الأربعاء، 9 ديسمبر 2015

15- شبهات متفرَّقات عن المرأة المسلمة



15- شبهات متفرَّقات عن المرأة المسلمة 


(أ) مرور المرأة.. هل يقطع الصلاة؟

يثير الخصوم ضجة حول حديث جاء في "صحيح مسلم" مضمونه أن مرور الكلب الأسود أو الحمار أو المرأة يقطع الصلاة، ويستنكرون وضع المرأة مع الكلب والحمار في مكان واحد!!
وللرد على هذا نقول أولاً: أن فريقٌا من العلماء أكدوا أن هذا الحديث منسوخ - أي لا يُعمل بحكمه - نسخه حديث أبى داود: "لا يقطع الصلاة شيء وادرأوا ما استطعتم".
ونقول ثانيًا: أنه قد صحَّت أحاديث موقوفة عن عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب وابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم - تنص على أنه لا يقطع الصلاة شيء. وكذلك روى البخاري عن ابن شهاب أن الصلاة لا يقطعها شيء.
وقال الإمام النووي في شرحه للحديث المذكور في "صحيح مسلم": قال مالك والشافعي وجمهور العلماء من السلف والخلف: لا تبطل الصلاة بمرور شيء من هؤلاء أو غيرهم. وفسَّرَ هؤلاء الحديث الشريف بأن المراد منه نقص الصلاة لشغل القلب بهذه الأشياء وليس المراد إبطالها.
وليس أدل على نسخ هذا الحديث من استنكار السيدة عائشة للمعنى الذي يذهب إليه الجهلة أو المغرضون.. روى الإمام البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أنه ذُكر عندها ما يقطع الصلاة فقالوا يقطعها الكلب والحمار والمرأة. قالت: لقد جعلتمونا كلابًا!! لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى وإني لبينه وبين القبلة وأنا مضطجعة على السرير فتكون لي الحاجة فأكره أن أستقبله فأنسلّ انسلالاً. وفى رواية أخرى عند البخاري أيضًا قالت مستنكرة: شبَّهتمونا بالحُمُر والكلاب!! والله لقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلى وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنسلُّ من عند رجليه.
وروى البخاري أيضًا عن زوجة أخرى للنبي - عليه السلام - هي السيدة ميمونة بنت الحارث - رضي الله عنها - قالت: "كان فراشي حيال مصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فربما وقع ثوبه علىَّ وأنا على فراشي". وفى رواية ثانية للبخاري قالت ميمونة - رضي الله عنها -: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلى وأنا إلى جنبه نائمة فإذا سجد أصابني ثوبه وأنا حائض".
وفى كل هذه الأحاديث ما يثبت أنه - عليه السلام - لم يجد بأسًا في وجود امرأة أمامه أو بجواره وهو يصلى.
وطبقًا لهذه الأحاديث الصحاح فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقطع صلاته لوجود أي من زوجتيه أمامه. والسُّنَّة الفعلية - أي فعله عليه السلام - هي أقوى دليل على عدم قطع الصلاة بمرور المرأة. كما أن إنكار السيدة عائشة - رضي الله عنها - لتشبيه النساء بالكلاب والحمير قاطع الدلالة على أنه - صلى الله عليه وسلم - بما عرف عنه من خلق عظيم يستحيل أن يساوى بين المرأة - وهى إنسان كرَّمه الله على سائر الكائنات - وبين الحيوانات، وهو الذي أوصى بتكريمها طوال عمره.
وإذا كان لكاتب هذه السطور أن يضيف شيئًا فإنني أعتقد أنه لا بُدَّ من قراءة هذا الحديث على ضوء مفهوم الصلاة في الإسلام. فالصلاة صلة بين العبد وربه، وهى دعاء وابتهال ومناجاة، فهي صلة روحية متجددة بين العبد الضعيف الفقير والرب العلى الكبير. وينبغي للمسلم أن يتفرَّغ لها، ويبتعد عن كل ما يشغله عن مناجاة ربه بكل كيانه وجوارحه. 
إنك حين تكون واقفًا بين يدي ملك أو رئيس في الدنيا، أو صديق حميم لم تَرَه منذ زمن، أو تريد الاختلاء بزوجتك المحبوبة لا تطيق أن يُكدَّر صفو هذا اللقاء أو أن يشغلك عنه أحد.. فما بالك بمناجاة المحبوب الأعظم، ملك الملوك، الذي بيده كل أمرك ومصيرك وسعادتك في الدنيا والآخرة؟!!
هكذا يمكن أن نفهم لماذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الأمور الثلاثة كأمثلة لما يقلِّل تركيز المصلى أثناء الصلاة، ويشتّت انتباهه، ويخرجه من الجو الروحاني الصافي إلى أشياء مادية دنيوية فانية قد تشغله عما هو أعظم وأرفع وأبقى.
ويجب أن نفهم أيضًا أن مرور المرأة بين يدي المصلى يماثله في الآثار السلبية مرور رجل بين يدي المرأة التي تصلى.. فقد يشتِّت انتباهها ويقلِّل تركيزها في الصلاة بذات المنطق ولذات العلة.. وفى كل الأحوال نذكِّر الجميع بأن الأغلبية الساحقة من فقهاء السلف والخلف لا يعتبرون مرور المرأة بين يدي المصلى سببًا لبطلان الصلاة، بل سبب فقط لنقص الأجر لقلة التركيز فيها.
وهناك حديث شريف يوضح أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها أخرجه الألباني في السلسلة الضعيفة، وحديث آخر عند الإمام أحمد قال فيه  صلى الله عليه وسلم عن العبد المنشغل عن صلاته: "إن العبد ليصلى الصلاة ما يكتب له منها سوى عشرها تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها". وهو هنا سينشغل بمرور أحد من الجنس الآخر حتمًا فيقل ما يعقله من صلاته.
وهذا دليل على أن مفهوم الحديث هو الحث على تجنب مرور شيء أو أحد بين يدي المصلى، أي: في المسافة بين قدمي المصلى وموضع سجوده، وهى تعادل حوالي المتر تقريبًا.. وهو إرشاد للجميع من الجنسين بوجوب الحرص على احترام الصلاة، وعدم التسبُّب في تقليل أجر المصلى بتشتيت انتباهه بأية وسيلة ومنها مرور الجنس الآخر في تلك المسافة القليلة أمامه. وكذلك يحظر التشويش على المصلى ولو بقراءة القرآن بجواره بصوت مرتفع.
وهناك قاعدة عامة تحظر المرور بين يدي المصلى على الجميع، وتقرِّر أن للمصلى أن يدفع من يحاول المرور بينه وبين موضع سجوده إذا كان قد وضع سُتْرَة - أي علامة - لتنبيه المارة، بل يجوز للمصلى - إن أبى المارُّ بين يديه إلا المضي في ذلك - أن يقاتله؛ لأنه يرتكب فعلا مُنْكَرًا بإصراره على تعكير جو الصلاة الروحاني كما أسلفنا. وحديث النهى عن المرور بين يدي المصلى رواه البخاري في باب: (إثم المار بين يدي المصلى).
ولا يمكن إنكار أن مرور امرأة جميلة مباشرة في تلك المسافة القريبة جدًّا من الرجل المصلى سوف يتسبَّب في لفت انتباهه إليها خاصة إذا كان شابًّا في عنفوان الصبا ولم يتزوَّج بعد. وذات الأمر إذا كان المار شابًّا أمام أعين النساء. والقول بعدم حدوث ذلك هو مغالطة سافرة تخالف واقع البشر في كل مكان وزمان وخاصة الشباب من الجنسين.
وإذا نجح البعض في غض بصره وتجاهُل مرور الجنس الآخر أمامه فإنه سوف ينشغل نفسيًّا وذهنيًّا - ولو لثوانٍ - بالضيق والغضب من تلك أو ذلك المار أمامه الذي أفسد عليه صفاء ونعيم القرب من الله ومناجاته والتذلل بين يديه
وهكذا يتَّضح أن الحديث الشريف ليس فيه أي انتقاص للنساء، بل هو إرشاد نبوي كريم للجنسين بمراعاة خصوصية الصلاة، ووجوب توفير الهدوء والروحانية اللازمة لأدائها، وعدم التشويش على المصلى بأية وسيلة مثل المرور بين يديه. 

(ب) هل النساء أكثر أهل النار؟!

يثير الحاقدون شبهة حول الحديث الشريف الذي عند البخاري باب: كفران العشير، وقال فيه عن النار "ورأيت أكثر أهلها النساء..." وعلَّله بإنكارهن حسن العشرة.

ونقول أولاً: الله  سبحانه وتعالى  حكم عدل لا يظلم أحدًا بسبب جنسه أو لونه أو أية مقاييس أخرى من هذا القبيل.. ﴿ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ [ق: 29]. وعلى ذلك فإن أية امرأة سوف تدخل الجنة أو النار جزاء ما قدمت في الحياة الدنيا من خير أو شر، وهو ذات المعيار الذي يحاسب الله به الرجال أيضًا. ويقينًا فإن من يدخل النار سوف يكون مستحقًّا لذلك بسوء عمله - ذكرًا كان أم أنثى - إلا أن يشمله الله برحمته وكرمه وإحسانه.
ثانيًا: سياق الحديث الشريف في الرواية الأخرى الصحيحة أيضًا يدل بوضوح على أنه جاء على سبيل التحذير للنساء من أخطاء شائعة بينهن مثل إنكار معروف الزوج وحسن عشرته بمجرد أن تغضب منه لأي سبب ولو كان تافهًا.
كما أن أمره الشريف لهن في ذات الحديث بالصدقة يثبت بوضوح أنهن يستطعن الإفلات من النار بالإكثار من الأعمال الصالحة وخاصة الصدقة، فالأمر ليس قدرًا محتومًا عليهن، وإلا لما كان للأمر بالصدقة هنا أية فائدة. وصدقة السرِّ تطفئ غضب الرب كما ورد في حديث آخر صحّحه الشيخ الألباني - رحمه الله - بمجموع طرقه وشواهده، وهناك حديث ثالث: "اتقوا النار ولو بشق تمرة" رواه البخاري وغيره. إذًا يمكن للنساء تجنب النار بالإكثار من الصدقة. 
وهكذا يتَّضح بجلاءٍ أن الأمر لا يعدو كونه تحذيرًا لهن من المعاصي.. بل إن هذا الحديث الشريف ذاته يعتبر دليلاً على حرص الإسلام الشديد واهتمامه بالنساء، فإنك لا تُحَذِّر أحدًا من خطر يُهَدِّدُه إلا إذا كنت تُحبُّه وتحرص عليه وتهتم بأمره، وهكذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحذيره للنساء من النار في هذا الحديث. وقد فهمت صحابيات جليلات هذا المعنى فقلن في حديث البيعة: "الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا".
ثالثًا: إن اللفظ الذي استخدمه النبي - عليه السلام - هنا هو "أكثر"، والأكثرية قد تتحقق بالنصف +1. فيحتمل أن يكون النساء 51% من عدد أهل النار، بينما يكون الرجال 49% وبذلك فإن الفارق بينهما يكون ضئيلاً رغم أن الأكثرية من النساء. ولو كان المقصود غير ذلك لاستخدم الرسول - وهو الذي أوتى جوامع الكلم - لفظًا آخر مثل: كل أهل النار أو الأغلبية الساحقة من أهل النار أو غير ذلك. إذًا فاستخدام لفظ: "أكثر أهل النار" يشير إلى أن الفارق لن يكون هائلاً بين أعداد الرجال والنساء؛ لأن الأكثرية كما أشرنا قد تتحقق لهن بفارق ضئيل.
رابعًا: نُجدِّد هنا الإشارة إلى ضرورة فهم النصوص مجتمعة، فهي كلها مع بعضها البعض تشكل نظامًا تشريعيًا متكاملاً. ومن الخطأ الفادح اقتطاع نص واحد أو جزء من آية أو حديث ثم إثارة الشكوك والغبار حوله مع تجاهل باقي النص أو النصوص التي توضح المقصود وتلقى الضوء على المعاني الحقيقية للنص.
والمثال واضح هنا أيضًا، فهناك حديث صحيح آخر عند البخاري ومسلم وغيرهما يثبت أن أعداد الرجال في تناقص مستمر، وأعداد النساء في تزايد مطَّرد، وسوف يكون من العلامات الصغرى للساعة أن يتسع الفارق الهائل بين أعداد الرجال وأعداد النساء - بسبب الحروب وغيرها - حتى تكون النسبة العددية هي 1 إلى 50، أي رجل واحد مقابل خمسين امرأة. وعلى هذا الأساس فمن الطبيعي أن تكون أعداد النساء في النار أكثر من أعداد الرجال، وكذلك أعدادهن في الجنَّة أيضًا. وهكذا فإن حديث علامات الساعة الصغرى كاف تمامًا لتفسير سبب زيادة أعداد النساء في النار على أعداد الرجال؛ لأن هذا هو الحال في الحياة الدنيا، فلا غرابة أن يكون الأمر على ذات المنوال في الآخرة.
وقد تنبه إلى هذا بعض علماء السلف - رضي الله عنهم - رغم عدم وجود وسائل حديثة للإحصاء في زمانهم، ومنهم القاضي عياض - رضي الله عنه - الذي قال: "النساء هم أكثر ولد آدم". وقال كثير من علماء السلف أيضًا أن أكثر أهل الجنة من النساء، فلماذا لا يذكرون هذه كما ذكروا الأخرى؟!!
خامسًا: ولماذا يُصر الحاقدون والجهلة على النظر دائمًا إلى نصف الكوب الفارغ؟! ولماذا يتجاهلون العديد من النصوص الأخرى التي تنص صراحة على وجوب الجنة للنساء الصالحات.. ألم يضرب الله مثلاً للذين آمنوا باثنتين من النساء هما السيدة مريم والسيدة آسيا وهما امرأتان في الجنة، بينما فرعون وهامان وقارون رجال لكنهم في النار؟!! ألم يُبشِّر الله السيدة خديجة بنت خويلد ببيت في الجنة وهى امرأة؟! أَوَلَيْسَ الجزاء واحدًا للجنسين ثوابًا أو عقابًا؟!
ولدينا الكثير من الأحاديث التي نصت صراحة على أن المرأة تدخل الجنَّة مثل الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان الذي أوجب الجنَّة للمرأة التي تصلى فرضها وتصوم شهرها وتطيع زوجها وتحصن فرجها، فهي تدخل الجنة من أي الأبواب شاءت. وكذلك حديث آخر أوجب الجنَّة للمرأة التي يموت عدد من أولادها فتصبر وتحتسب، رواه البخاري وغيره. والمرأة التي تموت في أثناء الولادة تكون من الشهداء طبقًا لما رواه أحمد والنسائي وأبو داود، والشهداء كما هو معلوم في مرتبة عليا في الجنة. وهناك حديث رابع أوجب الجنة للأرملة التي تصبر على محنة موت زوجها وتجاهد لتربية أطفالها الأيتام وتأديبهم حتى يكبروا والحديث رواه أبو داود. وهناك الحديث الشريف الذي أكد أن كل زوجة تموت أو يموت زوجها وهو راضٍ عنها تدخل الجنَّة، وهو حديث رواه الترمذي وحسّنه ونصه: "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنَّة".
ولو شئنا لأوردنا الكثير من النصوص ولكن يكفى هذا القدر لمن أراد الحقيقة بإخلاص وتجرد عن الحقد والهوى.. 

(ج) حظر زواج المسلمة بغير المسلم

يتساءل كثير من غير المسلمين: لماذا أباح الإسلام للرجل المسلم أن يتزوج من نصرانية أو يهودية بينما يمنع المرأة المسلمة من الزواج برجل غير مسلم؟ والجواب على هذا السؤال يأتي على ضوء الفارق الهائل في العقيدة بين المسلم وغيره. فمن ناحية يؤمن المسلم بكل الرسالات والكتب السماوية الأخرى، ويفرض عليه الإسلام الاحترام الكامل والمحبة الخالصة لعيسى وموسى وغيرهما من الأنبياء والرسل - على نبينا وعليهم جميعًا الصلاة والسلام - وكذلك يمنعه الإسلام من فرض عقيدته على زوجته - إن كانت نصرانية أو يهودية - بالقوة، لأنه: ﴿ لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغىِّ [البقرة: 256]. وعلى الزوج أن يسمح لها بممارسة طقوس عبادتها، ولا يملك منعها من الذهاب إلى الكنيسة أو المعبد إن أرادت ذلك. ثم إن إيمانه برسالة عيسى وموسى سوف يجعله لا يذكر أيًّا منهما إلا بكل تقدير واحترام وأدب، وبذلك لن تتأذَّى زوجته الكتابية أبدًا.. ونلاحظ أيضًا أن الإسلام يعطى الزوجة غير المسلمة ذات الحقوق التي كفلها للزوجة المسلمة من نفقة وحسن معاشرة وغير ذلك. وأخيرًا فإن الزوجة الكتابية لن ينعقد زواجها بالمسلم إلا برضاها وموافقتها، كما أنها تملك المطالبة بالطلاق أو الخلع في أي وقت إن لم ترغب في البقاء مع زوجها.. وعلى ذلك يكون زواج الكتابية من المسلم مصدر خير وسعادة لها من كافة الأوجه، ولا توجد فيه أية أضرار على عكس الحالة الأخرى وهى زواج مسلمة من غير المسلم.
إن غير المسلم لا يؤمن بنبوة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا يؤمن بأن القرآن الكريم هو آخر الكتب السماوية التي أنزلها الله - تعالى - كما أنه يستبيح شرب الخمر وأكل لحم الخنزير وهما محرَّمان في الإسلام، وغالبًا لن يقبل أن ترتدي زوجته الحجاب. ولو تزوَّج هذا الرجل بمسلمة، فلا شك أن كثيرًا من المشاكل الطاحنة سوف تُدَمِّر حياتهما معًا.. يكفى أن تبدر منه كلمة أو تعليق ساخر على صلاتها أو حجابها أو تلاوتها للقرآن الكريم أو نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - فيصيبها بأذًى وضرر نفسي بالغ، ولا شكَّ أيضًا أن تكرار هذه المواقف والكلمات من جانبه سوف يُنشىء حاجزًا نفسيًّا بينهما، وإذا استمر الشقاق والخلاف والأذى والإيلام النفسي للزوجة على هذا النحو فهل يظن أحد أن تنجح تلك الزيجة أو أن تستمر؟! هل يمكن لمنزل كهذا أن تحل به السعادة والاستقرار والسكينة اللازمة لأسرة ناجحة وأطفال أسوياء؟!
إن الإسلام العظيم يؤسس العلاقة الزوجية السعيدة على المودة والرحمة وأن يسكن كلاهما إلى الآخر.. فأية مودة وأي سكن يمكن أن يوجد بين مسلمة تحب رسولها وقرآنها وتحب وتحترم أيضًا عيسى وموسى، بينما زوجها غير المسلم يَسُب و يَسْخَر من دينها وكتابها ونبيها إن لم يكن صراحة فبالتلميحات الخبيثة والإشارات الجارحة المؤذية لمشاعر تلك المسكينة؟!
أليس واجبًا على التشريع الإسلامي أن يحميها من كل هذا الأذى والعناء والاضطراب النفسي والعائلي، وأن يحمى أطفالها كذلك بمنع قيام تلك الزيجة الفاشلة، والوقاية خير من العلاج كما يقولون؟!!
إن ما يحدث الآن في الغرب خير دليل على عظمة تشريع الإسلام الذي منع زواج غير المسلم من امرأة مسلمة.. فكما هو معروف تبلغ نسبة من يعتنقن الإسلام في الغرب أربعة أخماس المسلمين الجدد.. وكثير ممن أسلمن هن من المتزوجات بغير مسلمين، ومعظم المسلمات الجدد يلقين من الأذى واضطهاد الأزواج غير المسلمين ما الله به عليم.. وانتهت أغلب الزيجات بالطلاق أو الانفصال، وبعضهن استشهدن نتيجة إقدام أزواجهن الحاقدين على قتلهن، وكثيرات تعرضن لجراح خطيرة أو ضرب مُبِّرح بسبب إسلامهن!! فأية حياة تلك لمسلمة مع حاقد كافر؟!! 

(د) هل هي شؤم؟! 

هناك شبهة أخرى حول حديث شريف ورد في "صحيح البخاري" و"سنن أبى داود" وغيرهما حول الشؤم في الدار والفرس والمرأة. والحديث رواه رجال السُنَّة بروايات عديدة.
وينبغي لفهم الحديث على الوجه الصحيح أن يدرس الباحث كل الروايات ولا يركز فقط على رواية واحدة للحديث الواحد لإثبات وجهة نظره كما يفعل الخصوم. وكذلك ينطبق هنا أيضًا ما قلناه من قبل عن ضرورة دراسة أي حديث على ضوء النصوص الأخرى المرتبطة بموضوعه، فلا يجوز اقتطاع حديث واحد بمعزل عن باقي الأحاديث وآيات القرآن الكريم التي تتناول ذات الموضوع. وحكاية شؤم المرأة هذه خير دليل على ما نقول.. فقد عمد المضلِّلون إلى رواية واحدة يتصايحون حولها ويتعمدون عدم ذكر روايات أخرى لذات الحديث، وكذلك أحاديث أخرى مرتبطة بالموضوع؛ لأنها سوف تفضح أكاذيبهم وافتراءاتهم. مثلاً لا يذكرون رواية أخرى لذات الحديث في "صحيح البخاري" نصها: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: ذكروا الشؤم عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي: "إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس"، والرواية التي تليها عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن كان في شيء ففي الفرس والمرأة والمسكن". كما يتجاهلون أيضًا الرواية التي في "سنن أبى داود" ونصها: عن سعد بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "لا هامة ولا عدوى ولا طيرة، وإن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار" والطيرة هي التشاؤم. ونصوص الروايات الثلاث تفيد نفى وقوع ذلك؛ لأن كل من له أدنى إلمام باللغة العربية يدرك أن استخدام تعبير "إن تكن في شيء" أو "إن كان في شيء" يثبت بوضوح أن هذا الكلام مجرد افتراض وليس بواقع.
أنه مجرد توضيح منه - عليه السلام - بذكر أمثلة لما يعكر صفو الحياة ويقلل راحة الرجل، ومنها ألا تكون المرأة صالحة، أو تكون الدار ضيقة، أو تكون وسيلة المواصلات مرهقة. وذات الأمر بالنسبة للمرأة إذا كان زوجها فاسدًا سيئ الخلق فلا شك أنه سوف يُنَغِّص عليها حياتها ولن تشعر معه بسعادة أو راحة، وهذا هو المعنى المقصود هنا وليس التشاؤم الذي حرَّمه  عليه السلام  في أحاديث أخرى.
ومن هذه الأحاديث صدر رواية أبى داود التي أشرنا إليها: "لا هامة ولا عدوى ولا طيرة..." والطيرة وهى التشاؤم منهي عنه بهذا النص. وهناك حديث آخر عند البخاري بروايات مختلفة منها: عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح، والكلمة الحسنة". فهل يُعقل أنه عليه السلام - وقد أتاه الله كل الفصاحة وجوامع الكلم ينفى شيئًا ويثبته - التشاؤم - في ذات الحديث أو في أحاديث أخرى؟! بالقطع لا. 
وعلى ذلك يتعين فهم التعبير "إن كان في شيء" أو "إن تكن الطيرة في شيء" على أساس أنها مجرد افتراض أو تعبير مجازى لبيان أهمية صلاح المرأة والدار ووسائل المواصلات لراحة الإنسان وسعادته، ولا يفيد الكلمة بمعناها اللغوي أو الحرفي.ومعروف أنه من أساليب اللغة الفصيحة استخدام الاستعارات اللفظية والتصريحية والكنايات وغيرها.
وهناك تعليق بالغ الروعة للدكتور موسى شاهين لاشين أستاذ الحديث حول حديث الطيرة قال فيه: "الطيَرة هي التشاؤم، وأصله أنهم كانوا في الجاهلية يهيِّجون الطير الذي يقابلهم، فإذا طار يمينًا استبشروا خيرًا وتفاءلوا ومضوا في طريقهم، واستمروا في تنفيذ مشروعهم، وإن طار الطائر يسارًا تشاءموا وتراجعوا عن تنفيذ ما يريدون. فالطِّيَرة تشمل التفاؤل والتشاؤم، ثم غلب اللفظ على التشاؤم دون التفاؤل، فنفاه الإسلام لا نفى الوقوع وإنما يعنى أنه لا يبغى للمسلم أن يتشاءم، فإذا حدث وتشاءمت لا تستجيب لهذا بل عليك المضي في مشروعك". انتهى[1].
وفى تعليق آخر حول حديث شؤم الدار والفرس والمرأة يقول الدكتور موسى شاهين: "الإسلام ينهى عن التطيُّر والتشاؤم، لأنه يصيب الإنسان بالضعف والخوف وتعطيل المصالح لا عن حقيقة، بل عن خيال وتوهم. ومن هنا كان الحديث المثبت للتشاؤم في الدار والمرأة والفرس مُعبَّرًا عن عادة الناس وليست الشريعة الإسلامية. وخُصَّت هذه الثلاثة باعتبارها ألزم المعايش وأكثر الأمور علاقة بالإنسان، المسكن والزوجة ووسيلة الانتقال. ولمَّا كانت هذه الأمور تلامس خير الإنسان وشره نسب إليها ما يُصيبه من خير أو شر.
ومن هنا فسَّر العلماء الحديث بتفسيرات:
الأول: أن الحديث ينفى الشؤم فيها - المرأة والسكن والفرس - إذ معناه: إن كانت هناك إمكانية التشاؤم بشيء فأولى به هذه الثلاثة، لكنه لا شؤم في شيء أصلاً، فلا شؤم في هذه الثلاثة خلافًا لعُرف الناس وتشاؤمهم منها.
التفسير الثاني: أن المراد من الشؤم هنا: الأذى والمتاعب، فالمعنى إن كانت هناك متاعب فسببها هذه الثلاثة.
التفسير الثالث: أن في الحديث حذفًا وأصله: إن كان الأذى أو السعادة في شيء ففي هذه الثلاثة، فهي سبب شقاء الإنسان أو سبب راحته" انتهى[2].
وما قاله الدكتور موسى شاهين كافٍ تمامًا لإيضاح المعنى وإبطال شبهات الخصوم.
ويشهد لهذا الفهم السديد من علماء السلف والخلف للحديث حديث آخر رواه الإمام أحمد والحاكم وابن حبان ونصه: "من سعادة ابن آدم ثلاثة: المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة: المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء". فلماذا لا يذكر المضلِّلون هذا الحديث الذي يُثبت أن المرأة الصالحة هي سبب من أسباب سعادة الرجل، أم أنهم يريدون تصيُّد حديث واحد وتحريف معناه للطعن به في الإسلام فقط؟!!
وأخيرًا نورد حديثًا آخر يثبت أهمية المرأة الصالحة وأنها سبب سعادة الرجل وهو الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه عن أبى أُمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيرًا له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سَرَّته، وإن أقسم عليها أَبَرَّتَه، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله" وقد ورد الحديث أيضًا في "الجامع الصغير". 

(هـ) هل تسجد المرأة لزوجها؟!

ويثير الخصوم شبهة حول حديث آخر يزعمون أنه ينتقص من كرامة المرأة، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصل بخضوعها لزوجها إلى درجة السجود له!! وهو زعم واضح البطلان لكل من شمَّ رائحة الإسلام؛ لأن أول وأعظم وأهم قواعد الإسلام هي عقيدة التوحيد، فلا عبادة ولا عبودية لغير الله الواحد الأحد - جلَّ في عُلاه.
ولمَّا كان السجود واحدًا من أهم أفعال العبادة، فإن جوهر الإسلام قاطع في تحريم السجود لغير الله - سبحانه وتعالى - ومناسبة الحديث الشريف الذي يثيرون الشبهة حوله وكافة رواياته تقطع بحظر السجود لغير الخالق وحده لا شريك له.
فقد ورد بكتب السنن أن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - رجع من الشام، وعندما التقى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - سجد له، فرفض الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا التصرف، وسأل معاذً عن السبب الذى دفعه إلى فعل ذلك، فأخبره معاذ بأنه زار الشام فرآهم - نصارى الشام - يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم - رجال الدين عندهم - فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن فعل ذلك مرة أخرى. وقال - عليه السلام - في رواية الترمذي والنسائي وابن ماجه: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها". وفى رواية ابن حبان "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها".
ورواية الحاكم فى المستدرك أكثر وضوحًا فى نفى جواز السجود لغير الله: "لو كان ينبغي لبشر أن يسجد لبشر لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها إذا دخل عليها" وفى رواية أخرى: "من عظيم حقه عليها". 
ورواية الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه في مسنده حاسمة في نفى وتحريم السجود لغير الله - تعالى - إذ أورد الحديث بالنص التالي: قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها".
وهكذا فإن القصد من الحديث هو بيان عظيم حق الزوج على زوجته وضرورة احترامه وطاعته، ولا عجب فهو كافلها وراعيها وحاميها والمنفق عليها وأبو أطفالها الذى يلزمه الإسلام بالدفاع عنها وبذل دمه وحياته من أجل حمايتها.  
ثم هل من المعقول أن ينهى الرسول - وهو سيد البشر - عن السجود له شخصيًّا ثم يطلب من النساء السجود لأزواجهن؟! وماذا يبقى من عقيدة التوحيد إذا أجاز الإسلام السجود لأي شخص كائنًا من كان سوى رب العالمين لا شريك له؟!!
إنها مغالطة الخصوم المعهودة، أو جهلهم بقواعد اللغة العربية، أو سوء القراءة والفهم لنص الحديث، واقتطاع بعضه من السياق، وتجاهل باقي الكلام أو الروايات الأخرى التي توضح المقصود!! وهى لعبة قديمة مكشوفة ومفضوحة أيضًا!!

(و) هل تلعنه الملائكة مثلها؟! 

تصرخ نساء كافرات أو علمانيات: كيف يقول رسولكم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأتِه - وفى رواية فتأبى عليه - فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح"؟؟
والحديث متفق عليه أى رواه الشيخان البخاري ومسلم، فهو حديث صحيح بلا جدال. لكن الجهل أو الغرض مرض كما قيل بحق. 
فالشخص ذو القصد الخبيث أو الجهل الفاضح لا يحاول قراءة النص على ضوء مقاصد الشريعة وقواعدها العامة التى توضحها نصوص أخرى يؤدى الجهل بها أو تجاهلها إلى الخروج بنتائج خاطئة تمامًا.. وهذا واضح فيما يتعلق بهذا الحديث الشريف. فالهدف من الحديث هو تحذير المرأة من خطورة حرمان زوجها من حقه فى الجماع بدون عذر شرعي.
وقد صَرَّح علماء السلف - رضي الله عنهم - مثل النووي بأن التحريم أو لعن الملائكة يقتصر على المرأة التى تمتنع عن تلبية رغبة زوجها فى قضاء شهوته بدون عذر قهرى مثل المرض أو الإرهاق الشديد[3]؛ لأنها في هذه الحالة تُعَرِّضُه للفتنة، وتساعد الشيطان عليه. فإذا استطاع بعض الرجال التحكم في النفس والصبر، فإن رجالاً آخرين قد يؤدى تمرُّد زوجاتهم وامتناعهن عن الجماع معهم إلى تطلع هؤلاء إلى الزنا - والعياذ بالله - فهل مثل هذه الزوجة العاصية لربها وزوجها لا تستحق اللعن والعقاب الشديد على فعلتها النكراء تلك إذا لم يكن لها عذر في ذلك؟!
وماذا يبقى من الزواج إذا حرمنا الزوج - وهى تحرم نفسها أيضًا بذلك - من الحق في الجماع كُلما ثارت دواعى الشهوة واشتعلت نيران الغريزة؟!
إنه لا رهبانية في الإسلام ولا تبتل - انقطاع عن الزواج - ولا خِصَاء، بل هو دين يُلبى الاحتياجات الفطرية للبشر بالطرق المشروعة. ثم إن الجماع هو عمل يثيب الله عليه الطرفين كما ورد فى حديث آخر رواه مسلم: "وفى بضع أحدكم صدقة"، وهو السبيل الوحيد لإنجاب الذرية الصالحة التي تعبد الله - تعالى - ويكفل استمرار البشرية والعمران في الأرض.. أفليس منع الجماع ذنبًا عظيمًا يستحق مرتكبه اللعن؛ لأنه يتسبب في تعطيل سنن الله فى الكون ودفع صاحبه إلى الرذيلة؟!!

وتجدر الإشارة إلى أن الحكم الوارد بهذا الحديث ينطبق أيضًا على الرجل الذى يمتنع عن مجامعة زوجته بلا عذر شرعي. فالقاعدة الأساسية هي: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 228]. وكان ابن عباس - رضي الله عنهما - يقول: إني لأتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لى عملاً بهذه الآية[4].
وروى البخاري قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو: "و إن لزوجك عليك حقًّا". ونضيف إلى ذلك أن الزواج هو عقد يبيح استمتاع كلا الطرفين بالآخر، فللزوجة ذات حق الاستمتاع بالجماع مثل الزوج، ولا يجوز له مطلقًا حرمانها من هذا الحق، كما أن العلة فى التحريم وهى خطورة تعريض الزوج للفتنة والرذيلة موجودة حتمًا بالنسبة للزوجة المحرومة من الجماع بدون عذر قاهر للزوج. وتكرار امتناع الزوج عن مجامعتها بدون عذر يعطيها الحق فى طلب الطلاق للضرر أو الخلع كما سبق[5].
ثم إن السُنَّة المطهّرة عَلَّمَت الرجل ألا يقضى حاجته ثم ينصرف عن زوجته، بل لابد أن ينتظر حتى تقضى شهوتها بدورها. عن طلق بن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جامع أحدكم أهله فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها كما يحب أن يقضي حاجته" أخرجه ابن عدي في الكامل وأبو يعلى في مسنده، وفيه ضعف وله طرق أخرى يتقوى بها. 
ومن اللهو المباح طبقًا للسُّنَّة أيضًا ملاعبة الرجل أهله كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم:" هلاًّ بكرا تلاعبها وتلاعبك؟".
ونلاحظ أن الحديث الشريف حصر اللعن أو سخط الملائكة فى حالة واحدة هى إذا بات الزوج غاضبًا. أمَّا إذا نجحت - بلباقتها ومهارتها الفطرية - في إقناعه بعذرها أو ترضيته قبل أن ينام فإنها لا تتعرض لهذا اللعن، بل تؤجر - بإذن الله -على ترضيتها لزوجها وتطييب نفسه. وحتى لو بات غاضبًا عليها فإنه لا عقاب عليها ولا لعن في حالة وجود عذر قاهر كالمرض أو الإرهاق الشديد.
وأخيرًا يثور التساؤل: ولماذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التى تمتنع ولم يذكر الزوج الذى يتجاهل رغبة زوجته في الفراش؟!
والرد على هذا يسير: فالغالب الأعم في معظم الحالات أن الرجل هو الذى يدعو زوجته إلى الجماع. بل هو المشاهد في كل الكائنات الحية، فالذكور هي التي تبدأ بمغازلة الإناث وهى التى تسعى إليها وتبدأ الممارسات الجنسية معها، ونادرًا ما تطلب الزوجة من زوجها - بشكل صريح - أن يجامعها، فالحياء يعقد لسانها.
ومن المعلوم أن الأحكام الشرعية تُبْنَى على الغالب من أحوال الناس، وأن النادر لا حكم له. ولهذا ذكر الحديث المرأة التى ترفض دعوة زوجها إلى الفراش، ولم يذكر حالة الرجل الذي يرفض دعوة زوجته لندرة حدوث ذلك.

(ز)- ضلع أعوج

يثير الخصوم الغبار حول حديث شريف آخر هو ذلك الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - ونصه عند البخاري: "واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا". والحديث رواه مسلم عن أبى هريرة أيضًا، لكنه يزيد عمَّا في البخاري جملة: "وكسرها طلاقها".
ومن المهم أن نتناول أولاً شرح الحديث عند بعض العلماء، و تعليقات حوله ثم رأينا في الموضوع.
قال الصنعانى - رضي الله عنه -: "أي : اقبلوا الوصية فيهن، والمعنى: أنى أوصيكم بهن خيرًا، أو المعنى: يوصى بعضكم بعضًا فيهن خيرًا. والمراد أن حواء خلقها الله من ضلع أدم، وأخرج ابن إسحاق من حديث ابن عباس: "أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر الأقصر وهو نائم". والحديث فيه الأمر بالوصية بالنساء والاحتمال لهن والصبر على عوج أخلاقهن، وأنه لا سبيل إلى إصلاح أخلاقهن بل لا بُدَّ من العوج في طباعها، وأنه من أصل الخلق ". انتهى[6].
ويعلق الدكتور موسى شاهين لاشين أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر على الحديث قائلا: "المقصود به الاختلاف في طبيعة النساء عن طبيعة الرجال وليس إنقاصًا من مقام المرأة، وإلا ما جاء الحديث النبوي: "الزمها فان الجنَّة تحت أقدامها"، و حديث أنها الأَوْلَى بحسن الصحبة ثلاث مرات قبل الأب، ثم الحديث القائل: "خيركم خيركم لأهله"، والمقصود بالأهل هنا الزوجة، ثم الوصية بهن في هذا الحديث وغيره كثير". انتهى[7].
وشرحًا لمعنى الحديث يقول فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوى - رحمه الله - في سياق تفسيره لقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء: 1]:
"الحق يقول: ﴿ وَخَلَقَ مِنْهَا ﴾، فإن كانت مخلوقة من الضلع فـ"مِنْ" للتبعيض، فالخالق - عز وجل - قبل أنْ يخلق يعلم ما يخلق، ويعلم المهمة التي سيؤديها؛ لذلك يخلق - سبحانه - على مواصفات تحقق هذه الغاية، وتؤدي هذه المهمة. وقد يُخيَّل لك أن بعض المخلوقات لا مهمةَ لها في الحياة، أو أن بعضها كان من الممكن أنْ يُخلَق على هيئة أفضل مما هي عليها.ونذكر هنا الرجل الذي تأمل في كون الله فقال: ليس في الإمكان أبدعُ مما كان.
والولد الذي رأى الحدّاد يأخذ عيدان الحديد المستقيمة، فيلويها ويُعْوِجها، فقال الولد لأبيه: لماذا لا يترك الحدّاد عيدان الحديد على استقامتها؟ فعلَّمه الأب أن هذه العيدان لا تؤدي مهمتها إلا باعوجاجها، وتأمَّل مثلاً الخطَّاف وآلة جمع الثمار من على الأشجار، فإنها لو كانت مستقيمة لما أدَّتْ مهمتها 
وعلى ضوء هذا نفهم الحديث النبوي الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النساء: "خُلِقْنَ من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإنْ ذهبتَ تقيمه كسرته، وإنْ تركته لم يَزَلْ أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا".
حين تتأمَّل الضلوع في قفصك الصدري تجد أنها لا تؤدي مهمتها في حماية القلب والرئتين إلا بهذه الهيئة المعْوَجَّة التي تحنو على أهم عضوين في جسمك، فكأن هذا الاعوجاج رأفة وحُنُو وحماية، وهكذا هي مهمة المرأة في الحياة. ألاَ تراها في أثناء الحمل مثلاً تترفق بحملها وتحافظ عليه، وتحميه حتى إذا وضعتْه كانت أشدَّ رفقاً، وأكثر حناناً عليه؟
إذًا: هذا الوصف من رسول الله ليس سُبَّة في حق النساء، ولا إنقاصًا من شأنهن؛ لأن هذا الاعوجاج في طبيعة المرأة هو المتمِّم لمهمتها؛ لذلك نجد أن حنان المرأة أغلب من استواء عقلها، ومهمة المرأة تقتضي هذه الطبيعة، وهذا مناسب لمهمتها سواء خلال فترة الحمل، أو خلال فترة تكوين النشء، فهي هنا تتعامل مع مَن لا يستطيع أن يبيِّن موضع آلامه.. وتلك مهمة صعبة. أما الرجل فعقله أغلب ليناسب مهمته في الحياة، حيث يُنَاط به العمل وترتيب الأمور فيما وُلِّي عليه. ولنأخذ مثلاً يتكرَّر في حياتنا، فالرجل يرى في بكاء الطفل إزعاجًا وإفسادًا لنومه وهو في ذلك يستخدم منطق العقل.. أما المرأة الأم فتذهب إلى الطفل تهدهده وتخفف ألمه، فالعاطفة الفيّاضة هي لغة الحوار بين الأم والطفل". انتهى[8].
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - تعليقًا على هذا الحديث:
"هذا أمر للأزواج والآباء والإخوة وغيرهم أن يستوصوا بالنساء خيرًا،وأن يحسنوا إليهن، وأن لا يضربوهن، وواجب على الرجال من الآباء، والإخوة والأزواج أن يتقوا الله في النساء، وأن يعطوهن حقوقهن. ولهذا قال: "استوصوا بالنساء خيرًا".
وينبغي أن لا يمنع من ذلك كونها قد تسيء إلى زوجها أو إلى أقاربها بلسانها، أو بغير ذلك؛ لأنهن خلقن من ضلع كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه"، فمعلوم أن أعلاه ما يلي منبت الضلع، و يكون في الضلع اعوجاج، وهذا المعروف فيه، فالمعنى أنه لا بُدَّ يكون في خلقها شيء من العوج والنقص".[9] انتهى.
تعليق من المؤلف:
وإذا كان لكاتب هذه السطور أن يضيف شيئًا فأقول - وبالله التوفيق -: إن هذا الضلع الذي خلق الله - تعالى - منه حواء مصدره جسد اّدم، فلو كان القصد من الحديث هو الذم لشمل الذم آدم من باب أَوْلَى؛ لأن جسده هو أصل ومنشأ هذا الضلع، كما أن بجسده أضلاعًا عوجاء أخرى، فالعيب يكون أكثر في جسده هو لو أن المقام مقام نقد وذكر للعيوب لكنه ليس كذلك أبدًا.
إن هذا الحديث الشريف يخبر فقط عن حقيقة وواقع الخلق، ويشرح للرجال الأسباب التي تفرض عليهم رعاية النساء والعطف عليهن والرفق بهن.
والله - تعالى - قد أحسن كل شيء خلقه. ولا يتصور أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعيب خلق الله. وهو يعلم أيضا أنه لا حيلة لحواء ولا لأحد غيرها في أمر الخلق. فهل يذمُّها لأمرٍ لا ذنب لها فيه؟!!
ثم أن طبيعة خلقها تناسب الوظائف العظمى التي خلقها الله لأجلها كما تقدم. وهل يتصور عاقل أن صاحب الخلق العظيم - عليه السلام - يوصى بهن خيرا ويذمّهن في وقت واحد و في حديث واحد؟!!
ولماذا يتجاهلون قوله - عليه السلام -: "فاستوصوا بالنساء" مرتين في ذات الحديث؟!! ثم نهيه عن كسرهن - أي: طلاقهن - في هذا الحديث أيضًا طبقًا للرواية التي عند مسلم؟!!
♥وهل من المعقول أنه - صلى الله عليه وسلم - يعيب أو ينتقص من قدر أمه السيدة آمنة وبناته الأربع وعماته وخالاته وزوجاته أمهات المؤمنين وكلهن من النساء؟!!

وننبّه أيضًا إلى أن النص على خلق حواء من ضلع آدم قد جاء في الفصل الثاني من سفر التكوين من التوراة الموجودة لدى اليهود، كما أوردته الأناجيل المتداولة بين النصارى اليوم. فلم يكن الإسلام إذًا هو وحده الذي قرَّر هذا، لكنهم -كالعادة - تجاهلوا ما أوردته كتبهم، وحاولوا توجيه سهامهم الطائشة نحو الحديث الشريف وحده!!
ومن أجمل ما قرأت تعليقًا على هذا الحديث ما كتبته سيدة مسلمة بموقع من مواقع الانترنت وجاء فيه: "ثابت علميًّا أن الضلع الأعوج هو الذي يحيط بالقلب، ولاعوجاجه حكمة بالغة هي حماية القلب من أية ضربات.
فالمرأة لأنها خلقت من هذا الضلع، فهي للرجل بمثابة الضلع الأعوج الذي يحيط بقلبه، لئلا يلحقه أذى، وإن حاولت تقويم الضلع انكسر، وأصبح قلبك عرضة للإيذاء.
وهكذا المرأة. فهي للرجل حصنه ورفيقة عمره الذي يضحي بالكثير من أجله، ويعمل لإسعاده، وهي القلب الذي يفيض حبًّا وعاطفة على زوجها". انتهى[10].
♥وهناك مَن لاحظ بذكاء أن المرأة لا ترضع طفلها إلا وهى منحنية عليه لتحتضنه وتدفئه وهى تطعمه، ولا تستطيع أن تفعل هذا وهى واقفة مستقيمة ومنتصبة القامة!!
فسبحان الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.


[1] الدكتور موسى شاهين لاشين - تيسير صحيح البخاري - الجزء الثالث - ص 264 - طبعة مكتبة الشروق الدولية - القاهرة.
[2] الدكتور موسى شاهين لاشين - المرجع السابق - الجزء الثالث - ص 149.
[3] انظر صحيح مسلم بشرح الإمام النووي - رضي الله عنه - وأيضًا الحديث في كتابه الشهير رياض الصالحين ص87 - طبعة دار المنار - القاهرة - مصر.
[4] انظر تفسير الآية 228 من سورة البقرة عند القرطبى و ابن كثير والطبرى والنسفى والرازى والشوكانى وغيرهم.
[5] راجع ما سبق ذكره فى فصل "أبغض الحلال" من هذه الدراسة.
[6] سبل السلام - الصنعانى - ط دار الكتب العلمية -بيروت - ص567-568.
[7] تيسير صحيح البخاري- د.موسى شاهين لاشين - طبعة مكتبة الشروق الدولية -القاهرة- الجزء الثالث - ص 166.
[8] تفسير الشيخ محمد متولي الشعراوى لأول سورة النساء، وانظر أيضا كتاب: الشيخ محمد متولي الشعراوي وقضايا العصر- إعداد عبده مباشر.
[9] فتوى بالموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق