى الغرب أن المرأة التى تمارس الجنس مع أكثر من رجل فى وقت واحد تُصاب غالبًا بسرطان المهبل أوسرطان الرحم بسبب إختلاف الحيوانات المنوية وتنافرها.
ولا نظن أننا بحاجة إلى الكلام بعد هذه الأبحاث المُوثَّقة التي أجراها علماء من غير المسلمين.
وقد رفض علماء النصارى تعدد الأزواج للمرأة الواحدة. وعلل القديس أوجستين ذلك بأنه "لا يكون للمرأة سيدان".
وليس صحيحًا أن التعدد يتم ضد إرادة المرأة ولا ضد مصلحتها. فإن الزوجة الأولى إذا لم تضع شرطًا فى عقد الزواج يمنعه من الزواج بأخري، فإن هذا يعنى ضمنًا قبولها ما هو معلوم بالضرورة من إباحة الزواج من أخرى مع العدل، فيجب عليها إحترام ذلك بموجب العقد الذى وافقت عليه.
ولو كانت حريصة على رفض التعدد لوضعت شرطًا يمنعه من ذلك، ويكون عليه احترام هذا الشرط إن وُجد. وأما الزوجة الثانية - أو الثالثة أو الرابعة - فمن الواضح تمامًا أنها تقبل الزواج من رجل تعلم أنه متزوج بالفعل، والزواج الثانى - أو الثالث أو الرابع - يكون باطلاً إذا تم بدون رضاها وموافقتها كما ذكرنا فى فصل"مودة ورحمة".
فلماذا يلومون الرجل ولا يلومون المرأة التى وافقت على الزواج منه مع علمها بأنه متزوج بالفعل؟!!
ثم إن هذه الزيجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة إن كانت تضرّ- بعض الضرر- بالزوجة الأولى، فإنها بالقطع تحقق فوائد مؤكدة للمرأة التى تقبل الزواج من رجل متزوج،فهي تضمن عائلاً لها ولأطفالها إن كانت أرملة أو مُطلَّقة، وتضمن زوجًا يحقق لها المقصود من الزواج بالسكون النفسى والعاطفى والجنسي، ويُعفُّها الله به عن العلاقات المُحَرَّمة.
والقاعدة المعلومة هى ارتكاب أخف الضررين. ولا شك أن شعور الزوجة الأولى ببعض الغيرة والألم النفسى يظل أخف بكثير من ضياع أرملة أو مُطَلَّقة أو عانس فاتها قطار الزواج، ومُهَدَّدَة بالحرمان من الحلال إلى نهاية العمر. وعلى ضوء ذلك نسأل الخصوم : ألا يحقق التعدد مصالح مؤكدة  للزوجات الجدد و هن نساء أيضا؟!!
وقد أدركت بعض النساء الصالحات الذكيّات هذه المصالح العظمى التى يحققها نظام التعدد الشرعى للملايين من بنات جنسهن الوحيدات فى كل مكان، فقمن بتبني الدعوة إلى تطبيق تعدد الزوجات على نطاق واسع.
ومثال ذلك جمعية أسستها فى مصر الإعلامية المصرية السيدة هيام دربك - وهى متزوجة - واختارت لها شعارًا طريفًا يقول:"امرأة واحدة لا تكفى!".
لاحظ أن الجمعية أسستها امرأة وليست رجلاً، وأن معظم أعضائها من النساء!! وأكَّدت السيدة هيام ضرورة تطبيق نظام تعدد الزوجات كما جاء به الإسلام للقضاء على مشكلة العنوسة فى المجتمعات العربية التى تهدد عشرات الملايين من الفتيات بفقدان الفرصة فى تكوين أسرة والحرمان من الأمومة إلى الأبد.
وتأسست في الأردن جمعية نسائية مماثلة تناشد الرجال ممارسة تعدد الزوجات رحمة بملايين العوانس والأرامل والمُطَلَّقات.
وفى الكويت أرسلت مئات الفتيات اللاتى تجاوزن سن ال30و35 بدون زواج خطابات بريدية إلى مئات الزوجات يناشدنهن فيها التكرُّم بقبول زواج رجالهن من أخريات مع العدل للقضاء على مشكلة العنوسة التى استفحلت لدرجة خطيرة فى الكويت.

والطريف أن نساء أمريكيات أسلمن مؤخرا قمن بتأسيس جمعية مماثلة تدعو إلى تطبيق ونشر ثقافة تعدد الزوجات في أمريكا، وبلغ عدد عضوات الجمعية حتى الآن أكثر من 900امرأة!!
وبناء على هذا نقول لخصوم التعدد: هاكم شاهدات من النساء على عظمة الإسلام فى تشريع التعدد رحمة بهن وحلاًّ لمشاكلهن،ومَن لا يعجبه ما نقول فليتوجه إليهن وليجادلهن ما شاء، وأظن أنه لن يكسب المعركة بأي حال!![7].
وليس صحيحًا ما زعمه البعض من أن الأصل فى الكون هو وحدة الزوجة لأن آدم - عليه السلام - لم يتزوج سوى حواء... ونرد عليهم بأن الأصل- بهذا المنطق غير الدقيق - ليس الزواج بواحدة بل العزوبة.
لأن آدم - عليه السلام - خلقه الله أولاً، وظل فترة من الزمن وحيدًا. فهل نقول بناء على ذلك أن الأصل هو عدم الزواج؟!!
وقد أباح الله لآدم أن يزوّج أولاده من بناته، فكان ابن آدم يتزوّج أخته التي ولدت في بطن آخر وليست معه فى ذات البطن... فهل نقول أيضًا استنادًا إلى ذلك أن الأصل هو إباحة زواج الأخ من أخته الشقيقة أم أن هذه كانت حالة ضرورة فقط لعدم وجود بشر غيرهم، ثم حَرَّم الله - تعالى - زواج الأخت بعد أنتكاثر البشر؟!
بل إن الاستدلال هنا لمصلحة  أنصار التعدد وليس خصومه. لأن هذا يؤكد أن تعدد الزوجات جاء في سياق التطور الطبيعي للبشرية، وكلما تقدمت الحضارة الإنسانية وازدهرت وتكاثر البشر سوف تزداد الحاجة إلى التعدد ويتسع نطاق تطبيقه بمرور الزمن. وأخيرًا فإن الأصل عندنا هو ما كانت عليه الأغلبية الساحقة من الأنبياء والمرسلين وهو تعدد الزوجات. ومَن لا يعجبه أسلوب حياة سادة البشر فلا فائدة من الكلام أو الحوار معه أصلاً!! أم يظن أولئك أن الرسل - وهم خير خلق الله - قد فعلوا خلاف الأصلأوخلاف الأولى؟!!!


[1] يمكن معرفة المزيد عن تعدد الزوجات والجوارى فى الشعوب والممالك القديمة بالرجوع إلى الموسوعات التاريخية ومنها: "قصة الحضارة"؛ وول ديورانت - طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب ترجمة زكى نجيب محمود ومحمد بدران وآخرين - مكتبة الأسرة.
[2] انظر التفاصيل في: "قصص الأنبياء"؛ للإمام ابن كثير - رضي الله عنه - وقصص الأنبياء المسمى "عرائس المجالس"؛ للثعلبي و"تاريخ الرسل والملوك"؛ للطبرى.
[3] المزيد من التفاصيل عن عشيقات زعماء الغرب فى كتابنا "زوجات لا عشيقات التعدد الشرعى ضرورة العصر" طبعة القاهرة 1995م. ويمكن تنزيله مجانًا من شبكة الإنترنت من عدة مواقع إسلامية على رأسها الموقع الممتاز صيد الفوائد www.saaid.net، وموقع المكتبة الإسلامية، وموقع المنشاوى للبحوث، وموقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنَّة و موقع ابن مريم  وموقع مكتبة النبع الصافي وغيرها .
[4] القصة منشورة في موقع شبكة سى إن إن على الإنترنت باللغة العربية.
[5] قصص المسلمين والمسلمات الجدد يوجد آلاف منها فى عدد من المواقع الإسلامية الجيدة عبر الإنترنت مثل موقع www.turntoislam.com وموقع www.todayislam.com وموقع www.islamway.com وموقع www.saaid.net
[6] أنظر تفسير الآية 129من سورة النساء عند ابن كثير، والطبرى، وسيد قطب، والجامع لأحكام القرآن للقرطبى، والجصّاص، والنسفى، والبيضاوي، والشوكانى، والسعدي، وغيرهم.
[7] تفاصيل أخرى عن تعدد الزوجات فى الإسلام فى كتابنا الذى سبقت الإشارة إليه: "زوجات لا عشيقات، التعدد الشرعى ضرورة العصر".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق