الأحد، 6 ديسمبر 2015

(2)الأناجيل الأربعة تنفي ألوهية المسيح كما ينفيها القرآن


الأناجيل الأربعة تنفي ألوهية المسيح كما ينفيها القرآن(2)

القسم الخامس:
نصوص يؤكد فيها المسيح محدودية علمه
(1) في إنجيل مرقس (13 / 32) يقول المسيح عن يوم القيامة :

" و أما ذلك اليوم و تلك الساعة فلا يعلم بهما أحد و لا الملائكة الذين في السماء و لا الابن، إلا الآب ".

(2) و في إنجيل متى (24 / 36)، قول عيسى أيضا :

" و أما ذلك اليوم و تلك الساعة فلا يعلم بهما أحد و لا ملائكة السماوات[9] ، إلا أبي وحده ".

قلت: هذا النص من أوضح الأدلة على نفي إلـهية المسيح عليه السلام ، لأن المسيح حصر علم قيام الساعة بأبيه الله تعالى وحده فقط، و نفي هذا العلم عن نفسه و عن سائر عباد الله الآخرين من الملائكة و غيرهم، و سوى بين نفسه و بين سائر المخلوقات في انتفاء العلم بالساعة، و هذا ما صدقه القرآن الكريم أيضا حين أكد انحصار علم الساعة بالله تعالى وحده كما جاء في قوله تعالى مثلا: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي..} الأعراف / 187. و هذا من أوضح الأدلة على بشرية عيسى عليه السلام المحضة، لأنه لو كان إلـها لكان علمه محيطا بكل شيء و مساويا لعلم الآب في كل شيء.

هذا و لما لم يكن العلم من صفات الجسد، فلا يجري فيه عذر أساقفة النصارى المشهور بأنه " نفى العلم باعتبار جسميته و ناسوته "! لأن العلم ليس من صفات الجسد بل من صفات الروح. فظهر من ذلك بشريته المحضة عدم وجود أي طبيعة إلـهية في المسيح عليه السلام إذ لو وجدت لما جهل هذه الأمور.

(3) في إنجيل متى (21 / 18 ـ 19) و إنجيل مرقس (11 / 11 ـ 4) :

" فدخل يسوع أورشليم... و في الغد لما خرجوا من بيت عنيا جاع. فنظر شجرة تين من بعيد عليها ورق و جاء لعله يجد فيها شيئا فلما جاء إليها لم يجد شيئا إلا ورقا. لأنه لم يكن وقت التين. فأجاب يسوع و قال لها: لا يأكل أحد منك ثمرا بعد إلى الأبد! ".

هذا النص يبين أن سيدنا عيسى عليه السلام لما رأى الشجرة من بعد، لم يدر و لم يعلم أنها في الواقع غير مثمرة، بل توقع لأول وهلة أن تكون مثمرة، لذلك ذهب باتجاهها، لكن لما اقترب منها ظهر له أنها غير مثمرة فعند ذلك غضب عليها و لعنها!.


و في هذا عدة دلائل واضحة على نفي إلـهية عيسى عليه السلام :

فأولاً: عدم علمه منذ البداية بخلو الشجرة من الثمر يؤكد بشريته المحضة لأن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السماء.

وثانياً: كونه جاع تأكيد آخر أنه بشر محض يحتاج للغذاء للإبقاء على حياته، فإن قالوا بأنه جاع بحسب ناسوته، قلنا أفلم يكن لاهوته قادرا على إمداد ذلك الناسوت (أي الجسد)؟! خاصة أنكم تدعون أن اللاهوت طبيعة دائمة له و حاضرة لا تنفك عنه!!

وثالثاً: أنه لما وجد الشجرة غير مثمرة لعنها و بقي جائعا! و لو كان إلـها لكان عوضا عن أن يلعنها و يبقى جائعا، يأمرها أمرا تكوينيا أن تخرج ثمرها على الفور، لأن الله لا يعجزه شيء بل يقول للشيء كن فيكون، فكيف يُصْرَفون عن هذه الدلائل الواضحات و الآيات البينات! وهل بعد الحق إلا الضلال ؟

القسم السادس :
نصوص تفيد ابتداء بعثة المسيح بنـزول الملائكة و روح القدس عليه عند اعتماده عن يد النبي يحيى (يوحنا) المعمدان عليه السلام

(1) جاء في إنجيل متى (3 / 13 ـ 17):

" حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن، إلى يوحنا ليعتمد منه، و لكن يوحنا منعه قائلاً: أنا محتاج أن أعتمد منك و أنت تأتي إلي؟ (15) فأجاب يسوع و قال له اسمح الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل برٍّ، حينئذ سمح له. (16) فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء، و إذا السماوات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلا مثل حمامة و آتيا عليه (17) و صوت من السماوات قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ".

و أقول: من البديهي أنه لو كان المسيح عليه السلام هو الله تعالى نفسه الذي تجسد و نزل لعـالم الدنيا ـ كما يدعون ـ لكـانت رســالته مبـتـدئة منذ ولادتـه، و لكان روح القدس ملازما له باعتباره جزء اللاهوت الذي لا يتجزأ ـ كما يدعون ـ، و لما احتاج إلى من ينزل عليه بالوحي أو الرسالة، و لما كان هناك أي معنى أصلا لابتداء بعثته بهبوط روح القدس عليه و ابتداء هبوط الملائكة صاعدين نازلين بالوحي و الرسائل عندما بلغ الثلاثين من العمر و اعتمد على يد يوحنا النبي عليه السلام ! فهذا النص و النصوص التالية التي تبين كيفية بدء البعثة النبوية للمسيح، لأكبر و أوضح دليل ـ عند ذوي التجرد و الإنصاف ـ على بشرية المسيح المحضة و عدم إلهيته و أنه ليس الله المتجسد بل عبدٌ رسولٌ و نبيٌّ مبعوثٌ برسالة من الله كسائر الأنبياء و الرسل و حسب.

(2) و لقد استشهد متى في إنجيله، ببشارة كانت قد وردت في سفر إشعيا من العهد القديم فاعتبرها بشارة عن المسيح، و هي تشير أيضا لنزول روح الله (أي جبريل) على المبشَّر به، ليعلن الحق للأمم:

" (14) فلما خرج الفريسـيون تشاوروا عليه لكي يهلكوه. (15) فعلم يسوع و انصرف من هناك. و تبعه جموع كثيرة فشفاهم جميعا. (16) و أوصاهم ألا يظهروه.(17) لكي يتم ما قيل بأشعيا النبي القائل: هو ذا فتاي [ و بالترجمة الجديدة: هو ذا عبدي ] الذي اخترته، حبيبي الذي سُـرَّت به نفسي. أضع روحي عليه فيخبر الأمم بالحق.." متى: 12 / 14 ـ17.

و الشاهد قوله: أضع روحي عليه، أي أنزل جبريل، روح الله، عليه بالوحي، فيخبر الأمم بالحق .


(3) و إلى هذا الشروع بالعمل الرسالي أشار يوحنا في إنجيله فقال :

" من الآن ترون السماء مفتوحة و ملائكة الله يصعدون و ينزلون على ابن الإنسان " يوحنا: 1/51.

(4) هذا و قد نقل يوحنا الإنجيلي أيضا عن النبي يحيى (يوحنا) المعمدان أنه قال لليهود لما تباحثوا معه عن ذاك (أي المسيح) الذي بدأ يعمد الناس، فقال النبي يحيى عليه السلام لهم: " إذاً فرحي قد كمُلَ. ينبغي أن ذلك يزيد و أنا أنقص " يوحنا: 3 / 29 ـ 3. مبينا بدء رسالة المسيح و تواتر وحي الله تعالى إليه.

(5) و لننظر ما ذكره لوقا عن بدء بعثة المسيح بنزول روح القدس عليه:

" و لما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضا و إذ كان يصلي انفتحت السماء و نزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة و كان صوت من السماء قائلا: أنت ابني الحبيب بك سررت. و كان يسوع عند بدء رسالته في نحو الثلاثين من عمره... و رجع يسوع من الأردن و هو ممتلئ من الروح القدس " لوقا: 3 / 21 ـ 23، ثم 4/.

و نسأل أصحاب التثليث: أليس هذا النص أوضح دليل على نفي إلـهية المسيح و نفي التثليث، فأولاً: لو كان المسيح إلـها متجسدا لما احتاج لروح القدس ليهبط عليه بالرسالة! و ثانياً: لو كان التثليث حقا لكان المسيح متحدا دائما و أزلا مع روح القدس، فما احتاج أن يهبط عليه كحمامة!، و لما قال الله تعالى عند اعتماده و ابتداء بعثته هذا ابني الحبيب، لأنه من المفروض أنه كان جزء اللاهوت بزعمهم من البداية و لأن الله لا يمكن أن تنفصل عنه إحدى صفاته.

القسم السابع :
المسيح يُعرِّف نفسه بأنه نبيٌّ و رسولٌ لِلَّه و يؤكد أنه عبدٌ مأمورٌ لا يفعل إلا ما يأمره به الله تعالى و لا يتكلم إلا بما يسمعه من الله تعالى

البديهي أن المسيح عليه السلام لو كان هو الله تعالى نفسه الذي تجسَّد و صار بشرا و جاء لعالم الدنيا بنفسه ـ كما استقر عليه دستور الإيمان المسيحي ـ لما صح أن يطلق عليه لقب نبيّ، لأن " النبيّ " اسم لشخص منفصل عن الله يُـنبىء عن الله تعالى، أي يخبر عنه، بما يسمعه من الله إما بواسطة الكلام المباشر أو الوحي الخفي أو ملكٍ رسول، كذلك لا يصح أن يطلق عليه اسم " رسول " لأن الرسول اسم لشخص منفصل عن الله، يبعثه الله تعالى لأداء مهمة ما، أما الله تعالى لو تجسد فعلا و صار بنفسه إنسانا و نزل لعالم الدنيا ليعلن الدين الجديد بنفسه، فلا يكون عندئذٍ رسولاً، إذ ليس ثمة مرسل ٍ له ، بل في هذه الحالة يكون هو نفسه، و بدون واسطة، قد أخذ على عاتقه مهمة الاتصال بمخاطبيه.

و حاصله أنه لو صح أن المسيح كان الله نفسه متجسدا، لما صح أن يسمى رسولا و لا نبيا. ولكن الحقيقة أن الأناجيل طافحة بالنصوص التي يعرِّفُ المسيح عليه السلام فيها نفسه بأنه " نبيّ " و بأنه " رسول " أرسله الله تعالى للناس، و أن ما يقوله للناس ليس من عند نفسه بل من عند الله الذي أرسله، فتعليمه ليس لنفسه بل للآب الذي أرسله، فهل هناك أصرح من هذا في بيان الغيرية بين عيسى والله تعالى؟، وأنهما اثنان: مُـنبىء ونبي ، و مُرسل و رسـول ؟!


و فيما يلي بعض ما جاء في هذا المجال :

(1) في إنجيل متى (13 / 54 ـ 58):

" و لما جاء إلى وطنه كان يعلمهم في مجمعهم حتى بهتوا و قالوا من أين لهذا هذه الحكمة و القوات؟ أليس هذا ابن النجار؟ أليست أمه تدعى مريم و إخوته يعقوب و يوسي و سمعان و يهوذا؟ أو ليست أخواته جميعهن عندنا؟ فمن أين لهذا هذه كلها؟ فكانوا يعثرون به. و أما يسوع فقال لهم: ليس نبيٌّ بلا كرامة إلا في وطنه و في بيته. و لم يصنع هناك قوات كثيرة لعدم إيمانهم "

و الشاهد في قوله " ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه " حيث عبر عن نفسه بأنه نبي، و هذه الجملة وردت في الأناجيل الأربعة جميعا[10] .


(2) و في إنجيل متى كذلك (10 / 40 ـ 41) في ذكره لما قاله السيد المسيح عليه السلام للحواريين الاثني عشر حين أرسلهم لدعوة بني إسرائيل و تبشيرهم بالإنجيل:


"من يقبلكم يقبلني و من يقبلني يقبل الذي أرسلني و من يقبل نـبـياً باسم نـبـي فأجر نـبـيٍ يأخذ."

(3) في إنجيل لوقا (10/16) في آخر الخطبة التي قالها السيد المسيح عليه السلام للتلاميذ السبعين الذي أرسلهم اثنين اثنين للوعظ و البشارة بالإنجيل في قرى فلسطين، أنه قال لهم:

" الذي يسمع منكم يسمع مني و الذي يرذلكم يرذلني و الذي يرذلني يرذل الذي أرسلني ".

(4) و في إنجيل لوقا (4 / 42 ـ 43):

" و لما صار النهار خرج و ذهب إلى موضع خلاء و كان الجموع يفتشون عليه فجاءوا إليه و أمسكوه لئلا يذهب عنهم. فقال لهم: إنه ينبغي لي أن أبشِّـر المدن الأخرى أيضا بملكوت الله لأني بهذا أُرْسِـلْتُ ".

(5) و في إنجيل يوحنا (7 / 28 ـ 29):

" فنادى يسوع و هو يعلم في الهيكل قائلا: تعرفونني و تعرفون من أين أنا و من نفسي لم آت بل الذي أرسلني هو حق الذي أنتم لستم تعرفونه. أنا أعرفه لأني منه و هو أرسلني "

(6) و فيه أيضا (8 / 16 ـ 17):

" و إن كنت أدين فدينونتي حق لأني لست وحدي بل أنا و الآب الذي أرسلني. و أيضا في ناموسكم مكتوب أن شهادة رجلين حق. أنا هو الشاهد لنفسي و يشـهد لي الآب الذي أرسلني "

قلت: استشهاد المسيح عليه السلام بحكم التوراة " شهادة رجلين حق " تصريح منه بالغيرية بينه وبين الله تعالى الذي يشهد له، فهما إذن اثنان: مرسِل و رسول، و هذا ينفي بوضوح قضية أن المسيح هو الله نفسه متجسدا.

و الآن إليكم هذه العبارة التي قد تفاجئكم بشدة وضوحها و صراحتها في نفي إلهية عيسى :

(7) ففي إنجيل يوحنا (8 / 40):

" و لكنكم الآن تطلبون أن تقتلونني و أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله "

أقول: لو لم يكن في الإنجيل سوى هذه الآية لكفى بها دلالة على نفي إلـهية عيسى عليه السلام .

(7) و فيه أيضا (8 / 26 ـ 29):

" لكن الذي أرسلني هو حق و أنا ما سمعته فهذا أقوله للعالم. و لم يفهموا أنه كان يقول لهم عن الآب. فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو و لست أفعل شيئا من نفسي بل أتكلم بهذا كما علمني أبي و الذي أرسلني هو معي و لم يتركني الآب وحدي لأني في كل حين أفعل ما يرضيه "

(8) و فيه أيضا: (10/36) :

" فالذي قدَّسه الآب و أرسله إلى العالم أتقولون له إنك تجدَّف لأني قلت أني ابن الله؟! "

(9) و فيه أيضا: (20/20) :

" فقال لهم يسوع أيضا سـلام لكم. كما أرسلنـي الآب أرسلـكم أنا "

قلت: ففي العبارة الأخيرة يماثل سيدنا المسيح عليه السلام بين إرسال الآب له و إرساله هو لتلاميذه للدعوة و التبشير، و بالتالي فكما أن تلاميذه و حوارييه ليسوا عيسى بعينه! فبمقتضى التماثل لا يكون عيسى عليه السلام هو الله بعينه، بل يكون رسوله و مبعوثه.

و فيما يلي بعض النصوص التي يبين فيها المسيح عليه السلام أنه لا يتكلم من نفسه بل هو حامل لرسالة من الله مأمور بتبليغها للناس، و أنه لا يعلم إلا ما يوحى إليه:

(1) في إنجيل يوحنا (14/24) :

" الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي. و الكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني"

(2) و فيه أيضا: (15/15)

" لكني سميتكم أحبَّاء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي "

(3) و فيه كذلك (12 / 49 ـ 50):

" لأني لم أتكلم من نفسي لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية ماذا أقول و بماذا أتكلَّم. و أنا أعلم أن وصيته هي حيوة أبدية فما أتكلم أنا به فكما قال لي الآب هكذا أتكلم "

و أعتقد أن هذه العبارات واضحة للغاية في تأكيد ما قلناه، و نظائر هذا في الأناجيل كثير، لا سيما إنجيل يوحنا، و فيما ذكرناه الكفاية.

كان هذا ما عرَّف به المسيح نفسه، فكيف عرفه تلاميذه و بماذا وصفوه؟ هل جاء على لسان أي أحد منهم و لو مرة واحدة عبارة يصفه بها بأنه الله نفسه متجسدا؟ أم وصفوه،كما علمهم المسيح، بأنه نـبـي و رسول مرسل من الله ؟


لنستمع للأناجيل تعطينا الإجابة الواضحة :

(1) في إنجيل متى (21 / 10 ـ 11) قول المؤمنين بالمسيح عليه السلام لدى استقبالهم له عند دخوله بيت المقدس :

" مبارك الآتي باسم الرب... هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل ".

(2) و في إنجيل لوقا (7 / 12 ـ 16) :

" فلما اقترب (يسوع المسيح) إلى باب المدينة إذا ميت محمول، ابن وحيدٍ لأمّه. و هي أرملة و معها جمع كثير من المدينة. فما رآها الرب تحنّن عليها و قال لها لا تبكي. ثم تقدّم و لمس النعش فوقف الحاملون. فقال: أيها الشاب أقول لك قُـمْ!. فجلس الميت و ابتدأ يتكلم فدفعه إلى أمّه. فأخذ الجميع خوفٌ و مجدوا الله قائلين: قد قام فينا نّبِيٌّ عظيم و افتقد الله شعبه ".

(3) و في إنجيل يوحنا (4/19) : عن المرأة التي دهشت لما أخبرها المسيح، الذي لم يكن يعرفها من قبل، عن أزواجها الخمسة السابقين! أنها قالت:

" يا سـيـّد! أرى أنك نـبـيّ.. ".


(4) و في إنجيل يوحنا (6/14) : أيضا بعد ذكره لمعجزة تكثير أرغفة الشعير الخمسة و السمكتين:

" فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا: إن هذا هو بالحقيقة النـبـي الآتي إلى العالم ".


(5) و أخيراً جاء في آخر إنجيل لوقا (24/19) : ضمن روايته للحوار الذي جرى بين المسيح، بعد صلبه (حسب تصورهم)، و اثنين من حوارييه، الذين لم يعرفوه لأنه كان متنكرا و لأنهم كانوا يتصورون أنه قد مات:

" فقال (لهما) (يسوع): و ما هي؟ (أي تلك الأحداث التي جعلتكم مغمومين) قالا: المختصة بيسوع الناصري الذي كان إنسـانا نّـبِـيَّـاً مقتدرا في الفعل و القول أمام الله ".

أجل، هكذا كان إيمان الحواريين بالمسيح: أنه كان إنسانا نبياً. و من الجدير بالذكر أن هذا الحوار جرى في آخر حياة المسيح عليه السلام ، و قبيل رفعه، فلا مجال للقول بأن هذا كان تصورهم القديم في بداية الدعوة لكنهم آمنوا بعد ذلك بألوهيته؟؟


و نحن نسأل كل منصف: من الذي كان يعرف حقيقة المسيح أكثر: هل هم تلاميذه و حواريوه الخلّص و أقرب الناس إليه؟ أم الآباء و الأساقفة اليونان أو الروم الذين أداروا مجمع نيقية أو مجمع أفسس أو مجمع خلقيدونية و الذين تفصلهم عن المسيح ثلاثة أو أربعة قرون؟؟

القسم الثامن :
نصوص تؤكد أن المسيح لم يكن يمتلك بذاته و مستقلا عن الله أي قدرة و قوة، و أن السلطان ـ أي الولاية التكوينية و التشريعية ـ الذي أوتيه إنما دُفع إليه من قبل الله تعالى

من البديهيات التي لا نقاش فيها أن من صفات الله عز و جل الضرورية اللازمة: القدرة الكلية التامة، أي أن الله قادر على جميع الممكنات و أن قدرته نابعة من ذاته و غير مكتسبة، بمعنى أن الله تعالى قادر و فاعل بالذات و بالاستقلال المطلق، فلا يحتاج في قدرته و أفعاله لمساعدة أي قدرة أخرى و لا إلى مدد أي شيء آخر، فهل هكذا كان شأن المسيح عليه السلام ؟

كلا، على الإطلاق. إن الأناجيل الأربعة تنقل عن سيدنا المسيح عليه السلام نفسه تصريحات متكررة يعلن فيها بكل وضوح أنه كان لا يقدر أن يفعل من نفسه شيئا، و لا يفعل إلا ما أقدره الله تعالى عليه و أمره به، و أن ما لديه من سلطان و ما أوتيه من قوة، هو مما منحه الله تعالى و دفعه إليه. و في كل هذا نفي صريح لإلـهية المسيح عليه السلام و تأكيد واضح لعبوديته لله عز و جل و افتقاره إليه. و فيما يلي بعض النصوص في هذا المجال:


(1) جاء في إنجيل لوقا: (5/19) :

" فأجاب يسوع و قال لهم: الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئا إلا ما ينظر الآب يعمل ".

(2) و فيه أيضا في نفس الإصحاح (5/ 30) :

" أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئا. كما أسمع أدين و دينونتي عادلة لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني ".

(3) و في نفس الإنجيل و الإصحاح أيضا (5 / 36) :

" و أما أنا فلي شهادة أعظم من يوحنَّا. لأن الأعمال التي أعطاني الآب لأعملها، هذه الأعمال بعينها التي أنا أعملها هي تشهد لي أن الآب قد أرسلني ".

(4) و في إنجيل يوحنا (4 / 35) :

" الآبُ يحبُّ الابن و قد دفع كل شيء في يده ".

(5) و في إنجيل متى (28 / 18) :

" فتقدَّم يسوع و تمهَّل قائلاً: دُفِعَ إليَّ كل سلطان في السماء و على الأرض ".

(6) و في إنجيل لوقا (10 / 21 ـ 22) :

" و التفت (أي المسيح) إلى تلاميذه و قال: كل شيء قد دُفِـعَ إليَّ من أبي ".

القسم التاسع :
نصوص تفيد أن المعجزات التي كان يصنعها المسيح عليه السلام لم يكن يفعلها بقوته الذاتية المستقلة بل كان يستمدها من الله و يفعلها بقوة الله، أي أن الفاعل الحقيقي لها كان الله عز و جل الذي أظهرها علي يدي المسيح عليه السلام لتكون شاهدا له على صحة نبوته

(1) من المعروف أن معجزة إحياء الموتى كانت أحد أعظم معجزات السيد المسيح عليه السلام فهل كان يفعلها بقوته الذاتية؟ أبداً. فها هو إنجيل يوحنا يروي لنا معجزة إحياء المسيح لشخص مضى على وفاته أربعة أيام يدعى " عازر "، فيبين بوضوح أن هذه المعجزة ما حصلت إلا بعد أن تضرع المسيح لله عز و جل و طلب منه تحقيق هذه المعجزة ليؤمن الناس به و يصدقوا أن الله تعالى أرسله، فسـمعه الآب (الله) و استجاب له و أعطاه تلك المعجزة العظيمة. و إليك نص عبارته كما جاءت في (11/ 41 ـ 44) من إنجيله:

" فرفعوا الحجر حيث كان الميت موضوعا و رفع يسوع عينيه إلى فوق و قال: أيها الآب أشكرك لأنك سمعتَ لي. و أنا علمتُ أنك في كل حين تسمع لي. و لكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت، ليؤمنوا أنك أرسلتني. و لما قال هذا، صرخ بصوت عظيم: " لعازر! " هلمَّ خارجا. فخرج الميت و يداه و رجلاه مربوطات بأقمطة و وجهه ملفوف بمنديل. فقال لهم يسوع: حلُّوه و دعوه يذهب "

(2) و كذلك روى متى و لوقا في إنجيليهما عن المسيح عليه السلام أنه إنما كان يخرج الشياطين من المصروعين و المجانين لا بقوته الذاتية و لكن بروح الله أو بإصبع الله. و هو تعبير آخر عما ذكره القرآن عن عيسى بأنه إنما كان يفعل معجزاته بإذن الله. ففي إنجيل متى (12 / 24 ـ 28):

" أما الفريسيون فلما سمعوا قالوا: هذا لا يخرج الشياطين إلا بِـبَـعْلَزَبُول رئيس الشياطين.فعلم يسوع أفكارهم و قال لهم: كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب. فإن كان الشيطان يخرج الشيطان فقد انقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته؟.. و لكن إذا كنتُ أنا بروح الله أخرج الشيطان فقد أقبل عليكم ملكوت الله "

و في إنجيل لوقا : (11/20)

" و لكن إن كنت أنا بإصبع الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله "


(3) في إنجيل يوحنا (5/36) قول عيسى عليه السلام :

" و أما أنا فلي شهادة أعظم من يوحنا لأن الأعمال التي أعطاني الآب لأعملها، هذه الأعمال بعينها التي أعملها هي تشهد لي بأن الآب قد أرسلني "

قلت: و العبارة في غاية الدلالة و الوضوح و لا تحتاج لتعليق.

كان هذا ما قاله المسيح عن معجزاته، و الآن لنر كيف كان التلاميذ ينظرون إلى معجزات المسيح؟ هل كانوا يعتبرونها خوارق من صنع يديه؟ أم كانوا يعتبرونها من صنع الله الذي أظهرها على يدي عبده يسوع الناصري لتكون تأييدا لرسالته و شاهدا منه تعالى على صحة نبوته؟ إن النصوص الإنجيلية التالية تؤكد الشق الثاني من الإجابة و فيما يلي شواهد بينة على ما نقول:

(أ) في سفر أعمال الرسل (2 / 14 و 22):

" فوقف بطرس مع الأحد عشر و رفع صوته و قال لهم:... أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال: يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات و عجائب و آيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم أيضا تعلمون "

(ب) و في إنجيل متى (9 / 6 ـ 8):

“... حينئذ قال للمفلوج: قم احمل فراشك و اذهب إلى بيتك. فقام و مضى إلى بيته. فلما رأى الجموعُ ذلكَ تعجّبوا و مـجـَّدوا الله الذي أعطى الناس سلطانا مثل هذا “

(ج) و في إنجيل يوحنا (3 / 1 ـ 2):

" كان إنسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس رئيسا لليهود. هذا جاء إلى يسوع ليلا و قال له: يا معلم، نعلم أنك قد أتيت من الله معلما لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه "

( د) و في إنجيل يوحنا أيضا (9 / 30 ـ 31) يقول الأعمى من الولادة (أي الأكمه)، الذي أبرأ عيسى عليه السلام عينيه، لليهود الذين جاءوا إليه يجادلونه بسبب إيمانه بنبوّة عيسى عليه السلام :

"أجاب الرجل و قال لهم (أي لليهود) إن في هذا عجبا أنكم لستم تعلمون من أين هو (أي عيسى) و قد فتح عيـنيَّ، و نعلم أن الله لا يسمع للخطاة. و لكن إن كان أحد يتقي الله و يفعل مشيئته فلهذا يسمع. منذ الدهر لم يُسْمَع أن أحدا فتح عيني مولود أعمى. لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئا "

قلت: فقول هذا المؤمن: " و لكن إن كان أحد يتقي الله و يفعل مشيئته فلهذا يسمع " يؤكد أن عقيدته هي أن الله تعالى هو الذي سمع لدعاء عبده المتقي عيسى فأيده بهذه المعجزة و غيرها.

(هـ) و في إنجيل يوحنا (11/12) تقول مرثا (أخت لِعَازَر) للمسيح عليه السلام بعد موت أخيها و قبل أن يحيه المسيح بإذن الله:

" فقالت مرثا ليسوع: يا سيد لو كنت ههنا لم يمت أخي. لكني الآن أيضا أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه "

قلت: و الجملة الأخيرة في غاية الوضوح في الدلالة على ما قلناه.

القسم العاشر :
نصوص فيها استغاثة المسيح بالله عز و جل و طلبه من الله تعالى المدد و العون و دعاؤه الله تعالى لنفسه و لأجل تلاميذه مما يبين افتقار عيسى عليه السلام لله تعالى و عدم استغنائه بنفسه.

(1) تنقل الأناجيل الأربعة لنا أن سيدنا عيسى عليه السلام لما شعر بقرب الإمساك عليه و سوقه للمحاكمة و العذاب و الصلب، بتواطىء اليهود و الرومان، اشتد جزعه و اكتئابه و تضرع إلى الله باكيا ساجدا قائما طوال الليل سائلا الله تعالى أن يدفع عنه هذا البلاء و أن ينجيه من هذه المحنة الرهيبة المتوقعة، و فيما يلي نص ذلك، ففي إنجيل لوقا (22 / 39 ـ 44):

" و خرج مضى كالعادة على جبل الزيتون. و تبعه أيضا تلاميذه، و لما صار إلى المكان قال لهم: صلوا لكي لا تدخلوا في تجربة، و انفصل عنهم نحو رمية حجر و جثا على ركبتيه و صلى قائلا: يا أبتاه! إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس. و لكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك. و ظهر له ملاك من السماء يقوِّيه. و إذا كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة و صار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض "

و نقل مرقس في إنجيله (14 / 33 ـ 36)، تضرُّعَ عيسى عليه السلام بصورة أشد وضوحا في الاستمداد و الاعتراف بالعجز و كون الاستطاعة بيد الله تعالى فقط، فقال :

" و ابتدأ يدهش و يكتئب، فقال لهم: نفسي حزينة جدا حتى الموت، ثم تقدم قليلا و خر على الأرض و كان يصلي لكي تعبر عنه الساعة إن أمكن. و قال: يا أبا الآب كل شيء مستطاع لك، فأجِزْ عني هذه الكأس و لكن ليكن لا ما أريد أنا بل ما تريد أنت ".

أما يوحنا فنقل في إنجيله (12/17) عن عيسى عليه السلام قوله هنا: " أيها الآب نجني من هذه الساعة ".


فأقول : هل الله يحتاج لنجدة غيره أو يضطر للاستعانة بغيره و التضرع إليه؟؟ أو ليس الله بنفسه على كل شيء قدير؟! فلو كان سيدنا عيسى عليه السلام إلـها كما زُعِمَ فما معنى تضرعه إلى الله و سؤاله إياه أن يكشف عنه الكرب و ينقذه من المصيبة المحيطة به؟!

(2) و في إنجيل لوقا: ( 23/34) :

" فقال يسوع: يا أبتاه! اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ".

قلت: إن الإلـه لا يحتاج أن يسأل أحدا غيره أن يغفر ذنب أحد، بل يغفر ذنب من يشاء بنفسه و يعذب من يشاء، فطلب عيسى عليه السلام المغفرة من الله للذين ظلموه، دليل على عدم إلـهيته و على أنه ليس له من الأمر شيء بل الأمر لله الآب وحده.

(3) و في إنجيل متى (26 / 50 ـ 54) :

" حينئذ تقدموا و ألقوا الأيادي على يسوع و أمسكوه. و إذا واحد من الذين مع يسوع مد يده و استل سيفه و ضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه. فقال له يسوع: رد سيفك إلى مكانه، لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون. أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة؟! فكيف تكمل الكتب أنه هكذا ينبغي أن يكون. "

قلت: الشاهد في قول المسيح عليه السلام : " أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقدم لي..... " الذي هو دليل واضح على نفي إلـهية عيسى لأن الإلـه لا يستعين بغيره و لا يطلب شيئا من سواه، و لو كان المسيح إلـها لقال عوضا عن ذلك: " أتظن أني لا أستطيع الآن أن أحضر أكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة... " أو قال " أتظن أنني لا أستطيع أن أقضي عليهم جميعا بأمر كن فيكون؟!..." الخ. أما قوله: أستطيع أن أطلب من أبي فيدل على أنه عبدٌ لله تعالى محتاج دائما لنصره و مدده.

(4) في إنجيل يوحنا (14 / 15 ـ 16) :

" إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي و أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد "

قلت: الشاهد هو قوله: " و أنا أطلب من الآب.. " مما يثبت احتياج عيسى عليه السلام لله تعالى و أنه لا يقدر من نفسه على أن يفعل ما يريد بل يطلب ذلك من ربه سبحانه و تعالى.

(5) يشتمل الإصحاح السابع عشر من إنجيل يوحنا على دعاء طويل لعيسى عليه السلام يرفعه إلى ربه تعالى ضارعا له سائلا إياه أن ينجده و أن يحفظ تلاميذه و يقدسهم و يحفظهم من الشرير... الخ، و هذا الدعاء يُعْرَف بِاسم: الدعاء لأجل التلاميذ و بِاسم: صلاة يسوع الكهنوتية، و هو يبتدأ هكذا:

" تكلم يسوع بهذا و رفع عينيه نحو السماء وقال: أيها الآب قد أتت الساعة! مـجِّـدْ ابنَك ليمَجَّدَك ابنُك أيضا...

(إلى أن قال في حق تلاميذه): أيها الآب القدوس! احفظهم في اسمك الذي أعطيتني ليكونوا واحدا كما نحن....

لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير..".


قلت: و كل هذا لا يصح على القول بإلـهية عيسى عليه السلام لأن الإله لا يطلب شيئا من غيره و لا يحتاج للدعاء و السؤال، بل يفعل ما يشاء بنفسه و بقدرته الذاتية.

القسم الحادي عشر :
المسيح عليه السلام يصرِّح بأنه إنســان و ابن إنســان و كذلك حواريّوه الخُلَّـص كانوا يؤمنون بأن المسيح إنسان نبيٌّ و رجلٌ مؤيّدٌ من الله

(1) في إنجيل يوحنا (8 / 40) يقول سيدنا المسيح عليه السلام لليهود :

" و لكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنـسـان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله ".

قلت: ما أبعد النجعة بين ما عرَّف به المسيح عليه السلام نفسه هنا من أنه: إنسان يتكلم بالحق الذي يسمعه من الله، و بين تعريف المسيح في دستور الإيمان النصراني الذي تقرر عقب مجمع نيقية و الذي أوردناه في بداية الكتاب! فأي القولين نختار: أقول المسيح المختار عليه السلام أم قول غلاة الأحبار؟!

(2) أما النصوص التي يؤكد فيها المسيح أنه ابن الإنسان فهي كثيرة جدا و هذا اللقب أي:" ابن الإنسان " كان اللقب المحبب لعيسى عليه السلام و قد تكرر في الأناجيل و الرسائل الملحقة بها 85 مرة. و نكتفي هنا بذكر نموذجين فقط :

أ ـ " و من أراد أن يصير فيكم أولا، يكون للجميع عبدا، لأن ابن الإنسان أيضا لم يأت لـيُـخْـدَم بل لـيَـخْـدِم و ليبذِل نفسه فدية عن كثيرين " إنجيل مرقس: 10 / 44 ـ 45.

ب ـ " و كما رفع موسى الحية في البرية، هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحيوة الأبدية " إنجيل يوحنا: 3 / 14 ـ 15.


(3) و قد مرت معنا قريبا عبارة الحواريَّيْن الاثنين اللذين كانا يتكلمان مع المسيح بعد حادثة صلبه ـ أو بالأحرى بعد شائعة صلبه ـ دون أن يعرفاه، لأنه كان متنكرا، حيث لما سألهما عن سبب حزنهما؟ حدّثاه عما حدث لـ:
" يسوع الناصري الذي كان إنسانا نـبـيَّـاً مقتدرا في القول و الفعل أمام الله و جميع الشعب " انظر إنجيل لوقا: 24 / 13 ـ20.

(4) كذلك مرت معنا عبارة القديس بطرس التي جاءت في كلمته التي ألقاها في مجمع التلاميذ و المؤمنين بعد رفع المسيح فكان مما قاله:
" أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال: يسوع الناصري رجـل قد تبرهن لكم من قِبَلِ الله بقوّات و عجائب و آيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم أيضا تعلمون " أعمال الرسل: 3/22.

(5) و في إنجيل يوحنا قصة المرأة السامرية التي آمنت بالمسيح لما أخبرها بالغيب المتعلق بأزواجها السابقين الخمسة! فقالت مندهشةً:


" يا سيد أرى أنك نـبـيّ!......

و قالت للناس: هلموا انظروا إنسانا قال لي كل ما فعلت! ألـعـلَّ هذا هو المسيح! " يوحنا: 4 / 19 ثم 29.

و الحاصل أن المسيح عليه السلام نفسه كان يؤكد بشريته و إنسانيته و أنه من نسل البشر، كما أن حوارييه و المؤمنين به من تلاميذه و معاصريه، كانوا ينظرون إليه على أنه إنسان ابن إنسان و ما كان أحد يعتبره إلها ابن إله.

القسم الثاني عشر :
الحواريون و كُـتَّاب الأناجيل يعـتبرون المسيح عليه السلام عبداً لِلَّـه اجتباه الله و اختاره و يعتبرونه بشرا نبيا كموسى عليه السلام
يرى المسلمون ـ تبعا لتعليم كلام الله تعالى في القرآن الكريم ـ أن عيسى المسيح عليه السلام كان عبدَ اللهِ و رسولَه، و لعل بعض عوام النصارى يمجُّ وصف المسيح بـ " العبوديّة " و يرى فيه إنقاصا لقدر المسيح عليه السلام ، لكن الحقيقة التي قد يندهش لها المسلم قبل النصراني العامي، أن هذا الوصف بعينه، أعني وصف المسيح بالعبودية لله، جاء في متن الأناجيل، بل في متن التوراة و الزبور، أي في تلك البشارات التي كان كتَّاب الأناجيل و الحواريون يستشهدون بها على أن المقصود بها المسيح عليه السلام .

و فيما يلي الشواهد على ذلك :

(1) يقول متَّـى ـ و هو أحد الحواريين الاثني عشر ـ في إنجيله (12 / 12 ـ20) :

" و لما خرج الفريسيون تشاوروا عليه لكي يهلكوه. فعلم يسوع و انصرف من هناك. و تبعـته جموع كثيرة فشفاهم جميعا. و أوصاهم أن لا يظهروه. لكي يتم ما قيل بإشعيا النبي القائل: " هو ذا[11] فـتاي الذي اخترته. حبيبي الذي سُـرَّتْ به نفسي. أضع روحي عليه فيخبر الأمم بالحق. لا يخاصم و لا يصيح و لا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبةً مرصوصةً لا يقصف و فتيلة مدخنة لا يطفىء. حتى يُخرِج الحق إلى النصرة و على اسمه يكون رجاء الأمم "

قلت: ففي هذا النص يستشهد كاتب الإنجيل الأول القديس متى الحواري، و هو من الحواريين الاثني عشر و من أوائل المؤمنين بالمسيح عليه السلام ، ببشارة وردت في سفر إشعيا من العهد القديم، على أنها تتكلم عن المسيح عليه السلام. و هذه البشارة تبتدأ بإعلان عبودية المسيح لله عز و جل و ذلك حين تقول: " هو ذا فتاي الذي اخترته "، إذ كلمة فتاي مرادف لكلمة عبدي أو غلامي، و للتأكد من ذلك ما علينا إلا أن نرجع إلى سفر إشعيا نفسه الذي وردت فيه تلك البشارة حيث نجد البشارة في الإصحاح الثاني و الأربعين منه كما يلي:

" هو ذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي سُرَّت به نفسي، وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم. لا يصيح و لا يرفع و لا يسمع في الشارع صوته، قصبة مرضوضة لا يقصف و فتيلة خامدة لا يطفئ.... الخ" إشعيا: 42 / 1 ـ 4.

و لذلك في الترجمة الأخرى الجديدة للعهد الجديد التي قامت بها الرهبانية اليسوعية (الكاثوليكية) في بيروت (1989 م) استُخْدِمَت لفظة " عبدي " عند ذكر كلام متى و استشهاده بالبشارة المذكورة.

و الحاصل أن تطبيق متى الحواري تلك البشارة على عيسى عليه السلام يبين أن متى كان يرى في عيسى: " عبد الله، الذي اختاره الله تعالى و اجتباه و أوحى إليه بواسطة جبريل و بعثه بالحق للأمم... " تماما كما هو التصور الإسلامي للمسيح عليه السلام، أي لم يكن متى يرى في المسيح إلها متجسدا و لا ربا معبودا!.


(2) يذكر القديس لوقا، كاتب الإنجيل الثالث و مؤلف سفر " أعمال الرسل"[12] ، في أعمال الرسل :
أن القديس فيليبس (أحد المعاونين السبعة الذين اختارهم الحواريون لمعاونتهم في خدمة المائدة و تقسيم الأرزاق اليومية، لأنهم وجدوهم مملوئين من الروح القدس و الحكمة)، لما سأله العبد الحبشي الخصي عن الشخص المراد بالآيات التي كان يتلوها من سفر النبي إشعيا عليه السلام و التي تقول: " كخروف سيق إلى الذبح. و كحملٍ صامتٍ بين يدي من يجزُّه. هكذا لا يفتح فاه. في ذلِّهِ ألغي الحكم عليه. ترى من يصف ذريته؟. لأن حياته أزيلت عن الأرض"[13] ، أجابه القديس فيليبس أن هذه الآيات تشير إلى يسوع و أخذ يشرح له ذلك، فآمن الرجل و طلب من فيليبس أن يعمده فعمده.

من هذه القصة يتبين أن كلا من لوقا كاتب أعمال الرسل و القديس فيليبس كانا يريان أن تلك البشارة في كلام إشعيا إنما تنطبق على المسيح و تشير إليه، و هو أمر أصبح، فيما بعد، من المسلمات لدى آباء الكنيسة.

فإذا رجعنا إلى أصل هذه البشارة كما جاءت في سفر النبي إشعيا عليه السلام وجدناها بشارة مطولة تبدأ هكذا:

" هو ذا عـبدي يعقل، يتعالى، و يرتقي، و يتسامى جدا.. (إلى أن قال) ظُـلِـمَ أما هو فـتذلل و لم يفتح فاه،كشاةٍ تُساق إلى الذبح... (إلى قوله) و عـبدي البار بمعرفته يبرِّر كثيرين و آثامهم هو يحملها، لذلك أَقسم له بين الأعزاء، و مع العـظماء يقسم غنيمة، من أجل أنه سكب للموت نفسه و أُحْصي مع أثمة و هو حَمَلَ خطـيَّـة كثيرين و شفع في المذنبين " إشعيا: 53 / 1 ثم 7 ثم 11 ـ 12.

و إذن فإن لوقا وفيليبس اللذان طبقا هذه البشارة على المسيح، كانا يريان فيه: عبداً لِلَّهِ تعالى تسامى و ارتقى بعظيم تضحيته، و عبد الله البار، الذي رضي الله عنه لأجل تضحيته فجعله مع أعزائه و قسم له مقاما بين عظمائه. لذا لا نعجب إذا رأينا لوقا ـ في كتابه أعمال الرسل ـ يطلِق على المسيح مرارا لقب "عبد الله"[14] ، كما نجد ذلك في أعمال الرسل: 3 / 13 و 26، و 4 / 27 و 30. هذا و من الجدير بالذكر أن لوقا و فيليبس ليسا الوحيدين اللذين ذكرا أن تلك البشارة تشير للمسيح، بل شاركهما في ذلك أيضا متى في إنجيله: 8/17.


(3) و في سفر أعمال الرسل أيضا (3 / 12 ـ 26) ينقل لوقا الخطبة التي ألقاها القديس و الحواري بطرس أمام الشعب الإسرائيلي فيقول:

" فلما رأى بطرس ذاك أجاب أيها الشعب الإسرائيليون...

إن إله إبراهيم و إسحق و يعقوب إلـه آبائنا مجَّـد عـبـده يسوع الذي أسلمتموه أنتم و أنكرتموه أمام وجه بيلاطس و هو حاكم بإطلاقه. و لكن أنتم أنكرتم القدوس البار و طلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. و رئيس الحيوة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات و نحن شهود لذلك.

و الآن أيها الإخوة أنا أعلم أنكم بجهالة عملتم كما رؤساؤكم أيضا. و أما الله فما سبق و أنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد تممه هكذا. فتوبوا و ارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب. و يرسل يسوع المسيح المبشر به لكم قبل. الذي ينبغي أن السماء تقبله إلى أزمنة رد كل شيء التي تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه القديسين منذ الدهر. فإن موسى قال للآباء إن نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلـهكم من إخوتكم. له تسمعون في كل ما يكلمكم به. و يكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب. و جميع الأنبياء أيضا من صموئيل فما بعده جميع الذين تكلموا سبقوا و أنبأوا بهذه الأيام. أنتم أبناء الأنبياء و العهد الذي عاهد به الله أباءنا قائلا لإبراهيم: و بنسلك تتبارك جميع قبائل الأرض. إليكم أولا إذا أقام الله فـتـاه يسوع أرسله يبارككم بردِّ كلَّ واحد منكم عن شروره "

من هذا النص أيضا يتبين أن عقيدة القديس بطرس ـ الذي كان من أقرب الحواريين للمسيح[15] ـ بالمسيح عليه السلام لم تتجاوز كونه عبد الله، و كونه نبيا كموسى عليه السلام، حيث استشهد بطرس ببشارة واردة في التوراة يقول فيها الله تعالى لموسى أن يقول لبني إسرائيل: " إن نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلـهكم من إخوتكم " فاعتبر البشارة متعلقة بالمسيح، مما يعني كون المسيح عليه السلام في اعتقاده نبيا مثل موسى عليه السلام، و المثلية هذه تؤكد كون عيسى عبداً رسولاً و بشراً نبيا كما كان موسى عبداً رسولاً و بشراً نبيا.

القسم الثالث عشر :
نصوص تثبت الحمل بالمسيح ثم ولادته ثم نموه التدريجي جسما و عقلا و تثبت له كل أعراض الطبيعة البشرية من الجوع و العطش و التعب و النوم و الخوف و الاضطراب و الألم بل الموت مما يتنزه عنه الباري سبحانه و تعالى
(1) المسيح عليه السلام ينشأ جنينا في رحم أمه مريم عليها السلام التي تحمل به مدة الحمل كاملاً ثم تضعه:

" فصعد يوسف أيضا الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التي تدعى بيت لحم، لكونه من بيت داود و عشيرته، ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة، و هي حبلى. و بينما هما هناك تمّت أيامها لتلد. فولدت ابنه البكر و قمطته و أضجعـته في المذود إذ لم يكن لهما موضع في المنزل "لوقا: 2/ 4 ـ 7.

(2) المسيح عليه السلام يُخْتَن عندما يبلغ ثمانية أيام:

"و لمّا تمّت ثمانية أيام ليختنوا الصبي، سمي يسوع كما تسمى من الملاك قبل أن حبل به في البطن" لوقا: 2/1.

(3) المسيح عليه السلام ينمو تدريجيا جسما و علما:

"و أما يسوع فكان يتقدم في الحكمة و القامة و النعمة عند الله و الناس " لوقا: 2/52.

قلت: قوله " يتـقدّم في الحكمة " دليل واضح على عدم ألوهية المسيح إذ لو كان المسيح إلـها متجسدا لكان محيطا، قبل و بعد تجسده المزعوم في رحم العذراء، بكل المعلومات و بالحكمة المطلقة و لما احتاج أن يتقدم فيها! و ثمة فائدة أخرى في هذا النص يجدر التنبيه إليها و هي أن العلم و معرفة الحكمة ليست من الأمور الجسدية حتى يُقال أن المسيح إنما تدرج فيهما بحسب ناسوته! بل من صفات الروح، مما يؤكد بشرية المسيح المحضة روحا و جسدا و قلبا و قالباً.

(4) المسيح عليه السلام يجوع:

" ثم أصعد يسوع إلى البـرّيـّة من الروح ليُجرَّب من إبليس، فبعد ما صام أربعين نهارا و أربعين ليلة جاع أخيرا " متى: 4 / 1 ـ 2.

" و في الصباح إذ كان راجعا إلى المدينة جاع. فنظر شجرة تين على الطريق و جاء إليها فلم يجد فيها شيئا إلا ورقا فقط، فقال لها: لا يكن منك ثمرا بعد إلى الأبد " متى:21/18.


(5) المسيح عليه السلام يعطش :

" بعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كمل فلكي يتم الكتاب قال: أنا عطشان " يوحنا: 19/28.

(6) المسيح عليه السلام يتعب:

" و كانت هناك بئر يعقوب، فإذ كان يسوع قد تعب من السفر جلس هكذا على البئر و كان نحو الساعة السادسة " يوحنا:4/6.

(7) المسيح عليه السلام ينام:

" و كان هو في المؤخر على وسادة نائما. فأيقظوه و قالوا له: يا معلم أما يهمك أننا نهلك؟ " مرقس: 4/3.

(8) المسيح عليه السلام يكثر الأكل و الشرب:

" جاء إنسان يأكل و يشرب فتقولون: هو ذا إنسان أكول و شرِّيب محبّ للعـشّارين و الخطاة " لوقا: 7 / 34 ـ 35.

(9) المسيح عليه السلام يبكي:

" قالوا له: يا سيد، تعال و انظر. بكى يسوع!. فقال اليهود: انظروا كيف كان يحبه!" يوحنا: 11 / 34 ـ 36.

(10) المسيح عليه السلام يضطرب و يرتعد نفسيا:

" فلما رآها يسوع تبكي و اليهود الذين جاؤا معها يبكون، انزعج بالروح و اضطرب و قال: أين وضعتموه؟ " يوحنا: 11 / 33 ـ 34.

" فلما قال يسوع هذا، اضطرب بالروح، و شهد و قال: الحق و الحق أقول لكم: إن واحدا منكم سيسلمني " يوحنا: 13/21.


(11) المسيح عليه السلام يكتم حقيقة أمره في أول الدعوة خوفا من شر اليهود و يأمر أتباعه أيضا أن لا يظهِروا أمره بل يكتموا إيمانهم و يكتموا المعجزات التي يرونها اتقاءً من شر اليهود، كما أن المسيح نفسه يفر من اليهود و يتوارى عن أنظارهم هربا من شرّهم:

أ ـ " و لما نزل من الجبل تبعته جموع كثيرة. و إذا أبرص قد جاء و سجد له قائلا: يا سيد إن أردت تقدر أن تطهرني. فمد يسوع يده و لمسه قائلا أريد فاطهر. و للوقت طهر برصه. فقال له يسوع: انظر أن لا تقول لأحد بل اذهب أرِ نفسك للكاهن و قدِّمْ القربان الذي أمرك به موسى شهادة لهم " متى: 8/ 1 ـ 4. و مثله في مرقس: 1 / 40 ـ 44.

ب ـ " و الأرواح النجسة حينما نَظَـرَتْـه، خرت له و صرخت قائلة: إنك أنت ابن الله. و أوصاهم كثيرا ألا يظهروه " مرقس: 3 / 11 ـ 12.

ج ـ " وقال (يسوع) لهم: و أنتم من تقولون أني أنا؟! فأجاب بطرس و قال: مسيح الله. فانتهرهم و أوصى ألا يقولوا ذلك لأحد. " لوقا: 9 / 20 ـ 21.

د ـ " و كان يسوع يتردد بعد هذا في الجليل، لأنه لم يرد أن يتردد في اليهودية لأن اليهود كانوا يطـلبون أن يقـتلوه " يوحنا: 7/1.


قلت: و من البديهي أنه لو كان إلـها لما خاف من أحد و لوجَّه أبصار و أذهان اليهود بعيدا عنه و لما احتاج للتواري عن أنظارهم.

(12) المسيح عليه السلام يحزن بشدة و يكتئب حتى الموت:

"حينئذ جاء معهم يسوع إلى ضيعة يقال لها جثـسيماني فقال للتلاميذ: اجلسوا ها هنا حتى أمضي و أصلي هناك. ثم أخذ معه بطرس و ابني زبدي و ابتدأ يحزن و يكتئب. فقال لهم: نفـسي حزينة جدا حتى الموت " متى: 26 / 36 ـ 38.

أقول: و من الجدير بالذكر أن الحزن و الاكتئاب ليسا من صفات الجسد بل من أحوال النفس و الروح، فهنا أيضا يظهر غياب أي طبيعة إلهية للمسيح و تتأكد إنسانيته المحضة الخالصة، و يتضح بطلان تحجج بعضهم بأن صفات الحاجة و الضعف البشري هذه هي بسبب الجسد الذي كان متدرِّعاً به!

(13) المسيح عليه السلام يجزع و يخاف و يتضرع إلى الله لينقذه من خطر العذاب و الهلاك، فيرسل الله تعالى له ملكا ليثبته و يقويه:

" و خرج و مضى كالعادة إلى جبل الزيتون. و تبعه أيضا تلاميذه. و لما صار إلى المكان قال لهم: صلوا لكي لا تدخلوا في تجربة. و انفصل عنهم نحو رمية حجر و جثا على ركبتيه و صلى قائلا: يا أبتاه إن شئت أن تجيز عنِّـي هذه الكأس. و لكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك. و ظهر له ملاك من السماء يقوِّيه. و إذ كان يصلي بأشد لجاجة و صار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض " لوقا: 22 / 39 ـ 44.

قلت: أي إلـه هذا الذي يحتاج لملك يقويه؟! فإن قالوا احتاج للملاك بحسب ناسوته، قلنا أفلم يكن لاهوته الحاضر معه دائما ـ حسب ادعائكم ـ مغنياً له عن الحاجة لملاكِ الله ليأتي و يقويه؟؟ و ما هذا الإلـه الذي يصلي و يطلب من الله بأشد تضرع؟! أليست هذه صفات العبد المخلوق المفتقر لله ! حقا إن الإنسان إذا تعصب لعقيدة و نشأ عليها، يعميه ذلك عن رؤية كل آية أو دليل مخالف لها، مهما كان واضحا بينا، وصدق من قال: " حبُّ الشيء يعمي و يصم ".

(14) المسيح عليه السلام يتألم و يصرخ من الألم و يستغيث فلا يغيثه أحد ثم يموت[16] :

أ ـ " من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم و يتألم كثيرا من الشيوخ و رؤساء الكهنة و الكتبة و يقتل، و في اليوم الثالث يقوم " متى: 16 / 21.

ب ـ " فقال ( أي المسيح ) لهما: أيها الغبيان... أما كان ينبغي أن المسيح يتألَّم بهذا و يدخل إلى مجده؟ " لوقا: 24 / 25 ـ 26.

ج ـ " و نحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا: إيلي إيلي لـم شبقـتني؟... فصرخ يسوع بصوت عظيم أيضا و أسلم الروح " متى: 27 / 46 ـ 50.


ملاحظة هامة: جاء في سفر أعمال الرسل أن أهالي مدينة لسـترة لما رأوا ما فعله برنابا و بولس من خوارق و معجزات صاحوا قائلين أن برنابا و بولس إلهين! فسارع برنـابـا و بولـس إلـى نفي الألوهية عن نفسيهما و احتجا لذلك بأنهما: " بشـرٌ تحت آلام ".
فانطلاقا من نفس هذا الدليل الذي ساقه برنابا و بولس، تنتفي الإلـهية عن المسيح عليه السلام لأنه هو كذلك كان بشرا تحت آلام، كما بينته النصوص التي ذكرناها أخيرا.

نكتفي بهذا المقدار من الشواهد الإنجيلية النافية لإلـهية المسيح عليه السلام و المثبتة لعبوديته، و ننتقل الآن لاعتراضين للآباء و اللاهوتيين المسيحيين على ما ذكرناه مع الإجابة عنهما

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق