الأربعاء، 9 ديسمبر 2015

الخطيئة والكفارة


الخطيئة والكفارة
 

    يعد صلب المسيح وقيامته من أجل تكفير خطايا البشر من أهم الركائز التي تقوم عليها الديانة المسيحية ، ومن المفيد أن نعطي فكرة موجزة عن هذه العقيدة حتى يسهل على القارئ فهم المباحث التي تأتي بعدها، و يمكن أن نعرض هذه العقيدة في النقاط التالية مستشهدين بفقرات من الكتاب المقدس :-

1-      دخلت الخطيئة إلى آدم عندما عصى أمر الله فحكم عليه بالمـوت أي بالانفصـال عن الله، [ وأوصى الرب الإله آدم قائلا: من جميع شجر الجنة تأكل أكلا وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتا تموت] ( سفر التكوين 2: 16-17).

2-      دخلت الخطيئة إلى جميع أبناء آدم بسبب سقوط أبيهم باعتباره نائبا عنهم ؛ ولهذا حكم عليهم بالموت: [ من أجل ذلك كما بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت وهكذا اجتاز الموت إلى الجميع إذ أخطأ الجميع ] رومية (12:5).

3-      وبمـا أن الله قدوس فقد فصلت خطايا الإنسان بينه و بين الله ، فلم يعـد يسمع صلاتهـم ، [ آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع ] سفر إشعياء (2:59).

4-      ولأن الله عادل فإنه لن يغفر للإنسان الخاطئ من غير أن ينال عقابه،والعقاب هو الموت أي الانفصال عن الله ، ولهذا لن يقدر الإنسان على العودة إلى الله : [ حاشا لك أن تفعل  مثل هذا أن تميت البار مع الأثيم فيكون البار كالأثيم حاشا لك أدَيّان كل الأرض لا يصنع عدلا ] سفر التكوين (25:18) لأن [ أجرة الخطيئة هي الموت ] رومية (23:6).

5-   أراد الله أن يعيد الإنسان الخاطئ إليه ويحرره من آثامه ؛ لأن الله محبة ، لكن الله قدوس ؛ فلن تنفع الصلاة من الخاطئ ، لأنه انفصل عن الله ، والله عادل فلن يرجع عن حكمه على الإنسان بالموت ، فأنزل ابنه المسيح على هيئة البشر ليحمل عن الناس آثامهم بموته على الصليب [ بـهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي تحيا به هذه هي المحبة ليس أننا نحن أحببنا الله بل إنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا ] رسالة يوحنا الأولى (4: 9-10).

6-              وكان لا بد أن تتوفر في الذي يريد أن يحمل الخطيئة الصفات التالية:-

أ‌-       أن يكون خاليا من الخطيئة وإلا لاحتاج إلى من يحمل عنه خطيئته [ لأن لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفائنا بل مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية ] عبرانيين (15:4).

ب‌-        أن يكون موته كافيا لتكفير خطايا الكثيرين ؛ ليكون ذبيحة مقبولة عند الله [ واسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح أيضا وأسلم نفسه من أجلنا قربانا وذبيحة لله رائحة طيبة ] أفسس (2:5).

ت‌-        أن يكون من جنس البشر ؛ لأن الإنسان هو الذي يمثل الإنسان أمام الله [ من ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء لكي يكون رحيما ورئيس كهنة أمينا فيما لله حتى يكفر خطايا الشعب] عبرانيين (17:2).

 ولا يوجد أحد تتوفر فيه هذه الشروط غير المسيح ؛ فكل البشر ورثوا الخطيئة من أبيهم آدم ، وغير البشر لا يصلحون ليمثلوا البشر أمام الله، ثم إن أي شيء محدود،بينما خطايا البشر غير محدودة فهي بحاجة إلى شيء غير محدود وهو ابن الله فلهذا تجسد ومات على الصليب [ ولكن لما جاء مِلْءُ الزمان أرسل الله أبنه مولودا من امرأة مولودا تحت الناموس ليفتدي الذي تحت الناموس لننال التبني ] غلاطية (4:4-5).

7-      وكان لا بد بعد موت المسيح على الصليب أن يقوم من الموت ؛ ليبرهن للناس أنه هو الكفارة الحقيقية ، وإلا كان إيمان الناس به باطلا [ إن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا…وإن لم يكن المسيح قد قام فبالباطل إيمانكم أنتم بعد خطاياكم ] (1) كورنثوس (14:15-17 ).

8-      كل من يؤمن بالمسيح أنه مات وقام من أجل تكفير خطاياه سيقوم من موته ويعود إلى الله [ لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضا معه ] (1) تسالونيكي (4: 14).

9-              أما الذي يرفض المسيح على أنه مخلص له فسيكون في يدي الشرير [ نعلم أننا نحن من الله والعالم كله قد وضع في الشرير ] (1) يوحنا (19:5).

        وبـهذا اجتمعت محبة الله وعدله في المسيح، ظهرت محبته عندما أوجد للناس من يحمل عنهم خطاياهم ، وظهر عدله عندما تحمل المسيح هذه الخطايا عن الناس حتى لا يعاقبوا عليها.

        وإذا أخذنا بعين الاعتبار  أن النصرانية مر على وجودها ما يقرب من ألفي عام ، فلا شك أن هناك الكثير من الأسئلة والمناقشات التي دارت حول الإيمان المسيحي بين مؤيد له ومعارض ، وبالأخص مسألة الخطيئة والكفارة ، بل إن هذه المسألة قد نوقشت قبل مجيء المسيح فإن الكثير من الديانات الوثنية القديمة كالهندوكية والبوذية تبنت فكرة الخطيئة والكفارة وجعلتها ركنا من أركانها ، فالبوذيون مثلا يؤمنون ببوذا ابن الله المتجسد في العذراء مايا ، ولد في 25/12 و مات ليحمل خطايا البشر ، ثم قام من الموت وصعد إلى السماء (1) ، وهذه هي الأفكار الرئيسية لمبدأ الخطيئة والكفارة ، يقول السير آرثر فندلاي في كتابه " الكون المنشور" ص(78) :" إن قصة الصليب قيلت قبل عيسى على ستة عشر إلها مخلصا ، وقصص حياتهم على الأرض من المهد إلى اللحد ثم البعث كلها متشابهة ، وكأن كل ديانة ترث من سابقتها " (2) .

      ومن المؤكد أننا لن نستطيع أن نحيط بكل تلك المناقشات أو الاعتراضات ، ولكن التاريخ حفظ لنا الكثير منها ، وما سنقوم به هو عرض لبعض هذه الاعتراضات عليك ، وسنترك القرار لك بعد ذلك ، سائلين الله أن يدلك على ما فيه خيرك وينير حياتك بنور هدايته ، نعم يمكنك أن تغلق أذنيك وتغمض عينيك وترفض قراءة ما كتبناه ، بل قد يصل الأمر بالبعض إلى تمزيقه أو إحراقه كما فعلت الكنيسة بإنجيل برنابا مثلا ، ولكن هذا الفعل لن يغير من التاريخ شيئا ، وستجد هذه الإشكالات الكثيرين ممن لا يخافون من مواجهة الحقيقة يتوقون لقراءتها والاستفادة منها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق