الأحد، 6 ديسمبر 2015

إنتشار المسيحية بالإكراه وبحد السيف: دلائل وبراهين



إنتشار المسيحية بالإكراه وبحد السيف: دلائل وبراهين


رد شبهة انتشار الإسلام بحد السيف...

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

الديانة التي يقول كتابها: من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر أيضا.

هي في الحقيقة لا تعرف شيئا عن هذا التسامح الخيالي الغير واقعي، والناظر في تاريخ النصرانية يدرك أنها لم تنتشر إلا بالسيف الذي سلطته على الشعوب المختلفة، وقد بدأ سيف القهر عندما تنصر قسطنطين الوثني في بدايات القرن الميلادي الرابع وقال له بطريرك القسطنطينية: أعطني الدنيا وقد تطهرت من الملحدين أمنحك نعيم الجنة المقيم.

ويذكر القس مريك في كتابه (كشف الآثار): أن قسطنطين أمر بقطع آذان اليهود، وأمر بإجلائهم إلى أقاليم مختلفة، وفي نهاية القرن الرابع وضع الأمبراطور تيودسيوس ستاً وثلاثين مادة لمقاومة اليهودية والهرقطة، وحظر عبادات الوثنيين، وأمر بتحطيم صورهم ومعابدهم، وفي عام 379م أمر الامبراطور فالنتيان الثاني بتنصر كل رعايا الدولة الرومية، وقتل كل من لم يتنصر، واعترف طامس نيوتن بقتل أكثر من سبعين ألف.

ويقول غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب: "أكرهت مصر على انتحال النصرانية، ولكنها هبطت بذلك إلى حضيض الانحطاط الذي لم ينتشلها منه سوى الفتح العربي".

وفي القرن الخامس كان القديس أوغسطين يقول بأن: "عقاب الملحدين من علامات الرفق بهم حتى يخلصوا". وبرر قسوته على الذين رفضوا النصرانية بما ذكرته التوراة عن فعل يشوع وحزقيال بأعداء بني إسرائيل الوثنيين، واستمر القتل والقهر لمن رفض النصرانية في ممالك أوربا المختلفة، ومنها مملكة أسبانيا حيث خيروا الناس بين النصر أو السجن أو الجلاء من أسبانيا، وذكر القس مرّيك أنه قد خرج من أسبانيا ما لا يقل عن مائة وسبعين ألفاً.

وفي القرن الثامن اعتيد فرض المسيحية في شروط السلام والأمان التي تعطى للقبائل المهزومة.
وقريباً من ذلك العنف كان في فرنسا، فقد فرض الملك شارلمان النصرانية بحد السيف على السكسون، وأباد الملك كنوت غير المسيحيين في الدانمارك، ومثله فعل الملك أولاف (995م) في النرويج وجماعة من إخوان السيف في بروسيا.

ولم ينقطع هذا الحال فقد أمر ملك روسيا فلاديمير (988م) بفرض النصرانية على أتباع مملكته.
يقول المؤرخ بريفولت: "إن عدد من قتلتهم المسيحية في انتشارها في أوربا يتراوح بين 7-15 مليوناً".
ويلفت شلبي النظر إلى أن العدد هائل بالنسبة لعدد سكان أوربا حينذاك.

ولما تعددت الفرق النصرانية استباحت كل من هذه الفرق الأخرى وساموا أتباعها أشد العذاب، فعندما رفض أقباط مصر قرار مجمع (خليقدونية) عذبهم الرومان في الكنائس، واستمرت المعاناة سنين طويلة، وأحرق أخ الأسقف الأكبر بنيامين حياً ثم رموه في البحر، فيما بقي الأسقف متوارياً لمدة سبع سنين، ولم يظهر إلا بعد استيلاء المسلمين على مصر ورحيل الرومان عنها.

وكتب ميخائيل بطريرك أنطاكية: "إن رب الانتقام استقدم من المناطق الجنوبية أبناء إسماعيل، لينقذنا بواسطتهم من أيدي الرومانيين، وإذ تكبدنا بعض الخسائر لأن الكنائس التي انتزعت منا وأعطيت لأنصار مجمع خليقدونية بقيت لهم، إلا أننا قد أصابنا القليل بتحررنا من قسوة الرومان وشرورهم، ومن غضبهم وحفيظتهم علينا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى سادت الطمأنينة بيننا".

وكان جستيان الأول (ت565) قد قتل من القبط في الإسكندرية وحدها مائتي ألف قبطي.
كما تعرض الموحدون النصارى للنفي والقتل في العصور المختلفة من تاريخ النصرانية، فاضطهد آريوس وأتباعه وحرق سرفيتوس، واستمر القتل والتنكيل حتى كاد أن يندثر الموحدون من النصرانية، وكان للمسلمين نصيب كبير من الاضطهاد الديني، خاصة في الأندلس التي عانى مسلموها من محاكم التفتيش حتى فر من استطاع الفرار إلى المغرب.

ويكفي أن ننقل ما سطره غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب) حيث يقول عن محاكم التفتيش:
"يستحيل علينا أن نقرأ دون أن ترتعد فرائضنا من قصص التعذيب والاضطهاد التي قام بها المسيحيون المنتصرين على المسلمين المنهزمين، فلقد عمدوهم عنوة، وسلموهم لدواوين التفتيش التي أحرقت منهم ما استطاعت من الجموع، واقترح القس بليدا قطع رؤوس كل العرب دون أي استثناء ممن لم يعتنقوا المسيحية بعد، بما في ذلك النساء والأطفال، وهكذا تم قتل أو طرد ثلاثة ملايين عربي، وكان الراهب بيلدا قد قتل في قافلة واحدة للمهاجرين قرابة مائة ألف في كمائن نصبها مع أتباعه، وكان بيلدا قد طالب بقتل جميع العرب في أسبانيا بما فيهم المتنصرين، وحجته أن من المستحيل التفريق بين الصادقين والكاذبين فرأى أن يقتلوا جميعاً بحد السيف، ثم يحكم الرب بينهم في الحياة الأخرى، فيدخل النار من لم يكن صادقاً منهم".

وقد تعرض المسلمون -سوى مذابح الأندلس-
 إلى مذابح عدة ليس هذا مجال ذكرها، منها مذبحة معرة النعمان ثم مذبحة الأقصى وغير ذلك، ونكتفي هنا بنقل ما ذكره المؤرخ جيبون عن مذبحة القدس التي رافقت دخول الصليبيين: "إن الصليبيين خدام الرب يوم استولوا على بيت المقدس في (15/ 7/ 1099م) أرادوا أن يكرموا الرب بذبح سبعين ألف مسلم، ولم يرحموا الشيوخ ولا الأطفال ولا النساء، حطموا رؤوس الصبيان على الجدران، وألقوا بالأطفال الرضع من سطوح المنازل، وشووا الرجال والنساء بالنار".

وقريباً من هذه المذابح جرى بين المذاهب النصرانية،
 فقد أقام الكاثوليك مذابح كبيرة للبروتستانت منها مذبحة باريس (1572م ) وقتل فيها وأثرها ألوف عدة وسط احتفاء البابا ومباركته، ومثله صنع البروتستانت بالكاثوليك في عهد المملكة أليصابات حيث أصدرت بحقهم قوانين جائرة، وأعدمت 104 من قسس الكاثوليك، ومات تسعون آخرون بالسجن، وهدمت كنائس الكاثوليك أخذت أموالهم.

وكانت الملكة تقول: "بأن أرواح الكفرة سوف تحرق في جهنم أبداً، فليس هناك أكثر شرعية من تقليد الانتقام الإلهي بإحراقهم على الأرض" (1).

وعليه نستطيع القول بأن النصرانية يرتبط تاريخها بالسيف والقهر، الذي طال حتى أتباع النصرانية، غير أن الاضطهاد النصراني يتميز بقسوة ووحسية طالت النساء والأطفال ودور العبادة.

وقد جرت هذه الفظائع على يد الأباطرة بمباركة الكنسية ورجالاتها،
وكانت الكنيسة قد سنت القوانين التي تدفع لمثل هذه المظالم وتأمر بقتل المخالفين، ومن ذلك أن البابا اينوشنسيوس الثالث (ت1216م) يقول: "إن هذه القصاصات على الأراتقة -الهراقطة- نحن نأمر به كل الملوك والحكام، ونلزمهم إياه تحت القصاصات الكنائسية". وفي مجمع توليدو في أسبانيا قرر أن لا يؤذن لأحد بتولي الملة إلا إذا حلف بأن: "لا يترك غير كاثوليكي بها، وإن خالف فليكن محروماً قدام الإله السرمدي، وليصر كالحطب للنار الأبدية".

وقد أكد هذا قرار المجمع اللاتراني حيث طلب من جميع الملوك والولاة وأرباب السلطة فليحلفوا أنهم بكل جهدهم وقلوبهم يستأصلون جميع رعاياهم المحكوم عليهم من رؤساء الكنيسة بأنهم أراتقة، ولا يتركون أحداً منهم في نواحيهم، وإن كانوا لا يحفظون هذا اليمين فشعبهم محلول من الطاعة لهم (2).

وأخير يقول الناقد روم لاندو (3):
 "على نقيض الإمبراطورية النصرانية التي حاولت أن تفرض المسيحية على جميع رعاياها فرضًا، اعترف العرب بالأقليات الدينية وقبلوا بوجودها، كان النصارى واليهود والزرادشتيون يعرفون عندهم بـ(أهل الذمة)، أو الشعوب المتمتعة بالحماية، لقد ضمنت حرية العبادة لهم من طريق الجزية، التي أمست تدفع بدلاً من الخدمة العسكرية، وكانت هذه الضريبة مضافًا إليها الخراج، أقل في مجموعها من الضرائب التي كانت مفروضة في ظل الحكم البيزنطي، كانت كل فرقة من الفرق التي تعامل كملّة، أي كطائفة نصف مستقلة استقلالاً ذاتيًا ضمن الدولة، وكانت كل ملّة تخضع لرئيسها الديني.." (4).

——————————————————————————–

(1) انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي 4/1279-1296، الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح، نعمان الألوسي 1/481-485، حوار صريح بين عبد الله وعبد المسيح، عبد الودود شلبي، ص 187-191، التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، محمد الغزالي، ص: 39، 64-65، 79، 256-258، قراءات في الكتاب المقدس، عبد الرحيم محمد 2/219، المسيحية، أحمد شلبي، ص 72-75، الإسلام في قفص الاتهام، شوقي أبو خليل، ص 90-94، تلبيس مردود في قضايا حية، صالح بن حميد، ص 39-40، حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر، أحمد عبد الوهاب، ص92-99، تعدد نساء الأنبياء، ومكانة المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام، أحمد عبد الوهاب، ص 370-371، 381، رد افتراءات المبشرين على القرآن الكريم، محمد جمعة عبد الله، ص: 234-35.

(2) انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي 4/1281-1282.

(3) روم لاندو R. Landau.
نحّات وناقد فني إنكليزي، زار زعماء الدين في الشرق الأدنى (1937)، وحاضر في عدد من جامعات الولايات المتحدة (1952-1957)، أستاذ الدراسات الإسلامية وشمالي أفريقيا في المجمع الأمريكي للدراسات الآسيوية في سان فرنسيسكو (1953).

من آثاره: (الله ومغامراتي) (1935)، (بحث عن الغد) (1938)، (سلم الرسل) (1939)، (دعوة إلى المغرب) (1950)، (سلطان المغرب) (1951)، (فرنسا والعرب) (19539، (الفن العربي) (1955).. وغيرها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق