الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

عقيدة الثالوث هل هي من وحي الله ؟(3)



عقيدة الثالوث هل هي من وحي الله ؟(3)

شهادة العهد الجديد عن عيسى

       كان ميلاد عيسى  مبشراً به: "وفي الشهر السادس أُرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الخليل اسمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف واسم العذراء مريم" (لوقا 1-27:26).
       وهكذا يتضح أن الله لم ينزل لكي يكون لحماً كما تدّعي الكنائس، وإنما أرسل ملاكه جبريل ليخبر مريم بخطة الله. إذن عيسى  كان روحاً مخلوقة في رحم مريم بقوة الله. ومن هنا تنتفي عقيدة الإله المجسد ويصبح هذا الإدعاء بدون أي أساس.
       ولقد أخبر الملاك جبريل مريم قائلا: "وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع". (لوقا 31:1).
       إذن من هم أعضاء الثالوث (بمعنى الألوهية ثلاثة في واحد) قبل ميلاد عيسى عليه السلام ؟
       لقد كان هناك فقط إلهاً واحداً حقيقيا منذ البداية حياته أزلية، أما الثالوث فقد كان تحولاً عن الإيمان بإله واحد (الوحدانية) إلى ثلاثة آلهة (شرك ووثنية).
       وكان الناس قبل عيسى  يؤمنون بإله واحد فقط، ولكن بعد ميلاده أضافت الكنائس شخصين آخرين إلى الألوهية.
       ومن ناحية أخرى عندما كان عيسى  جنيناً في الرحم هل كان الله العلي القدير أيضا منفوثاً به في الرحم؟ طالما أن أنصار عقيدة الثالوث يدّعون أن الشخصين أو الثلاثة أشخاص متحدون في "جسد واحد". فهل كل هؤلاء كان يتم نموهم كجنين واحد في رحم مريم؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا ولدت مريم عيسى وحده فقط ؟
       كم هي فكرة ساذجة ومثيرة للإستياء الاعتقاد بأن عيسى  متحد بالجسد مع الله !.
       الله الذي ليس له بداية ولا نهاية خلق السماوات والأرض وكل الأشياء الموجودة بينهما منذ ملايين السنين وقبل ظهور الحضارة الإنسانية. ولقد مضت أجيال وأجيال قبل ميلاد عيسى .
       "ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبي يسوع". (لوقا 21:2) فما أسوأ من هذا التجديف في حق الله ! وهل إذا كان عيسى حقا هو الله الحق أتظن أنه يحتاج إلى الاختتان؟
       "وكان الصبي ينمو ويتقوى بالروح ممتلئاً حكمة وكانت نعمة الله عليه". (لوقا 40:2). في البداية لم يكن عيسى (الإله) مزوداً بالعلم وهو صغير وإنما زُود بالحكمة عندما بلغ سن المراهقة. أما الإله الحقيقي فإن حكمته لا تزيد ولا تنقص ولا يخضع للزمان ولا المكان لأنه في كل وقت كامل ومطلق.
       "ولما كان عيسى  يصلي "صلاة الرب". (لوقا 11-4:2) هل يمكن لأحد أن يصلي لروح نفسه؟.
       بالتأكيد لا.
       ومن هنا يظهر التمييز بين الإله الحقيقي والنبي عيسى  وبالاضافة إلى ذلك فإن إرادة الله مستقلة ومنفصلة عن إرادة عيسى مما يدل على أنهما ليسا واحداً ولا متساويين.
       ولقد قيل إن عيسى  كان يصوم "فبعد ما صام أربعين نهارا وأربعين ليلة جاع أخيراً... (متى 2:4), والصوم إحدى وسائل تكفير الذنوب وإظهار الطاعة والخضوع لمن هو في منزلة الأعلى.
       فالله لا هو خاضع لأحد كائنًا من كان ولا هو في حاجة إلى الصيام لغفران ذنوبه، ولا هو أيضا يعاني من رغباته، وإنما الله سبحانه بخلاف عيسى  متحرر من كل شيء لأنه وحده الأعلى والأكمل.
 "ولقد حضر جمع كبير من الناس لكي يستمعوا إلى عيسى  وأحضروا معهم كثيرا من المرضى فتحقق لهم الشفاء من آفاتهم" (متى 31:15) "ومجدوا إله إسرائيل" فكيف يكون إله المسيحيين "ثلاثة" وإله اليهود واحد ؟.
       "ثم تقدم قليلا وخر على وجهه وكان يصلي قائلا: ياأبتاه إن أُمكن فلتعبر عني هذه الكأس ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت". (متى 39:26) و(مرقس 14-36:35).
       فإلى من كان عيسى  يوجه صلاته ؟ أكان عيسى  يوجه صلاته إلى نفسه باعتباره جزءاً من الألوهية؟
       إطلاقاً... لأن الحقيقة أن عيسى كان دائماً يصلي لله طلباً للعون وحتى عندما أعاد لعازر إلى الحياة (يوحنا 11-43:41) كان عيسى  دائماً شاكراً لله مما يثبت كامل عجزه وخضوعه لله.
       "وفي الصبح إذ كان راجعاً إلى المدينة جاع فنظر شجرة تين على الطريق وجاء إليها فلم يجد فيها شيئاً إلا ورقاً فقط". ( متى21-19:18) هل يمكن لإله أن يشعر بالجوع وأن يجهل مواسم الشجر لحمل الثمار؟.
       والقديس بولس يقول "أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال. يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم". (أعمال 22:2) هنا يتضح ماذا كان بولس يعني بكلمات "قد تبرهن لكم" بمعنى أنه "مدهون بالزيت" أي "مختار من قبل الله" أي "ليكون نبياً".

 

ماذا قال عيسى  عن الله وعن نفسه ؟

       لم يذكر أو يشر عيسى  إلى الثالوث، ولا كان على علم بوجود ثلاثة أشخاص إلهية في الألوهية وإنما كانت فكرته هي ذات الفكرة التي كانت لدى من سبقه من الأنبياء الإسرائيليين الذين كانوا يدعون إلى وحدانية الله.
       "إن أول كل الوصايا هى اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك" (مرقس 12-30:29).
       "للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد". وهذا موجود بالإنجيل في (متى 10:4) وفي (لوقا 8:4)، فقد قال عيسى  إن الله وحده هو المعبود بحق "الرب إلهنا رب واحد ". (مرقس 29:12).
       وهكذا يؤكد عيسى  وحدانية الله "بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات". (متى 21:7).
       واضح أن الله كان في السموات بينما عيسى  كان على الأرض، وبالتالي كيف يكون اتحادهما في جسد واحد ؟ وتذكر عقيدة المسيحيين أن (ثلاثة أشخاص) متحدون في جسد واحد (ثلاثة في إله واحد) فكيف يمكن لجميع أعضاء الثالوث أن يكونوا إلهاً كاملاً بينما كل إله منهم يمثل ثلث الألوهية فقط؟.
       "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته". (يوحنا 3:17) وهنا يضع عيسى  خطاً فاصلاً بين الله وبين نفسه، فلكي تتوصل إلى الحياة الأبدية يجب أن تعرف (وتقر) بالله الحقيقي وأن عيسى  مرسل فقط كرسول الله.
       فقد قال عيسى  "لماذا تدعوني صالحاً ؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله". (مرقس 18:10).
       فعيسى يؤكد أن لا أحد صالح غير الله، وبهذا ميز بين الله وبين نفسه.
       "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب". (متى 36:24) (ومرقس 32:13).
       وهكذا يقر عيسى  بأن علمه مقيد بخلاف الله العليم الخبير، وكذلك المحاكمة يوم القيامة هي ملك لله وحدة الذي يحتفظ بالأسرار لنفسه.
       "الحق الحق أقول لكم لايقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً". (يوحنا 19:5) فهكذا يقر عيسى بأنه تابع لله.
       "أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئاً، كما أسمع أدين، ودينونتي عادلة، لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني". (يوحنا 30:5).
       "لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني". (يوحنا38:6).
       "تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني". (يوحنا 16:7).
       "ولست أفعل شيئاً من نفسي بل أتكلم بهذا كما علمني أبي". (يوحنا 28:8).
       وهكذا بكل وضوح يذكر عيسى  أنه ليست له تنقصه قدرة إلهية، فمن نفسه لا يستطيع عمل شيء حيث أن الله وحده هو مصدر القوة والسلطان.
       "ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله". (يوحنا 40:8)، ويعترف عيسى هنا أنه لايعدو أن يكون رسولاً يؤدي رسالته المكلف بها من الكائن الأعلى.
       فيقول النبي عيسى  "...إني أصعد إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم". (يوحنا 17:20).
       هذا النص يضع نهاية "لعقيدة الثالوث ولعقيدة التجسيد". ويُظهر أن علاقة عيسى  بالله تشبه علاقة أي كائن بشري آخر بالله بمعنى عبادته وطلب العون منه.
       وكل النصوص السابقة تحدد بشكل في منتهى الدقة انخفاض درجة منزلة عيسى  تجاه الله  وضعفه وتبعيته لفضل الله.

ماذا يقول القرآن الكريم عن الله ؟

       القرآن الكريم هو الوحي الأخير والخاتم من الله العلي القدير. ولقد أوحى الله في القرآن مايكشف عن نفسه العليا بوضوح شديد لا يدع مجالاً لأي تفسير إلا فهم معاني الألفاظ المكتوبة، علماً بأن كلمات الله سبحانه وكلمات أحاديث رسوله محمد  هي كلمات الحق كل الحق.
       ولاجدال في أن كلمات الله غاية في الوضوح لأنها بسيطة وتعبر عن نفسها دون أي لبس. الله الذي أبدع السماوات والأرض، وقدرته وعلمه بلا حدود، إنه الرب الحميد المجيد الرازق لكل خلقه، وبالتالي فلا ينبغي للناس أن ينخدعوا بأي أوهام باطلة أنه يمكن أن توجد آلهة أخرى غير الله الواحد القهار.
       دعونا ننقل ما يقوله القرآن الكريم عن الله سبحانه وتعالى  الذي له صفات الكمال المطلق التي تليق بألوهيته الحقة لأنه وحده فوق الوجود المادي.
    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(٥) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)  . (الفاتحة: ١ - ٧).

 يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)   (البقرة: ٢١ - ٢٢  ).

 كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩) .       ( البقرة: ٢٨ - ٢٩).

 بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .   ( البقرة: ١١٧).

 اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ .               ( البقرة: ٢٥٥  )

... وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ  (آل عمران: ١٥٦)

 يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا . (النساء: ١).

 قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ   . (المائدة: ٧٦).

 قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْركِينَ. (الأنعام: ١٤).

 أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢) . (الأعراف: ١٩١ - ١٩٢)

 اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى . (طه: ٨)

 أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٦٤) قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥) .          ( النمل: ٦٤ - ٦٥).

 لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ .      (لقمان: ٢٦).

 يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ .    (الرحمن: ٢٩).

 هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ .                       ( الحشر: ٢٣  ).

 هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . ( التغابن: ٢).
 قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ    (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤) . (الإخلاص: ١ - ٤).

أدلة الكتاب المقدس على عقيدة الثالوث:
       يذكر أنصار الثالوث لدعم عقيدتهم عدة نصوص فقط من الكتاب المقدس ويفسرونها تفسيراً غريباً، إما بالابتعاد عن معنى المضمون أو عن معنى النص الأصلي، بينما يدعو الكتاب المقدس في جملته إلى التوحيد (وحدانية الله) ابتداء من أول كتاب فيه (وهو التكوين) من العهد القديم، إلى آخر كتاب في العهد الجديد (وهو رؤية يوحنا).
       وفيما يلي بعض النصوص التي يذكُرونها كبراهين على صحة عقيدة الثالوث:
       الدليل الأول: في النص الموجود في طبعة الملك جيمس (King James) (رسالة يوحنا الأولى 7:5) المعتمدة عام 1611م "فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد". هذا النص شطب من معظم الطبعات المدققة بعد أن تبين أنها لم تكن من المخطوط الأصلي، وإنما هي إضافة لاحقة في زمن متأخر.[i]
       الدليل الثاني: من (متى 19:28) "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس".
       الدليل الثالث: (2 كورنثوس 13-14:13) "يسلم عليكم جميع القديسين نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم".
       الدليل الرابع: في (1 كورنثوس 12-6:4) "فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد وأنواع خدم موجودة ولكن الرب واحد وأنواع أعمال موجودة ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكل".
       وفيما يختص بالأدلة الثاني والثالث والرابع، فإن مجرد سرد الأسماء (أي تسميتهم) لا يؤسس أو ينشيء عقيدة الثالوث بأي شكل فضلاً عن بيان تعدادهم فهم في الواقع ثلاثة كائنات منفصلة لكل منهم قوام مختلف وظروف متباينة.
       فالثلاثة لم يكونوا أبداً متساوين في الزمن ولا في المنزلة ولا في العلم ولا في القدرة كما يتضح من تعريف الثالوث ذاته.
       وفضلاً عن ذلك عندما تم تعميد عيسى طبقاً (لمتى 3:16) نزل روح الرب عليه في شكل حمامة فبهذا كيف يمكن الإدعاء بأن عيسى جزء من الثالوث بينما عيسى كان دائماً مع الروح القدس ؟
       وفيما يلي بعض النصوص من الكتاب المقدس التي تُطرح كأدلة وترفع عيسى  إلى مقام الألوهية طبقاً لآخر تركيبة لعقيدة الثالوث:
       المثال الأول: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا". (تكوين26:1). بعض علماء اللاهوت المسيحيين يستخلصون أن الرب لم يكن واحداً وبمفرده في زمن إتمام عملية الخلق، ومع ذلك فإن الرب يتكلم عن نفسه بلغه المتكلم الجمع. ويمكن تفسير ذلك بأنه جمع تفخيم من حيث معناه عظمة الله وجلاله ومجده. ويشرح علماء المسيحية ذلك، على أنه إشارة إلى إطلاق القدرة الإلهية أو قوة الله غير المحدودة أو إبداع الله المطلق بكل كماله، والبعض يطلق على هذا الجمع جمع الوقار، وفي علم النحو يشار إليه على أنه جمع الجلالة.
       وفي كتاب التكوين أول كتاب في العهدين، نجد الرب وحده بلا مساعد قام بعملية الخلق (مثل الاصحاح 3:1) "وقال الله ليكن نور فكان نور"، وفي النص 27 من نفس الإصحاح "فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه". ولم يرد في هذه النصوص أي ذكر لمساعد أو لمصاحب للرب من أي نوع كان، والفعل الذي يصف ما قاله الرب وما فعله جاء بالمفرد (مثلاً: "ورأى الله النور أنه حسن"، خلق السماء وخلق الإنسان وبارك الله الكل وأنهى عمله.... الخ).
       في بداية كتاب التكوين نقرأ: "في البدء خلق الله السماوات والأرض.." فيلاحظ أنه بينما جاءت كلمة (السماوات) بالجمع فان كلمتي (الله) و(الأرض) بالمفرد فلماذا جمعت كلمة (السماوات) ؟ السبب بسيط وهو أن القرآن الكريم أخبرنا أن السماوات مخلوقة من سبعة طباق.    أما لماذا جعل كُتّاب الكتاب المقدس كلمتي الله والأرض في شكلها المفرد ؟ فكان ذلك بسبب تأكدهم من أن الأرض واحدة فقط وأن الله واحد فقط،كما أخبرنا جميع أنبياء الله.
       المثال الثاني: "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله". (يوحنا 1:1) لاحظ أن المتكلم لم يكن عيسى ، وإنما على الأرجح كان يوحنا، ومن جهة أخرى يسلم كل عالم مسيحي بأن هذا النص المفرد كتبه يهودي اسمه فيلو (Philo) من الإسكندرية بمصر قبل مجيء عيسى ويوحنا المعمدان (عليهما السلام).
       ثم إن كثيرا من مترجمي المخطوط اليوناني إلى الإنجليزية كتبوا في النص (يوحنا 1:1) الحرف الأول من كلمة (God) بالحجم الكبير (G) في الحالة الأولى إشارة إلى الله القوى. أما في الحالة الثانية لكلمة (god) فقد كتبوا الحرف الأول بالحجم الصغير (g) الذي جرى استخدامه عن المخلوقات وليس عن الله القوى.... كما هو الحال في المزامير (6:82) "أنا قلت إنكم آلهة (gods) بنو العلي كلكم لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون".   
       وكذلك الحال في (  2كورنثوس  4:4) "الذين فيهم إله (god) هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين". وطالما أن هذه الكلمة (في الحالة الثانية) هي (god) فقط فلا يكون المقصود بهذه العبارة الله العليGod) ) وإنما فقط (god) مثل المثالين السابقين.
       غير أن المترجمين المحدثين للكتاب المقدس ترجموا من النص (يوحنا 1:1) حسب المثالين التاليين:                              الجملة الثالثة كانت (and the word was with God) تحولت إلى  (and the word was a god) بمعنى أن ترجمة الجملة الثالثة قد تحول من (وكانت الكلمة الله) فعربت إلى  (وكانت الكلمة مخلوقاً) [ii].
الجملة الأولى كانت:(In the beginning  was the Word)
 ترجمت إلى (In the beginning the Word was)
تعريبها "في البدء الكلمة كانت" بدلاً من "في البدء كانت الكلمة"[iii].
ومن وجهة نظر أخرى يترجم بعض العلماء المسيحيين لفظ (Word) "الكلمة" على أنها (Divine Command) "أمر إلهي" وبالتالي يدّعون أن التركيب الصحيح للنص  (يوحنا 1:1-3) يجب أن يكون:
"In the beginning was the Command, and the Command was with the God, and the Command was Divine. This (the Command) was in the beginning with the God. All things were made by this (the command): and without this was not any thing made that was made."
       وتعريبا لها "في البدء كان الأمر، والأمر كان مع الله، والأمر كان إلهياً. وهذا (الأمر) كان في البدء مع الله. كل شيء كان بهذا (الأمر). وبدون هذا لم يكن شيء مما كان".
       واللفظ اليوناني الذي استخدمه يوحنا هو (Logos) مشتق من (Lego) بمعنى (To speak) (يتكلم).
بينما اللفظ الانجليزي (Decalogue) معناه: (Ten.Commandments) (الوصايا العشر) هو تركيبة من كلمتين يونانيتين كلمة deka بمعنى (عشرة) و كلمة logous   بمعنى   ( أوامر)، ولفظ logos معناه (God's Spoken Command ) (أمر الله المنطوق).[iv]
       وكلمةwith) ) "مع" تسبب معضلة لهؤلاء الذين يفضلون استخدام لفظ (Logos) " كعيسى" بدلاً من (الأمر) (The command) والسبب واضح إذ: كيف يمكن لعيسى أن يكون مع الله وأن يكون هو الله في نفس الوقت؟ وفكرة كون (أمر الله المنطوق) مع الله  منذ البدء تتفق وتنسجم مع فكرة الكتاب المقدس عن عملية الخلق (وقال الله ليكن نور فكان نور) (التكوين 3:1).
       وفي النص اليوناني كان يوحنا قد استخدم حرف التعريف "the" (ho) قبل لفظ (God) لأنه فاعل، أما هنا فلم يستخدم يوحنا حرف التعريف "the" قبل "God" (Theo) لأنه تأكيد. وبعبارة أخرى  فإن اللفظ المستخدم هنا يدل على الطبيعة، الجودة، الصفة أو ملكية الفاعل, وفي هذه الحالة: طبيعة أمر الله التي هي طبيعة إلهية.
       وفي بعض طبعات الكتاب المقدس نجد لفظ (This) استبدل  بلفظ (one This) أو بلفظ (Jesus) He) ومع ذلك فإن لفظ (This) يشير إلى (أمر الله المنطوق).
       وفضلاً عن ذلك، فمن الواضح من (يوحنا 1:1) "أن الله وحده هو الذي كان موجوداً منذ الأزل. وكلماته هي دائماً معه، بنفس الطريقة التي بها كلماتك معك, وكلماتي معي. والكلمة التي يصدرها الله ليست هي إلهاً آخر أو الله ذاته وإنما "كلمة إلهية" (أمر) منه.
       وإلا سيصبح كل خلق إلهاً منفصلاً طالما أن كل خلق يمثل كلمته. وبنفس الحجة تنطبق مع (التكوين 3:1). فالنور المخلوق بكلمته ليس الله وإنما هو خلقٌ (نور) من الكلمة الإلهية. وبناء على ذلك تصبح الجملة "الكلمة كان الله" (في يوحنا 1:1) في غير محلها بشكل مطلق.
       وأيضا إذا حاولنا قراءة مكتوبات أخرى تتعلق بالخلق فسوف يتحقق لنا أن الله الخالق استخدم كلماته في كل عملية خلق بنفس الطريقة التي يصفها القرآن الكريم  "كن فيكون"[v].
       المثال الثالث:  "أنا والآب واحد" (يوحنا 30:10) فهم المسيحيون هذه العبارة بمعنى أن الآب (الله) وعيسى واحد ونفس الذات متحدان في جسد واحد، وأصبح الرب لحمًا في شخص عيسى  وعاش بين الناس، ونفس المعنى في (يوحنا 10:14) عندما قال عيسى "أنا في الآب والآب فيّ".  وكذلك في (يوحنا 20:14) عندما قال عيسى "أنا في أبي وأنتم فيّ وأنا فيكم". ومع ذلك أساءوا تفسير معنى العبارة 28 من نفس الاصحاح عندما أعلن عيسى "لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت أمضي إلى الآب لأني أبي أعظم مني". فإذا كان ما قاله عيسى حقاً أن الآب أعظم منه فإن ذلك ينهى المسألة بأنهما غير متساويين.
       وأيضاً فإن المؤمنين بالثالوث لا يعلمون أنه لو اتبعنا حججهم فسوف تكون النتيجة وجود مجموع من 15 بدن في جسد واحد. إنها "عملية رياضية بسيطة" يحسبها أي تلميذ صغير! الآب إله والابن (عيسى) إله وروح القدس إله (أي الثالوث) المكون من ثلاث أشخاص متحدة في إله واحد يضاف إليهم الـ12 تلميذاً الأصيليين بنفس الطريقة التي يفهم بها المسيحيون النص (يوحنا 20:14) مما سوف ينتج عنه مجموع 15 كائناً متحداً في جسد واحد. وتوضح العبارة (يوحنا 17-23:21)  المعنى أكثر حول طبيعة كونهم واحد:
       "ليكون الجميع واحدا كما أنك أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضا واحدًا فينا ليؤمن العالم أنك أرسلتني وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً. كما أننا نحن واحد أنا فيهم وأنت فيّ ليكونوا مكمَّلين إلى واحد." والعبارتان السابقتان ليس لهما معنى مقصود سوى "وحدة الغرض" كمؤمنين حقيقيين، ومن جانب آخر فإن عيسى لم يدَّع في العبارة (يوحنا 31:10-36) أنه (إله) أو (الإله الابن) (باعتباره متحداً مع الآب (الإله)) بل يقر بأنه شخص مستقل.
       وإذا أصر المؤمنون بالثالوث على أن العبارة (30:10) تساند عقيدة الثالوث إذاً فعليهم ألا يقيدوا العدد في إلههم بثلاثة فقط.. بل عليهم أن يضيفواالـ 12تلميذاً (يوحنا 10:14-20) كما فهموا معنى هاتين العبارتين باعتبار أن "كل واحد حالّ في جسد واحد" وبالتالي سوف تصبح المعضلة أكبر وكتلة (الثالوث) أكثر تعقيداً وأكثر إشكالاً.
       المثال الرابع: "الذي رآني فقد رأى الآب" (يوحنا 9:14). ولكن ألم يقل عيسى  صراحة "الله لم يره أحد قط". كما قال في يوحنا (37:5) "والآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته".
       وهنا يقول عيسى  إنه ليس الله لأنه كان يتكلم معهم ويرونه. وفي متى (21:7) يقول عيسى  "أبي الذي في السماوات". وبينما كان هو في هذا الوقت أمامهم. فكل هذه الأقوال من عيسى  لها معنى واحد فقط ألا وهو أن الله وعيسى ليسا واحداً. إذ كيف يكون الآب وعيسى واحداً ومتحدين جسدياً (كما يفسرها المسيحيون) عندما يكون الآب في السماء وعيسى  على الأرض ؟
       وحتى يتحقق إيمان الإنسان بالله فما عليه إلا أن يتأمل في مخلوقات الله وهي عديدة: الشمس والقمر والنجوم... وكل شيء من حوله.
       وفي (يوحنا 24:4) يقر عيسى  بأن (الله روح) وبناء عليه كيف يمكن لأحد أن يرى الله ؟ وفي يوحنا (18:1) نقرأ "الله لم يره أحد قط". بالإضافة إلى أن عيسى  قد قدم تمييزًا واضحاً بينه وبين الله في (يوحنا 1:14) "لا تضطرب قلوبكم أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي". وحرف (الفاء) هنا أساسي في الجملة لأنه يدل على أن الله منفصل تماماً  أى (الذات العليا) عن عيسى ، وفي (يوحنا 3:17) "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته".
       المثال الخامس: في (يوحنا 28:29) "ربي وإلهي!" ورغم أن هذه العبارة ليست لها أية أهمية لأنها أبطلت بالنصوص السابقة فإن العلماء من رأيهم أن في هذه الظروف المعجزة يمكن لملاحظه توماس أن تكون صادرة كعلامة تعجب بسبب التعجب تجاه عيسى  بينما في الحقيقة بينما في الحقيقة علامة التعجب موجهة نحو الله إلى جانب أن توماس لا يعتبر عيسى الله لأنه يعلم تمام العلم أن عيسى لم يدَّع أبداً أن يكون الله (يوحنا 3:17).
       والواقع أن القديس بولس يقدم تمييزاً آخر واضحاً بين الله وعيسى  فيقرر أن الله صعد بعيسى كما جاء بالإنجيل (1 كورنثوس 15:15-20) وفي (مرقس: 19:16) "ثم إن الرب بعد ماكلمهم, رُفع به إلى  السماء وجلس عن يمين الله".
       فإن كان حقاً أن الله وعيسى واحد ونفس الذات، ألم يكن الأنسب أن يقال: "إن عيسى رفع نفسه!". وعندما ذُكر أن عيسى جلس عن يمين الله، ألم يكن الأجدر أن يقال: "وجلس عيسى على العرش!" والحقيقة هي أنه لا أحد جدير "بالعرش المجيد" سوى الله تعالى المستحق للعبادة بحق كما أعلن ذلك عيسى  (يوحنا 3:17).
       نص آخر: يشرح القديس بولس من هو الله (الأعمال 24:17)  "الإله الذي خلق العالم وكل ما فيه هذا إذ هو رب السماء والأرض لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيادي ولا يُخدم بأيادي الناس كأنه محتاج إلى شيء إذ هو يعطي الجميع حياة ونفساً وكل شيء".
       هل يصعب على إدراك البشر تصور هذا الفرق بين الله والإنسان وبين الخالق والمخلوق وبين الأزلي والفاني ؟ بالتأكيد لا وإنما هي الغفلة والنفاق والتمرد التي تمنع الرغبة في الفهم.

ادعاءات إضافية ترفع عيسى إلى مقام الألوهية.

       يدّعي المسيحيون أن عيسى  هو الله المتجسد، وأنه إله كامل وإنسان كامل. هذه الفكرة منفية تماماً من عيسى  نفسه في قوله في (يوحنا17:20) "إني أصعد إلى ربي وأبيكم وإلهي وإلهكم". فأين مكان السؤال عن التجسيد ؟ لأن النص يقول لنا بعبارات بسيطة إن الله متميز ومنفصل عن عيسى  وبالتالي هذه العبارة تجعل عقيدة (التجسيد) لاغية وكأن لم تكن، علماً بأن الإله الكامل غني عن أية رغبات أو ضعف. أما أن يكون الرجل إنساناً فإنه يكون خالياً من أية صفة من صفات الألوهية.
       ويدّعي مسيحيون آخرون أن عيسى  هو الله لأنه يقال له أيضا أنه "ابن الله" و"المسيح" و"ابن الإنسان" و"المخلّص" ومع ذلك فإن عيسى وصف (صانعي السلام) بأنهم (أبناء الله) وفي التقاليد اليهودية يقال عن كل إنسان يتبع إرادة الله "ابن الله".
       انظر الأمثلة المذكورة في الكتاب المقدس (التكوين 2:6-4)، (الخروج 22:4)، (ارمياء 9:31)، (المزامير 7:2)، (لوقا 38:3)، (رومية 14:8)، وفي (يوحنا 35:6). يقول عيسى  "بل أحبوا أعداءكم وأحسنوا وأقرضوا وأنتم لاترجون شيئاً فيكون أجركم عظيماً وتكونوا بني العلي". أن يكون إنسانٌ ابن الله، لا يرفعه كونه هذا إلى منزلة الألوهية. شأنه شأن ابن الرئيس لايجعله الرئيس نفسه وإنما فقط ابن الرئيس.
       ومن جهة أخرى يذكر العهد القديم أن لفظ "المسيح" (Messiah) في العبرانية معناه (الإله الممسوح بالزيت) وليس (Christ) "المصلوب", أما لفظ (Cyrus) "قوروش" الفارسي فيسمى "المسيح" أو "الممسوح بالزيت" (التكوين 13:31), (اللاويين 10:8), (صموئيل 10:2), (اشعياء 1:45), (حزقيال 14:28), ولقد سُمى حزقيال في الكتاب المقدس "ابن الإنسان".
       أما بخصوص تسمية "المخلّص" في (2 الملوك 5:13) فقد مُنح بعض الأفراد هذا اللقب أيضاً دون أن يكونوا آلهة، ومعنى (الإله الممسوح) هو منح سلطة روحية لرجل نبيل لنشر كلمة الله. فكيف يمكن لهذا اللفظ "ابن الله" أن يضفي عليه صفة الألوهية ويرفعه إلى مقام الألوهية.
والآن سؤال آخر لجائزة المليار دولار:

(كيف تكون المسيحية بدون عقيدة الثالوث ؟)

  حجج إضافية في تفنيد عقيدة الثالوث

       لم يُشر إلى عيسى  ولا مرة واحدة أنه "الإله الابن"، وإنما كانت الإشارة إليه على أنه "ابن الله". وتكررت هذه الإشارة في العهد الجديد 68 مرة مما يدل على أن عيسى  ليس إلهاً على وجه الإطلاق. أما القول بأن الإشارتين واحدة وبنفس المعنى فإنما ذلك يكون إبطالاً لقواعد اللغة واعتبارها بلا فائدة كأداة للاتصال بين الناس.[vi]
       كانت لعيسى  بدايته لأنه مخلوق من الله. فلم يكن عيسى  هو المساوي في الأزلية مع الله، أو المساوي لله تعالى بأي معنى من المعاني, فلقد كان دائمًا خاضعاً لإرادة الله وظل خاضعاً لها.
       وكان تعريف "آريوس" لله أنه (agenetos) بمعنى المصدر النهائي لكل شيء، وهو سبحانه وتعالى ليس له أي مصدر. وهذا يميز الله سبحانه بتكوينه الجوهري عن كافة الأشياء الأخرى. أما لفظ (Logos) أو "الكلمة" المذكور بإنجيل يوحنا فيستمد وجوده من الله، وبالتالي لم يكن هو الله على الإطلاق[vii].
       وعقيدة الثالوث انحراف واضح عن أصل تعاليم أنبياء الله, بينما عبادة الله طبقاً لإرادته سبحانه ما هي إلا رفض عقيدة الثالوث برمتها، "لأن الله ليس إله تشويش بل إله سلام". (1 كورنثوس 33:14).
       ويكتب جون بيكرJohn Baker)) "إن عيسى لم يعتبر نفسه "الرجل الكامل (Everyman), أو "المخلّص للعالم" ولا حتى أنه كائن إلهي له وجود سابق وآت من السماء". ويقر الكاتب بأن عيسى "أخطأ بشأن البرنامج الذي خططه الله تعالى للعمل به" وأردف الكاتب قائلاً:   " إن "الوقوع في الخطأ بخصوص تفاصيل المستقبل هو "سمة من سمات الطبيعة البشرية" التي أمكن التغلب عليه باستثمار عيسى في إطار جملة قوى "فوق بشرية (superhuman powers) قد تكون تمكنت في الواقع من تحقيق الأحلام القديمة للوثنية المنهكة غير أنها طردت تماماً أى تجسيد حقيقي لله."[viii]
       وقد كتب ذلك جون هيكJohn Hick) ) في مقدمة كتابه "خرافة الإله المجسد" (The Myth of God Incarnate)، بعد أن أدرك هذه الحقيقة الناصعة،  أنه "نتيجة لاتساع العلم بأصول المسيحية، نشأت الحاجة المتزايدة واقتضت الاعتراف بأن عيسى هو كما هو مبين في (أعمال 21:2). "إنسان موافق عليه من الله". وله دور خاص وفق الغاية الإلهية، وأن الفكرة الأخيرة عنه كإله مجسد والشخصية الثانية في الثالوث المقدس يمارس عيشة بشرية ما هي إلا طريقة أسطورية أو شعرية للتعبير عن معناه لنا."[ix]
       وتذكر العقيدة المسيحية أن "الثلاثة أشخاص" متحدون في جسد واحد فقط "ثلاثة في إله واحد". فكيف يمكن لأي عضو في الثالوث أن يكون إلهاً كاملاً بينما كل منهم في الواقع هو ثلثٌ في الألوهية ؟. ومن المحال و المنافي للعقل أيضا الاعتقاد بأن كل واحد هو إله كامل في حين أن الثلاثة مجسمون في كائن واحد وبالتالي جميعهم يعتبرون إلهاً كاملاً.
       ونكرر عندما كان عيسى  على الأرض لم يكن إلهاً كاملاً، ولا كان "الآب في السماء" إلهاً كاملاً أيضاً، وإلا تناقضت أقوال المسيح  حيث يقول في (يوحنا 17:20) "إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم". فإذا كان الله ثلاثة في واحد فمن هو الإله الذي كان في السماء في مدة الثلاثة أيام التى كانت بين عملية الصلب المزعومة وبين عملية البعث ؟ ومن كان الإله حينما كان عيسى جنيناً في بطن مريم ؟
       فلو كانت تللك العقيدة في تعاليم عيسى  لبين ذلك بنفسه بعبارات واضحة، في حين أن لفظ "ثالوث" لم يكتب في الكتاب المقدس، وإنما المكتوب في (مرقس 29:12) "الرب إلهنا رب واحد".
       لم يفكر كثير من المسيحيين في الأزمة التى نتجت عن عقيدة:  الثلاثة في إله واحد (الثالوث), إذ كيف يمكن ارضاء الله أوعبادته بينما أحدهم غير واضح وغير محدد. فمن هو الله الحق؟.
       "تقول لنا الفلسفة إنه لا يمكن لكائن خرج منه كائن آخر واستمر وجوده كفرد مستقل... أن يصبح مساوياً وشريكاً، وأن ينظر إليه على أنه كامل. إن إلحاق ابن بالله هو نفى لكمال الله "[x].
       إن رفع عيسى  إلى مقام الله يعتبر تجديفاً بالغاً ضد الله الواحد الحق، بينما فصل عيسى عن الألوهية لايقلل من منزلة عيسى وإنما يضعه في أنبل مكان كنبي عظيم ورسول الله.
       قال تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"[xi]. (سورة التغابن 2).


[i]  طبعة الكتاب المقدس (RSV) و(NIV) بالانجليزية.
(36) Revised Standard Version (RSV), Translated from the original languages being the version set forth A.D. 1611. Revised A.D. 1881-1885 and A.D. 1901 compared with the most ancient authorities and revised A.D. 1946-1952. Second edition of the New Testament A.D. 1971; the New International Version (NIV), copyright 1973, 1978, 1984 by International Bible Society, 144 Tices Lane, East Brunswick. NJ 08816); New World Translation of the Holy Scripture 1984, Watchtower Bible and Tract Society of New York, Inc., International Students Association, Brooklyn, New York, U.S.A.
[ii]  العهد الجديد بالإنجليزية.
(37) The New Testament – A New Translation and Explanation Based on the Oldest Manuscripts (a translation from German Into English; 1937), by Johannes Greber.

[iii]  (New World Translation) نيويورك 1961 (الكتاب المقدس).
(38) New World Translation (New York; 1961).

[iv]  A.M. TRUST ,BURNABY
 (39) A.M. TRUST, POST BOX 81075, BURNABY, B.C. V5H
 4K2 Ph. 298-8803
[v]  سورة البقرة الآية 114.
(40) Surah 'Al-Baqarah, 2:117, The Qur'an
[vi]  انظر هامش (1) اعلاه ص5.
(41) Victor Paul Wierwille: "Jesus Christ is not God", American Christian Press, The Way International, (1975) New Knoxville, Ohio, p. 5.
[vii]  انظر هامش (31) اعلاه ص 26.
(42) John Hick: "The Myth of God Incarnate", SCM PRESS LTD., 58 Bloomsbury Street, London WC1, Sixth impression 1981, under the title: "A Cloud of Witnesses", by Francis Young, p. 26.
[viii]  انظر هامش (31) اعلاه ص 6.
(43) John Hick: "The Myth of God Incarnate", SCM PRESS LTD., 58 Bloomsbury Street, London WC1, Sixth impression 1981, p.6, under the title: "Christianity Without Incarnation", by Maurice Wiles.
[ix]  المرجع السابق الجزء 3 ص1.
(44) Ibid, 3rd par, p. 1.
[x]  (Berson)(التطور الخلاق) المكتبة الحديثة.
(45) Cf. Berson, The Creative Evolution, Modern Library.

[xi]  سورة التغابن الآية 2.
(46) Surah "Taghabun", 64:2, The Holy Qur'an, English Translation of the meanings and commentary, p. 1756.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق