الاثنين، 7 ديسمبر 2015

الشبهة الثانية(أن الله تعالى " أباه ")



الشبهة الثانية(أن الله تعالى " أباه ")
تأكيد عيسى عليه السلام مراراً على أن الله تعالى " أباه "


بسط هذه الشبهة :

جاء في مواضع عدة من الإنجيل تعبير المسيح عليه السلام عن الله سبحانه و تعالى: بـِ "أبي" أو "الآب" فقالوا إن هذا يدل ـ حسب ظاهره ـ على أن الله تعالى أبو عيسى عليه السلام الحقيقي و بالتالي فعيسى مولود منه فهو إله مثل أبيه! تعالى الله عما يصفون. و فيما يلي بعض آيات الإنجيل التي ورد فيها هذا التعبير:

(1) في إنجيل متى: " ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات " متى: 7 / 21.

و فيه أيضا: " كل شيء قد دفع إلي من أبي و ليس أحد يعرف الابن إلا الآب و لا أحد يعرف الآب إلا الابن و من أراد الابن أن يعـلن له " متى: 11/27.

و فيه أيضا: " و أما ذلك اليوم و تلك الساعة فلا يعلم بهما أحد و لا ملائكة السموات إلا أبي وحده " متى: 24 / 36.

(2) و في إنجيل لوقا: " فقال يسوع: يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لايعلمون ماذا يفعلون " لوقا: 23 / 34.

و فيه أيضا: " و نادى يسوع بصوت عظيم و قال: يا أبتاه في يديك أستودع روحي " لوقا: 23 / 46.

ـ و تكرر هذا التعبير كثيرا في إنجيل يوحنا حتى لا تكاد تخلو منه صفحة منه.



الإجابة عن هذه الشبهة:

أولا: حسب الإنجيل نفسه، لم يكن عيسى يعتبر الله تعالى أباه لوحده فقط، بل كان يعتبره أيضا أبَ جميع المؤمنين أيضا، فإذا أطلق على الله تعالى عبارة " أبي" فقد أطلق مرارا كذلك عبارة: " و أبيكم "، بلا أي فرق، بل علَّم المؤمنين أن يبدؤا صلاتهم اليومية بقولهم: " أبانا الذي في السموات ليتقـدَّس اسمك.. الخ " [5] ، فإذا كانت أبوة الله لعيسى تدل على إلـهيته فإذن أبوة الله لنا تدل على إلـهيتنا نحن كذلك، و هذا أمر باطل باتفاق الجميع، فثبت أن هذه الأبوة هي أبوة معنوية، أي أبوة بالمعنى المجازي، معناها أن الله تعالى هو بالنسبة للمسيح عليه السلام و للمؤمنين، بمنزلة الأب العطوف في رحمته و رأفته و عنايته الفائقة و شفقته على أبنائه و إرادته الخير لهم، تماما كما هو المراد من بنوَّة عيسى و الأبرار الصالحين لله تعالى الذي شرحناه في جواب الشبهة الأولى.

و لمزيد من التوضيح نسوق فيما يلي بعض الشواهد الإنجيلية :

(1) في إنجيل يوحنا (20/17): " قال لها يسوع: لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي. و لكن اذهبي لإخوتي و قولي لهم: إني أصعد إلى أبي و أبـيكم و إلـهي و إلـهكم ".


قلت: ففي هذا النص ساوى المسيح بين أبوَّة الله له و أبوَّته لنا.

(2) و في إنجيل متى (5/45 و 48): "... و صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم و يطردونكم لكي تكونوا أبناء أبـيكم الذي في السموات... فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل... ".

(3) و في الإصحاح السادس فقط من إنجيل متى يتكرر لفظ الأب مضافا للمؤمنين إثنا عشر مرة حيث يقول المسيح: "و أما أنت فمتى صليتَ فادخل إلى مخدعك و أغلق بابك و صلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية، و حينما تصلون لا تكرروا الكلام باطلا كالأمم فإنهم يظنون أنهم بكثرة كلامهم يستجاب لهم. فلا تتشبهوا بهم. لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه. فصلوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السموات، ليتقدَّس اسمك... إلخ "

(4) و في إنجيل لوقا (6/36): " فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضا رحيم "

فلو كانت أبوَّة الله لشخص تفيد إلـهيته للزم ـ حسب هذه النصوص الإنجيلية ـ أن يكون كل المؤمنين آلهة! فإذا بطل هذا اللازم بطل ملزومه.

ثانيا: في الكتاب المقدس، ليس سيدنا عيسى عليه السلام وحده فقط الذي يعتبر الله تعالى " أباه " مخاطبا إياه بـِعبارة: " أبي " أو " يا أبتي " أو " يا أبتاه "، بل مثل هذا التعبير بعينه جاء على لسان بعض الأنبياء السابقين كسيدنا داود و سيدنا سليمان و سيدنا إشعيا عليهم السلام، و فيما يلي ذكر هذه الشواهد:

(1) في زبور داود عليه السلام المسمى بسفر المزامير (89/20ـ21 و26ـ27): " وجدتُ داود عبدي. بدهن قدسي مسحته. الذي تثبت يدي معه. أيضا ذراعي تشدِّده... هو يدعوني أبي أنت، إلـهي و صخرة خلاصي. أنا أيضا أجعله بكرا على ملوك الأرض ".

(2) و في سفر صموئيل الثاني (7/14) أن الله تعالى يبشِّر عبده داود عليه السلام بسليمان عليه السلام فيقول: " أقيم من يخـلُفُكَ، من نسلك الذي يخرج من صلبك، و أثبـِّت ملكه فهو يـبـني بيتا باسمي و أنا أثبـِّت عرش ملكه للأبد، أنا أكون له أبـاً و هو يكون لي ابنـاً "

(3) و في سفر إشعيا، يخاطب إشعيا الله تعالى بقوله: "... فإنك أنت أبونا. إبراهيم لم يعرفنا. و إسرائيل لم يعلم بنا. أنت يا رب أبـونا. منذ الأزل اسمك فادينا " [6] إشعيا: 63 / 16.

(4) و فيه أيضا: "... و الآن يا رب أنت أبـونـا. نحن الطين و أنت جابلنا و كلنا عمل يديك " إشعيا: 64 / 8.

ففي لغة الكتاب المقدس، درج الأنبياء على اعتبار الله تعالى أباهم لا على المعنى الحقيقي بل المجازي، فكذلك كان مقصود المسيح عليه السلام ـ الذي نشأ على تعاليم ولغة الكتاب المقدس و كان يخاطب اليهود القارئين لذلك الكتاب ـ من استخدامه هذا التعبير بعينه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق