الأحد، 6 ديسمبر 2015

(6)الأناجيل الأربعة تنفي ألوهية المسيح كما ينفيها القرآن


الأناجيل الأربعة تنفي ألوهية المسيح كما ينفيها القرآن(6)

و قد سبق و أشرت، في الفصلين الماضيين، لبعض الشواهد من الأناجيل التي تدل على ذلك، و فيما يلي إعادة سريعة لها :

(1) فقد جاء في إنجيل يوحنا أن اليهود كانوا يخاطبون النبي يحيى عليه السلام بعبارة :
"رابِّـي " (يوحنا: 3/26) ، و من الواضح أن أحدا لم يقصد ألوهية يحيى عليه السلام .

(2) كما جاء في نفس الإنجيل (يوحنا: 1/38) أيضا ما نصه:


" فقالا (للمسيح): ربِّـي!، الذي تفسيره يا معلم، أين تمكث؟ "

[ ملاحظة: جملة: (الذي تفسيره يا معلم) المعترضة، هي ليوحنا نفسه مؤلف الإنجيل و ليست لأحد من الشراح، فهي من متن الإنجيل نفسه وليست مضافة] .

(3) و جاء في إنجيل يوحنا كذلك (20 / 16) :

" قال لها: يا مريم! فالتفتت إليه و قالت له ربوني الذي تفسيره: يا معلم ".

(4) و جاء أيضا في إنجيل يوحنا (13/ 13 ـ 14)أن المسيح قال لتلامذته:

" أنتم تدعوني " المعـلِّـم و الـرب " و أصبتم فيما تقولون فهكذا أنا. فإذا كنت أنا الرب و المعلم قد غسلت أقدامكم فيجب عليكم أنتم أيضا أن يغسل بعضكم أقدام بعض ".

لكن النسخة التقليدية القديمة (البروتستانتية)للعهد الجديد ترجمت نفس تلك الآيات كالتالي:

" أنتم تدعوني معلماً و ســيـداً و حسنا تقولون لأني أنا كذلك، فإن كنت وأنا الســيـد و المعلم غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أقدام بعض"

إذاً ما ترجم بالسـيِّـد في الترجمة التقليدية القديمة، ترجم بالـربّ في الترجمة الحديثة، أي اختيرت لفظة الرب بدلا من السيد لترجمة الأصل اليوناني، مما يؤكد أن المقصود بالأصل من كلمة الرب هو معنى السيد و أنهما مترادفان.

(5) و جاء في إنجيل لوقا (20 / 41 ـ 44) أن المسيح عليه السلام قال لليهود:

" كيف يقال للمسيح أنه ابن داود و داود نفسه يقول في كتاب المزامير: "قال الرب لـربـِّي: اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك"؟ فداود نفسه يدعو المسيح ربا، فكيف يكون المسيح ابنه؟ ".

في هذا النص يستند المسيح عليه السلام لآية في مزامير داود (الزبور) يعتبرها بشارة عنه، فإذا رجعنا لمزامير داود في العهد القديم وجدنا أن البشارة هي الآية الأولى من المزمور رقم 110، و لفظها ـ كما في الترجمة الكاثوليكية الحديثة ـ:

" قال الرب لسـيّدي اجلس عن يميني حتىأجعل أعداءك موطئا لقدميك" العهد القديم / ص 1269.

فما عبر عنه المسيح بلفظة ربي هو في الحقيقة بمعنى سيدي و لا حرج فالمقصود واحد.

لذلك نجد أن الترجمات العربية المختلفة للعهد الجديد، خاصة القديمة منها كانت تستخدم لفظة السيد في مكان لفظة الرب، و لفظة المعلم في مكان لفظة رابِّـي. و فيما يلي أمثلة مقارنة تدل على ما نقول، أخذناها من ثلاث ترجمات مختلفة للعهد الجديد هي التالية (من الأقدم إلى الأحدث):

· الترجمة البروتستانتية القديمة التي قامت بها: جمعية التوراة البريطانية و الأجنبية، طبع كامبريدج، بريطانيا. و رمزتُ لها بالترجمة البريطانية البروتستانتية.

· الترجمة المسماة: كتاب الأناجيل المقدسة. طبع المطبعة المرقسية الكاثوليكية بمصر في عهد رئاسة الحبر الجليل الأنبا كيرلِـس الثاني بطريرك المدينة العظمى الإسكندرية و سائر الكرازة المرقسية، سنة 1902 مسيحية. و رمزتُ لها بالترجمة المصرية الكاثوليكية.

· ترجمة الكتاب المقدس الحديثة التي قامت بها الرهبانية اليسوعية في بيروت عام 1989 و نشرتها دار المشرق. و رمزتُ لها بالترجمة البيروتية اليسوعية.

موضع الشاهد
الترجمة البريطانية البروتستانتية
الترجمة المصرية الكاثوليكية
الترجمة البيروتية اليسوعية
إنجيل يوحنا: 1/ 49
أجاب نثنائيل و قال له: يا معلم ! أنت ابن الله أنت ملك إسرائيل.
أجاب ناثانائيل و قال له: رابي ! أنت هو ابن الله أنت ملك إسرائيل.
أجابه نتنائيل: رابي ! أنت ابن الله، أنت ملك إسرائيل.
إنجيل يوحنا: 3/ 1 ـ 2

هذا جاء إلى يسوع ليلا و قال له: يا معلم نعلم أنك قد أتيت من الله معلما لأنه ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه.
فجاء إلى يسوع ليلا و قال له: رابي ، نحن نعلم أنك أتيت من الله معلما لأنه ليس يقدر أحد  أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل ما لم يكن الله معه.
فجاء إلى يسوع ليلا و قال له: رابي ، نعلم أنك جئت من لدن الله معلما فما من  أحد يستطيع أن يأتي بتلك الآيات التي تأتي بها إن لم يكن الله معه.
إنجيل يوحنا: 4 / 11.

قالت له: يا ســيـد ! لا دلو لك و البئر عميقة فمن أين لك الماء الحي؟
قالت له الامرأة: يا ســيـدي ! إنه  لا مستقى لك و البئر عميق فمن أين لك الماء الحي؟
قالت له المرأة: يا رب ! لا دلو عندك و البئر عميقة، فمن أين لك الماء الحي؟
إنجيل يوحنا: 4 / 15.

قالت له المرأة: يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش...
قالت له الامرأة: يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش...
قالت له المرأة: يا ربّ ، أعطني هذا الماء لكي لا أعطش..
إنجيل يوحنا:4 / 49.

فقال له خادم الملك: يا ســيـد! انزل قبل أن يموت ابني. فقال له يسوع: اذهب ابنك حي !
فقال له الرئيس: يا رب ! انزل قبل أن يموت فتاي. فقال له يسوع: امض فابنك حي!
فقال له عامل الملك: يا رب ! انزل قبل أن يموت ولدي. فقال له يسوع: اذهب إن ابنك حي!
إنجيل يوحنا: 5/7

أجابه المريض: " يا سيد ، ليس لي إنسان يلقيني في البِرْكة متى تحرك الماء
أجاب المريض وقال: " يا سيد ليس لي إنسان لكي إذا تحرك الماء يلقيني في البِرْكة
أجابه العليل: " يا رب ، ليس ليمن يغطني في البِرْكة عندما يفور الماء ..
إنجيل يوحنا: 6 / 34.
فقالوا له: " يا ســيـد ! أعطنا في كل حين هذا الخبز.
فقالوا له: " يا ســيـد ! أعطنا  هذا الخبز في كل حين.
فقالوا له: " يا رب ! أعطنا هذا الخبز دائما أبداً.
إنجيل يوحنا: 13 / 36.
قال له سمعان بطرس: يا سيد إلى أين تذهب؟ قال يسوع: حيث أذهب لا تقدر أن تتبعني...
قال له سمعان بطرس: إلى أين تذهب يا رب؟ أجابه يسوع: حيث أذهب أنا لا تقدر أن تتبعني...
فقال له سمعان بطرس: يا رب إلى أين تذهب؟ أجاب يسوع: إلى حيث أنا ذاهب لا تستطيعُ الآن أن تتبعني...
إنجيل يوحنا: 14 / 5.

قال له توما: يا ســيـد ! لسنا نعلم أين تذهب فكيف نعرف الطريق؟
قال له توما: يا رب ! لسنا نعرف أين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق؟
قال له توما: يا رب ! إننا لا نعرف إلى أين تذهب فكيف نعرف الطريق؟
إنجيل يوحنا: 14 / 8.
فقال له فيليبـس: يا ســيـد ! أرنا الآب و كفانا!
قال له فيليبس: يا رب ! أرنا الآب و حسـبنا!
قال له فيليبس: يا رب ! أرنا الآب و حسـبنا!

وأكتفي بهذه الأمثلة، و الحقيقة أن هذا نجده في كل مواضع استخدام لفظة الرب في الترجمات المختلفة و القديمة بشكل خاص، و أعتقد أن ما ذكر يكفي لليقين بأن مراد كاتبي الأناجيل و رسائل العهد الجديد، و منهم بولس، من لفظة الرب، ليس إلا معنى السيد أو المعلم المُطاع أمره.

ومن ناحية أخرى إذا رجعنا إلى القاموس العبري ـ العربي [16] نرى أن لفظة الرب العبرية تعني: [[ حاخام، معلم، وزير، ضابط، سيد ]].
فإذا عرفنا أن اللغة العبرية كانت هي لغة الكتاب المقدس الأصلية ( للعهد القديم ) الذي كان مرجع مؤلفي العهد الجديد، و عرفنا أن السيد المسيح عليه السلام كان بالنسبة إليهم: المعلم الأكبر و الحاخام الأعظم، و السيد الذي تعلو سيادته و سلطانه الروحي كل سيادة في الأرض، عرفنا لماذا كانوا يطلقون عليه لفظ " الرب " و ماذا كانوا يعنون بها.

و من الجدير ذكره هنا، و هو ما قد يفاجئ القارئ، أنه حتى في اللغة العربية، قد تطلق لفظة الرب، المطلقة من غير أي إضافة، على المـلِك و السيد، كما ذكر صاحب لسان العرب حيث قال أن أهل الجاهلية يسمون الملك: الرب، و أنه كثيرا ما وردت كلمة الرب مطلقةً، في أشعارهم، على معنى غير الله تعالى [17] .
كما جاء في لسان العرب: " الرب: يطلق في اللغة على المالك، و السيد، و المدبر، و المربي، و القيِّم، و المنعم... و (عن) ابن الأنباري: السيد المطاع، قال تعالى: فيسقي ربه خمرا، أي سيده، و يكون الرب المصلح، ربَّ الشيءَ إذا أصلحه " [18] .

و قد وردت في القرآن الكريم بهذا المعنى عدة مرات، من ذلك الآيات التالية :

1. { قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون } يوسف / 23.

2. { يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا... } يوسف / 41.

3. { و قال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين } يوسف / 42.

4. { فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن } يوسف / 50.

5. و كذلك وردت بهذا المعنى في سورة التوبة في الآية:{ اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله و المسيح بن مريم و ما أمروا إلا ليعبدوا إلـها واحدا لا إلـه إلا هو سبحانه و تعالى عما يشركون } التوبة / 31.
فمن الواضح أنهم لم يتخذوا أحبارهم آلهة خالقين رازقين ! إنما اتخذوهم سادة و أرباب استسلموا لسلطتهم و أطاعوهم طاعة عمياء في كل شيء حتى في تحريم الحلال و تحليل الحرام، و تشريع العقائد الجديدة غير المنزلة،كما ورد تفسيرها في الحديث الشريف عن عدي بن حاتم ـ و كان نصرانيا فأسلم ـ قال للنبي صلى الله عليه وسلم ، لما سمعه يتلو هذه الآية: " إن النصارى لم يعبدوا أحبارهم و رهبانهم! " فأجابه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ): " بلى إنهم حرموا عليهم الحلال و أحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فتلك عبادتهم إياهم " [19] .

6. و في هذا المعنى أيضا قوله تعالى: { قل يا أهل الكتاب تعلوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } آل عمران /64.

و لا شك أنه ليس المقصود أن لا نتخذ بعضنا بعضا آلهة خالقين رازقين، بل المقصود أن لا نتخذ بعضنا بعضا سادة طغاة متسلطين نركع و نسجد لهم و نطيعهم طاعة عمياء حتى في تحليل حرام الله أو تحريم حلاله أو تقرير عقائد إيمانية غيبية ما أنزل الله بها من سلطان، كما فعل فريق من النصارى في حق الباباوات.

كل هذه الأمثلة أوردتها للتأكيد على أن لفظة " الرب " لا ينحصر معناها في الله تعالى الخالق الرازق، بل كثيرا ما تأتي بمعنى المالك الآمر و السيد المطاع. و هذا المعنى الأخير هو المراد في لغة العهد الجديد و لغة التلاميذ عندما يطلق على المسيح و هو الذي كان يعنيه بولس من لفظة الرب عندما يطلقها على السيد و المعلم الأكبر المسيح عليه السلام، فليس في هذه اللفظة أي دليل على ألوهيته.

و بهذا نكون قد فندنا جميع الشبهات، من أقوال بولس، التي يستندون إليها كنصوص دالة ـ بزعمهم ـ على إلـهية المسيح.

و بقيت عبارات يستندون إليها من مقدمة الرسالة المعروفة باسم الرسالة إلى العبرانيين، و هي أيضا لا تدل على الألوهية، و قد أعرضت عن مناقشتها لأن الرسالة من الأساس لا يُعْرَف على وجه التحديد من هو كاتبها، فإذا كان الأمر كذلك فلا داعي لمناقشة أقوال لا نعرف قائلها و لا تقوم حجية بها، إذ الحجية تقوم بكلام الله و كلام رسوله لا بكلامٍ لا يُعْرَف من قائله؟! و مجرد تلقي الكنيسة للرسالة بالقبول و عدها لها من الرسائل القانونية لا يغني شيئا عند ذوي التجرد و الإنصاف، ففي الدين، بل في أخطر مسائله، لا بد من القطع و اليقين و لا يكتفى بالظن و التخمين و الله و لي المؤمنين.
______________________

ب ـ نفي إلـهية المسيح في رسائل يوحنا :

ليوحنا، مؤلف الإنجيل الرابع، ثلاث رسائل صغيرة في كتاب العهد الجديد كما له في آخر العهد الجديد رؤيا كشفية رمزية اعتبرت سفرا إلهاميا كذلك فضمت للأسفار القانونية للعهد الجديد.

إن الإنجيل الرابع الذي ألفه يوحنا يختلف عن الأناجيل الثلاثة المتشابهة التي قبله اختلافا بينا، و هو أكثر حرصا على إضفاء هالة ألوهية على السيد المسيح عليه السلام، و إن كان صاحبه لا يدعي و لا يقول أبدا بشكل محدد أن المسيح هو الله، و لذلك فإن أغلب النصوص المتشابهة التي يستند إليها و يتمسك بها المؤلهون للمسيح مأخوذة من إنجيل يوحنا هذا [20] .

فمن هو يوحنا مؤلف الإنجيل الرابع و رسائل و رؤيا يوحنا ؟؟

سؤال اختلفت الأوساط المسيحية في الإجابة عنه منذ القديم. فالكنيسة التقليدية اعتبرت ـ منذ القرن الثاني للميلاد ـ أن يوحنا هذا، هو نفس " يوحنا بن زبدي " تلميذ المسيح المقرب و أحد الحواريين الاثني عشر. لكن دوائر مسيحية قديمة أيضا ـ و على رأسها الكاهن كايوس ـ شككت في هذا الأمر [21] .
و قد استمر هذا التشكك في بعض الأوساط المسيحية الضئيلة في كل قرن من قرون تاريخ المسيحية و حتى عصر التنوير. و في القرنين الأخيرين طرحت مسألة التحقيق في هوية يوحنا هذا على بساط البحث، و كانت النتيجة التي توصلت إليها غالبية المفكرين و النقاد المسيحيين هي القطع بأن مؤلف الإنجيل الرابع ـ و الذي هو نفسه مؤلف الرسائل الثلاث باسم رسائل يوحنا و الرؤيا الكشفية الأخروية التي في آخر العهد الجديد أيضا ـ ليس الحواري " يوحنا بن زبدي " بل يوحنا آخر متأخر لم يتتلمذ مباشرة على المسيح عليه السلام بل هو مسيحي من تلاميذ المدرسة الإسكندرية الفلسفية.
و لو أردنا أن نذكر هنا آراء أولـئك النقاد و الأدلة التي جعلتهم يذهبون إلى هذا الرأي لشط بنا القلم و خرجنا عن موضوع الكتاب، لذا نكتفي بهذه الإشارة المختصرة و نحيل الراغب بالتفصيل إلى المراجع التالية:

1 ـ كتاب
The Four Gospels تأليف:B.H.Streeter، طبع: New York , 1961 , P. 430 - 456..

2 ـ كتاب:
The Gospels , Their Origin & Their Growth تأليف: F. C. Grant، طبع: Faber & Faber , London , 1957، بحث إنجيل يوحنا فيه.

3 ـ مادة
John في دائرة المعارف البريطانية، و تقع في الجزء 13 منها.

4 ـ كتاب " ما هي النصرانية؟ " للعلامة الشيخ: محمد تقي العثماني (الباكستاني): الصفحات: 141 ـ 157.(طبع رابطة العالم الإسلامي).

5 ـ كتاب: " إظهار الحق " للعلامة الشيخ رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي: ج 1 / ص 154 ـ 167. (طبع الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية... بتحقيق د. محمد ملكاوي. الرياض).

يبتدأ مؤلف الإنجيل الرابع، إنجيله، بافتتاحية يختص بها دون سائر الأناجيل الثلاثة، و هي افتتاحية يتبادر من ظاهرها النص على إلـهية الكلمة أي المسيح، لذا كانت هذه الافتتاحية أحد أهم مستمسكات المؤلهين للمسيح من كتاب العهد الجديد، إن لم تكن، أهم مستمسكاتهم على الإطلاق.

و إنما لم أتعرض لها في الفصل الماضي خلال تفنيدي لشبهات المؤلهين لعيسى من الأناجيل، لأن هذه الافتتاحية ليست في الواقع من كلام المسيح أو تعاليم إنجيله، بل هي من كلام يوحنا، لذلك أرجأت الكلام عنها لحين كلامي عن نفي إلـهية المسيح في كلام يوحنا في هذا الفصل.

لكن قبل البدء في مناقشة و تفنيد العبارات التي يستند إليها المؤلهون للمسيح من كلام القديس يوحنا، أبدأ بذكر العبارات الصريحة الواضحة ليوحنا نفسه، التي تؤكد عبودية المسيح لله تعالى و أن الله تعالى إلـه المسيح و خالقه، متبعا نفس الأسلوب الذي اتبعته مع مناقشة عبارات الأناجيل و عبارات بولس.
______________________

القسم الأول: أقوال يوحنا الصريحة التي تنفي إلـهية المسيح و تؤكد أنه عبدٌ مخلوقٌ ِللهِ عز و جل:
(1) أما نصه على أن الله تعالى إلـه المسيح و بالتالي فالمسيح عبد مربوب لله، فقد جاء في رؤيا يوحنا الكشفية (1 / 6) حين قال:

"... و من لدن يسوع المسيح الشاهد الأمين و البكر من بين الأموات و سيد ملوك الأرض، ذاك الذي أحبنا فحلنا من خطايانا بدمه، و جعل منا مملكة من الكهنة لإلــهـه و أبــيـه... "

(2) و أما نصه على أن المسيح مخلوق لله سبحانه وتعالى ، فجاء وضحا في رسالته الأولى (2/ 1) في قوله:

" أكتب إليك ما يقول الأمين (المسيح)، الشاهد الأمين الصادق، بدء خليقة الله... "

(3) و أما أن المسيح يستمد من الله و بالتالي لا يمكن أن يكون إلـهاً لأن الله غني بذاته، فقد جاء ذلك مثلاً في رؤياه الكشفية أيضا (1 /1) حين يقول:

" هذا ما كشفه يسوع المسيح بعطاء من الله "

(4) و أما عن الغيرية الكاملة و التمايز و الاثنينية بين الله: الآب و المسيح عليه السلام فالأمثلة عليه كثيرة من كلام يوحنا نكتفي بهذا الشاهد من رسالته الأولى(2/1):

" و إن خطئ أحد فهناك شفيع لنا عند الآب و هو يسوع المسيح البار "

(5) ثم إن نفس النصوص الإنجيلية، التي استقيناها في الفصل الأول من إنجيل يوحنا، النافية لإلـهية عيسى و المثبتة لعبوديته، تصلح كذلك للكشف عن عقيدة يوحنا مؤلف ذلك الإنجيل حول عدم إلـهية المسيح إذ من البديهي أن الرجل دوَّن في إنجيله ما يعتقده أو أنه كان يعتقد بما دونه، و نكتفي هنا بإشارة سريعة لثلاث نصوص قاطعة من إنجيل يوحنا:

" قال لها يسوع: لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي. و لكن اذهبي إلى أخوتي و قولي لهم: إني أصعد إلى أبي و أبيكم و إلـهي و إلـهكم " إنجيل يوحنا:20 / 17.

" تكلم يسوع بهذا و رفع عينيه نحو السماء و قال: أيها الآب، قد أتت الساعة... و هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإلـه الحقيقي وحدك، و يسوع المسيح الذي أرسلته... " إنجيل يوحنا: 17 / 1 ـ 3.

" فقال لهم يسوع: لو كنتم أبناء إبراهيم لعملتم أعمال إبراهيم، و لكنكم الآن تطلبون أن تقـتلوني و أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله " إنجيل يوحنا:8/40.

و أعتقد أن ما ذكر أعلاه يكفي ـ لمن تجرد للحق و أنصف و جانب التقليد و التعصب ـ للتأكد من عقيدة يوحنا التوحيدية و أنه لم يعلِّم التثليث و لا أن الله هو المسيح، بل أفرد الله تعالى وحده بالإلـهية، فينبغي أن يبقى هذا بالبال عند مناقشتنا التالية للشبهات التي استندوا إليها من كلام يوحنا.
______________________
 
القسم الثاني: شبهات المؤلهين للمسيح من عبارات يـوحنا و الرد عليها


الشبهة الأولى
افتتاحية يوحنا لإنجيله التي يقول فيها: " في البدء كان الكلمة، و الكلمة كان عند الله، و كان الكلمة ا لله، هذا كان في البدء عند الله، كل شيء به كان و بغيره لم يكن شيء مما كان... و الكلمة صار جسدا و حل بيننا و رأينا مجده كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة و حقَّـاً " إنجيل يوحنا: 1 / 1 ـ 3، 14.

الرد على هذه الشبهة:

أولا: أعود و أذكر أن هذا النص ليس من كلام المسيح عليه السلام و لا من كلام أي حواري أو تلميذ مباشر من تلاميذه بل كلام مسيحي تابعي ـ إن صح التعبير ـ و فيلسوف عاش في أواخر القرن الأول و أوائل القرن الثاني فلا يحمل في طياته أية حجة إلـهية ملزمة. أما دعوى أنه كتب إنجيله بإلهام و وحي من الله فلا دليل علها إلا مجرد الظن.

و ثانيا: ما دام قائل هذا الكلام هو يوحنا، و ما دام قد ثبت معنا بالدلائل السابقة أن يوحنا هذا يؤمن بأن الله الآب هو الإلـه الحقيقي وحده و إلـه المسيح و خالقه و مرسله، فلكي يكون كلام يوحنا منسجما مع بعضه، لا بد أن يُفهَم هذا النص أو يُفسَّر على نحو يتسق و ينسجم مع عقيدته التوحيدية تلك، و هناك تفسيران محتملان لهذا النص:

التفسير المعقول الأول: هذه الافتتاحية قرأها كثير من القدماء على نحو فيه اختلاف بسيط في اللفظ، لكن مهم جدا، و قد أورد الغزالي في كتابه " الرد الجميل لإلـهية عيسى بصريح الإنجيل " اللفظ القديم الذي يمثل الترجمة الحرفية للمتن اليوناني الأصلي على النحو التالي:

" في البدء كان الكلمة، و الكلمة كان عند الله، و إلـه هو الكلمة، كان هذا قديما عند الله، كلٌّ به كان و بغيره لم يكن شيء مما كان... "

فالفرق بين الترجمتين هو في الجملة الثالثة، ففي حين تقول الترجمات الحديثة: " و كان الكلمةَ اللهُ "، تقول الترجمة الحرفية القديمة: " و إلـهٌ هو الكلمة " بتنكير إلـه.
و تذكر الكتب التي تتحدث عن تاريخ العقيدة النصرانية أن آريوس و منكري ألوهية المسيح كانوا يؤكدون على أن الترجمة الحرفية الصحيحة للأصل اليوناني هي " و إلـهٌ هو الكلمة " [22] .

و المسألة هي أن كلمة " إلـه " في اصطلاح الإنجيل ـ و اصطلاح الكتاب المقدس بشكل عام ـ لا تعني بالضرورة الله، بل تأتي أحيانا على معنى السيد و الرئيس المطاع، مثل كلمة الرب، أو على معنى الملاك العظيم. و سبق و أشرنا لذلك في الفصل الثاني و نذكر هنا مثالين على ما نقول:

(1) جاء في سفر الخروج من التوراة قول الله تعالى لموسى عليه السلام :

" قد جعلناك إلـها لفرعون و أخاك هارون رسولك " الخروج: 7 / 1.

(2) و في المزمور الثاني و الثمانين من سفر المزامير قول الله تعالى لداود عليه السلام :

" الله قائم في مجمع الله، في وسط الآلهة يقضي.. (إلى قوله): أنا قلت إنكم آلهة و بنو العلي كلكم لكن مثل الناس تموتون و كأحد الرؤساء تسقطون " المزامير: 82 / 1، 6 ـ 7.

حيث يتفق مفسروا العهد القديم أن المقصود بالآلـهة و ببني العلي هنا: الرؤساء و القضاة و الملائكة الذين هم أعضاء البلاط الإلـهي ـ إذا صح التعبير ـ، و أن لقب آلهة و أبناء الله، لهم، ليس إلا لقبا تشريفيا لا أكثر، و لا يعني أبدا أنهم شركاء الله تعالى في ذاته و إلـهيته، كيف و من تعاليم التوراة الأساسية وحدانية الله تعالى!

بناء عليه، فعبارة " و إلـه هو الكلمة " معناها: و كائنٌ روحيٌّ عظيم بل رئيسٌ للكائنات وعظيمٌ مقرب من الله هو الكلمة.

هذا و مما يرجح هذه القراءة و يوجب المصير إلى هذا التفسير، أن الترجمات الحديثة التي تذكر " و كان الكلمة الله " تجعل افتتاحية يوحنا نصا مختل المبنى غير مستقيم المعنى، بل لا معنى له و لا يصح لأن معناها يصبح هكذا:

[ في البدء كان الله، و كان الله عند الله! و كان الله هو الله، الله كان في البدء عند الله!! ]

و من البديهي أن الشيء لا يكون عند نفسه، فلا يصح أن نقول كان زيد عند زيد !!

أما على التفسير الذي ذكرناه، فإذا صار الإله المُنَـكَّر بمعنى الكائن الروحي العظيم الذي هو غير الله، صح أن نعتبره كان عند الله.

التفسير الممكن الثاني: يرى البعض أن الكلمة هي الأمر الإلـهي " كن فيكون " الذي به يخلق الله ما يشاء من الكائنات، كما جاء في سفر المزامير: " بكلمة الرب صنعت السماوات... إنه قال فكان، و أمر فوجد " المزمور: 33/6، 9.

و تصديق ذلك أننا نجد، في سفر التكوين من التوراة، أن الخلق تم بأوامر و كلمات إلـهية: " و قال الله: ليكن نور، فكان نور..... و قال الله: ليكن في وسط المياه.... فكان كذلك.... الخ " التكوين: 1 / 3، 6.

و قالوا: إن الترجمة القديمة الصحيحة لعبارة " و الكلمة صار جسدا " هي: " و الكلمة صنع جسدا " [23] أي أنه بالأمر الإلهي تم خلق إنسان بشر. فالكلمة هي الله و لكن الإنسان الذي خلق بها ليس الكلمة، و بالتالي فالمسيح مخلوق بالكلمة و ليس الكلمة ذاتها.

و منهم من يرى أن هناك محذوف تقديره:"و أثر الكلمة صار جسدا" [24] .

و على كل حال فهذه تفسيرات ممكنة و معقولة لهذه الافتتاحية، و لا ندعي أنها صحيحة قطعا، لكن نرى أن المصير لفهم توحيدي للنص واجب، بعد أن عرفنا من عبارات يوحنا السابقة، نفيه كون المسيح الله، و ذلك عندما اعتبره مخلوقا خاضعا لله مستمدا منه و بين أن اللهَ تعالى إلـهُ المسيح و أن الله هو الإلـه الحقيقي وحده.

الشبهة الثانية
قول يوحنا في رسالته الأولى (5/20): " نحن في الحق إذ نحن في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإلـه الحق و الحياة الأبدية. يا بني احذروا الأصنام. "

الرد على هذه الشبهة:

أولاً دعنا نأتي بنص العبارة من أولها، حيث يلخص يوحنا رسالته الأولى بهذه الخاتمة فيقول:

" نحن نعلم أننا من الله و أما العالم فهو كله تحت وطأة الشرير. و نعلم أن ابن الله أتى و أنه أعطانا بصيرة لنعرف بها الحق. نحن في الحق إذ نحن في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإلـه الحق و الحياة الأبدية. يا بني احذروا الأصنام".

فنقول: إن الذين يستشهدون بهذه الفقرة كنص على إلـهية المسيح، يفترضون أن الإشارة بِـ: هذا هو الإله الحق....، تعود لآخر مذكور و هو المسيح، لكن الحقيقة أن هذا مجرد تخمين و احتمال ضعيف، أما الاحتمال الأقوى بل المتعيِّن فهو رجوع الإشارة إلى هاء الضمير في كلمة ابنـه، أي إلى الله تعالى، لأن الكلام من البداية كان عن الله تعالى، و يدل عليه أيضا جملته الأخيرة: يا بَنِـيَّ احذروا الأصنام، أي أنه يقول في آخر رسالته: ليس لنا إلا إله واحد هو الله و أما بقية الآلهة فهي باطلة فاحذروها. و أقصى ما يقال هو أن ما ذكرناه إن لم يكن هو المتعين فهو بالتأكيد محتمل و مجرد احتماله يسقط استدلالهم بالآية لأنه: إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

و ليس ما ذكرناه من عدم تعين رجوع الإشارة للمسيح، شيء انفردنا به لوحدنا، بل هذا ما أشارت إليه شروح الإنجيل، فقد جاء في كتاب " تفسير الكتاب المقدس " عند شرح هذه العبارة ما نصه:

".... ثم يمضي يوحنا فيقول: هذا هو الإلـه الحق و الحياة الأبدية. و مرّة أخرى لا يكون من السهولة تبين ما إذا كان المعنِيّ هو الآب أم الابن؟ غير أنهما من التقارب بحيث يغدو الفارق ضئيلا جداً. بالنسبة إلى أقوام العالم القديم كان هناك آلهة كثيرون. بيد أن يوحنا يرى أنهم كانوا كلهم آلهة باطلة، فلا إلـه إلا إلـه واحد حق و للناس حياة أبدية فيه. " [25] .

الشبهة الثالثة
ما جاء في رؤيا القديس يوحنا الكشفية منسوبا للمسيح قوله: " أنا الألف و الياء، و الأول و الآخر، و البداية و النهاية " الرؤيا: 22 / 13.

الرد على هذه الشبهة:

الحقيقة أن هذه الشبهة واهية للغاية و بطلانها أوضح من الشمس، و ذلك لسببين: أولا أن هذه العبارات: " أنا الألف و الياء... الخ "، التي تكررت في الرؤيا عدة مرات إنما ينقلها الملاك، الذي ظهر ليوحنا في رؤياه، عن قول الله سبحانه وتعالى عن نفسه، لا عن قول المسيح عن نفسه!. نظرة بسيطة لأول مرة جاءت فيها هذه العبارة في أول إصحاح من سفر رؤيا يوحنا هذا توضح ذلك:

" من يوحنا إلى الكنائس السبع في آسية. عليكم النعمة و السلام من لدن الذي هو كائن و كان و سيأتي، و من الأرواح السبعة الماثلة أمام عرشه، و من لدن يسوع الشاهد الأمين و البكر من بين الأموات و سيد ملوك الأرض. لذاك الذي أحبنا فحلنا من خطايانا بدمه، و جعل منا مملكة من الكهنة لإلـهه و أبيه، له المجد و العزة أبد الدهور آمين. ها هو ذا آتٍ في الغمام. ستراه كل عين حتى الذين طعنوه، و تنتحب عليه جميع قبائل الأرض. أجل، آمين. " أنا الألف و الياء " هذا ما يقوله الرب الإلـه، الذي هو كائن و كان و سيأتي، و هو القدير. " رؤيا يوحنا: 1 / 4 ـ 8.

فنلاحظ بوضوح أن قائل أنا الألف و الياء هو: الرب الإلـه الذي هو كائن و كان و سيأتي، و هو غير المسيح، بدليل أنه عطفه عليه في البداية عندما قال: عليكم النعمة و السلام من الذي هو كائن و كان و.. و من الأرواح السبعة... و من لدن يسوع الشاهد...، و العطف يقتضي المغايرة.

و كذلك عندما تتكرر هذه العبارة ينبغي أن تفهم مثل هنا على أن المقصود منها هو الله تعالى.

هذا من جهة و من الجهة الثانية، فإن هذه العبارة حتى لو قلنا أنها للمسيح، فلا تتضمن نصا في تأليهه، لأنه يمكن تفسير عبارته: "أنا الأول و الآخر و البداية و النهاية" بمعنى: أنا أول خلق الله (أو بكر كل خليقة على حد تعبير يوحنا) فبهذا يكون الأول و البداية، و الحاكم يوم الدينونة بأمر الله، فبهذا يكون الآخر و النهاية لعالم الخليقة، و ما دام هذا الاحتمال وارد، فالاستدلال بالعبارة ساقط، كيف و مثل هذه العقيدة الخطيرة تقتضي الأدلة القطعية الصريحة التي لا تحتمل أي معنى آخر.

بهذا أكون قد انتهيت من مناقشة و تفنيد جميع الشبهات الواهية لمن يصرون على تأليه المسيح عليه السلام عبد الله و رسوله، سواء كانت من الأناجيل أو من رسائل التلاميذ القانونية الملحقة بها، و قل جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، و أختتم كتابي هذا بقوله تعالى:


" يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم و لا تقولوا على الله إلا الحق، إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه، فآمنوا بالله و رسله و لا تقولوا ثلاثة، انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات و ما في الأرض و كفى بالله وكيلا " النساء /171.

تم الفراغ من تحرير هذه السطور يوم الجمعة 25 7 1417 هـ.ق. في مدينة عجمان. و الحمد لله رب العالمين.

كتبه الفقير لرحمة الله تعالى و عفوه: ســعـد رســتم

--------------------------------------------------------------------------------

[1] تشبه هذه العقيدة في المسيح، لحد كبير، عقيدة فريق من فلاسفة المسلمين و من الصوفية، و فريق من الشيعة أيضا، في سيدنا محمد رسول الله ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) ، حيث يعتبرون أن أول ما فاض عن الله: النور المحمدي أو الحقيقة المحمدية، و أنه به و فيه و لأجله خلق الله سائر الكائنات، فهو أول خلق الله و السر الساري في كل الوجود، و واسطة وجود كل المخلوقات. و لعل سبب هذا التشابه بين العقيدتين، أن كليهما ناتج عن محاولة المطابقة بين العقائد الدينية و الفلسفة اليونانية، لا سيما الأفلوطينية الحديثة.

[2] يطابق هذا كلمة التوحيد و شعار الإسلام، الذي هو جميع الرسالات السماوية: لا إلـه إلا الله.

[3] توحيد الأفعال ـ مصطلح كلامي إسلامي ـ يقصد به إفراد الله تعالى وحده بالقدرة الذاتية المستقلة على الخلق و الإحياء و الإحداث و الإيجاد و الإمداد و الهداية و الضلال...، فما يحصل في الوجود من خلق و إحداث و رزق و إمداد فهو من فعل الله و خلقه و إيجاده، لا موجد غيره و لا فاعل بالاستقلال سواه، فبيده وحده الخلق و الرزق و النفع و الضر و العطاء و المنع و الهداية و الضلال و حتى أفعال العباد تمت بقوته و إرادته و مدده و مشيئته و إذنه، فلا فاعل و لا مؤثر في الوجود إلا هو أو به أي بالاستناد للاستطاعة التي منحها و المشيئة التي قدرها، و كل هذا متضمن في معنى: لا حول و لا قوة إلا بالله.

[4] يقصد "بالإنسان الباطن " الصفة العقلانية للإنسان، خلافا " للإنسان الظاهر " الذي يشير إلى جسمه الفاني،و عبارة الإنسان الباطن قريبة جدا لمعنى كلمة قلوبكم التي وردت في كلام بولس في الفقرة التي بعدها [مستفاد من حاشية العهد الجديد باختصار].
 و إذا أردنا عبارة مماثلة لذلك في لغة الإسلام أي كلام الله تعالى في القرآن المجيد فهي قوله تعالى مثلا: " إنهم فتية آمنوا بربهم و زدناهم هدى و ربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات و الأرض..." الكهف / 14. أو قوله تعالى مثلا: " أولـئك كتب في قلوبهم الإيمان و أيدهم بروح منه.." الآية، المجادلة / 22. أو قوله عز و جل: "هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمـنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم و لله جنود السموات و الأرض و كان الله عليما حكيما " الفتح / 4.

[5] هذا المجاز يستخدم حتى اليوم في العامية و الفصحى، في كثير من اللغات و منها العربية فنقول مثلا: فلان رأس تلك العصابة، أو رأس القوم، بل كلمة الرئيس إنما اشتقت من الرأس.

[6] يماثل هذا، المبدأ الإسلامي: " الرجال قوَّامون على النساء ".

[7] رومية: 1 / 7، و قورنتس الأولى: 1 / 3، و قورنتس الثانية: 1 / 2 ـ 3، و غلاطية: 1 / 3 ـ 4، و فيليبي: 1 / 2 الخ...

[8] الرسالة الأولى لتيموثاوس: 6 / 15 ـ 16. و العبارة أوردتها من النسخة البروتستانتية لأنها أوضح هنا في بيان الشاهد المطلوب.

[9]
La Sainte Bible. Traduite d`apres les Textes Originaux Hebreux et Grec. Nouvelle Version Segond Revisee. Alliance Biblique Francaise. P. 1179.

[10]
Good News Bible. Today’s English Version. United Bible Societies. 1980. The New Testament. P. 198.

[11] و مثل ذلك جاء في رسالة بولس إلى أهل قولوسي (1/15)، حيث قال عن المسيح " هو صورة الله الذي لا يُـرَى "

[12] ورد في الحديث الشريف عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خلق الله آدم على صورته ". صحيح البخاري: كتاب الاستئذان / الباب الأول. و لكن أكثر الشراح يرجعون الضمير لآدم أو للإنسان.

[13] الشاهد الأول من رسالة بولس إلى أهل قولوسي: 1 / 19، و الثاني في نفس الرسالة: 2 / 9.

[14] صحيح البخاري: كتاب الرقاق / باب التواضع (ج 7 / ص 190).

[15] راجع الصفحات: من 86 إلى 97 من هذا الكتاب.

[16] تأليف: ي افوجمان، طبع عام 1980، دار الجيل، بيروت.

[17] انظر لسان العرب لابن منظور: مادة ربب: ج 1 / ص 399.

[18] المرجع السابق:، مادة ربب، ج 1 / ص 400.

[19] تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 2 / 362، و قال عن الحديث: رواه الإمام أحمد و الترمذي و ابن جرير (الطبري) من طرق عدة.

[20] راجع الفصل الثاني، الشبهات: 3و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و 11، تجدها كلها من إنجيل يوحنا.

[21] انظر مقدمة إنجيل يوحنا في الترجمة العربية الجديدة المشروحة للكتاب المقدس التي قامت بها الرهبانية اليسوعية في بيروت و نشرتها دار المشرق، 1989. العهد الجديد: ص 287.

[22] في كتابه " مناظرة علنية مع شهود يهوه " يعترف الأب جورج عطية بأن هذه الترجمة هي الترجمة الحرفية للنص اليوناني الأصلي، إلا أنه يصر على أنه لا فرق بين " و إلـها كان الكلمة " و بين "و كان الكلمة الله "خلافا لشهود يهوه الذين يرون بيهما فرقا كبيرا و أن الترجمة الأولى الصحيحة تنفي ألوهية المسيح وتبطل التثليث. انظر ص 127 ـ 129 من الكتاب الذكور (بيروت، منشورات دار النور، 1986).

[23] انظر الرد الجميل لإلـهية عيسى بصريح الإنجيل: ص 151 ـ 152.

[24] مثل هذا الرأي قال به الد.محمد جميل غازي في كتاب " مناظرة بين الإسلام و النصرانية " ص 455.

[25] كتاب " تفسير الكتاب المقدس " تأليف: جماعة من اللاهوتيين برئاسة الد. فرانسيس دافيد سن، بيروت، دار منشورات النفير، الطبعة الأولى 1988. ج 6 / ص 714.

المراجع
أولا: كتب النصوص المقدسة:

1. القرآن الكريم

2.كتب الحديث النبوي الشريف: الصحيحين و السنن و مسند أحمد و الجامع الصغير للسيوطي.

3. الكتاب المقدس (العهد القديم و العهد الجديد): الطبعات التالية:

1) الطبعة البروتستانتية، نشر دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، بيروت 1984. (و هذه هي النسخة الأساسية التي اعتمدت عليها)

2) الطبعة البروتستانتية التقليدية القديمة، نشر جمعية التوراة البريطانية و الأجنبية، طبع كامبريدج، بريطانيا العظمى.

3) الترجمة العربية الجديدة الكاثوليكية المشروحة للكتاب المقدس التي قامت بها الرهبانية اليسوعية في بيروت و نشرتها دار المشرق، بيروت 1989.

4)
La Sainte Bible. Traduite d`apres les Textes Originaux Hebreux et Grec. Nouvelle Version Segond Revisee. Alliance Biblique Francaise Paris, 1978.

5)
Good News Bible. Today’s English Version. United Bible Societies. 1980.

4. كتاب العهد الجديد: الطبعات التالية:

1) البشرى: ترجمة جديدة للعهد الجديد للغة العربية من اللغات الأصلية، نشر جمعيات الكتاب المقدس المتحدة، بيروت، 1988.

2)كتاب الأناجيل المقدسة: طبع المطبعة المرقسية الكاثوليكية بمصر، سنة 1902م


ثانيا: بقية المراجع:

1. إظهار الحق: رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي الكيرانوي العثماني، تحقيق الدكتور محمد ملكاوي، نشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية و الإفتاء و الدعوة و الإرشاد. الرياض.

2. تفسير القرآن العظيم: ابن كثير.

3. تفسير الكتاب المقدس: جماعة من اللاهوتيين برئاسة الد. فرانسيس دافيد سن، بيروت، دار منشورات النفير، ط 1، 1988.

4. التوحيد و التثليث: العلامة الشيخ محمود جواد البلاغي، طهران.

5. الرد الجميل لإلـهية عيسى بصريح الإنجيل: الإمام أبي حامد الغزالي، بتحقيق الد. محمد الشرقاوي، ط2 القاهرة، 1986.

6. سوسنة سليمان في أصول العقائد و الأديان: نوفل أفندي نوفل، طبع المطبعة الأمريكية في بيروت عام 1922.

7. عيسى يبشِّر بالإسلام: للبروفيسور الهندي الدكتور محمد عطاء الرحيم، و الذي ترجمه إلى العربية الدكتور (الأردني) فهمي الشما.

8. الفارق بين المخلوق و الخالق: العلامة عبد الرحمن الباجه جي زاده. تصحيح و مراجعة عبد المنعم فرج درويش. دبي، 1407 هـ ـ 1987 م

9. القاموس العبري العربي: ي افوجمان، طبع دار الجيل، بيروت، عام 1980.

10.لسان العرب: العلامة ابن منظور الأفريقي.

11.ما هي النصرانية؟: الشيخ محمد تقي عثماني (الباكستاني)، طبع و نشر رابطة العالم الإسلامي.

12.محاضرات في النصرانية: الأستاذ محمد أبو زهرة، القاهرة.

13.مناظرة بين الإسلام و النصرانية: نشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية و الإفتاء و الدعوة و الإرشاد. الرياض.

14.مناظرة علنية مع شهود يهوه: الأب جورج عطية، بيروت، منشورات دار النور، 1986.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق