الأحد، 6 ديسمبر 2015

الشبهة الأولى(في البدء كان الكلمة، و الكلمة كان عند الله، و كان الكلمة ا لله، )




الشبهة الأولى(
في البدء كان الكلمة، و الكلمة كان عند الله، و كان الكلمة ا لله، )
افتتاحية يوحنا لإنجيله التي يقول فيها: " في البدء كان الكلمة، و الكلمة كان عند الله، و كان الكلمة ا لله، هذا كان في البدء عند الله، كل شيء به كان و بغيره لم يكن شيء مما كان... و الكلمة صار جسدا و حل بيننا و رأينا مجده كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة و حقَّـاً " إنجيل يوحنا: 1 / 1 ـ 3، 14.

الرد على هذه الشبهة:

أولا: أعود و أذكر أن هذا النص ليس من كلام المسيح عليه السلام و لا من كلام أي حواري أو تلميذ مباشر من تلاميذه بل كلام مسيحي تابعي ـ إن صح التعبير ـ و فيلسوف عاش في أواخر القرن الأول و أوائل القرن الثاني فلا يحمل في طياته أية حجة إلـهية ملزمة. أما دعوى أنه كتب إنجيله بإلهام و وحي من الله فلا دليل علها إلا مجرد الظن.

و ثانيا: ما دام قائل هذا الكلام هو يوحنا، و ما دام قد ثبت معنا بالدلائل السابقة أن يوحنا هذا يؤمن بأن الله الآب هو الإلـه الحقيقي وحده و إلـه المسيح و خالقه و مرسله، فلكي يكون كلام يوحنا منسجما مع بعضه، لا بد أن يُفهَم هذا النص أو يُفسَّر على نحو يتسق و ينسجم مع عقيدته التوحيدية تلك، و هناك تفسيران محتملان لهذا النص:

التفسير المعقول الأول: هذه الافتتاحية قرأها كثير من القدماء على نحو فيه اختلاف بسيط في اللفظ، لكن مهم جدا، و قد أورد الغزالي في كتابه " الرد الجميل لإلـهية عيسى بصريح الإنجيل " اللفظ القديم الذي يمثل الترجمة الحرفية للمتن اليوناني الأصلي على النحو التالي:

" في البدء كان الكلمة، و الكلمة كان عند الله، و إلـه هو الكلمة، كان هذا قديما عند الله، كلٌّ به كان و بغيره لم يكن شيء مما كان... "

فالفرق بين الترجمتين هو في الجملة الثالثة، ففي حين تقول الترجمات الحديثة: " و كان الكلمةَ اللهُ "، تقول الترجمة الحرفية القديمة: " و إلـهٌ هو الكلمة " بتنكير إلـه.
و تذكر الكتب التي تتحدث عن تاريخ العقيدة النصرانية أن آريوس و منكري ألوهية المسيح كانوا يؤكدون على أن الترجمة الحرفية الصحيحة للأصل اليوناني هي " و إلـهٌ هو الكلمة " [22] .

و المسألة هي أن كلمة " إلـه " في اصطلاح الإنجيل ـ و اصطلاح الكتاب المقدس بشكل عام ـ لا تعني بالضرورة الله، بل تأتي أحيانا على معنى السيد و الرئيس المطاع، مثل كلمة الرب، أو على معنى الملاك العظيم. و سبق و أشرنا لذلك في الفصل الثاني و نذكر هنا مثالين على ما نقول:

(1) جاء في سفر الخروج من التوراة قول الله تعالى لموسى عليه السلام :

" قد جعلناك إلـها لفرعون و أخاك هارون رسولك " الخروج: 7 / 1.

(2) و في المزمور الثاني و الثمانين من سفر المزامير قول الله تعالى لداود عليه السلام :

" الله قائم في مجمع الله، في وسط الآلهة يقضي.. (إلى قوله): أنا قلت إنكم آلهة و بنو العلي كلكم لكن مثل الناس تموتون و كأحد الرؤساء تسقطون " المزامير: 82 / 1، 6 ـ 7.

حيث يتفق مفسروا العهد القديم أن المقصود بالآلـهة و ببني العلي هنا: الرؤساء و القضاة و الملائكة الذين هم أعضاء البلاط الإلـهي ـ إذا صح التعبير ـ، و أن لقب آلهة و أبناء الله، لهم، ليس إلا لقبا تشريفيا لا أكثر، و لا يعني أبدا أنهم شركاء الله تعالى في ذاته و إلـهيته، كيف و من تعاليم التوراة الأساسية وحدانية الله تعالى!

بناء عليه، فعبارة " و إلـه هو الكلمة " معناها: و كائنٌ روحيٌّ عظيم بل رئيسٌ للكائنات وعظيمٌ مقرب من الله هو الكلمة.

هذا و مما يرجح هذه القراءة و يوجب المصير إلى هذا التفسير، أن الترجمات الحديثة التي تذكر " و كان الكلمة الله " تجعل افتتاحية يوحنا نصا مختل المبنى غير مستقيم المعنى، بل لا معنى له و لا يصح لأن معناها يصبح هكذا:

[ في البدء كان الله، و كان الله عند الله! و كان الله هو الله، الله كان في البدء عند الله!! ]

و من البديهي أن الشيء لا يكون عند نفسه، فلا يصح أن نقول كان زيد عند زيد !!

أما على التفسير الذي ذكرناه، فإذا صار الإله المُنَـكَّر بمعنى الكائن الروحي العظيم الذي هو غير الله، صح أن نعتبره كان عند الله.

التفسير الممكن الثاني: يرى البعض أن الكلمة هي الأمر الإلـهي " كن فيكون " الذي به يخلق الله ما يشاء من الكائنات، كما جاء في سفر المزامير: " بكلمة الرب صنعت السماوات... إنه قال فكان، و أمر فوجد " المزمور: 33/6، 9.

و تصديق ذلك أننا نجد، في سفر التكوين من التوراة، أن الخلق تم بأوامر و كلمات إلـهية: " و قال الله: ليكن نور، فكان نور..... و قال الله: ليكن في وسط المياه.... فكان كذلك.... الخ " التكوين: 1 / 3، 6.

و قالوا: إن الترجمة القديمة الصحيحة لعبارة " و الكلمة صار جسدا " هي: " و الكلمة صنع جسدا " [23] أي أنه بالأمر الإلهي تم خلق إنسان بشر. فالكلمة هي الله و لكن الإنسان الذي خلق بها ليس الكلمة، و بالتالي فالمسيح مخلوق بالكلمة و ليس الكلمة ذاتها.

و منهم من يرى أن هناك محذوف تقديره:"و أثر الكلمة صار جسدا" [24] .

و على كل حال فهذه تفسيرات ممكنة و معقولة لهذه الافتتاحية، و لا ندعي أنها صحيحة قطعا، لكن نرى أن المصير لفهم توحيدي للنص واجب، بعد أن عرفنا من عبارات يوحنا السابقة، نفيه كون المسيح الله، و ذلك عندما اعتبره مخلوقا خاضعا لله مستمدا منه و بين أن اللهَ تعالى إلـهُ المسيح و أن الله هو الإلـه الحقيقي وحده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق