الأربعاء، 9 ديسمبر 2015

بين المسيح و محمد عليهما الصلاة والسلام


بين المسيح و محمد  عليهما الصلاة والسلام 
 

    هذا هو طريق الخلاص الذي جاء به المسيح - عليه السلام – والذي جاء رسول الله محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – ليوضحه ويبينه للناس،  لقد جاء رسول الله بمسيحية المسيح ، ولا عجب أن نرى هذا التوافق والانسجام بين تعاليم المسيح وتعاليم محمد –عليهما الصلاة والسلام – ، فكلاهما كان رسولا من عند الله ، ودين الله واحد على مر العصور ،كما قال تعالى في القرآن الكريم: [شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ] ولهذا قال المسيح في إنجيل متى (17:5) :[ لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل ].

        وعندما سمع النجاشي ملك الحبشة - وكان نصرانيا- شيئا من القرآن قال : "إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة " ثم سأل صحابة رسول الله : "ما تقولون في عيسى ؟ فقال له جعفر :" نقول فيه ما جاء به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول"، فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ عودا ثم قال: "ما عدا عيسى ما قلت هذا العود ." ثم دخل في الإسلام ، وهكذا فقد جاء محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – مصدقا لما جاء به المسيح ، قال تعالى :[ يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم ].

          لقد جاء محمد –صلى الله عليه وآله وسلم – ليصحح المسار ويبطل التحريف الذي تعرض له دين الله ، يقول كيرت في كتابه " The Old Testament : Its Original Composition " :" إن الكتاب المقدس المتداول حاليا لا يحتوي على التوراة والإنجيل المنزلين من الله ، ولقد اعترف علماء باحثين أنفسهم باللمسات البشرية في إعداد هذا الكتاب المقدس " (21).

          ولنفس هذا السبب الذي جاء من أجله محمد –صلى الله عليه وآله وسلم – جاء الأنبياء من قبله فها هو إرميا يقول :[ أما وحي الرب فلا تعودوا تذكروه بعد لأن كلمة كل إنسان تكون وحيه إذ قد حرفتم كلام الإله الحي رب الجنود إلهنا ] سفر إرميا (36:23) وقال إشعياء :[ ويل للذين يتعمقون ليكتموا رأيهم عن الرب فتصير أعمالهم في الظلمة ويقولون: من يبصرنا ومن يعرفنا. يا لتحريفكم ! ] سفر إشعياء (15:29-16)ولهذا الأمر جاء المسيح فقد قال في إنجيل متى (6:15-9) :[ قد أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم. يا مراؤون حسنا تنبأ عنكم إشعياء قائلا: يقترب إلى هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيدا وباطلا يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس ] وقال الله – عز وجل – عن محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – مخاطبا أهل الكتاب من اليهود والنصارى: [ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ] سورة المائدة (15).

       لقد جاء المسيح بالتعاليم التي تناسب الإغراق المادي الذي كان يعيش فيه اليهود ، فقال: [ قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تزن وأما أنا فأقول لكم إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك ] متى (28:5-29) وقال: [ وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق وأما أنا فأقول لكم إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني ] متى (31:5-32) وقال: [ سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا ] متى (38:5-40) وقال :[ لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون ] متى (25:6) إلا أن المسيح اعترف بأن الذي جاء به ليس كاملا ، بمعنى أنه لا يصلح لكل زمان ومكان ، وأن هناك أمورا  أخرى يجب أن يخبرهم عنها ، فقد قال في إنجيل يوحنا (12:16) [ إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن ] (22).

          وأنت إذا نظرت إلى تعاليم المسيح السابقة أدركت أنه لا يمكن تطبيقها في هذا الزمان ، فكان لا بد من إرسال رسول يكمل ما لم يخبر به المسيح ليصبح دين الله صالحا لجميع الأزمنة والأمكنة ، فأرسل الله محمدا – صلى الله عليه وآله وسلم – بشريعة تكمل شريعة الأنبياء ، جمع فيها بين احتياجات الإنسان الروحية والمادية ، فكان مما جاء به قول الله تعالى في القرآن الكريم [ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك  من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين].

          لم يأمر الله الناس في شريعة محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – بترك الطعام كما فعل المسيح في الإنجيل ، بل أمرهم أن يأكلوا من طيبات ما رزقهم ، لكنه ربط ذلك بشكر الله على هذه النعمة فقال :[ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبـدون ]

          ولم يأمر محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – الناس بترك اللباس ، بل أخبر بأنه نعمة من نعم الله يستر بها المرء عورته ، لكنه نبه إلى أن التقوى أهم عند الله من اللباس الظاهر ، فلا يجوز أن نهتم به ونتركها ، فجاء في القرآن [ يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ].

          ولم يمنع محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – المرء من أن يقتص ممن ظلمه ، لكنه أخبر أن عدم الانتقام للنفس والصفح عند المقدرة خير عند الله ،كما قال تعالى :[ وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ].

          بهذه الشريعة ختم الله الدين وأتم نعمته على عباده ، قال تعالى :[ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ] فمن رضي لنفسه ما رضي الله له واتبع ما جاء به محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – فسينال السعادة في الدنيا لاتباعه الشريعة الإلهية التي تلبي جميع احتياجات البشر ، وسيسكن الفردوس في الآخرة لأنه رضي بما رضي الله له وآمن برسوله.

إن ما ذكرناه من ضرورة إرسال محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – والتي تتمثل في تصحيح التحريف الذي أصاب الرسالات السابقة ، ومن ثم إتمامه لها لتصبح شريعة كاملة صالحة للجميع على مر العصور - إن ما ذكرناه من هذه الضرورة قد يكون سببا كافيا عند بعض الناس ليؤمنوا  بمحمد – صلى الله عليه وآله وسلم – على أنه رسول من عند الله ويتبعوه ، إلا أن بعضهم الآخر  يريد براهين من نوع آخر لإثبات هذه الحقيقة ، وسنقوم في الفصل القادم بتقديم هذه البراهين ولكنها تتطلب منك قراراً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق