الأحد، 6 ديسمبر 2015

البيان بالإعجاز والتحدي في القرآن(25 )



البيان بالإعجاز والتحدي في القرآن(25 )

والآن أدعوك لهذا التحدي لتدرك الفرق بيننا وبينكم,
هذا التحدي لك ولغيرك ولمن هم مثلكم ومن خالفكم ومن شابهكم ومن تستعينون بهم ولمن وافق هواه هواكم ومن خالف هواكم ولمن معكم ومن خلفكم ولعلمائكم ومثقفيكم تحدي قائم من أكثر من ألف وأربعمائة عام لكل من تأتي به من الجن والإنس ولمن فوق الأرض ومن تحت الأرض وما بينهما, لعلماء اللاهوت والأدباء والمثقفين, لك ولمن
تستطيع أن تأتي به وتشد به أزرك فأتي به وأجب ذلك التحدي إن كنت تستطيع إلى كل الإنس والجن ولكل الخلق ....
تحدي يا نصارى تحدي
لما زعمتم أنتم وغيركم أن القرآن ليس كلام الله وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم
 - ألفه فقد قال الله تعالى في سورة الطور ((أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34)
ثم تحداكم بعشر سور فقال تعالى في سورة هود الآيتان (( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) ))
ثم تحداكم بسورة واحدة فقال في سورة البقرة (( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)))
ولكنكم لم ولن تفعلوا كما هو حالكم وحال غيركم, بل أنتم كما قال عنكم رب العزة سبحانه وتعالى وأخبرنا بحالكم وبحال من شابهكم قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام
قال تعالى في سورة يونس (( بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)))
فعجز جميع الخلق أن يعارضوا ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
والآن إليك نتيجة التحدي مسبقاً , إليك هذه الصاعقة التي لا مهرب منها لكل من وافق على هذا التحدي
سجل على جميع الخلق العجز إلى يوم القيامة بقوله سورة الإسراء ((قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) )).
فأخبر من ذلك الزمان أن الإنس والجن إذا اجتمعوا لا يقدرون على معارضة القرآن بمثله فمعجزة لفظه ومعناه ومعارفه وعلومه أكمل معجزة وأعظم شأنا، والأمر كذلك ،فإنه لم يقدر أحد من العرب وغيرهم مع قوة عداوتهم وحرصهم على إبطال أمره بكل طريق وقدرتهم على أنواع الكلام أن يأتوا بمثله فهل تقدرون أنتم ؟؟
أرونا ما عندكم إن كنتم صادقين .
هل عندكم مثل هذا ؟؟
هل نجد مثل ذلك التحدي في كتابكم ؟؟
نحن نقول أن الكتاب المقدس ليس كلام الله وأن أي بشر يستطيع أن يأتي بمثله ويستطيع أن يأتي بأقوى منه وبأحسن من ذلك الكلام فما رأيك في ذلك التحدي؟؟
هل من مجيب ؟؟؟؟ هل من مجيب ؟؟؟ هل من مجيب ؟؟؟
تعليق هام :
لما وضعنا هذا التحدي في الإصدار الأول من كتاب هذا
( البيان بما في عقيدة النصارى من التحريف والبهتان ) صدر من عوام النصارى ما هو من عظيم الجهل وبيان ضعف الحال , وفي الحقيقة لقد صدر ممن قبلهم من أسلافهم ما يبين أيضاً ضعفهم , ولكن لم يكن هناك لوم على أسلافهم إذ أن أسلافهم لم يكونوا ناطقين بالعربية , ولم يكن لهم أيضاً في هذا عذر, وأوضح هذا فأقول إن النصارى العرب حينما وضع الإصدار الأول من هذا الكتاب وورد فيه هذا التحدي إحتجوا علينا بضعفهم في اللغة العربية وأنهم ليسوا ناطقين بالفصحى في هذا الزمان , وأنهم لو كانوا من علماء اللغة العربية لأتوا بمثل القرآن , ولقد قال أسلافهم ممن هم ليسوا عرب أنهم لا يسلمون بإعجاز القرآن لأن لسانهم ليس عربي ولهؤلاء وهؤلاء أقول كان يكفي الغير ناطقين بالعربية إعتراف أساطين اللغة العربية وفطاحلها وعلمائها من عهد نزول القرآن إلى هذا الزمان أنه لم يجرؤ منهم رجل على الإتيان بمثل القرآن وفشل عن هذا التحدي القائم من أكثر من الف وربعمائة عام إلى نهاية الزمان مع انه لم يكن يتحدى المسلمين ولكن تحديه كان لكل مخالف معارض من الكفار والمشركين والملحدين فهو أبلغ , وإن كان هذا هكذا فشهادة أهل الفن في القول معتبرة , ومن المعلوم أن المعتبر في كل فن هو قول أهله , وأهل اللغة العربية عجزوا عن محاجة القرآن أو قبول التحدي فهو ملزم لكل عجمي غير عربي على وجه الأرض علماً أن اللغة العربية لا تقتصر على المسلمين كما هو مُعلوم فهناك من ينطق العربية من كل جنس ولون .
وللرد على نصارى العرب في هذا الزمان فحقيقة حالهم يُرثى له وهم في هذا الزمان أشباه الناس وما هم بالناس ,
فيتحججون بضعفهم في العربية وكأنهم لا يعلمون عنها شئ ومنهم الشعراء والأدباء والدارسين للعربية في كل زمان وكل مكان من بلاد العرب ولم يخرج منهم من يستطيع أن يأتي بمثل هذا القرآن ولكنهم هذه الأيام أعني أيام تأليف هذا الكتاب متوجهين إلى الغرب إعتقاداً منهم أنه هناك قبلتهم وإرتفاع شأنهم ,
ومن أبرز هؤلاء أهل بلدي النصارى المصريين يتجهون إلى التحدث بالإنجليزية وإن سألتهم لماذا تهربون من اللغة العربية قالوا لأنها ليست لغتنا الأساسية وهذا والله من أكثر الأمور مدعاة للضحك فإن سألته وما لغتك الأصلية يقول أنا قبطي ولغتي هي اللغة القبطية ونسى النصراني
أني أنا أيضاً مصري قبطي وكذا كل أهل مصر المحروسة ولكننا مسلمين وإن طلبت منه أن يحدثك بالقبطية تلك اللغة الميتة تلعثم في الرد وإحمر وجهه خجلاً لأنه لا يعرف من القبطية حتى حروفها الهجائية , ولكن كما أشرت هي الأفكار التي تزرعها في عقولهم الكنيسة بأنه يجب أن نحارب كل ما يمت إلى الإسلام بصلة ومنه في إعتقادهم اللغة العربية ,
 وللرد على هؤلاء وهؤلاء أيضاً سأورد هنا أمور بسببها صار القرآن معجزاً وهو ليس كل المعجز في القرآن كما نعلم فالقرآن الكريم ليس معجزة لغة فقط وإنما ما يحويه من أنباء الغيب ماضيه وحاضره ومستقبله ,
 ومنها نظم قوله في خطاب من خالفه ومن إتبعه , ومنها رده على كل حاصل في كل زمان , ومنها ما وقع له في العصر الحديث من أمور الحساب فثبت أنه من رب الأرباب بحساب حروفه وكلماته وآياته وعدد سوره مقارنة مع الموجودات ,
 ومنها إخباره للناس بما كان خافياً مطوياً في عهد نزوله فيتضح لنا أجمل الوضوح وأبينه في زماننا وهذا مستمر إلى نهاية الزمان , وغيره الكثير الذي إن إستفضت في ذكره طال الأمر بأكثر ما يحتمل كتابي هذا ومن أجل من لا يدرك أين إعجاز القرآن لقصور عقله وعدم بحثه وقلة علمه
 سأورد هاهنا عدة أسباب إن إستطاع أن يوجدها في أي كتاب كما في القرآن فقد أصاب وحقق المراد وإن عجز عن ذلك لزم عليه الإعتراف بأن القرآن الكريم هو كلام الله الحليم العظيم وأنه معجز في كل أمره وعليه أن يفهم أن عدم إدراكه المعجزة لم يكن لعجز القرآن عن بيانها ولكن هذا يعود لعجزه هو وقصور فهمه عن إدراك القرآن
فأبدأ بداية بسرد عدة أسباب كما يلي من كتاب إظهار الحق للشيخ العلامة المرحوم رحمة الله
الهندي رحمه الله وغفر له وجعله في ميزان حسناته وجمعنا الله وإياه على حوض المصطفى وأسألكم له الدعاء بالخير :
الأمور التي تدل على أن القرآن كلام الله كثيرة أكتفي منها على إثنى عشر أمراً على عدد حواري المسيح , وأترك الباقي مثل أن يقال : إن الجانب المخالف وقت بيان أمر من الأمور الدنيوية او الدينية أيضاً يكون ملحوظاً في القرآن , وإن بيان كل شئ ترغيباً كان أو ترهيباً , رأفة كان او عتاباً يكون على درجة الإعتدال , لا بالإفراط ولا بالتفريط , وهذان الأمران لا يوجدان في كلام الإنسان لأنه يتكلم في بيان كل حال بما يناسب ذلك الحال , فلا يلاحظ عند ذكر الدنيا حال الآخرة وبالعكس , ويقول في الغضب زائداً على الخطأ وهكذا أمور أخر :
الأمر الأول : كونه في الدرجة العالية من البلاغة التي لم يعهد مثلها في تراكيبهم , وتقاصرت عنها درجات بلاغتهم , وهي عبارة عن التعبير باللفظ المعجب عن المعنى المناسب للمقام الذي أورد فيه الكلام بلا زيادة ولا نقصان في البيان والدلالة عليه , وعلى هذا كلما ازداد شرف الألفاظ ورونق المعاني ومطابقة الدلالة كان الكلام أبلغ وتدل على كونه في هذه الدرجة وجوه :
الوجه الأول : أن فصاحة العرب أكثرها في وصف المشاهدات مثل وصف بعير او فرس أو جارية أو ملك أو ضربة او طعنة أو وصف حرب او وصف غارة وكذا فصاحة العجم سواء كانوا شاعرين أو كاتبين أكثرها في أمثال هذه الأشياء , ودائرة الفصاحة والبلاغة فيها متسعة جداً و لأن طبائع أكثر الناس تكون مائلة إليها , وظهر من الزمان القديم في كل وقت وفي كل إقليم من شاعر أو كاتب مضمون جديد ونكته لطيفة في بيان شئ من هذه الأشياء المذكورة , ويكون المتأخر المتتبع واقفاً على تدقيقات المتقدم غالباً , فلو كان الرجل سليم الذهن , وتوجه إلى تحصيل ملكةٍ البيان في وصف شئ من هذه الأشياء على قدر سلامة فكره وجودة ذهنه , وليس في القرآن في بيان خصوص هذه الأشياء فكان يجب أن لا تحصل في الألفاظ الفصيحة التي إتفقت عليها العرب في كلامهم .
الوجه الثاني : أنه تعالى راعى فيه طريقة الصدق , وتنزه عن الكذب في جميعه , وكل شاعر ترك الكذب والتزم الصدق نزل شعره , ولم كين جيداً , ولذلك قيل : أحسنُ الشعر أكذبهُ , وترى أن لبيد بن ربيعة ( هو أبو عقيل لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك العامري من أهل عالية نجد وكان من شعراء الجاهلية وفرسانهم , وهو أحد أصحاب المعلقات وقد أسلم في عهد النبي هو وقومه ) , وحسان بن ثابت رضي الله عنهما لما أسلما نزل شعرهما , ولم يكن شعرهما الإسلامي كشعرهما الجاهلي , والقرآن جاء فصيحاً مع التنزه عن الكذب والمجازفة .
الوجه الثالث : أن الكلام الفصيح إنما يتفق في القصيدة في البيت والبيتين , والباقي لا يكون كذلك ( لذلك ترى أن الشاعر الفلاني يشتهر بالقصيدة الفلانية ثم إذا خصص الناس له إشتهر بعدة ابيات أو ببيت أو بيتين يعرف بهما وليس بكل شعره وكلما مضى الزمان على الشاعر جهل الناس شعره ولم يبقى إلا أفصح أبياته وهذا معلوم للناس ) , بخلاف القرآن فإنه مع طوله فصيح كله بحيث يعجز الخلق عنه , ومن تأمل في قصة يوسف عليه السلام عرف أنها مع طولها وقعت على الدرجة العالية من البلاغة.
الوجه الرابع : أن الشاعر أو الكاتب إذا كرر مضموناً أو قصة لا يكون كلامه الثاني مثل الأول , وقد تكررت قصص الأنبياء وأحوال المبدأ والمعاد والأحكام والصفات الإلهية وإختلفت العبارات إيجازاً وإطناباً وتفنناً في بيانها غيبةً وخطاباً , ومع ذلك كل واحد منها في نهاية الفصاحة ولم يظهر التفاوت أصلاً .
الوجه الخامس : أنه اقتصر على إيجاب العبادات وتحريم القبائح والحث على مكارم الأخلاق وترك الدنيا وإختيار الآخرة وأمثال هذه الأمور توجب تقليل الفصاحة , ولذلك إذا قيل لشاعر فصيح أو كاتب بليغ أن يكتب تسعاً أو عشراً من مسائل الفقه أو العقائد في عبارة فصيحة مشتملة على التشبيهات البليغة والإستعارات الدقيقة يعجز بإجماع أهل الشعر والكتب والأدب .
الوجه السادس : أن كل شاعر يحسن كلامه في فن فإنه يضعف كلامه في ذلك الفن , كما قالوا في شعراء العرب : إن شعر إمرئ القيس ( هو امرؤ القيس بن حُجْر بن الحارث الكندي من بني آكل المُرار يماني الأصل ينتهي نسبه إلى قحطان , ولد بنجد أو بمخلاف السكاسك باليمن حوالي عام 130ق.الهجرة / 497م , وإشتهر بلقبه واختلف في إسمه , وهو أشعر شعراء العرب على الإطلاق مات في أنقره عام 80ق , الهجرة /545م , ) , يحسن عند الطرب وذكر النساء وصفة الخيل , وشعر النابغة ( هو ابو إمامة زياد بن معاوية من أصحاب المعلقات ومن شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية ) ,عند الخوف , وشعر الأعشي ( من شعراء العرب ومن الطبقة الأولى في الجاهلية ) , عند الطلب ووصف الخمر وشعر زهير عند الرغبة والرجاء وهكذا غيرهم الكثير كل شاعر إشتهر بحسن شعره في باب أو بابين او في إتجاه أو إتجاهين حسب هواه وميوله .
أورد هنا بطريق الأنموذج من كل فن آية آية من آيات القرآن :o ففي الترغيب قوله : فلا تعلم نفس ما أخفي من قرة اعينo وفي الترهيب : وخاب كل جبار عنيد , من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ .o وفي الزجر والتوبيخ : فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .o وفي الوعظ : أرأيت إن متعناهم سنين , ثم جاءهم ما كانوا يوعدون , ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون .o وفي الإلهيات قوله : الله يلعم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار , عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال .
الوجه السابع : الأغلب أنه إذا إنتقل الكلام من مضمون إلى مضمون آخر , أو إشتمل على بيان أشياء مختلفة لا يبقى حسن ربط الكلام , ويسقط عن الدرجة العالية للبلاغة , والقرآن يوجد فيه الإنتقال من قصة إلى قصة أخرى , والخروج من باب إلى غيره , والإشتمال على أمر ونهي , وخبر وإستخبار , ووعد ووعيد , وإثبات النبوة , وتوحيد الذات , وتفريد الصفات , وترغيب وترهيب , وضرب مثال وبيان حال وغيرها , ومع ذلك يوجد فيه كمال الربط والدرجة والعالية للبلاغة الخارجة عن العادة , فتحير فيها عقول بلغاء العرب .
الوجه الثامن : أن القرآن في أغلب المواضع يأتي بلفظ يسير متضمن لمعنى كثير , ويكون اللفظ أعذب , ومن تأمل صورة (ص ) علم ما قلت : كيف صدرها , وجمع فيها من أخبار الكفار وخلافهم وتقريعهم بإهلاك القرون من قبلهم , ومن تكذيبهم لمحمد , وتعجبهم مما أتى به , والخبر عن إجماع ملئهم على الكفر و وظهور الحسد في كلامهم , وتعجيزهم وتحقيرهم , ووعيدهم بخزي الدنيا والاخرة وتكذيب الأمم قبلهم وإهلاك الله لهم ووعيد قريش وأمثالهم مثل مُصابهم وحمل النبي على الصبر على أذاهم وتسليته بكل ما تقدم بيانه عنهم , ثم شرع بعد تسليته في قصص الأنبياء مثل داود وسليمان وأيوب وإبراهيم ويعقوب وغيرهم عليهم السلام , وكل هذا الذي ذكر من أولها إلى آخرها في الفاظ يسيرة متضمنة لمعانً كثيرة , وكذلك قوله تعالى ؛ ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب فإن هذا القول يسير ومناه كثير ومع كونه بليغاً مشتمل على المطابقة بين المعنيين المتقابلين وهما القصاص والحياة , وعلى الغرابة بجعل القتل الذي هو مفوت للحياة ظرفاً لها وأولى من جميع الأقوال المشهورة عند العرب في هذا الباب لأنهم عبروا عن هذا المعنى بقولهم (( قَتْل البعض إحياء للجميع )) وقولهم (( أكثروا القتل ليقل القتل )) وقولهم (( القتل أنفى للقتل )) وأجود المنقوله عنهم الأخير , ولفظ القرآن أفصح منه بثلاثة وجوه وليس حصراً :
· أحدها : أنه أخصر من الكل لأن قوله ( ولكم ) لا يدخل في هذا الباب لأنه لا بد من تقدير ذلك في الك لأن قول القائل (( قتل البعض إحياء للجميع )) لا فيه من تقدير مثله وكذلك في قولهم (( القتل أنفى للقتل )) .
·وثانيها:أن قولهم القتل انفى للقتل ظاهره يقتضي كون الشئ سبباً لإنتفاء نفسه بخلاف لفظ القرآن فإنه يقتضي أن نوعاً من القتل وهو القصاص سبب لنوع من أنواع الحياة وهذا أبلغ وأوضح وأبْيَن وأعدل بكثير من عبارة العرب .
· وثالثها : أن القتل ظلماً أيضاً قتل مع أنه ليس بناف للقتل بخلاف القصاص فظاهر قولهم باطل وأما لفظ القرآن فصحيح ظاهراً وباطناً . أكتفيت بنقل ثلاثة أسباب لأفضلية وبلاغة لفظ القرآن في آية واحدة ( ولكم في الحياة قصاص يا أولي الألباب ) عن كلام العرب في هذا الباب وإن كان هناك أوجه أخرى لم أوردها خشية الإطالة . ومن أمثال هذه البلاغة والأمور الجامعة الكثير منها ما هو وارد في إظهار الحق وغيره من مصنفات علماء المسلمين , ما إن نقلته هنا لطال به المقام جداً فأختصر للإفادة وخشية الإطالة .
الوجه التاسع : أن الجزالة والعذوبة بمنزلة الفئتين المتضادتين , وإجتماعهما على ما هو ينبغي في جزء من الكلام الطويل خلاف العادة المعتادة للبلغاء . فإجتماعهما في كل موضع من مواضع القرآن كله دليل على كمال بلاغته وفصاحته الخارجتين عن العادة .
الوجه العاشر : أنه مشتمل على جميع فنون البلاغة من ضروب التأكيد وأنواع التشبيه والتمثيل , وأصناف الإستعارة , وحسن المطالع والمقاطع وحسن الفواصل والتقديم والتأخير والفصل والوصل اللائق بالمقام , وخلوَّه عن اللفظ الركيك والشاذ الخارج عن القياس النافر عن الإستعمال , وغير ذلك من أنواع البلاغات , ولا يقدر أحد من البلغاء الكُمَلاء من العرب العَرباء إلا على نوع أو نوعين من الأنواع المذكورة , ولو رام غيره في كلامه لم يتأتّ له , وكان مقصراً , والقرآن محتوٍ عليها كلها .
فتلك عشرة كاملة , وهذه الوجوه العشرة تدل على أن القرآن في الدرجة العالية من البلاغة الخارجة عن العادة , ويعرفه فصحاء العرب بسليقتهم وعلماء الفِرَق بمهارتهم في فن البيان وإحاطاتهم بأساليب الكلام . ومَن كان أعرف بلغة العرب وفنون بلاغتها كان أعرف بإعجاز القرآن .
هذه عشرة أسباب فقط من أسباب بلاغة القرآن وإعجازه للعرب من ضمن الأمر الأول فإن إستطاع أي مخلوق على وجه الأرض أن يفعل أو أن يأتي بكتاب فيه مثل ما بينا في القرآن فليفعل وأنا نقلت الأمر الأول فقط من إثبات ان القرآن هو كلام الله وأنه مُعجِز وبإختصار شديد وإندرج تحته الوجوه العشرة السالفة الذكر وإختصرت كالمعتاد حتى لا نطيل ولكن أكتفي بالعشرة هذه من الأمر الأول في بيان أن القرآن مُعجِز , هذا إن إستطاع أي مخلوق على وجه الأرض أن يفي بهذه العشرة في كتاب واحد .
وقد سبق القول أن المعتبر في كل فن هو قول أهله وبما أن العرب هم أهل البلاغة وفطاحل اللغة في زمانهم فأنا أورد لك هاهنا بعض من شهادتهم للقرآن , , وأشراف العرب مع كمال حذاقتهم في أسرار الكلام وشدة عداوتهم للإسلام لم يجدوا في بلاغة القرآن وحُسن نُظُمه مجالاً , ولم يوردوا في القدح مقالاً بل اعترفوا أنه ليس من جنس خطب الخطباء وشعر الشعراء , ونسبوه تارة إلى السحر تعجباً من فصاحته وحسن نظمه , وقالوا تارة : إنه إفك إفتراه , وأساطير الأولين وقالوا تارة لأصحابهم ( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) فاعترفوا ان الغلبة للقرآن , وهذا كله دأب المحجوج المبهوت , فثبت أن القرآن معجز ببلاغته وفصاحته وحسن نظمه .
وكيف يُتَصور أن يكون الفصحاء والبلغاء من العرب العرباء كثيرين كثرة رمال الدهناء وحصى البطحاء ومشهورين بغاية العصبية والحمية الجاهلية , وتهالكهم على المباراة والمباهاة والدفاع عن الأحساب , فيتركون الأمر السهل الذي هو الإتيان بمقدار أقصر سورة من القرآن , ويختارون الأشد الأصعب مثل الجلاء والذبح وبذل دم القلب والأرواح ويُبتَلون بسلب الأولاد والذراري وإغتنام الأموال منهم وإستيلاء المسلمين على أموالهم ودورهم ومتاعهم .
هذا كله والرسول يتحداهم ويقرّعهم إلى مدة على رؤوس الملأ بأمثال هذه الأقوال ( فاتوا بسورة من مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ) .
وبقول اله تعالى ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين , فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة )
ومثال ذلك من قوله ( قل لئن إجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) .
ولو كانوا يظنون أن الرسول استعان بغيره لأمكنهم أيضاً أن يستعينوا بغيرهم , لأنه كأولئك المنكرين في معرفة اللغة وفي إمكانهم أن يستعينوا , فلما لم يفعلوا ذلك وإختاروا المقارعة على المعارضة والمقاتلة على المقاولة ( أن يقولوا مثله ) ثبت أن بلاغة القرآن كانت مسلَّمَة عندهم , وكانوا عاجزين عن المعارضة غاية الأمر أنهم صاروا مفترقين بين مصدق به وبمن أٌنزل عليه , وبين متحير في بديع بلاغته .
رُوي أنه سمع الوليد بن المغيرة من النبي صلى الله عليه وسلم قول الله ( إن الله يأمر بالعد والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) , فقال : والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة ( أي الحسن والبهجة والقبول والسحر ) , وإن أسفله لمغدق ( اي كثير العطاء كالنخلة القوية الأصل جيدة الثمر ) وإن أعلاه لمثمر , ما يقول هذا بشر , وروي أيضاً أنه لما سمع القرآن رق قلبه , فجاءه أبو جهل وكان ابن أخيه منكراً عليه قال والله ما منكم أحد أعلم بالأشعار مني ! والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا .
وروي أيضاً أنه ( أي الوليد ) جمع قريشاً عند حضور الموسم وقال : إن وفود العرب تَرِد فاجمعوا فيه رأياً لا يُكَذب بعضكم بعضاً قالوا نقول كاهن ,
 قال والله ما هو بكاهن ما بزمزمته ولا سجعه ,
قالوا نقول مجنون , قال ما هو بمجنون ولا بخنقه ولا وسوسته , قالوا نقول شاعر ,
قال ما هو بشاعر قد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومبسوطه ومقبوضه ,
قالوا نقول ساحر ,
 قال ما هو بساحر ولا نفثه ولا عقده ,
 قالوا فما نقول ؟
قال ما أنتم بقائلين شيئاً من هذا إلا وأنا أعرف أنه باطل ,
وإن أقرب القول أنه ساحر ,
ثم قال فإنه سحر يفرق بين المرء وإبنه والمرء وأخيه والمرء وزوجه , والمرء وعشيرته , فتفرقوا وجلسوا على السبل يحذرون الناس عن متابعة النبي , فأنزل الله تعالى في الوليد ( ذرني ومن خلقت وحيداً ) الآيات وروي أن عتبة كلم النبي فيما جاء به من خلاف قومه فتلا عليه ( حم كتاب فصلت ) إلى قوله ( أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ) فأمسك عتبة بيده على فيه , وناشده الرحم أن يكف , وفي رواية فجعل النبي يقرأ وعتبه مصغٍ ملقٍ بيديه خلف ظهره معتمد عليهما حتى إنتهى إلى السجدة فسجد النبي , وقام عتبة لا يدري بِمَ يرجع إلى قومه حتى أتوه فاعتذر لهم , وقال والله لقد كلمني بكلام ما سمعت أذناي بمثله قط , فما دريت ما اقول له .
وذكر أبو عبيدة أن أعرابياً سمع رجلاً يقرأ ( فاصدع بما تؤمر) فسجد , وقال سجدت لفصاحته .
وسمع رجل آخر من المشركين رجلاً من المسلمين يقرأ ( فلما استيئسوا منه خلصوا نجيّا ) فقال أشهد أن مخلوقاً لا يقدر على مثلا هذا الكلام .
وحكى الأصمعي أنه سمع جارية تتكلم بعبارة فصيحة وإشارة بليغة وهي خماسية او سداسية وهو تقول أستغفر الله من ذنوبي كلها , فقال لها مم تستغفرين ولم يجْرِ عليك قلم ؟ فقالت :
قتلت إنساناً بغير حلّه ..... مثل غزالٍ ناعمٍ في دَلّه .......... إنتصف الليل ولم أُصلَّهْ
فقال لها : قاتلك الله ما أفصحك !
فقال أَوَ يُعَدٌّ هذا فصاحة بعد قوله تعالى ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ).
فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين , وخبرين وبشارتين .
وفي حديث إسلام أبي ذر : وصف أخاه أُنيساً فقال : والله ما سمعت بأشعر من اخي أنيس , لقد ناقض اثنى عشر شاعراً في الجاهلية أنا أحدهم , وإنه انطلق إلى مكة وجاءني , قلت فما يقول شاعر كاهن ساحر , ثم قال : لقد سمعت ما قاله الكهنة , فما هو بقولهم , ولقد وضعته على أقراء الشعر ( اي طرقه وأنواعه ) فلم يلتئم , وما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر , وإنه لصادق وإنهم لكاذبون .
هل تريد زيادة ؟؟ هل تريد شهادة أكثر من هذه الشهادات وقد شهد بها الأعداء وهم أعلم أهل الأرض في زمانهم باللغة العربية ؟؟ حسناً إليك زيادة
وروي في الصحيحين عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ( اي بسورة الطور ) , فلما بلغ قوله الله ( أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون , أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون , أم عندهم خزائن ربك ام هم المسيطرون ) , كاد قلبي يطير إلى الإسلام .
وقد حُكي أن بن المقفع طلب معارضة القرآن وشرع فيه , فمرّ بصبي يقرأ ( وقيل يا أرض ابلعي ماءك ) فرجع فمحا ما كتب , وقال أشهد أن هذا لا يُعارض , وما هو بكلام البشر .
وكان يحي بن حكم الغزال بليغ الأندلس في زمانه , فحُكي أنه رام شيئاً من هذا ( أي معارضة القرآن ) فنظر في سورة الإخلاص ليأتي على أسلوبها , وينظم الكلام على منوالها , قال : فاعترتني منه خشية ورِقّة حملتني على التوبة والإنابة .
فهذا من شهادة العرب قديمهم وحديثهم من أهل البلاغة والشعر والفصاحة والأدب والفن في الأقوال ومن شهادة الكفار والمعارضين للقرآن وهم أعلم أهل الأرض باللغة والبيان فما إستطاعوا أن يأتوا بمثله بل حتى ما زمه أحد منهم ولكنهم شهدوا بلا مجال للشك أنه ليس بكلام بشر , فهل في كتابكم مثل هذا الكلام ؟
والآن وجب على النصراني ان يعترف أن هذا الكلام كلام الله وقد بينت له قطرة من بحر الإعجاز فيه وبشهادة من هم أعلم أهل الارض في اللغة وهم معارضي القرآن , فإن كانت حجة النصراني أنه لا يعلم العربية فقد جئنا بالبينة من أهل اللغة العربية أفهو أعلم من هؤلاء ؟ولو أنه أعلم والله ما إستطاع أن يأتي بمثله ولا يقول قوله ولا يصل إلى بلاغته ولا إلى إعجازه ولا إلى سموه ولا إلى رقته وعذوبته ولا إلى طلاوته ولا إلى نظمه وفنه ونغمه ولا إلى ترتيب قوله ولا حصل عنده اليقين فيما يقول وما كان فيه من الصادقين وما أخبر عن الغيب القديم , ولا غيب قادم ولا غيب حاضر , وما وصل به إلى ما يصل به القرآن , وما كان كلامه يستحق التلاوة ولا تطمئن به القلوب ولا تقشعر منه الجلود , وما ذكر ماذكر القرآن وما حذر مما حذر منه القرآن وما توعد ولا وعد بما توعد ووعد به القرآن فالوعد بما تملك لا بما يملك غيرك , هذا والحمد لله رب العالمين على هذه النعمة وما نقلته هذا جزء من بحر الإعجاز كما قلنا ولكن هي من باب الإلزام لكل من يقول لا أعلم فقد بينت له هذا فليعارضه إن إستطاع أو يأتي بمثله أو يأتي بكتاب فيه مثل هذا إن كان من الصادقين , أو ليشهد أن هذا لا يعارض وما هو بكلام بشر ,ورحم الله علمائنا ومشايخنا وأثابهم الله عنا خير وجعله في ميزان حسناتهم وصدق القائل منهم :
إن علامة جهل الرجل بالعربية أن يقول أنا آتي بمثل القرآن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق